رامي لفنه يتكلم – أقوال معتقل سياسي
اصدار القائمة الاشتراكية الثورية – ر س
الى القارئ :
حرر هذا الكتيب واعد للطبع ووزع لك عزيزي القارئ من قبل القائمة الاشتراكية الثورية التي أقيمت من أجل استغلال المعركة الانتخابية للكنيست لنشر الدعاية السياسية طبقا للروح الاشتراكية الثورية ويقف على رأس هذه القائمة رامي لفنيه السجين حاليا في سجن الرملة ٠
وقد شكلت هذه القائمة على يد جبهة سياسية من اليهود والعرب في اسرائيل مؤلفة من أعضاء المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية (متسبين) وأعضاء الاتحاد الشيوعي الثوري (نضال) ورفاق غير منظمين ٠
على القراء الراغبين بالحصول على معلومات اضافية الاتصال بنا على العناوين التالية [٠٠٠]
اعتقل رامي لفنيه في أواخر شهر كانون أول 1972 ، وقد قال خطابه المنشور في هذا الكتيب أمام المحكمة المركزية بحيفا ٠
لقد وضع رامي بعد اعتقاله في عزلة تامة ٠ واثناء التحقيق معه من قبل رجال الأمن ضرب وحقق معه ثم ضرب طوال أيام عديدة ومتلاحقة ٠ ولم يقبل المحققون بسكوت رامي الذي يجيزه له القانون ، بل اتبعوا طريقة أصلية وعذبوا صديقه المعتقل أيضا ، شوقي خطيب ، أمام عينيه ٠
وبنود الاتهام هي :
1 – الاتصال بعميل أجنبي ٠
2 – محاولة اقامة اتصال بعميل أجنبي ٠
3 – التكتم على مخالفة ٠
4 – حيازة صحف يصدرها تنظيم غير قانوني ٠
وفي شهر حزيران أصدرت المحكمة المركزية في حيفا المشكلة من ثلاثة قضاة حكما بسجن رامي لفنيه عشر سنوات ٠
ولم يقبل القضاة التفسيرات التي قدمها رامي للمحادثات السياسية التي دارت بينه وبين “العميل الأجنبي” وكذلك لم يقبلوا تفسيره لوجود “صحف أجنبية” لديه ٠
واكتفى القضاة بحقيقة انه ينتمي لمنظمة تنادي بالثورة الاشتراكية لادانته ٠
واليك عزيزي القارئ النص الكامل لخطاب رامي لفنيه الذي قاله امام المحكمة المركزية في حيفا في شهر حزيران 1973 ٠
* * *
أنا عامل شيوعي أنتمي الى الاتحاد الشيوعي الثوري – نضال ، اني أقف هنا اليوم وانا أعلم تماما ان نشاطي السياسي هو السبب الوحيد الذي دفع السلطات للمجئ بي الى هنا لكي ازج في السجن ولأطول فترة ممكنا ، ليس من محض الصدفة ان أتهم بجرائم وصفت بانها تمس “بالأمن” ٠ فمنذ قيام دولة اسرائيل وعذر “أمن الدولة” يستعمل قناع لائق لتغطية الاضطهاد والجرائم ٠ فالأمن هو قميص عثمان والحجة العظمى التي باسمها يمكن لجم الأفواة واخراس أولئك الغير راضين عن النظام القائم ٠
يتهموننى بالاتصال “بعميل أجنبي” وبالتغطية على جريمة ٠ ان مفهوم “الاتصال” كجريمة مفهوم يثير الدهشة ، لا يعتبر “الاتصال” بحد ذاته مخالفة ضد الأمن في أي من البلدان التي يعتبرها الاباء الروحيين للمدعى العام بلدانا “متفتحة” وحتى في انكلترا ، ابان الحرب العالمية الثانية لم يكن من الممكن محاكمة انسان بحجة اتصاله بانسان آخر حتى لو كان هذا الآخر عميلا أجنبيا ، طالما لم يقم هذا الانسان بخدمة ذلك العميل ٠ ان وجهة النظر التي تعتبر الاتصال بحد ذاته مخالفة قانونية هي نظرة مضادة للديمقراطية كليا وهي تنفى وببساطة متناهية الحريات والحقوق الأساسية للانسان وذلك بخلق “محرمات” ، وبموجب هذه المحرمات يصبح هناك اناسا “مجرمين” ومجرد الكلام معهم ممنوع ٠ وممنوع أيضا التواجد معهم في غرفة واحدة بدون الاضطرار الى تسليمهم للسلطات ، ان “محرمات” كهذه تجد جذورها في العصور الوسطى ٠
وصف المدعى العام الرجل الذي قابلته (قبل ثلاث سنوات) بأنه “عميل أجنبي” ، ولكن “الادعاء العام” نفسه يقر بأن الرجل قدم لي كفلسطيني له صلة بحركة المقاومة الفلسطينية ، فاذا كان “الادعاء العام” يقصد ان ذلك الرجل كان عميلا لدولة أجنبية فانني لم أعلم ٠ ولم يكن في مقدوري ان أعلم ، ولا أزال لا أعلم ذلك ٠ كما ان ذلك شيئا لا بد من اثباته (لانه لم يثبت بعد) ٠ أما اذا كانت الحجة هي ان الرجل الذي قابلته هو “عميلا أجنبيا” لمجرد كونه مرتبطا بحركة المقاومة الفلسطينية ، فان هذه الفرضية هي أفضل ما يدل على نوعية الرؤيا الصهيونية للحركة الفلسطينية ، انها رؤيا تصفي صبغة “عميل أجنبي” على كل من له صلة بحركة ترتكز أساسا على انتماء الشعب العربي الفلسطيني المشرد الى الأرض التي ولد فيها (يقول الصهيونيين انه “متعلق” بهذه الأرض وليس منتميا اليها) ٠
من الممكن ان يقال الكثير عن الحركة الفلسطينية ، ولكن ليس من المعقول ان تصف بانها حركة غريبة عن هذه البلاد أو عن هذه المنطقة ، فوزير الدفاع موشه ديلن نفسه قال: “يجب القول بحزم ان دولة اسرائيل قامت على حساب العرب وفي ديارهم ، اننا (أي اليهود الاسرائيليين) لم نأت الى بلاد خالية (من السكان) لقد كان هناك استيطانا عربيا (في هذه البلاد) ٠٠٠ اننا نوطن اليهود في أماكن كان يسكنها العرب ، اننا نحول بلادا عربية الى بلاد يهودية” (“يديعوت أحرنوت” 10٠5٠1973)٠
العرب “الأجانب”
ان مفهوم “الأجنبي” الذي ينادى به كل من المدعى العام و”الشين بيت” (المخابرات) وعملائها ، لا يأخذ بعين الاعتبار واقع الشعب الفلسطيني العربي ، ومحتوى هذا المعهوم في أحسن الحالات هو ان “الغير يهودي” يصنف تلقائيا ككائن أجنبي حتى ولو كان مولودا في هذه البلد من نسل شعب عاش عليها منذ غابر الزمان (لقد أعطت الحركة الصهيونية لنفسها “كوشانا” يعطيها “الحق” لهذه البلاد باسم الدين اليهودي وباسم القومية وباسم وعد بلفور) ٠
ان الشعب العربي الذي ولد في هذه البلاد يجب ان يشرد – أي يقتلع عن أرضه ويطرد (كما حدث قي زمان يشوع نن نون ، يجب أن يحرم من الوجود ، يجب ان يصنف العرب على انهم مقيمين غرباء في وطنهم ألام ، وحتى اذا تحملت السلطات الصهيونية وجودهم ، فيجب ان يفسر لهم عن طريق أعنف أساليب القمع والارهاب ، ان هذه الأرض هي لليهود ، ان أمن الدولة هو أمن نظام الغزو والتفرقة – نظام الاقتلاع والقمع ٠
ان أفضل ما يرمز لموقف الصهيونية تجاه العرب ، هو مثال رجلين غير معروفين هما غبريل دهان ، وحاييم ريجبي ٠ دهان رجل اتهم بقتل 43 عاملا (عربيا) – رجالا ونساء وأطفال – في كفر قاسم في تسرين الاول (أكتوبر) 1956 ، حكم عليه بالسجن 15 سنة ولكنه ظل في السجن ثلاث سنين وبعض السنة ، وكانت ظروف سجنه أفضل ما يمكن ولا يحصل عليها أي سجين حتى لو كان أقذر المخبرين ٠ وعندما أخلى سبيله عين مسؤولا عن الشؤون العربية في بلدين الرملة ٠ أما حاييم ريجبي فيعمل محاميا في تل أبيب درس العلوم الاجتماعية في الجامعة الأميركية في بيروت ، والقانون في الجامعة العبرية في القدس ، ولقد نشرت له في عدد فصل الشتاء 1973 من مجلة “كيشت” مقاله تحت اسم “الجمل والعربي” ، يبرهن فيها بطريقة “علمية” ان العرب قساة بطبيعتهم ، وأنهم بدون مبادئ ، وان الكراهية تجري في دمائهم ، وان الشرف والكرم العربي ينبع في الحقيقة عن طبيعة الحذر وحب الكذب ، ان العربي كذاب ، لا يعرف معنى الحب ، وان سبب ذلك هو اثر الجمل على الحياة العربية ، وينهى ريجبي اطروحته العنصرية الاكاديمية الحاقدة بهذه الكلمات : “بالرغم من ان أوروبا وشعبها عرفا منذ زمان طويل هذه الصفات العربية ألا ان الغربيين لم يعرفوا تماما كيف يتوصلوا الى الاستنتاجات الصحيحة” ، وشغل هذا البروفسور في علم العنصرية منصب “مسؤول اتصالات” في وزارة الأديان خلال السنة الأولى من نشأتها ٠
