استخدم الشعب العنف الثوري للرد على العنف الامبريالي
في 9 حزيران 1975 صودفت الذكرى العاشرة للثورة العمانية المجيدة ٬ وبهذه المناسبة ٬ يسرّ “متسبين” أن تقدم لقرائها الكرام ٬ هذا المقال عن مجلة “الحرية” اللبنانية ٬ عدد 724 ٬ 9/6/1975 ٬ والتي نقلته عن نشرة “9 يونيو” لسان حال “الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي” الصادرة في حزيران 1975 .
* * *
ليست هذه هي المرة الأولى التي يثور فيها الشعب العماني ضد جلاديه والغزاة الأجانب الذين ارادوا اذلاله وابقائه تحت نير العبودية ٬ فقد عرف عنه رفضه للوجود الأجنبي واصراره على مقاتلة المحتلين وعدم التعايش معهم واعتبار النضال ضد الوجود الأجنبي ‒ أيا كان ‒ واجبا مقدسا لا يمكن التخلي عنه . وعندما يسجل الامبرياليون المقاومة البطولية التي لاقوها في عمان .. والعنف المستمر الموجه ضد وجودهم لا يبخلون بكل العبارات التي تعمل على تشويه هذا النضال .. من القرصنة .. الى اعمال السكان المتوحشين .. الخ . وبالتالي فان النضال البطولي العنيف الذي يخوضه شعبنا الآن هو استمرار للنضال البطولي الذي خاضه الاجداد والباء للدفاع عن عمان وسيادتها واستقلالها وعدم السماح للأجانب المستعمرين بالتحكم في مصير البلاد … واذا كانت الثورات السابقة قد انتكست ولم تستطع ان تواصل مسيرتها .. فان ما يميز ثورة التاسع من يونيو المجيدة هو وضوح الرؤيا امامها .. وضوح الأهداف السياسية التي يقاتل الشعب من أجلها .. واستفادتها من النضال البطولي ومن النكسات والتجارب المريرة التي خاضها شعبنا عبر تاريخه .
واذا كانت الثورات العمانية قد فشلت عقب تدخل بريطاني واسع أو ايراني أو جلب مرتزقة بأسلحة حديثة .. فان الثورة العمانية الحالية تسجل قدرة الجماهير العمانية البطلة على مواجهة قوات الاحتلال البريطاني .. واجبار الساسة البريطانيين على تغيير الكثير من مخططاتهم العدوانية لسحب الجماهير عن الثورة .. ومواجهة القوات والاطماع الايرانية التي لاقت فشلا لم يكن يتصوره شاه ايران ٬ في ظفار الى الحد الذي جعل من الضباط والجنود الايرانيين مسخرة في صلالة وبين المرتزقة الاخرين .. ومواجهة قوات الملك حسين الذي جاء بخيلاء الى عمان مؤكدا انه لن يكون مصير الثوار العمانيين أفضل من اخوانهم الفلسطينيين .. وان الخبرة التي حصل عليها الجيش الأردني في مواجهة ثوار فلسطين .. والتجربة المنقولة من الجيش الاسرائيلي الى اركان الجيش الأردني كلها ستوظف لخدمة النظام العميل في مسقط ضد ثوار عمان .. فاذا وكالات الأنباء تنقل الأخبار عن التمردات والاعتقالات في صفوف الجيش الأردني ؟؟ واذا القتلى والجرحى ينقلون اسبوعيا الى عمان وسط اجراءات أمن مشددة .. ولم يجد وزير الاعلام المسقطي بدا من الاعتراف عقب هزائم الجيش الايراني والكوماندوس البريطاني بان القتال في ظفار وتسلق الجبال والوديان لا يجيده الا أهل المنطقة .. كما ان بعض العناصر الذين اغرتهم دعاية قابوس والخدعة البريطانية لم يستطيعوا الا ان يضيفوا رقما الى الاعداد التي تقاتل الثوار .. ولم يتمكن الضباط البريطانيون من اكتشاف سر صمود الجبهة الشعبية .. وعدم قدرة قرقه المحلية الا اتهام هذه الفرق بأنها متواطئة مع الجبهة .. وانها مزروعة بالعناصر الموالية للثوار ..
