فوزي الأسمر

فوزي الأسمر شاعر وأديب فلسطيني من سكان اسرائيل .

ولد في مدينة حيفا (1937) وترعرع في مدينة اللد ٬ في الحي المعروف اليوم باسم “الغيتو العربي” . عندما كان صبيّا ٬ احتلت مدينته من قبل الجيش الاسرائيلي . معظم سكانها طردوا من أماكنهم وحلّ مكانهم المواطنون الجدد لدولة اسرائيل .

عمل كصحفي في جرائد مختلفة ‒ من بينها “هعولام هزه” ورأس تحرير طباعتها العربية ‒ في فترة معينة أقام دار نشر باللغة العربية . انتشرت في اسرائيل والدول العربية وفي أوروبا والولايات المتحدة .

في شهر آب عام 1969 ٬ اعتقل فوزي بدون محاكمة وقضى خمسة عشر شهرا في السجن ٬ وذلك حسب “قوانين الطوارئ ‒ 1945” وبعد ان أطلق سراحه ٬ حددت اقامته ٬ حسب نفس القوانين ٬ في مدينة اللد .

بعد ان انتهت مدة اقامته الجبرية ٬ تلقى دعوة لالقاء سلسلة محاضرات في الولايات المتحدة . امتدت هذه السلسلة ٬ وذلك بسبب الاهتمام البالغ بما يقوله فلسطيني يحمل الجنسية الاسرائيلية ٬ ووصلت الى خمس مائة محاضرة . في نفس الوقت بدأ فوزي دراسته الجامعية ٬ وهو يقوم الآن بتحضير رسالته حول : “الشخصية العربية في ادب الأطفال العبري ‒ الاسرائيلي” .

كتابه “ان تكون عربيا في اسرائيل” [باللغة العبرية] وزعه ٬ من بين من وزعه ٬ أعضاء منظمتنا في العام الماضي حتى انتهت الطبعة الأولى .
فيما يلي مقابلة اجراها مع فوزي عضو من هيئة تحرير “متسبين” في الأسبوع الأخير من شهر حزيران [1976]. المقابلة منشورة بالعربية والعبرية .

[لقد توفى فوزي الأسمر في الولايات المتحدة ٬ في شهر ايلول 2013]

*     *    *

س : لقد كثر التحدث في المدة الأخيرة عن “هوية” العرب في اسرائيل ٬ لذا نطلب منك ان تحدد هويتك …

ج : امام السؤال الشبه ازلي “من هو اليهودي” فان ردي بسيط وقصير : أنا عربي فلسطيني ومواطن اسرائيلي ٬ مثلي مثل عربي فلسطيني وهو مواطن أردني انه نفس الشيء , ان هذا التحديد “يوفر” على مشاكل عائلية ٬ لأنه يوجد لي ابن عم من مواليد يافا ٬ وهو مواطن سوري ٬ وابن عم من مواليد اللد ٬ وهو مواطن أردني ٬ وكذلك خال من مواليد حيفا وهو مواطن لبناني . وعني أقول : كلنا عرب فلسطينيون بالرغم من أننا نحمل في جيوبنا جوازات سفر مختلفة .

س : بالنسبة للهوية ٬ فانه يوجد شكل فردي . ولكن لهذا السؤال شكل قومي ‒ جماعي . السلطات الاسرائيلية ‒ وكما معروف فأنها صهيونية جدا ‒ تحاول طمس الهوية بالنسبة للعرب في اسرائيل ٬ انها تحاول محو هويتهم كعرب فلسطينيين . لماذا ٬ حسب رأيك ٬ يفعلون ذلك ؟

ج : الواقع انهم حاولوا محو الهوية الفلسطينية ٬ وليس الهوية العربية . انهم ٬ وبكل بساطة ٬ لم يعترفوا ٬ ولا يريدون ان يعترفوا بالشعب الفلسطيني ٬ لذا فقد حاولوا ان يفرضوا علينا هوية شعب ٬ وحسب تسميتهم “الشعب العربي” . لقد كان هذا هين بالنسبة لهم .

من تجربتي الأخيرة في خارج البلاد ٬ عرفت ان الدعاية الصهيونية والامبريالية في أوروبا وأمريكا ٬ حاولت ٬ حتى حرب أكتوبر 1973 ٬ ان تحددنا بحسب الانتماء للدول العربية . كانت تقول هذا عربي عراقي ٬ وهذا عربي سوري … وهكذا ٬ ولكن عندما كانوا يصادفون عربيا مثلي ‒ فلسطينيا ‒ كانوا يقولون بكل بساطة “انه عربي” فقط . عربي لا عراقي ولا سوري . لقد كان هذا المفهوم منتشرا في وسائل الاعلام العالمية أيضا . ولكن بعد الحرب الأخيرة حدث تغير معين .