ان القاتل الهمجي ، والعنصري الاكاديمي ، هم خبراء الشؤون العربية في النظام الاسرائيلي ٠ فالنظام الاسرائيلي (الدولة المتطورة) ، أي المؤسسات الصهيونية في فلسطين قبل سنة 1948 – احتاج فعلا لمثل هؤلاء الخبراء للوصول الى اهدافه ٠
حتى سنة 1948 ، ولسنوات كثيرة قبل ذلك التأريخ كانت “المؤسسات الوطنية” الصهيونية منهمكة في السلب والاغتصابات ، والاحتيال لشراء الأراضي ، وطرد الفلاحين العرب عنها ، فالصهيونية التي جندت جماهير اللاجئين اللأوروبيين لكي تستعمر (هذه البلاد) وتعيش عليها على حساب سكانها ، ارادتها أيضا “نظيفة” (أي خليعة) من العرب ٠ ان هذه العملية ، التي خاضتها الحركة الصهيونية للسيطرة على البلاد ، سالبة بذلك مكان الشعب الفلسطيني العربي ، نشأت منذ البداية على أساس الاعتماد على ، واسداء “خدمات طيبة” لمصالح القوى الامبريالية المختلفة التي نشطت في هذه المنطقة (ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى ، بريطانيا لغاية نهاية الحرب العالمية الثانية ، الولايات المتحدة الأميركية منذ ذلك الحين وحتى اليوم) وكذلك مغازلة مع الاستعمار الفرنسي منذ الخمسينات ولغاية حرب حزيران 1967 (مع انقطاع بسيط في منتصف تلك الفترة) ٠
منذ سنة 1948 وسكان البلاد العرب يرزحون تحت نير القمع البوليسي بموجب قوانين الدفاع (الطوارئ) (1945) ٠
“وبالنسبة لأنظمة الطوارئ نفسها ، فالسؤال الأساسي هو: هل سنكون كلنا عرضة للارهاب الذي بورك رسميا٠٠٠؟ أو هل ستصان حرية الفرد؟ هل سينجح الجهاز الاداري في التدخل في حياة الفرد اليومية دون ان تكون حياتنا آمنة؟ يكفي ان يتخذ قرارا في احدى الوزارات لتقرير مصير أي انسان٠٠٠”
هذا ما قاله دوب يوسف (الذي كان وزيرا للعدل في دولة اسرائيل) في اجتماع بتأريخ 7-2-1946 اشترك فيه 400 محام يهودي ولقد نشرت كلمته في مجلة “المحامي” عدد كانون الثاني 1946 ص 58 ٠
“ان النظام الذي شيد اثر نشر هذه القوانين لا يوجد له مثيل في أي بلد متحضر ، حتى في المانيا النازية لم توجد فوانين كمثل هذه القوانين ٠٠٠ انهم يطمأنونا مدعين ان هذه القوانين قصدت ضد العرب فقط ، وليس ما يحض المواطنين ككل ، ولكن الحاكم النازي في أوسلو صرح أيضا ان المواطن الذى لا يتدخل في اموره الخاصة لن يمس بأي ادى ٠ لا يحق لأي حكومة أي كانت ان تنفد قوانين كتلك٠٠٠” جاء هذا الكلام على لسان الرجل الذي يشغل الان منصب وزير العدل الاسرائيلي ، يعقوب شمشون شابيرا ، في اجتماع المحامين الانف المذكر ٠ لقد قالوا هذه الاقوال في فترة استعمل فيها الانجليز هذه القوانين ضذ اليهود ، ولكن من الواضح ان القوانين نفسها لم تتغير اذ أنها تستعمل اليوم في الغالب ضد العرب والشيوعيين ٠ ان هذه القوانين التي تشكل اليوم جزءا من قانون دولة اسرائيل ، والتي اتهمت أنا حسب احد بنودها – لا تزال قوانين عنصرية وغير انسانية ٠ حتى يومنا هذا لا يحق لأية حكومة – وفي هذه الحالة حكومة اسرائيل – أن تطبق قوانين كهذه ، والنظام الذي شيد على أساس هذه القوانين – وفي هذه الحالة النظام الصهيوني في اسرائيل – ليس له مثيل في أي دولة متمدنة ليومنا هذا ٠
ان هذه القوانين وغيرها من القوانين الفاشية هي كذلك (كما تزعم السلطات) الأسس القانونية التي ترتكز عليها الحكومة في الاراضي التي احتلت سنة 1967 – وهذه ركيزة نظام ارهابي ، تسمح بنسف البيوت ومصادرة الأراضي ، ورش الأراضي المزروعة بالسموم ، وطرد السكان ، ومنع النشاط السياسي ، واسكات الصحافة والإستغلال ٠ ان عمال المناطق العربية التي احتلت سنة 1967 ، يشكلون بالنسبة للمقاولين وأصحاب الأعمال الاسرائيليين ، مورد دخل هائل نظرا للاجور المنخفضة التي تدفع لهم ٠ ألاف العمال يأتون مم الضفة الغربية يوميا للعمل في البناء داخل الخط الأخضر (حدود ما قبل 67) بينما يثرى المقاولون ، وفي غزة تنتعش الصناعة تحت أشراف الحكم العسكري وذلك على حساب المواطنين المحليين ٠
عشرات السنين من الاقتلاع والقمع تؤدى بالضرورة لتناقضات لا تستطيع الحركة الصهيونية ان تتخطاها ، كتب موشه شاريت في مذكراته السياسية لسنة 1936 (صفحة 163): لا يوجد عربي واحد لا يرى نفسه جزأ من الشعب العربي الذي حكم هذه البلاد لمئات السنين وليس من الضروري أن يرى العربي نفسه جزءا من الشعب العربي الكبير الذي له أراض وبلدان في العراق والحجاز واليمن اذ ان أرض اسرائيل تشكل بالنسبة له وحدة مستقلة كانت دائما ذات وجه عربي أخذ الان بالتغير ، فحيفا مثلا كانت مدينة عربية أصبحت الان مدينة يهودية ٠
ولا يمكن ان يكون هناك أي رد فعمل سوى المقاومة ٠
ان الجماهير تعرف ان العواصف تهب بسببنا – بسبب “اليهود” ٠ خلال كل هذه السنوات من وجودها وجدت الدولة الاسرائيلية نقسها في حالة مجابهة عنيفة ولا هوادة فيها ليس فقط مع الضحايا المباشرين للاستيطان اليهودي وحسب – أي عرب اسرائيل الفلسطينيين – بل أيضا بالنسبة لمجموع العالم العربي وعددا متزايدا من البلدان الأخرى في العالم (العالم كله ضدنا – يدعى الصهيونيين المنافقين) ٠
والحرب على اختلاف اشكالها تؤدي الى تضحيات مادية وانسانية لا حدود لها ٠ ان الموقف المتصلب لكل من الحركة الصهيونية والدولة الاسرائيلية والذي يصر على مبدأ عدم الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني ، وحرمانه الفعلي من أبسط الحقوق الانسانية – ان كل هذا يحتم على الجماهير العربية العيش تحت اضطهاد شنيع ويفرض على الجماهير اليهودية (الاسرائيلية) حربا ازلية غير عادلة ضد حقائق التأريخ نفسه ٠
ان العنصريين الذين يبحثون عن علاقات عضوية بين العرب والجمل – هؤلاء فقط هم الذين يمكن ان يصدقوا ان أي شعبا يمكن ان يقبل “حقائق” مثل بقاء مليون لاجئ مشردين عن أرضهم وتحويل مليونا اخرا لمواطنين بدون أي حقوق في كل الاراضي المحتلة (بعد 1967) وداخل الخط الاخضر ٠
ان نوعية الاستيطان الصهيوني بذاته هي التي خلقت خلقة من
العنف والكراهية لأنها بنيت على الدماء والفظائع ٠
حركة فتح
حوالي سنة 1965 تكونت حركة التحرر الفلسطينية – فتح –وبدأت كحركة سرية متواجدة بين الفلسطينيين المحيطين بدولة اسرائيل ، ولقد بدت للوهلة الأولى وكأنها مخلوقا جديدا تقمصته المقاومة المتعصبة التي رافقت الطريق الدموي لكلا الشعبين الذي تخللته انتصارات الصهيونية المتتالية ، وعلاوة عن ذلك فان اصرار حركة فتح على الكفاح المسلح المباشر ضد دولة اسرائيل أثار التكهنات على انها تجسد الكراهية المعادية لاسرائيل بأكثر اشكالها تطرفا وبشاعة وانه لا شئ في وجودها يدل على امكانية اخراج كلا الشعبين من هوة المجابهة العمياء ، غير ان الحركة الفلسطينية ارست مفهوما جديدا له معنى عميق ان الانسلاخ عن الحكومات العربية والمشاركة الفعاله للجماهير الفلسطينية نفسها هي شروط لا غنى عنها لدفع النضال الى الأمام ، وأكثر من ذلك: ان أحد دروس حرب حزيران هو ان شعارات الابادة الموجهة ضد السكان اليهود خلال حرب حزيران 1967 تدعم الايديولوجية الصهيونية وانه يجب التفرقة بين الصهيونية وبين اليهود كيهود ٠