هذه الاعداد الهائلة من المرتزقة والكميات الهائلة من السلاح التي استنزفت أكثر من 45 بالمئة من الدخل الحكومي وبلغت منذ عام 1970 حتى الوقت الحاضر ما يقرب من 1400 مليون دولار .. كل ذلك لم يفت من عضد الثورة .. ولم يزدها الا شموخا .. ولم يزد الجماهير الفقيرة الا اصرارا لا حد له على انتزاع النصر .
منذ اللحظات الأولى للثورة ٬ حددت الجبهة العدو الأساسي وهو الاستعمار البريطاني وأكدت على ان العذابات التي يعاني منها الشعب العماني انما هي بسبب الوجود البريطاني ..فقد كان هم الانكليز تحطيم كل شيء يمت الى العمانيين بصلة .. الملاحة العمانية والتجارة .. واقاموا حصارا محكما على عمان لاعادتها سنوات طويلة الى الوراء .. وعندما سيطرت بريطانيا على الجبل الأخضر عملت على تشويه صورة العماني في كل المحافل العربية والدولية .. ولعبت دورا كبيرا في عزله عن بقية أبناء الخليج ومعاملته بشكل خاص واطلاق كافة النعوت والصفات البذيئة عليه .. وحاربته في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية .. لقد كان الانكليز يعرفون ان العمانيين قد لعبوا دورا عظيما في تاريخ جنوب شرق الجزيرة العربية والمحيط الهندي ٬ وكانوا مفتاح الخليج .. ولا يمكن السيطرة على الخليج دون تحطيم تام لهم .
لهذا كان تحديد الجبهة للعدو الأساسي المكسب الأول والأساسي الذي ظل ينير الطريق أمام المناضلين طيلة السنوات العشر الماضية ولا يزال .
لقد كان قادة الثورات العمانية السابقة يطمسون ‒ بدون وعي في أغلب الأحيان ‒ هذه الحقيقة ٬ وكانوا يصرون على تحديد أسرة البو سعيد أولا على انها العدو الأساسي .. ولم يترددوا عن الاحتكام الى الانكليز عندما تضيق بهم السبل .. هكذا كان الحال مع عزان بن قيش .. والخروصي .. وحتى عندما اعتدت بريطانيا على الجبل الأخضر واحتلته .. لم يحدد العدوان البريطاني بشكل واضح على انه عدوان على الشعب العماني .. بل يصور احيانا بانه اعتداء على الجبل الأخضر فقط .. وحاولت الكثير من الاقلام ان تصور امامة عمان وكأنها مستقلة لا علاقة لها بمسقط .
ان تحديد العدو مكسب أساسي للثورة لأن بريطانيا عملت طيلة السنوات الماضية وخاصة بعد مجيء قابوس على الاختفاء وراء الواجهة المحلية . وكان أول رد فعل للجبهة الشعبية بعد تغيير سعيد بن تيمور هو الاشارة الى الدور البريطاني في هذه المسرحية حتى لا تختلط الألوان على الجماهير .
وقد حاول نظام مسقط ان يبعد باستمرار هذه التهمة عن نفسه .. عبر مئات الأساليب الداخلية والخارجية .. لكن الجبهة كانت تمسك الخيوط باستمرار .. وتقول للجماهير هذا هو العدو الأساسي الذي يجب محاربته .
واتضحت الصورة أكثر وأكثر .. مع زيادة المستشارين والخبراء البريطانيين .. مع جلب القوات الايرانية بالتنسيق البريطاني الأمريكي في حلف السنتو ..بتأجير قاعدة مصيرة البريطانية للأمريكان .. بجلب التلامذة البريطانيين من الأردن لمقاتلة الشعب العماني .. وبان للجماهير ان العدو الذي يقاتله ثوار الجبهة الشعبية ليس اشباحا في الظلام .. انه وجود مادي للاستعمار البريطاني ممثلا في الاتفاقيات والقواعد والجنود والمستشارين البريطانيين العسكريين والمدنيين .