وفي النهاية عليّ ان أبين نقطة مهمة . ان التنكر للفلسطينيين لشخصيتهم وهويتهم أي التنكر لوجودهم ٬ والذي يعني انه لم تكن هناك عملية استئصال لفلسطينيين في الماضي ٬ وانه لم يلحق بهم أي ضرر ٬ وان الصهيونية عملت ٬ ما قامت به ٬ دون ان تطرد شعبا آخرا ٬ مجموعة أخرى ٬ أو جمهورا آخر . بكل بساطة لم يكن هناك شعبا كهذا قد تضرر من الاستيطان الصهيوني . لهذا الكذب الكبير هناك مفهوم عملي وليس مفهوم تأريخي : ما دام لا يوجد شعب فلسطيني فأنه لا حق لأحد بأن يطالب بحق أناس غير موجودين ٬ وعندها يمكن اظهار الموضوع الفلسطيني وكأنه احدى طرق الدعاية العربية . ان التنكر لوجود الشعب العربي الفلسطيني من قبل الصهيونيين اقنعتهم بأنهم من ذوي الضمائر الحية . لقد كتبت مرة قصيدة جدا عنوانها “1948” قلت فيها : “عندما نزرع شوكا / في جنان من ورود / يذهب الورد / رفيقي” ‒ هذه كل القصيدة . لم يكن غريبا ان كثيرين من الصهيونيين لم يفهموا الرابط بين اسم القصيدة والقصيدة نفسها . لأن ضميرهم كان “نقيا” .

لقد تغير اليوم كل هذا .

س : ان العالم العربي لم يتوحد بعد ٬ انه تقسّم ٬ والتناقضات التي فيه تصل أحيانا الى حد الحرب ٬ أنظر مثلا ما يحدث في لبنان ٬ اذن من نؤيد في هذا العالم العربي ؟

ج : انني انتمي للشعب الفلسطيني والذي هو جزء من الأمة العربية . انني لا أؤيد أيّ نظام من الأنظمة القائمة في العالم العربي مائة بالمائة ٬ اذا ما استثننا اليمن الجنوبية . ان أكثرية الحكام العرب يعملون من أجل أنفسهم وكراسيهم ٬ ومن أجل الطبقات المستغلة (بالكسر) التي تدعمهم . واذا ما نظرنا الى الدول الغنية مثلا ٬ فأننا نرى ان معظم المال الذي يدخلها يتوجه الى جيوب فردية ٬ في حين نرى ان معظم الشعب لا يزال يعيش في بداية هذا القرن . ان العالم العربي بحاجة الى ثورة ٬ ثورة تجلب الشعب الى الحكم ٬ وتجعله صاحب الثروات الطبيعية ٬ والمسيطر على الانتاج .

س : يوجد بيننا اتفاق تام في هذا الموضوع ٬ ورغم هذا الاتفاق ٬ فأنه لا يسعنا الا ان نتطرق الى السؤال المهم : لماذا لم تقم حتى اليوم الوحدة في العالم العربي ٬ هذه الوحدة التي يحلف الجميع باسمها ويسجدون لها ؟

ج : انني لا أستطيع ان ارى العالم العربي يقيم وحدة على أساس قومي مجرد ٬ لو كان الأساس القومي كاف لقامة الوحدة ٬ لأقيمت منذ زمن بعيد . يجب ألا ننسى بأن الملك خالد والرئيس الأسد هم عرب ينتمون الى القومية العربية ٬ وكذلك الملك حسين والرئيس السادات ٬ كذلك عضو الكنيست توفيق زياد والشيخ علي الجعبري ينتمون الى نفس القومية . ان القومية العربية وحدها لا تكفي لاقامة وحدة . يجب ألا ننسى انها لم تكن كافية في حينه كي تحافظ على الوحدة المصرية ‒ السورية بالرغم من ان قادة البلدين أرادوا اقامتها وأقاموا الجمهورية العربية المتحدة ٬ والتي كانت تضم ٬ كما هو معروف ٬ الاقليم السوري والاقليم المصري .

ان الوحدة الحقيقية تتطلب توافقا في الأسس الايديولوجية والاقتصادية ٬ وكذلك أساس طبقي متوافق ٬ لأن الرجعية العربية ٬ والمستغلين (بالكسر) العرب هم أعداء الشعب العربي مثل الصهيونية والامبريالية . لذا فان الوصول الى الوحدة ‒ في رأيي ‒ لا يتم الا بواسطة نضال جماهير المستغلين (بالفتح) في العالم العربي .