وعندها صرح وزير الخارجية السورية السابق ابراهيم ماخوس في مؤتمر عقد في القاهرة سنة 1969 انه “لا يوجد تقدميين اسرائيليين غير هؤلاء الذين يتركون فلسطين بدون رجعة” ناقضه ممثل فتح الذي صرح ان منظمته قد عبرت عن تصامنها مع كل اليهود والاسرائيليين الذين يكافحون ضد النظام العنصري القائم في دولة اسرائيل ٠ ان هذه المحاولة لمعالجة قضية وجود يهودي في المنطقة تظهر جليا وبشكل رسمي في برنامج فتح الذي يتكلم عن “دولة علمانية ديمقراطية يعيش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون مع بعضهم البعض” ٠
اننا نحن الشيوعيون الثوريون في اسرائيل ، نعرف جيدا من تجربتنا ان الكفاح المشترك للجماهير المستغلة لكلا الشعبين هو الطريق الوحيد للتحرر وأن هذا التحرر لا يمكن ان يكون تحرر الفلسطينيين السياسي فقط ٠ نحن نعرف انه من أجل التحرر من الارتباط الايديولوجي مع البرجوازية العربية والعمل من أجل نظام يمثل الجماهير المحرومة في المنطقة ككل ، ومن أجل التحرر من التشرد ومن أجل استرجاع الكرامة ، ومن أجل التحرر من اليأس والعذاب ، يجب على الشعب الفلسطيني أن يقبل التحالف مع جماهير اليهود المستغلين في اسرائيل نفسها – هذه الجماهير نفسها التي تدير ظهرها اليوم لاي تصور حول التعاون بين اليهود والعرب ٠ أننا نوجه معظم نشاطنا السياسي في سبيل ذلك ولقد رضيت ان اتكلم مع هذا الرجل الذي قدم لي بصفته اشتراكي فلسطيني لكي اساهم في دفع هذا التصور للنضال المشترك لاننا (الشيوعيون الثوريون) لن ندع اية فرصة تفوتنا لاقناع العربي الذي يستفسر عنا بصحة طريقنا والضرورة الحتمية لكفاحنا المشترك ٠
وفي الوقت نفسه (وقد ظهر ذلك جليا خلال حديثي مع الرجل الذي قابلته) أصبح من الواضح لنا ان منظمات المقاومة الفلسطينية – وبالاخص حركة فتح – غير قادرة على حل المشكلة الفلسطينية لأسباب مختلفة ، منها :
ا – لأنهم يحلمون بامكانية انتصار عسكري على دولة اسرائيل بدون ثورة اجتماعية عميقة في العالم العربي وبدون فصل حقيقي بين الجماهير اليهودية المستغلة في اسرائيل والايديولوجية الصهيونية (المسيطرة عليهم حاليا) ٠
ب – لانهم يقفون في منتصف الطريق في محاولاتهم لتقييم موقفهم حيال وجود الشعب الاسرائيلي ويستعملون معادلات تصف اليهود كطائفة دينية وتتجنب الاعتراف التام بأن اليهود في اسرائيل هم في الحقيقة مجتمعا قوميا وليس دينيا ٠
ج – لانهم يرون ان من الممكن الفصل بين النضال ضد الصهيونية من جهة وضد الرجعية (العربية) من جهة اخرى ، منتظرين النضال ضد الرجعية الى مرحلة لاحقة ٠
د – ونظرا لذلك فان معظم العلاقات “الطيبة” التي تربط بين قيادات حركة المقاومة والبرجوازية العربية في المنطقة (في حيز المجالات السياسية والعسكرية والمالية) هي علاقات تنبع من خلفيات ومواقع طبقية معينة لهذه القيادات وهي العائق الاساسي أمام تحويل المقاومة الى قوة سياسية متماسة ٠
ان اعتماد هذه القيادات على المساعدات المادية المنافقة والديماغوجية التي تقدمها أكثر الحكومات رجعية في المنطقة وهي حكومات تخدم مصالح الامبريالية الامريكية مبشرة – وكذلك الحكومات التي يقال انها “وطنية” والتي وصلت الى السلطة عن طريق اغتيال القوى الشيوعية وقمع أي شكل من المعارضة السياسية الجماهيرية بواسطة العنف – ان كل ذلك يفرض على منظمة فتح استراتيجية معينة – استراتيجية تتجنب المبادئ التي تعلنها المنظمة (ظاهريا) ، ان الممارسة التي تنتج عن هذا الاعتماد هي نفس الممارسة الشوفينية القومية القديمة والتي لا تميز ابدا بين اليهود والصهيونية ، بين الحكام والمحكومين ، بين المستغلين والمستغلين ٠ اذن فان الأعمال الارهابية ضد مواطنين ابرياء تساهم في ابقاء ، بل زيادة – الكراهية والخوف المتبادلين بين الشعبين العربي واليهودي – وذلك بالاضافة الى انها تشكل جرائم بحق بعض المواطنين ووسائل سيئة لكسب الدعم والتأييد ٠ ان ممارسة منظمة فتح هي ممارسة قومية شوفينية وبرجوازية صغيرة ولهذا فاننا لم نتعاون مع “فتح” ابدا وهكذا فان المقابلة التي قمت بها مع الرجل المذكور تمحورت حول هذا الاختلاف الأساسي والذي بصدده لا يقبل اي من الطرفين ان يتقاربا مهما بلغ الأمر ٠
فالمجتمع اليهودي مجتمع طبقي مرتبط بالسوق الرأسمالية العالمية – مجتمع تعاني فيه فئات واسعة من الكادحين الاستغلال الاقتصادي والكبت الاجتماعي كما هو الأمر في أي مجتمع رأسمالي أخر ٠
ان فتح ليست رفيقة طريقنا التأريخية في انتهاج ثورة اشتراكية في هذه المنطقة بل هي الجماهير المستغلة – يهودا وعربا مجتمعين ٠
ان آلة غسل الأدمغة التي يديرها نظام الدولة تعمل كفريق من الأطباء ذوي الخبرة في غرفة العمليات ، انها تخذرنا وتميع وعينا – ثمة تقوم بالعملية ٠
انهم يحاولون أن يصدموننا ويشلوننا بالأكاذيب ويقلبون راسا علب عقب ، انهم يطعمونا الخرى والعديد مننا يقولون انه عسل ٠ أفول العديد ولكن ليس الكل ٠
استغلال العمال
لقد عملت في عدة أماكن : كشركة “ألكو” وفي البناء وشركة الكيماويات والفوسفات وفي مصانع و”يتزيكوت هامفراتز” في حيفا ولقد لاحظت ان العمال في كل مكان يعرفون شيئا واحدا على الأقل : اننا نعمل كالحمير ونباع كالاغنام كل واحد منا ينتج يوميا سلعا تساوي مئات الليرات يوميا بينما لا يحصل على أجر لا يكود يكفي حاجاته الأساسية ٠ في “أتا” مثلا يقبض العامل أجرا في البداية يقل عن 500 ليرة بالشهر ، ولقد بلغ صافي ارباح شركة مولر للنسيج (صاحبة شركة أتا) في نهاية سنة 1972 – 1,260,00 ليرة اسرائيلية – وذلك تقريبا ضعف أرباح سنة 1971 وصافي أرباح “بري هاجليل” للسنة نفسها بلغ 700,00 ليرة وعمال المصنع الذي يأتي معظمهم من قرية “هاتزور” يعيشون تحت ظروف لا انسانية ويتقاضون أجورا تساوى 450 ليرة اسرائيلية في الشهر أو أقل ، ويطلق أهالي القرية على “بري هاجليل” اسم “أوشفيتز” (معسكرات الاعتقال الجماعية اقامتها المانيا النازية ٠ ”بري هاجليل” – ملك مجموعة من الكيبوتسات في الجليل ٠ ان الزوار الأجانب والمتطوعين في هذه الكيبوتسات لا “يتعبون أنفسهم” بزيارة “بري هاجليل” – المترجم) ٠
شركة أي٠دي٠بي٠ التي تملك عشرات المؤسسات في جميع قطاعات السوق الاسرائيلية اعلنت سنة 1972 عن ارباح صافية تساوى 28,000,000 ليرة اسرائيلية ، مضاعفة بذلك أرباح 1971 ، أما شركة “كلال” فلقد كان مدخولها سنة 1972 يساوي 12,400,000 ليرة اسرائيلية ٠ ان اصحاب الاعمال والمصانع والبنوك يربحون الملايين وماذا نجني نحن ؟
في سنة 1972 ارتفعت أسعار المواد الغدائية الاساسية بمعدل 13% وفي فترة كانون الثاني شباط 1973 ارتفعت الاسعار نفسها بمعدل 3% وفي نيسان جائت القفزة الكبرى خلال اجتماع وزاري قبيل تلك القفزة قال احد الوزراء ان الخبز والطحين يستعملان كغداء للماشية ، وقد نقلت الصحافة ذلك القول ٠ انهم يضحكون علينا ، ان وزير التجارة والصناعة ، بارليف يملك كلبا ضخما يأكل لحوما في اليوم الواحد أكثر مما تستهلكه عدة عائلات في أسبوع ! ويقولون لنا ان الماشية تأكل خبزا ! أنهم يكذبون علينا في وجهنا ، كل شئ ارتفع ، كل شئ باستثناء مستوى معيشة العمال والشغيلة ، ان مستوى معيشتنا في هبوط دائم ، نسبي ومطلق ، ان هذا ليس مستوى معيشة : انه انحطاط معيشة !