منذ الساعات الأولى لانطلاق الثورة .. أوضحت الجبهة ان الأساليب الدبلوماسية المتبعة لحل القضية العمانية .. بعد ان أوقفت كافة العمليات العسكرية بعد 1961 تدور في حلقة مفرغة .. وان المقررات الهامة التي خرجت بها الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول حق الشعب العماني في تقرير مصيره وضرورة جلاء القوات الأجنبية من أراضيه والقرارات الهامة التي خرجت بها جامعة الدول العربية منذ انشاءها .. ان كل هذه المقررات التي تطالب بجلاء القوات البريطانية والغاء كل الاتفاقيات المجحفة .. لن تجد طريقها الى التنفيذ الا بواسطة البندقية .. من خلال العنف الثوري الجماهيري المنظم ولهذا دعت الجبهة الشعب العماني الى القيام بالثورة المسلحة لتطهير الأرض العمانية ٬ والتلاحم مع كل المناضلين في منطقة الخليج العربي لخلق جبهة واسعة ضد الانكليز وعملائهم .
لقد مرت الثورة في منعطفات حادة طيلة العشر سنوات الماضية .. لكنها لم تفقد في أية لحظة من اللحظات وضوح الرؤيا تجاه العدو الأساسي وهو الاستعمار البريطاني .. وكان هذا التحديد عاملا عظيما مكن الثورة وجماهيرها من الصمود في وجه المؤامرة الضخمة التي حاكتها الدوائر الاستعمارية عام 1970 عندما جلبت قابوس وخططت للحركة الانقسامية في ايلول 1970 .
ورغم الصعوبات الهائلة التي تواجه المناضلين في هذه المرحلة .. رغم التكالب الواسع لقوات عديدة .. فان الوضوح السياسي يلعب الدور الأكبر والفعال في شحذ هممهم وتحديهم لكل الصعوبات والمؤامرات التي تحاك ضدهم .. ويزداد اتساعا جيش الثورة السياسي .. الجماهير التي تكتشف يوميا صدق برامج الجبهة وصحة خطها السياسي .. فتلتحق بها وتتحدى النظام القابوسي .. وتفتح عليه جبهات متزايدة في كل منطقة من مناطق عمان .
وتدرك الجبهة جيدا ميزان القوى والعلاقات داخل الصف الامبريالي الرجعي وتشخصه بوضوح .. فالمعركة التي تخوضها الجماهير العمانية ليست معزولة عن المعركة التي تدور بين الجماهير في الجزيرة العربية أو الوطن العربي وأعدائها الامبرياليين .. واذا كان البريطانيون لا يزالون يحتفظون بتوجيههم لدفة المعركة في عمان .. فان الموجه الأول للقوى الامبريالية في منطقة الخليج العربي .. هو الامبريالية الأمريكية التي تراقب بحذر وقلق ما يجري في عمان .. وتخرج بقوات حلفائها وعملائها في المعركة قبل ان تجد نفسها مجبرة على الدخول مباشرة في الحرب .
ان الغزو الايراني لعمان .. يكتسب أهميته من حيث الاهتمام الأمريكي بالحرب في عمان .. كما ان استئجار قاعدة مصيرة وجلب مستشارين وخبراء أمريكان لتدريب الجيش “العماني” انما هو بداية الفصل الكبير في المواجهة القادمة .