فوزي الأسمر في مظاهرة امام القنصلية الاسرائيلية في نيو يورك ٬ 1975 ٬ وهو يحمل اللافتة باللغة العبرية تطلب باطلاق سراح المعتقل السياسي رامي لفنه

س : كاشتراكيين ثوريين ٬ نعتقد بأن الاستعمار الصهيوني هو الأساس في الصراع الاسرائيلي ‒ العربي ٬ لذا فأن نضالنا من أجل الاشتراكية مرتبط بنضالنا ضد الصهيونية . ولكن المعسكر المناهض للصهيونية في اسرائيل صغير جدا ٬ لدرجة ان هناك من يدعي ان لا أهمية له . ماذا علمتك خبرتك بالنسبة لهذا الموضوع ..؟

ج : الواضح انه في أعقاب حرب حزيران 1973 ٬ وقبلها بقليل ٬ زاد الاهتمام العربي بما يحدث في داخل اسرائيل ٬ بالأخص من الجانب الفلسطيني ‒ فقد بدأوا يتابعون ما يحدث في داخل اسرائيل بواسطة مكبر . وفي فترة معينة اهتموا كثيرا باليهود المناهضين للصهيونية وكانوا ينظرون اليهم كبراعم المستقبل المشترك . استطيع ان أقول بأنه قد كان لهم تأثيرا كبيرا على الفلسطينيين والعرب . أحسن شهادة على ذلك هي الأبحاث والمقالات والكتب التي خصصتها لهذا الموضوع مراكز الأبحاث الفلسطينية في بيروت وأماكن أخرى . فمثلا الكتابات التي نشرت عنكم ٬ وبالرغم من النقد والجدال ٬ فقد كانت مليئة بالعطف والاحترام .

قبل عام 1967 كانت الأكثرية تنظر الى اسرائيل كمجموعة واحدة وفي فترة لاحقة بدأوا يميزون بين الصهيوني والمناهض للصهيونية . الحقيقة ان هذه نتيجة ‒ والى حد ما اجرة ‒ الهمل النملوي (من النملة) البطيء لرجال اليسار الاسرائيلي اليهود والعرب .

عليّ ان اعترف بأن فلسطينيين غير ثوريين يعتقدون بأن اليهود المناهضين للصهيونية هم يهود “جيدون وموجودون في الجيبة” هذا من ناحية ٬ ومن ناحية أخرى لا تأثير لهم ٬ بمعنى آخر ٬ فأن هؤلاء الغير ثوريين يقللون من أهمية القوى المعارضة للصهيونية ويفتشون عن اتصالات مع اليسار الصهيوني .

س ‒ اننا نناضل في اسرائيل من أجل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ٬ هذا بالرغم من ان النقد الذي نوجهه لها ٬ تحفظاتنا منها ٬ كممثلة للشعب العربي الفلسطيني . ما رأيك في هذا ؟

ج ‒ ان هذا أمر بسيط وطبيعي ‒ الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية . حتى انني أعتقد انه يجب ان لا نتوسع في التحدث عنه . ان اسرائيل هي المكان الأخير الذي لا يزال فيه هذا الأمر يشكل مشكلة خصوصا داخل صفوف الصهيونيين .

س ‒ في كتابك “ان تكون عربي في اسرائيل” تتحدث عن قصة “جماعة الأرض” من وجهة نظرك كشاب اشترك في تجربة لاقامة حركة سياسية عربية في اسرائيل . واليوم ٬ وبعد مضى خمسة عشر عاما ٬ ما هو ردك للسؤال الذي يقول انه يجب محاولة اقامة “الأرض” ثانية ؟

ج ‒ هناك غلطة يجب عدم العودة اليها ٬ والتي يجب فهمها على أساس الفترة السابقة : وهي اقامة تنظيم عربي خالص . انه ليس تنظيما فقط بل تحول الى حزب اراد ان يخوض انتخابات الكنيست عام 1965 . منذ ذلك الحين تعلمنا أشياء عديدة من تجربتنا . أعتقد انه من المهم جدا بأنه اذا ما قام تنظيم عربي في اسرائيل ٬ ان يكون مفتوحا لليهود الاسرائيليين . وأضيف انني ٬ كاشتراكي فلسطيني ٬ أطلب من كل تنظيم كهذا ان يبقى أبوابه مفتوحة لليهود الاسرائيليين ٬ بالرغم من ان اللذين ينضمون لمثل هذا التنظيم سيكونون قلائل . وفي رأيي أيضا ان كل تنظيم كهذا يجب ان يقوم على أساس جبهة وليس حزبا .