ان مؤسسة الدولة التي يحاول سياسيوها والناطقين بأسمها ان يسحرونا بقصص عن “دمج المهاجرين” (أي يهود المهجر) و”الوحدة الوطنية” هذه المؤسسة لا تزال تنفذ سياستها القائمة على التيبيز ولا تزال تحقق مصالحها السياسية على حساب الفقراء والبؤساء ٠ خلال السنة أو السنة والنصف الماضية كان هناك المئات من الشقق المؤجرة خالية من السكان ، هذا ما اظهره تقرير محاسب الدولة ٠
ان أصحاب الشقق هم مستثمرون بنوا تلك الشقق بغية تأجيرها ثم حصلوا على مبالغ ضخمة من الاموال كأيجارات ، هذه الشقق كانت تنتظر مجئ المهاجرين من بلدان غنية بينها عشرات الألوف من العائلات في المصرارة وتلبيوت وأحياء اخرى محرومة تنظرون اماكن سكنى تليق بالبشر ٠ لقد ذهب وزراء وسياسيون لحضور احتفالات الميمونا (عيد يحتفل به يهود المغرب) لكي يظهروا لنا كم يحبون الاناس البسطاء ، ولقد نقلت الصحافة اخبار الاحتفالات باسهاب ، ومن المخزى ان الكثيرين ممن شاركوا في هذه الاحتفالات يستطيعوا ان يقرأوا هذه المقالات لسبب بسيط انهم يجهلون القراءة ٠
ثم يخاطبونا عن صلات الدم !
لكي يخدرونا يقولون لنا من الصباح الى المساء ان هذا كله غير مهم ، ان الحقيقة الجوهرية هي ان شعبنا (أي اليهود) قد رجع الى أرضه الام ، ان صلات الدم تربط وتوحد الشعب اليهودي ٠
أي صلات دم ؟
ان صلات الدم التى تربط بين عمال شركة بيجرانو (بيجرانو صاحب عدة مصانع في اسرائيل وهو من انصار حزب العمل الاسرائيلي الكبار) وعمال شركة عسيس تتكون من الدم والعرق الذي يسيل من أجساد العمال والعاملات ، عربا ، ويهودا ، ذلك الدم الذي يتحول الى الملايين التي تتدفق الى جيب السيد بيجرانو ٠ أما بالنسبة لبيجرانو فالفرق الوحيد بين الدم اليهودي والعربي هو انه يستطيع ان يشتري الدم العربي بسعر أرخص بقليل من الدم اليهودي ٠ ولكن عندما يحاول العمال الدفاع عن حقوقهم ، تحرض الادارة العمال اليهود ضد العمال العرب – تماما كما يفعل النظام الاسرائيلي بكامله باسم الوحدة الوطنية ٠
أي صلات دم ؟
عندما وقع حادث في شركة “آتا” حيث سحب احد العمال الى داخل الآلة وتقطع حتى الموت استحالت معرفة ما اذا هو يهودي أم عربي ، ان الدم الذي غطى الآلة لم يكن له لون قومي بل كان دم العمال الاحمر ، غير انه عندما تثور عمال “آتا” تقوم الادارة بكل ما في قوتها لكي تثير البلبلة بين العمال اليهود والعرب ذكورا واناثا ٠ لقد جنى مولر فقط خلال العام الماضي 1,260,000 ليرة اسرائيلية من دماء وعرق عمال “آتا” وانه طبعا لا يعرف أي من هذه الليرات أتته من العمال العرب وايهما أتت من العمال اليهود ، وهذا لا يهمه اصلا ، كل ما يشغل بال “مولر” (صاحب الشركة) – تماما كما ان كل ما يشغل بال مؤسسات الدولة – هو ان نظل نبتلع الكذبة حول “الوحدة الوطنية” وان نبقى ساكتين ، وفي الوقت نفسه يزيد استغلال المستغلين ويصبح المليونيريون بليونيريين ٠
ان الهوة تنمو في جميع الاتجاهات ٠
انهم يحشون في عقولنا فكرة الوحدة الوطنية ، ولكن الفقراء – ومعظمهم من الفئات (الافرو-اسيوية) يجب ان يتحدوا حول قضايا السكن المزرى وى والاجور المنخفضة ومستوى الثقافة الضئيل ٠ ان تقرير لجنة هوروفيتز ينص بشكل صريح ان 12% من الاسرائيليين الذين ولدوا في اسيا وأفريقيا والذين وصلوا الى هذه البلاد قبل 1948 يعيشون تحت ظروف سكنى تحت المستوى المفروض (3 أشخاص أو أكثر للغرفة الواحدة) وأن 25% من الذين ولدوا في اسيا وأفريقيا وجاؤوا بعد 1948 كذلك يعيشون تحت ظروف سكنية مخزية ٠
اني اعيش في كريات شالوم (حي فقير في تل أبيب يسكنه اليهود الشرقيون وتحكمه عصابات يساندها حزب العمل الاسرائيلي) على حدود حي شابيرا ألذي يبعد مسافة (رمية عصا) من حي هاتيكفه وانني ارى يوما بعد يوم كيف يعيش الناس في هذه الاحياء ٠
في عدد 25 أبريل من “يديعوت أحرونوت” يشير يتسحق تيشلر الى ابحاث عن حي هتكفه: 33% من أرباب العائلات لم يحصلوا على أي تعليم ابدا ، 13% فقط من أرباب العائلات درسوا لأكثر من تسع سنوات ٠ الشقة العادية مكونه من 1٠8 غرف ، 40% من العائلات لا تحصل على ماء ساخن ، 44% عاطلون عن العمل ومتوسط دخل ال 56% الباقين يساوى 560 ليرة اسرائيلية قبل خصم الضرائب ، 30% لا يحصلون على أي نوع من الدخل المعقول ، 30% اخرين يعيشون على دخل 400 ليرة اسرائيلية أو أقل ٠ ان الذي يقول للعمال الذين يسكنون الاحياء الفقيرة وسكان قرى المهاجرين ومدن الانماء – برغم من تلك الظروف التي يعيشونها – ان الوحدة الوطنية هي الشئ الاساسي – ان شخصا يقول كلاما كهذا يستعمل الفقر والبؤس اللذين يعيشهما المستغلين (أي معظم سكان هذا البلد) – لكي يعزز أهدافه السياسية ٠
ماكينة الدولة
ان العمال والفقراء والفلاحين في اسرائيل – عربا كانوا أم يهودا – ينزفون عرقهم ودمهم بينما القائمين على مؤسسات الدولة وأصحاب الأعمال وخدمهم ينعمون بالملذات ، ان هؤلاء الفئات المتطفلة من اهل النظام هم أصحاب المصالح في هذه البلد ، ان ماكينة الدولة هي ملكهم وهم يحكمون بها مثلما شاؤوا ٠
ان أصحاب الأعمال والرساميل يستغلون – متمتعين بحماية الدولة ومساعداتها – مئات الآلاف من العمال اليهود والعرب وهكذا يجنون الملايين ٠ انهم يتحكمون بماكينة الدولة ، هذه هي مصلحتهم في هذا البلد ٠
ان أعوان الدولة جميعا – ابتداء من القاضي الأول وانتهاء بأصغر مخبر ، من ضباط البوليس الى السياسي “الصغير” يعيشون من هذه الماكينة ويعملون تبعا لمصالحها ، وهذه الفئات الثلاثة: بيروقراطية الدولة ورجال الأعمال والرساميل ، وخدامهم من جميع المراكز ، كلهم يعرفون جيدا اوجه الشبه في مصالحهم ويعملون بتعاون وثيق مع بعضهم البعض ٠
ان القوانين الجنائية والتصور الذي ترى المحكمة بواسطته مخالفي القوانين ينبعان من منطلق واحد فقط: حماية النظام الذي يؤمن استمرار الاستغلال والكبت بكل “هدوء” بينما لا يستطيع القوانين ولا المحاكم على حل مشاكل الانحراف وتصحيح مسار المنحرفين ٠ ان الانحراف (عن هذه القوانين) هو ثمرة البؤس الرهيب والأوضاع المعيشية اللا انسانية وهذه بدورها ناتجة عن نظام الاستغلال ٠ اللصوص الكبار – أصحاب المشاريع الذين وضعت القوانين لتمكينهم من سرقة عمل العمال – يصبحون أغنياء ، ولكن هؤلاء الذين يندفعون بسبب هذه اللصوصية الكبيرة ليصبحوا لصوصا صغارا يزجون في السجون ويخرجوا منها أكثر صلابة وتجربة ويرجعون الى الجريمة ٠