الجماهير هي صانعة الثورة وصاحبة المصلحة الأساسية فيها
ان المكسب الكبير الاخر الذي تحقق عبر النضال ضد كافة أشكال الوصاية القبلية والاقليمية والقيادات المترهلة هو التأكيد على ان الجماهير هي صانعة الثورة وانه من الضرورة ان تجري تحولات حقيقية وسط الجماهير في المناطق المحررة .. وفي أساليب عمل الثورة لتنظيم وتعبئة وتأطير أوسع الجماهير .. ومن الضروري الا تبقى القرارات حبرا على الورق ٬ بل من الضروري اخراجها الى حيز التنفيذ .. لقد ترجمت الجبهة هذه القناعات عبر الأساليب التالية :
1 ‒ من الضروري ان يخرج الفكر ما اطار المثقفين المحدودي العدد .. وان ينتشر في أوساط أوسع الجماهير الشعبية .. ليس من خلال حفظ تعابير وكليشيهات .. وانما عبر معايشة الواقع وتبيان مضاره .. وطرح الحلول الصحيحة وتوعية الجماهير من خلال الندوات الشعبية العلنية التي تدعو لها كل الجماهير في تلك المنطقة .. والرد على تساؤلاتهم واخراجهم من حالة العزلة التي فرضها عليهم المستعمر الى افاق أوسع .. لقد حققت الندوات الشعبية الواسعة في المنطقة المحررة نجاحات كبيرة في توضيح خطر القبلية على الجماهير وضرورة ان تقف كل الجماهير من مختلف العشائر والقبائل صفا واحدا يوحدها الوطن والنضال المشترك ضد العدو المشترك .
لقد انتصرت الثورة على العقلية القبلية منذ 1967 وعلى القيادات القبلية التي أرادت ان تكون الثورة مطية لأطماعها .. وتكون ثورة التاسع من يونيو نسخة مكررة ومشوهة عن الثورات التي قادها مشايخ القبائل في مراحل تاريخية سابقة . وكان ذلك الانتصار هو الضمان الذي مكن الثورة ان تصمد خلال المرحلة العصيبة التي مرت بعد مجيء قابوس .. وبعد ان أخرجت الدوائر الاستعمارية من جعبتها كل ما تملكه من أسلحة وخبرات لاستثمارها في تأجيج واعادة روح القبلية لتفكيك الثورة من الداخل فشكلت الفرق المحلية التي ارتبطت معها على أسس قبلية .. وطلبت من كل فرقة ان “تحرر” المنطقة التي كانت تقطنها قبل الثورة من “الشيوعيين” وان تعيد كل الأعراف القبلية والامتيازات العشائرية التي قضت عليها الثورة .
ورغم النجاحات التي حققتها السلطة بعض الوقت .. لكنها فشلت في السنتين الاخيرتين فشلا ذريعا حيث اكتشف الجنود في هذه الفرق سياسة التفرقة البغيضة التي يتبعها الضباط البريطانيون .. والأخطار الكبيرة التي تحيط بالوطن .. مما أسهم في تفكك العديد من هذه الفرق ..
وعبر الممارسة العملية والاحتكاك بين العناصر التي حصلت على قسط من التعليم في الخارج ٬ برز في صفوف الجبهة عناصر طليعية من أوساط المسحوقين ٬ من الرعاة ٬ والخدم المسحوقين في المدن ٬ والعمال والفلاحين ٬ لتقود العملية الثورية عبر السنوات الماضية .
خلال المرحلة الأولى من عمر الثورة ٬ أسهمت القيادات القبلية والسلطة العميلة في تعميق النزعة الاقليمية .. فمن ناحية استخدم السلطان حرسه من قبائل عمان الداخل ليضرب بهم أبناء الاقليم الجنوبي .. وروجت القيادات القبلية لهذه الوضعية وضرورة التخلص منها عبر الحصول على استقلال لهم .. لكن هذه الوضعية لم تصمد ٬ فقد التقت كل العناصر والقوى الوطنية العمانية لتصب في جبهة واحدة من مختلف مناطق عمان ٬ ومن ناحية أخرى ٬ التقت كل القوى والعناصر الرجعية من جميع مناطق عمان لتصب كلها في خدمة المخطط الامبريالي الجديد .
2 ‒ أولت الثورة اهتمامها لتنظيم الجماهير .. فبعد اشاعة الوعي وسط الجماهير لا بد من الانتقال الى تنظيمها . لقد كانت العمليتان تسيران جنبا الى جنب .. ففي الريف تمكنت الثورة من اشراك مجاميع كبرة في جيش التحرير الشعبي كعناصر متفرغة أساسا للعمل العسكري .. رغم اشتراكها في الانتاج في بعض الأحيان .. ووزعت السلاح على الجماهير ونظمتها في وحدات الميليشيا لتدافع عن أماكنها وتشكل قوة مسلحة صدامية في وجه العدو في حالة تغلغله الى المناطق المحررة . كما أولت اهتماما شديدا لتنظيم الجماهير من خلال اشراكها في كافة النشاطات وبرمجة عملها .