كتاب “ان تكون عربيا في اسرائيل” للكاتب فوزي الأسمر(1975) . ناشر الكتاب لم يكن ناشرا تجاريا . لقد كان اسرئيل شاحق ٬ رئيس لجنة حقوق الانسان في اسرائيل

س ‒ هناك مثل عربي يقول الا تمدح الانسان في وجهه ٬ ولكننا نسمح لأنفسنا أن نسأل كيف تفسر نجاح كتابك ؟

ج ‒ لنترك “النقد المهني” جانبا . أعتقد ان السبب هو سياسي : بالنسبة للقراء اليهود ٬ فقد كانوا ينتمون الى الجزء الذي يعتقد بأن المشكلة الفلسطينية هي أساس الصراع . لذا فقد كان عندهم حب استطلاع لمعرفة ما يقولوه “عربي من اسرائيل” . ان قسما كبيرا من القراء اليهود والذي تقابلت معه ٬ صرح لي بأنه فوجئ بالحقائق الجديدة التي عرفها بالنسبة لحياة العرب في دولة اسرائيل ٬ كما وردت في الكتاب ٬ واعترف ٬ ان هذه المفاجأة قد فاجأتني : انهم أناس يعيشون في دولة دون أن يعرفوا حقائق أساسية عن حياة جيرانهم وشركائهم العرب .

اما بالنسبة للقراء العرب فقد قرأ معظمهم الكتاب في مجال تفتيشهم عن مصادر للمقاومة الفلسطينية ٬ لقد أرادوا ٬ وهم ما زالوا يريدون ٬ تعلم تاريخ شعبهم . واثباتا على ذلك ٬ هو ان القراء العرب الذين قابلتهم حتى الآن لا زالوا يكثرون من الأسئلة عن هذا المجال .

في هذه المناسبة عليّ ان أؤكد ‒ وهذا بمثابة اعتراف علني ‒ بأن ناشر الكتاب لم يكن ناشرا تجاريا . لقد كان اسرئيل شاحق ٬ رئيس لجنة حقوق الانسان في اسرائيل ٬ لا أعتقد انني بحاجة الى تقديمه للقراء ٬ كذلك توزيع الكتاب ‒ ومن مثلكم يعرف هذا ‒ لم يكن توزيعا عاديا . لقد بيع الكتاب بواسطة الطلاب العرب وأعضاء في المنظمات المناهضة للصهيونية .

س ‒ لقد قلت أن العرب في اسرائيل أرادوا ويريدون أن يتعلموا تاريخ شعبهم ٬ وهذا واضح جدا ولكن من أين يغذّون هذه الارادة ؟ وما هي المصادر التي بمتناول أيديهم ؟

ج ‒ انها قليلة جدا ومحدودة جدا . ان النظام الذي يحاول التنكر لوجود الشعب العربي الفلسطيني ٬ لن يقوم بمثل هذا الواجب …
س ‒ وركاح ؟

ج ‒ ان ركاح ٬ مع ايجابيتها الكثيرة ٬ فقد كانت تقلل من قيمة من يناضل بجدية ضد النظام القائم بصورة مستقلة ومن لا يوافق تماما مع سياستها ٬ لذا فان الفصل الذي اسمه “الأرض” مثلا لا نجده كاملا في منشوراتها . بالرغم من انه فصل مهم جدا . ان كل من يعود الى مبادئ جماعة الأرض التي وضعت في بداية سنين الستينات يكتشف بأنها أصبحت فيما بعد ملك الشعب الفلسطيني كله . عليّ أن أضيف انه حصل تغير بمواقف ركاح . أنظر الى الائتلاف في الناصرة ولكن هذا التغير ليس تغيرا شاملا .

س ‒ في النهاية ‒ فوزي ٬ اعتبر نفسك حرا في انتقادنا .

ج ‒ طبعا … عندي انتقادات سياسية ٬ ولكن في هذا المجال أريد أن أقول أشياء تتعلق بجريدتكم “متسبين” ٬ بقية النقاط السياسية ٬ سوف اتركوا لمناسبة أخرى ٬ مناسبة أوسع . بالنسبة ل”متسبين” فان انتقادي يعود الى الحقيقة بأنكم حتى هذا اليوم لم تفتحوا أبوابها للأدباء العرب لنشر انتاجهم فيها . ومن ناحية أخرى ‒ فان هذا مجال لكم لترجمة بعض هذا الانتاج الى العبرية . هناك أجيال تذهب وأجيال تأتي من الأدباء والشعراء ٬ انهم يفتشون عن أماكن لنشر انتاجهم ٬ وكما تعلمون ٬ فان هذا ليس هينا في اسرائيل . عليكم ان تتذكروا بأن معظم الانتاج العربي في البلاد هو انتاج سياسي من ناحية المضمون ٬ افتحوا امامهم أبواب مجلتكم .

‒ فليتفضلوا .. انها مفتوحة .