ان وظيفة البوليس وهو الاداة العنيفة والمسلحة في ايدي ماكينة الدولة ، هي حماية النظام ٠ انهم يدفعون بالبوليس ضد العمال المضربين كما حدث في مصانع “هيمت” وفي أشدود وأماكن أخرى (عديدة) ٠ انهم يدفعونهم ضد سكان الأحياء الفقيرة حين يتظاهرون كما حدث عدة مرات في القدس وحيفا ، يدفعونهم ليقمعوا السكان العرب ويدفعونهم ضد أي انسان “يعكر صفو” نظام الاستغلال والاضطهاد ٠ أما الجيش الذي يشغل وحداته أولاد العمال والشغيلة وأبناء الأحياء الفقيرة ، فانه يخدم ويجسد مصالح الطبقات التي تحكمه ٠ ان هذه المصالح تتناقض تناقضا جوهريا مع مصالح الذين يخدمون في الجيش الذين يتعرضون للموت اثناء خدمتهم العسكرية ٠
تستخدم الدولة العنصرية في خداعها للشعب الايديولوجية الصهيونية ، وغسل الدماغ الى أقصى الحدود ، تحاول مؤسسة الدولة ان تصور للعمال والفقراء اليهود في اسرائيل انها تقدم لهم البديل ، تقدم لهم تعويضا عن الاضطهاد والتمييز الذي يمارس ضدهم ، تقول لهم : نحن نعيش في دولة أوروبية متطورة ٠ أجهزة الدولة تحشو عقول السكان (اللذين هم في معظمهم يهود قادمون من الدول العربية وفلسطينيون عرب): ان العرب شعب بربري يريد القضاء علينا ولهذا فان علينا ان نهزمهم قبل ان يفعلوا هم ذلك ٠ انهم يعطون هذا التحريض والدعاية لليهود القادمين من الدول العربية الذين عاشوا في هذه المنطقة “الهمجية” لقرون عدة ، “انتم أنفسكم بدائيون وسود” تقول الحكومة الاسرائيلية لليهود الشرقيين وتقول ان العرب أكثر بدائية واسودا ٠
يقولون لنا كل هذا حتى لا نناضل ضد النظام العنصري الذي يضطهدنا ، يقولون لنا كل هذا حتى يوجه المضطهدون اليهود غضبهم الى العرب وليس لحكم الاضطهاد ، ولكن الحقيقة تظهر عادية ولا شك فيها عندما يزول قناع القداسة الكاذب عن وجه أجهزة الدولة ٠ الدولة ليست قيمة سامية تجسد خلاص اليهود وعودتهم الى أرض الميعاد بعد 2000 سنة ولكنها أداة لتأكيد سيطرة طبقة طفيلية على اكتاف هذا الشعب وعلى حساب الشعب الفلسطيني العربي ٠
جهاز الدولة ليس مبدأ ساميا عن تحرر الشعب اليهودي ولكنه أداة فعالة وقاسية في أيدي طبقة مالكي الاستثمارات ورأس المال لاستغلال واضطهاد جماهير العمال والفلاحين عربا ويهودا ٠
نحن أعضاء الاتحاد الشيوعي الثوري “النضال” نقاتل ضد نظام الحكم القائم على الاستغلال والاضطهاد ، نحن نعمل لتجنيد وتحريض جماهير العمال والفلاحين والفقراء عربا ويهودا من أجل كفاح مشترك هدفه تحقيق الديمقراطية الحقيقية واقامة نظام حكم تكون فيه السلطة في أيدي العمال والفلاحين ونظام حكم يضع حدا للاستغلال والاضطهاد والفقر ، نظام حكم يحقق المصالح المشتركة للمضطهدين والمستغلين عربا ويهودا ٠
العنف
يتهم الشيوعيون الثوريون بتأييد العنف والدعوة للثورة المسلحة ٠ لا توجد حدود للنفاق الذي تتسم به الدولة ٠
في مصنع الكيماويات والفوسفات في حيفا ، تحترق السامة يوما بعد يوم ، احترقت رئتي عمي هناك ابتلع ابي الغبار هناك والغازات لمدة عشرين سنة ، وأنا أيضا تذوقت طعم السم – هذا هو العنف ٠
في مصانع النسيج تصم آذان العمال من ضجيج الآلات ، في مصانع الدهان تتسمم دماء العمال ، في جميع المصانع ينظم العمل بطريقة تسمح بامتصاص أكبر قسط من الربح على حساب صحة العمال وحياتهم ، هذا هو العنف في درجاته القصوى ٠
في الأحياء الفقيرة ، في القرى الففيرة والمدن الانمائية تتدمر صحة المستوطنين سنة بعد أخرى ، هذا هو العنف ٠
في القرى العربية وفي المناطق التي استولى عليها سنة 1967 أقيم نظام حكم قائم على العنف والتخويف وقد بنى نظام الحكم هذا على قوانين معادية للانسان ٠ الهرافات والسلاح ، التعذيب والاعتقال الاعتباطي – هذا هو العنف ٠
عندما يقتل رجال البوليس مخالفي القانون في شوارع القدس وساحاتها بدم بارد وبدون أي مسحة من الانسانية ، عندما يقوم رجال البوليس المسلحون بالهرافات بتفريق المظاهرات التي يقوم بها سكان الأحياء الفقيرة واليساريون ، عندما يفض رجال البوليس المسلحون اضرابات العمال – ذاك هو العنف ٠
عندما يضرب البوليس أي مخالف عادي للقانون بطريقة وحشية – هذا هو العنف ٠
السجون – انها مؤسسات يشكل وجودها برمته عنفا ٠
ان هذا النظام مبنى من الأساس على العنف ، فالعنف القمعي شرط لا غنى عنه لوجوده وعندما ننظم أنفسنا من أجل نضال سياسي هدفه ازالة العنف ، عندما ندعو العمال والفلاحين العرب واليهود لنضال مشترك لكي نحرر أنفسنا من الاستغلال والكبت تهتمنا الحكومة بالدعوة للعنف ٠
نحن لا نخدع أنفسنا ولا نخدع أي انسان: ان نظام العنف لن يزول بمجرد انه مناف لمصالح غالبية الشعب ، انه لن يزول بمجرد ان ينظم العمال والشغالين والفقراء أنفسهم – يهودا وعربا معا – لكي يستبدلوه بطريقة ديمقراطية بنظام شعبي ، انه سيهاجم وسيقوم ضد الجماهير اليهودية والعربية معا بطريقة يائسة ، لهذا فنحن نقول للعمال والفلاحين والفقراء: يجب ان تكونوا مستعدين لذلك الهجوم ، ونحن نعرف ان الشعب المنظم وحده – ان قوى الجماهير المستغلة والمظلومة والتي تشكل غالبية السكان متحدة في وعيها لمصالحها المشتركة ومعرفة عدوها – هي وحدها القادرة على صد هجمة مؤسسة الدولة التي تديرها الطبقة المستغلة والظالمة ومساعديها في هذه المنطقة وفي العالم ٠
ونحن لا نقول هذه الكلمات في الخفاء ولم نبدأ في قولها البارحة فقط ، نحن نقولها علنا منذ كتب ماركس وانجلس “البيان الشيوعي” قبل 120 سنة ، ولسنا نحن الوحيدين الذين نقول هذه الكلمات: انها تقال في هذا البلد وكل بلدان العالم ٠٠ وفي معظم دول العالم المتمدن باستثناء دول كاليونان ، اسبانيا ، البرتغال ، وافريقيا الجنوبية لا يزج قائلون بالسجون ققط لانهم تفوهوا بها ٠ ان الفظائع التي يرتكبها هذا النظام ضد العمال والشغيلة ، ضد الفقراء والفلاحين وضد الشعب الفلسطيني تطرح علينا نحن الشيوعيون أساليب كفاحنا ولمجابهة الوحدة الوطنية الزائفة التي يدعوا اليها النظام والتي تحاول اتن تجند الجماهير اليهودية المستغلة ضد الجماهير العربية التي يطردها عن أرضها ويضطهدها – نقيم وحدة من نوع اخر: وحدة المضطهدين كلهم ضد النام الذي يضطهدهم ٠
وهكذا بصفتي عضو في الاتحاد الشيوعي – نضال – والتي هي منظمة مشروعة – منظمة عربية يهودية معروفة بعملها السياسي في صفوف الجماهير اليهودية والعربية فقد حدث وقابلت بشهر آب 1970 (قبل ثلاث سنوات) رجلا قدم لي كعضو في منظمة فلسطينية ، وكان ذلك اللقاء سياسيا بحثنا فيه التطورات السياسية في اسرائيل وفي البلدان العربية وفي الحركة الفلسطينية ٠