ان الثورة ملك للجماهير ويجب ان تكون سيدة نفسها في المناطق المحررة وهكذا تشكلت المجالس الشعبية بعد مضني استمر سنتين للتوعية بأهمية هذه المجالس .. فليس سهلا لمن تعود على نظام العشيرة والقبائل ان يدرك قيمة اسهامه في اتخاذ القرارات التي يراها حق من حقوق القيادة .
3 ‒ أولت الجبهة اهتماما خاصا للتعليم .. وشكلت الكثير من اللجان لمحو الأمية في بداية الأمر .. حيث لعبت معسكرات الثورة دورا كبيرا في هذا الميدان .. كما أسهمت ادارات جيش التحرير في كافة المناطق بمحو الأمية .. وتمكنت الجبهة من انشاء مدارس لهذا الغرض حيث احتفلت بالذكرى الخامسة لها في ابريل الماضي ..
ان القيمة لهذه العملية الثورية لا تأتي فقط لكونها تقضي على الأمية ٬ وانما لرفع مستوى الوعي السياسي لدى المواطنين .. وأيضا غرس الثقافة الوطنية والتربية السياسية في صفوف الطلبة كمادة أساسية .. وكخط عام تصاغ على ضوئه كافة البرامج التعليمية .
ان الاهتمام بالتعليم قد صاحبه اهتمام بتنظيم الشبيبة والطلبة . واذا كانت الجبهة تدرك أهمية اشراك كل الجماهير في العمل الثوري .. فان خلق منظمات للشبيبة والطلبة سيشرك غالبية الطلبة في الكثير من الأعمال الاجتماعية والسياسية والنضالية .
4 ‒ أولت الجبهة اهتماما خاصا للمرأة ٬ انطلاقا من نظريتها التقدمية الى دور المرأة في معركة التحرر الوطني . فاذا كان من الضروري تحرير “العبيد” من قصور السلطان واشراكهم في العمل الثوري .. فان من الضروري تحرير المرأة من القيود الاجتماعية المتخلفة واشراكها في الدفاع عن وطنها والقيام بكافة الالتزامات الوطنية التي يفرضها عليها الواجب كمواطنة في هذا البلد .
لقد أدركت كل الجماهير ان الاستعمار يريد تعطيل دور المرأة الوطني وحبسها في قصور الحريم .. أو جعلها مادة للدعاية .. أو اعطائها أدوارا ثانويا .. وتكبيل نصف المجتمع بالقيود لمنعه عن الاسهام في تقدم وطنه .. ولهذا اندفعت الجماهير ودعمت البرامج التي طرحتها الجبهة في فتح المجال للمرأة للتدريب والتعليم والقيام بكافة المهمات النضالية .
ولقد تمكنت المرأة العمانية ان تقدم اروع البطولات والتضحيات في سبيل الوطن فسجل الشهداء مليء بالمناضلات اللواتي قدمن أرواحهن في ساحات المعارك في الخط الأحمر والممر والمنطقة الشرقية والغربية امثال طفول ٬ فاطمة دبلان ٬ منى جهام ٬ فاطمة غنان . كما ان سجون مسقط تستقبل بين الفترة والاخرى مناضلات من مختلف مناطق عمان . وبرزت المرأة العمانية في المحافل الدولية والعربية من خلال منظمة المرأة العمانية التي تشكلت منذ فترة لتنظيم جهود وأعمال ونضالات المرأة العمانية في المناطق المحررة والرازحة تحت سيطرة العدو على حد سواء .. وكان للدور الكبير الذي لعبته المرأة العمانية اثره البالغ في المنظمات الدولية ٬ وفي أكثر من مناسبة عهد اليها بالحديث عن القضية العربية ٬ وتمثيل المرأة العربية في اللجان الفرعية لهذه المنظمات الدولية .
تحقيق نجاحات عسكرية وسياسية على العدو
ان الثورة تهدف الى الحاق الهزيمة السياسية والعسكرية بالعدو الامبريالي والرجعي . ان هذه العملية المعقدة التي دامت عشر سنوات جديرة بالدراسة لاكتشاف الخسائر والنجاحات التي حققتها الثورة في هذه المسيرة .
على الصعيد العسكري
حاولت السلطة العميلة في مسقط ان تبرهن باستمرار ومنذ السنة الأولى لمجيء قابوس ٬ بأن الثورة قد انتهت .. فبعد مجيء قابوس بشهر واحد ٬ ادعى الضباط البريطانيون في صلالة بأنه لم يبق سوى أربعين “شيوعيا” تجري مطاردتهم وتصفيتهم ولن تستغرق العملية سوى أسابيع معدودة .
وتوالت بعد ذلك التصريحات والتحقيقات الصحفية .. وكلها تصب في خط واحد والى نتيجة واحدة .. انتهت الثورة ولم يبق الا بعض المختبئين في الكهوف كالوحوش ‒ على حد تعبير شاه ايران ‒ لكن ذلك لم يخف الحقيقة .
فخلال السنوات الخمس الماضية واجهت الثورة الحملات العسكرية البريطانية والايرانية والأردنية .. وأفشلتها .. وجعل العدو يتخبط في برامجه العدوانية ويستبدل وزير دفاعي بأخر (خلال سنوات خمس ٬ جاء ثلاث وزراء للدفاع وكلهم بريطانيون) ٬ ويجلبون جيشا أجنبيا ليحل محل جيش أجنبي اخر .. ورغم هذا فان الحديث عن انتهاء الثورة لم يتوقف .
لقد كانت أبرز المعارك التي دارت في السنة الأخيرة ٬ هي معارك المنطقة الغربية والخط الأحمر .
فقد خطط الجيش الايراني للسيطرة التامة على المنطقة الغربية والوصول الى الشيرشتي وبيت حندوب على أساس انهما من المواقع الاستراتيجية للثورة .. وقدم الجيش الايراني المئات من القتلى والجرحى .. دون ان يحقق أية نتيجة عسكرية تذكر .
اما الجيش الأردني الذي جلبوه ليحل محل الجيش الايراني في الخط الأحمر ٬ فقد توهم قادته العسكريين ان الجيش الايراني قد طهر المنطقة حسب البلاغات العسكرية التي تصدر من طهران ومسقط .. ولكنه فوجئ بسقوط العشرات من القتلى والجرحى باستمرار في صفوفه .
وخلال العام الماضي .. دارت معركة عسكرية غير متكافئة في عمان الداخل . لكنها دللت بالملموس على ان الثورة تملك القدرة على نقل المعارك الى المواقع التي يتصورها النظام حصينة ٬ لا يمكن الوصول اليها .
وكانت نتيجة المعارك على لسان وزير الاعلام المسقطي الذي علق على هزيمة الايرانيين بقوله : لقد ثبت ان تسلق الجبال وسلوك الوديان في ظفار عمل لا يجيده الا أبناء المنطقة أنفسهم .
على الصعيد السياسي
عاشت سلطنة مسقط حالة من العزلة خلال عهد سعيد بن تيمور .. لكن اكتشاف النفط عام 1964 ٬ جعل البريطانيون يعيدون النظر في سياستهم في مسقط ٬ ورافق اسقاط سعيد بن تيمور .. محاولة كبيرة من بريطانيا لاخراج السلطنة من عزلها وتطويق الجبهة على الصعيد السياسي الخارجي .
ومع التوجه الكبير للسياسة البريطانية لاخراج مسقط من عزلتها فقد دارت معارك سياسية واسعة بين النظام العميل وبين الثورة العمانية .
فقد حكمت سياسة الثورة الخارجية لخطوط التالية :
1 ‒ ان الحلفاء الأساسيين للثورة هم القوى والحركات الوطنية والتقدمية العربية والبلدان العربية الوطنية والتقدمية . وحركات التحرر الوطني في العالم . والبلدان الاشتراكية والأحزاب الاشتراكية والتقدمية في البلدان الرأسمالية .