التعذيب
ان التهم الموجهة ضدي مبنية على شهادات زائفة استخلصت بواسطة الابتزاز القذر ٠ ان مهنة رجال الشين بيت (المخابرات) هي الارهاب والكذب والعنف وهم يعملون باسم جهاز الدولة تماما كزملائهم في البرتغال ، فرنسا ، بلجيكا ، اسبانيا ، اليونان وامريكا ٠ بعد تسعة أيام من الاستنطاق كانت مليئة بالضرب والتي دافعت خلالها عن حقي بألا أعطي أية تصريحات الا في المحكمة ، أخذوني الى صديق اعزه كما أعز أخي [ وهو شوقي الخطيب ، صديق رامي ليفنيه العربي ٠ ان أكثز ما يكرهه زجال “الشين بيت” هو الصداقة بين عربي ويهودي] وعزبوه بواسطة الكهزباء ودوشات الماء البارد ثم قالوا ببساطة انهم لن يكفوا عن ذلك الا اذا تكلمت ، وفعلا تكلمت ، قلت لهم انني مستعد لقول كل ما يريدونه – وفعلا أوقعت نفسي “بالجرم” – كما يظهر – ووقعت على كل ما أرادوني ان أوقع عليه ، عندما يقف هؤلاء الخبراء في التعذيب والارهاب والكذب كشهاد ذوى وجوه بريئة – تلك هي مهنتهم – تصدقهم الحكومة ٠
بعكس ما قيل في الفقرة الثانية من لائحة الاتهام فلقد قابلت رجلا قدم لي كاشتراكي فلسطيني ولم أكن أنا الذي عينت مكان اللقاء كما انني لم أعطي أهمية خاصة لمكان اللقاء ، وبعكس ما قيل في الفقرة الثالثة فان موضوع اسم أو هوية الرجل الاخر لم يطرح أبدا ، نظرا لانني ذهبت بكل برائة الى مقابلة هدفها الوحيد هو الاستيضاح والتبصر السياسيين فلم يكن هناك أي سبب اطلاقا بأن لا أظهر إسمي خلال عملي السياسي في نطاق الاتحاد قابلت اشخاصا كثيرين من أجل نقاشات سياسية بدون ان أعرف اساميهم ٠
ان الادعاء يحاول اظهار نشاطاتي ونشاطات الاتحاد الشيوعي الثوري – نضال – على انها نشاطات سرية مستعملا كبرهان على ذلك الادعاء بأننا نستعمل اسام حركية وسرية ، ولكن حتى الادعاء نفسه لا يدعى انني استعملت اسمي “الحركي” عندما قابلت الرجل المذكور ٠ اننا لا نعمل بطريقة سرية ، أحيانا تحتم علينا الحاجة كأعضاء في الاتحاد ان نظهر باسمنا “الحركي” وذلك بسبب اضطهاد الدولة الاسرائيلية ضد الأشخاص اليساريين ٠ انتم ممثلي الحكومة المسؤولة عن حملات الاضطهاد تلك تضفون صبغة اجرامية على محاولات الاشخاص اليساريين – بمن فيهم منظمتنا – أن يدافعوا عن حقهم وحق عائلاتهم بالحياة ٠ لقد حدث الاجتماع بيني وبين الرجل المذكور في وضح النهار بمكان يمر بقربة الكثير من الناس ، قرب مدخل المستشفى الفرنسي في مدينة الناصرة ٠ ان محاولة وصف هذا اللقاء بأنه سرى متامر هي محاولة سخيفة الا انها وجدت لالصاق تهمة قانونية ضدي لكي ازج بالسجن ولايذاء الاتحاد الشيوعي الثوري في عمله السياسي ٠
وعندما دخل هذا الرجل في موضوع السلاح ومواد التخريب قائلا ان هناك امكانية ادخال الاسلحة الى اسرائيل شرحت له حالا موقفي وموقف رفاقي تجاه أشكال النضال السياسي التي يجب ان تتبع ٠
لم يقدم الرجل اثر ذلك أية اقتراحات ، ولم أفسح له المجال ان يتكلم حول “طرق وأساليب تهريب الأسلحة ومواد التخريب الى اسرائيل” ولم يفعل ذلك ، ورفضت أنا حالا طلبه باعطائه معلومات من شأنها ان تخدم الخط السياسي الذي ارفضه أنا ورفاقي ولقد ختم الحديث حول هذا الموضوع حالا ٠
وخلال ذلك اللقاء ، سأل الرجل ما اذا كنا مستعدين ان نقبل أموالا لتمويل النشاطات السياسية التي نقرها نحن حينئذ أوضحت له موقفنا وهو عدم قبول أموال غير تلك التي يحصل عليها “الاتحاد” كنتاج مباشر لنشاطه السياسي كبيع المجلات وتبرعات المتعاطفين مع المنظمة – ورفض هذه الأموال خاصة اذا جاءت من جهات نختلف معها سياسيا ٠
ثم أضفت ، أنني غير مخول لاعطائه جوابا نهائيا حول هذا الموضوع ، وتم الاتفاق على لقاء آخر ٠
وبعد استشارة رفاقي ، رفضنا العرض على الأسس التي طرحتها سابقا ، وكان لقاؤنا الثاني مثل الأول ، يهدف لتوضيح المواقف المتعلقة بالايديولوجية ، ولم تكن طريقة اللقاء التي اتفقنا عليها طريقة تآمرية بل كانت عادية بالنسبة لاي شخصين عاديين لا يعرفان بعضهما ، ويريدان أن يلتقيا ٠ ولقد فسرت عدم ظهور الرجل للقاء الثاني ، انه برهان على عدم رغبة الرجل أو أصدقائه بأن يكملوا الحوار ٠
وعلى نقيض ما قيل في الفقرة السابعة من لائحة الاتهام فأن الرجل – على حد علمي – فلسطيني ، مولود في القدس وصل الى البلاد بطريقة شرعية ورسمية في نطاق الزيارات الصيفية ، وكان اللقاء منذ للبداية بهدف تبادل الاراء السياسية ، وهكذا كان ، لم يكن لدي ادنى علم بأهدافه ومهماته المزعومة ، كما تنص التاسعة من لائحة الاتهامات الثانية حسب معلوماتي حينذاك ، وحسب معرفتي حتى هذه اللحظة ان الرجل الذي قابلته ليس عميلا وبالتأكيد ، ليس أجنبيا ٠
انني لا ادعى انه عميل مخابرات استفزازي بعث لكي يوقع بي ، ولكن ذلك هو إحتمال وارد ، اذا وبعكس ما ذكر في الفقرة الثامنة ، فأن ذهابي الى القدس لرؤيته لم يكن محالة لاقامة اتصالات مع عميل أجنبي ، بالاضافة الى ذلك فان الاجتماع الثاني – والذي لم يعقد – كان له كالاجتماع الأول تفسيرا مقبولا ، ان لقاءات كهذه قد حدثت بالمئات بين اسرائيليين والفلسطينيين في هذا البلد ، وفي الخارج بهدف ايضاح مواقف سياسية ٠
وقد نشرت نتائج هذه الاتصالات ولم يحاكم أحد بسببها ٠ ان محادثات مؤتمر بولونيا الذي أفيم قبل فترة من الزمن ليست الا مثلا واحدا على محادثات مشابهة عديدة ٠
انني انكر بشدة ما جاء بالفقرة التاسعة بأنني كنت اعرف ان الرجل الذي قابلته كان ينوى القيام أو أنه فعلا قام باقتراف جريمة ضد سيادة الدولة ، كما ذكر سابقا ، وعلى حد علمي ، فقد وصل الى اسرائيل بطريقة شرعية وبالطبع لم يظهر لي مشاريعه ونواياه السرية – اذا كانت لديه هذه النوايا فعلا لا بالنسبة لمساعده العدو أو اية مسألة اخرى ٠ انني ارفض بشدة طلب الحكومة ان يبلغ عن أي نشاط سياسي محض يقوم به معارضوها ، انني لا افكر ابدا بأن اخبر السلطات عن محادثات سياسية بيني وبين الرجل ولا عن اي محادثات أو مناقشات سياسية مهما كانت ، نحن أعضاء “الاتحاد” لسنا مخبرى نظام الحكم ، اننا نناضل ضدها ، ونضالنا هذا يعتبر شرعيا ٠
حتى بالنسبة للقوانين الاسرائيلية الغير ديمقراطية والغير انسانية ، وانني اصرح أيضا أن لا أنا ولا غيري من أعضاء “الاتحاد الشيوعي الثوري” – نضال – سندين ابدا اناسا اقترحوا أعمالا مضادة للقوانين التي وصفها وزير العدل بنفسه على انها افظع من القوانين النازية ، أنه واجب انساني أساسي وفرضية شريفة ان لا يدان اللذين يقومون بأعمال مضادة لتلك القوانين ٠