2 ‒ ان من الضروري ان نخوض حربا واسعة ضد النظام العميل على الصعيد العربي بشكل أساسي لفضح :
1 ‒ ارتباطاته بالاستعمار البريطاني واستمرار كافة مظاهر الوجود الاستعماري التي شجبتها الدول العربية والقوى والأحزاب التقدمية .
2 ‒ كشف خطورة القواعد العسكرية البريطانية في عمان على الشعب العماني وبقية الشعوب العربية الاخرى .. وضرورة دعم الشعب العماني لتصفية هذه القواعد .
3 ‒ مشروعية النضال التحرري الذي يخوضه الشعب العماني وارتباطه بالنضال العربي من أجل التحرر والاسهام في المعركة المصيرية التي تخوضها الأمة العربية ضد الامبريالية وعملائها في المنطقة العربية .
ولقد لعبت الكثير من الظروف ٬ وطبيعة اللعبة البريطانية والتحركات الواسعة للعملاء في اخفاء الصورة الحقيقية لحكام مسقط بعض الوقت .. غير ان استدعائهم للجيش الايراني .. وموقفهم المخزي خلال حرب رمضان .. ووعودهم الكاذبة لدعم الصمود العربي .. وتسليمهم جزيرة مصيرة لأمريكا عقب التهديدات الأمريكية باحتلال منابع النفط قد عرت حقيقة هؤلاء العملاء ٬ واستطاعت الجبهة ان تنسج علاقات حميمة مع أغلبية الدول العربية الوطنية .
اما على صعيد حركة التحرر العربية ٬ فقد تبوأت الجبهة مكانها الطبيعي كفصيل صدامي ثوري يناضل في أحد المواقع الاستراتيجية الامامية للثورة العربية .. وبدأت القوى الوطنية في كل قطر عربي تنسج علاقات حميمة معها .. خاصة فصائل الثورة الفلسطينية المسلحة .. كما تسهم الجبهة بدور متواضع في الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية .
وعلى الجانب الاخر برزت سلطنة مسقط كقوة رجعية شرسة ليس فقط ضد الثورة العمانية ٬ وانما ضد كل الحركات الوطنية العربية ٬ وكان دورها في مؤتمر مكافحة الشيوعية الذي عقد تحت اشراف المخابرات الأمريكية وعملاء الأمريكان في المنطقة .
وتمكنت الثورة ‒ الى حد ما ‒ من كسر حاجز العزلة والحصار الذي فرضته الدوائر الامبريالية والرجعية في المنطقة . حيث أصبحت أخبار المعارك اليومية تجد اصدائها بشكل أساسي في صفوف الحركة الثورية الفلسطينية والأردنية ٬ وتناقلتها ادبيات المناضلين في الكثير من الأقطار العربية .
ولا يزال امام القوى الوطنية والتقدمية واجب تشكيل لجان الدعم والمساندة في كل قطر عربي .
اما على صعيد الجامعة العربية ٬ فقد وقفت بعض الدول العربية الى جانب الجبهة ورفضت كافة الحجج التي قدمتها حكومة مسقط عن أسباب استدعاء الجيش الايراني وتمكنت هذه الدول من افشال مخططات الدول الرجعية التي أرادت استخدام الجامعة العربية مطية لتحقيق أحلامهم التصفوية .. ولقد تحققت هذه المكاسب بفضل النضال البطولي الذي يخوضه ثوارنا ضد كافة أشكال التدخل الأجنبي والحاق الهزائم بقوات الغزاة والمعتدين .
وعلى الصعيد العالمي
نسجت الجبهة علاقات وثيقة مع حركات التحرر الوطني المناضلة ضد الامبريالية وكانت زيارة الوفد الفيتنامي الى المناطق المحررة .. وزيارة الوفد العماني الى فيتنام الديمقراطية دليلا ساطعا الى التلاحم العميق بين الثورة الفيتنامية والثورة العمانية .