ان القوانين التي اتهمت بموجبها تعتمد على الفرضية الخاطئة ان أمن الشعب هو أيضا أمن الدولة التي هي اداة تستعمل للكبت والاستغلال والتمييز ضد معظم أفراد هذا الشعب ٠ كيف يمكن لأمن أجهزة الاستغلال والكبت ان تكون أيضا ضمانا لأمن المستغلين والمظلومين ؟
خلال عملي السياسي كعضو في الاتحاد الشيوعي الثوري – النضال – لم اؤذى مصالح الشعب ، مصالح المستغلين والمظلومين من كلا اليهود والعرب والذين يشكلون غالبية الشعب ، اذن لا شك أنني ألحكت الاذى أكثر من مرة بمصالح النظام القائم على الاستغلال والظلم وأنا بسببها فخور بذلك ولكن بالنسبة لهذه الحالة بالذات والتي بسببها اجلس الان على كرسي الاتهام فأنني لست مذنبا بأي جرم فلم اكن انوى أن الحق الاذى كما انني فعلا لم الحق الاذى بأمن الدولة حتى بالنسبة لمقاييس القانون الاسرائيلي ٠ لذلك فأنني أسأل المحكمة أن تبرئني من تهمة الاتصال بعميل أجنبي – ليس الرجل الذي قابلته عميلا أجنبيا كما جاء تعريفه في ملاحظة “ج” من فقرة 24 من القانون الجزائى (أمن الدولة ، الشئون الخارجية ، الاسرار الرسمية) 1975 وعلى حد علمي لم يكن عضوا في أي منظمة ، على كل حال لو كان عنده اتصالات كهذه حقا فأنا لم اعرف عنها ٠
لعقد تناقشنا في مواضيع سياسية ولم يحصل مني على أية معلومات أو أي شيء آخر يعرفه القانون بأنه يمس بدولة اسرائيل ٠
وحتى اذا رفضت المحكمة هذه الحجة فيجب ان تبرئني بموجب الملاحظة “أ” من الفقرة نفسها ، حتى اذا استعملت المحكمة حجة أن الرجل عميل اجنبي فأنني لم أعرف ولم يكن في مقدوري أن أعرف ذلك ، لذلك فان “الاتصال” كان بدون معرفة وهذا بغض النظر عن ان لي تفسيرا منطقيا لتلك المقابلة ٠
كذلك فان ملاحظة “د” من الفقرة نفسها تلزم المحكمة الا تدينني في حالة وجود برهان على عدم نيتي ان أفعل شيئا يحتوي بطبيعته على اذى لامن الدولة بعكس كل الأعراف الديمقراطية التي تلزم الادعاء العام ان يبرهن على اقتراف جريمة ما أو وجود نية لاقتراف جريمة فان القانون الاسرائيلي يلزم المتهم ان يبرهن انه لم يقم أو لم ينوي القيام بأي شئ يمس بأمن الدولة ٠
ان هذه الفقرة من قانون اسرائيل هي فقرة جائرة وتسمح بأدانة أي انسان اطلاقا ، يكفي لذلك ان يقسم المدعى العام أو رجل من الشين بيت انهم بقدرة قادرة تمكنا (بواسطة “قراءة” أفكار المتهم) ان المتهم كان ينوي القيام بجريمة ما ٠
ان عملي السياسي في الاتحاد الشيوعي الثوري – النضال – وحديثي مع الرجل المذكور وكلمتي هذه هم برهان انني لم انوي ان أقوم ولم أقم فعلا – ولا بأي حال من الاحوال – بأي شيء من شأنه ان يلحق أي أذى بجماهير سكان دولة اسرائيل – يهودا وعربا – أو بمصالح هذه الجماهير ٠
ولذلك فانني أسأل المحكمة ان تبرئني من تهمة محاولة اقامة اتصالات مع عميل أجنبي:
– لأن اللقاء بحد ذاته لم يشكل مخالفة للفقرة 24 ومحاولة اللقاء مرة ثانية لا يمكن ان يشكل مخالفة للفقرة نفسها ٠
ولذلك فانني أسأل المحكمة ان تبرئني من تهمة اخفاء الجرم:
– فعلى حد علمي فالرجل لم ينوى القيام ولم يقم فعلا بأي جرم مهما يكن ولذلك لم أقم أنا باخفاء جرم ٠
حقا انه خلال التفتيش الذي قام به البوليس في بيتي وجد في حوزتي مجلتين تابعتين للجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين – مجلتين نشرتا قبل ثلاث سنوات احداهما تحتوي بيانا سياسيا يحلل مشروع روجرز شارحا انه جزء من مخطط أمريكي – أردني يهدف القضاء على الحركة الفلسطينية – كما ظهر جليا أثر ذلك ببضعة أسابيع (من صدور المجلات – مجازر أيلول) ٠ المجلة الثانية تحتوي تقارير حول النشاطات العسكرية التي يقوم بها رجال المنظمة – حسب قولها ، هذه المجلات وصلتني بواسطة البريد الاسرائيلي عن طريق شاب سويدي جاء في زيارة للبلاد حيث سألته أن يبعث لي بمواد سياسية من الشرق الأوسط ٠
قبل ان القى القبض علي كنا انا وأصدقائي نمضى أوقاتنا في مكتبة الجامعة العبريه نقرأ مجلة “الحرية” التي يمكن قراءتها هناك بحرية ٠
“الحرية” مجلة تصدر في لبنان (دولة “عدوة” بالنسبة للقانون الاسرائيلي) (- وهذه المجلة) هي لسان حال الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين ٠
وعوضا عن ذلك فلقد صورنا مقالات هامة (من هذه المجلة) لقاء 40 أغورة على الصفحة الواحدة وهذا ما تتقاضاه الجامعة من الطالب كثمن لتصوير الوثائق ٠ ولقد قمنا بترجمة هذه المقالات ٠
ولقد قمت بجريمة مشابهة قبل بضعة شهور حين اشتريت من القدس مجلة “العربي” وهي مجلة أدبية تنشر أيضا مقالات سياسية وتصدر في الكويت التي هي أيضا “دولة عدوة” حب القانون الاسرائيلي ٠ يمكن لأي شخص مهما يكن ان يشترى هذه المجلة – أيضا في حيفا والناصرة – وتقريبا من أي مكتبة أو “كشك” جرائد ٠ بينما كنت في السجن وصلني العدد الاول من شباط من مجلة “العربي” وكان فيها مقالة شيقة حول حركة المقاومة الفلسطينية في غزة ٠
”الاسبوع العربي” أيضا مجلة سياسية وهي تصدر في “دولة معادية: لبنان ٠ قبل ان يقبض علي أشتريت هذه المجلة عدة مرات ومن أماكن مختلفة ٠ احب ان أشير نظركم الى انه اذا اعتبرت المقالة التي تصدر في جريدة “الفجر” القدسية معادية للدولة لدرجة أنه القى القبض على محرريها فان المقالات الافتتاحية في “الاسبوع العربي” معادية لحد يفوق التصور – غير انه يمكن شراء المجلة بحرية في أي مكان باسرائيل ٠
ان السبب الذي دفعني لشراء هذه المجلات هو نفسه سبب حيازتي هاتين المجلتين التابعتين للجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين: الحاجة لمعرفة التطورات السياسية في الشرق الاوسط عن المصادر الاساسية وبدون التشويه الذي يلحقه بها مراسلي ومعلقي نظام الحكم (بالمناسبة: من الممكن جدا ان توجد في بيت اتعس المراسلين والمعلقين حول الشرق الاوسط مجموعة غنية من المجلات الصادرة عن “المنظمات الغير مشروعة” حسب القانون الاسرائيلي او عن “الدول المعادية” – وذلك لكي يكن في حيازته شيئا ليشوهه ٠
لا شك في الحقيقة التالية :
ان الادعاء العام وبالطبع “الشين بيت” ايضا يعرفان عن بيع مجلات كهذه بطلاقة وامكانية رؤية لسان حال الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين في مكتبة الجامعة ٠
ان محاولة تجريمي بسبب حيازتي مجلات كهذه – وذلك يعني السجن لمدة ربما تصل عشرة سنوات – هي محاولة مدهشة لما فيها من بلاهة وجرأة ٠
ان البلاهة في هذه المحاولة تكمن في أن من يتهمني بتهمة كتلك يهرج على نفسه وعلى المحكمة – في اسرائيل – اليوم ليس من الضروري للانسان ان يكون عضوا في “حلقة تجسس وتخريب” (كما ادعت الصحافة بمسانده الادعاء العام وأجهزة الامن) لكي يقدر أن يقرأ جريدة كتلك ٠ كل ما يحتاجه المواطن هو ان يذهب الى دكان ويشتريها ٠
الجرأة تكمن هنا في ان بمحاكمتي بتهمة كتلك لا تتورع الحكومة عن اظهار اثنين من نواياها الحقيقية المتعلقة بكل ما هو ذا شأن في هذه المحاكمة :
أولا : انه من الممكن بل من المستحب ان تقرأ في اسرائيل مقلات سياسية صادرة عن البرجوازية أو الرجعية العربية ولكن يمنع منعا باتا قرائة مقالات تدعو لنضال يهودي-عربي مشترك – كتلك التي توجد في لسان حال الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين ٠ ان نظام الظلم في اسرائيل لا يتردد في اظهار خوفه من امكانية نضال العمال اليهود والعرب المشترك – كما لا يتردد في اظهار اوجه الشبه بين مصالحه ومصالح الأنظمة القمعية في البلاد العربية ٠ وذلك لدرجة فرض قيودا جائرة على ما يمكن قرائته بحرية من المطبوعات العربية ٠
الأسبوع العربي التي يصدرها مستغلي العمال في لبنان – البلد “العدائي” – يمكن حيزاتها وقرائتها ٠ ولكن من الممكن ان يسجن الانسان لعشرة سنوات بمجرد حيازته على بيانات هؤلاء الذين يحاربون ضد ظلم العمال والفلاحين في لبنان والأردن ٠
النية الثانية : انه يجب وضعنا ، نحن أعضاء الاتحاد الشيوعي الثوري – نضال – في السجن مهما كلف الأمر ولأطول مدة ممكنة ٠ وذلك لردع كل اليساريين عن نضالاتهم لا يهم الدولة أبدا ان القوانين التي أتهمت بمخالفتها قد وصفت على لسان وزير العدل نفسه بأنها قوانين نازية جائرة ٠
ان المقابلة التي قمت بها هي جزئ (لا يتجزأ) من النشاطات السياسية الشرعية للاتحاد الشيوعي الثوري – نضال ٠ ان تلك المقابلة أقيمت بكل براءة ٠ انني لم أخالف القانون ولا ان أمس بأمن الدولة ٠ ان موقفنا وطريقنا لضمان أمن شعب اسرائيل هو تحقيق نضالا سياسيا جماهيريا مكثف ٠
انني أقف هنا فقط لأنني مكافح غير مستعدا لأي تنازلات ضد النظام القائم ٠
ان الذي يقودني أنا ورفاقي في كل نشاطاتنا هي مصالح الجماهير اليهودية العربية الحقيقية طالما انني برئ تماما لا يوجد أي شيء في الدنيا يمكن ان يقف في طريق نضالي ونضال رفاقي للوصول الى أهداف الشيوعية السامية ٠
* * *
بعد جلسة المحاكمة التي قال فيها رامي لفنيه الأقوال المذكورة أصدر قضاة المحكمة قرارا بأدانته بجميع بنود الاتهام ٠
وبعد قرار الادانة قال رامي لفنيه الكلمة التالية:
لقد رأت المحكمة أن من الصواب ادانتي بالتهم التي وجهتها النيابة لي – على الرغم من براءتي ٠
ادانتني المحكمة وأكدت الاداء بان حساباتها كالقانون نفسه ، هي حسابات قانونية صرفة ، وانها ليست سياسية اطلاقا ٠ هذا على الرغم من انه واضح لكل انسان ، وبالتأكيد للقضاة أنفسهم ، بأن المحكمة التي هي جزء من جهاز الدولة قاضت بالحكم على انسان صرح بأنه عدو لهذا الجهاز ٠
ان ادعاء المحكمة بأن هذه المحاكمة لم تكن سياسية – هو ادعاء سياسي بحت ٠ هذا ادعاء يخدم نظام الحكم ٠ فالمحكمة نفسها ، النيابة والمخابرات هم الذين حولوا المحاكمة الى محاكمة سياسية ، لأن الاضطهاد الذي يمارسه النظام ضد معارضيه ، في غرف التحقيق التابعة للمخابرات ، بواسطة لائحات اتهام ملفقة وبواسطة قرارات حكم غير سياسية وبطرق عديدة اخرى – هذا هو عمل سياسي ، يخدم أهدافا سياسية صرفة ٠
لقد ادنت في هذه المحكمة ، لانني أناضل بلا هوادة ، ضد الاضطهاد ، والاستغلال ، والتمييز ، ضد جهاز الدولة الذي يشكل وسيلة لاضطهاد أبناء الشعب ، اليهود والعرب ، خلافا لما يبدو وكأنه يعمل بأسمهم ٠
لقد ادنت لانني شيوعي ، عضو في الاتحاد الشيوعي الثوري ، ولانني أعبر بمواقفي وبأعمالي عن مصالح أغلبية الشعب في ارض اسرائيل – فلسطين ، اليهود والعرب ، مصالح تتعارض مع مصالح اولئك الذين يخدمهم هذا الجهاز ٠
قلت في تصريحي وأعود وأؤكد: أنا أناضل من أجل مصالح العمال والفلاحين ، وأبناء الاحياء الفقيرة – العرب واليهود – لذلك ، فليس هناك شك بأني قد أضررت بمصالح جهاز الاضطهاد ، ومع اننى لم أخالف القانون في هذه القضية فان مرشدي ومرشد رفاقي ، هو الاخلاص لمصالح اغلبية السكان ، الاخلاص لطريق النضال الشيوعي الثوري وليس الاخلاص لقوانين لا انسانية ، وظيفتها حماية نظام الاضطهاد والاستغلال ٠
لقد أدعى المجرمون النازيون في محاكمات نورنبرغ بأنهم فعلوا ما فعلوا طبقا لقوانين المانيا النازية ، وتنفيذا لاوامر تلقوها من اعلى ٠ وفي محاكمة قتلة كفر قاسم ، ادعى المتهمون بأنهم نفذوا أوامر ، ولكن القضاة قرروا ان من واجب الانسان رفض تنفيذ الاوامر الغير انسانية ٠ وفي البلدان التي يعتبرها القضاة والمدعى العام “متمدنة” يتحدثون كثيرا عن حق الانسان في التصرف بما يمليه عليه ضميره – وأيضا في حالة يأمره فيها ضميره بعدم الانصياع لقوانين غير انسانية ٠
لقد ادنت في هذه المحكمة لانني تصرفت حسب ما املاه علي ضميري – وسأستمر في هذا التصرف ٠ وعلى الرغم من انني لم أخالف القانون في هذه القضية ، ، ادنت لان ضميرنا – أنا ورفاقي – يلزمنا بالوقوف ضد نظام الاضطهاد وضد قوانينه اللا انسانية ٠ وضميرنا ليس قيمة ادبية معلقه في الهواء ٠ ضميرنا وطريقنا ، طريق نضالنا ، هو مصلحة أغلبية السكان الحقيقية والملموسة ، طريق الجماهير العربية واليهودية في في فلسطين الى الديمقراطية الحقيقية ، الى الحرية والتحرر ٠
لذلك ، وعلى الرغم من أنني ادنت مم قبل المحكمة – ليس لدي شعور بالذنب ٠
وأنا مقتنع بأن العدل في جانبنا أنا ورفاقي ٠ وأنا على يقين بأنه سيأتي يوم ، يتحمل في المسؤولون عن هذه المحاكمة – وأيضا أولئك المسؤولون عن جرائم نظام الاضطهاد الاخرى – مسؤولية الجرائم التي قاموا بها ، باسم قوانين ، سنوها هم ضد مصالح ابناء الشعب ٠
وعندما سيحاكم الشعب هؤلاء المجرمين ، لن يكون باستطاعة أحد ، التستر وراء الادعاء بأنه تصرف وفقا للقانون أو بأنه تلقى امرا ٠ سيحاكم على ضميره ٠
وأما نحن أعضاء الاتحاد الشيوعي الثوري ، فلن تردعنا أساليب الارهاب ، والتعذيب في التحقيقات ولا المحاكمات السياسية الصوراية ٠
ولا يوجد شيء في العالم ، يمكن ان يردعنا ويصدونا عن النضال ضد نظام الاضطهاد ، من أجل الشيوعية ، من أجل انتصار الشعب ٠
وسيستمر النضال !