كما عبرت الثورة العمانية عن وقوفها المطلق الى جانب النضالات التحررية التي تخوضها الشعوب الايرانية بقيادة منظماتها الثورية .. وقد أكدت الجبهة على العلاقة النضالية المتينة التي تربط الشعبين العربي والايراني في نضالهما المشترك ضد الامبريالية والرجعية العربية والايرانية .
وخلال السنوات القليلة الماضية ٬ اقامت الجبهة علاقات وثيقة مع حركة التحرر الافريقية والدول الافريقية التقدمية .. وكشفت بوضوح عن هوية النظام القابوسي المعادي لطموحات شعبنا .. والذي يلتقي مع الأنظمة العنصرية في جنوب افريقيا بشكل خاص ضد الدول الافريقية والحركات التحررية الافريقية .
صعيد العلاقة مع البلدان الاشتراكية
فقد حرصت الجبهة الشعبية على نسج أوثق العلاقات مع البلدان الاشتراكية باعتبارها الحليف الأساسي لحركة التحرر الوطني .. والتي أثبتت وقوفها المبدئي الى جانب نضال الشعوب العربية ضد الصهيونية والامبريالية .
وخلال السنوات القليلة الماضية تطورت العلاقات مع سائر البلدان الاشتراكية وخاصة مع الاتحاد السوفياتي وكوبا والصين الشعبية .. وقد قدمت هذه البلدان الدعم المعنوي والمادي للثورة .
وحققت الثورة نجاحات كبيرة في المؤتمرات العالمية وخاصة مؤتمرات السلم والتضامن ٬ وكان لها دور كبير في فضح السياسة الامبريالية الجديدة في منطقة المحيط الهندي حيث شاركت بنجاح في مؤتمر السلم العالمي الذي عقد في موسكو .. وكافة المؤتمرات التي عقدت في نيودلهي وبغداد .
وقد حظيت الجبهة بتأييد واسع في مؤتمر المنظمات الشعبية والمهنية الذي عقد في بغداد في شهر فبراير 1975 والذي شاركت فيه أكثر من 1000 شخصية عالمية ومنظمة سياسية والذي ادان الغزو الايراني على عمان وثمن النضال البطولي الذي يخوضه الشعب العماني بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير عمان .
وكان النجاح الكبير الذي حققته الجبهة على صعيد الدعم الشعبي .. هو حضورها المؤتمر الذي عقد في الجزائر للحقوقيين الدوليين الذي حضره أكثر من 500 شخصية دولية قانونية من مختلف الاتجاهات السياسية التقدمية .. وقد ادان هذا المؤتمر السياسة الاجرامية التي تتبعها حكومة مسقط بحق المواطنين وطالب باحترام حقوق الانسان والافراج عن المعتقلين السياسيين . وأيد النضال العادل الذي يخوضه الشعب العماني لانتزاع حريته .
على صعيد الأحزاب والمنظمات العمالية غي البلدان الرأسمالية
تملك الجبهة علاقات حميمة مع العديد من الأحزاب التقدمية في أوروبا بشكل خاص ٬ وقد انتشرت لجان مناصرة الثورة العمانية في كل من بريطانيا والمانيا وفرنسا والدول الاسكندنافية .. وكذلك في الولايات المتحدة .
وقد حظى النضال العماني بالاهتمام من قبل الكثير من التقدميين في بريطانيا وأمريكا ٬ في البرلمان البريطاني وخارجه .. وقد لعب هؤلاء التقدميين ادوارا كبيرة في تعرية الدور القمعي الذي تقوم به القوات البريطانية وطالبوا حكومتهم بالانسحاب الفوري من عمان .
وهكذا يتزايد الدعم الشعبي من قبل محبي الحرية والسلام في العالم لنضالات شعبنا وذلك بفضل الجهود التي تبذلها الجبهة على الصعيد الداخلي والخارجي لمكافحة الوجود الاستعماري ٬ وتعريته وفضح خيانات قابوس وزمرته ومحاربة السياسة الامبريالية التي تريد وطننا مسرحا لعملياتهم العدوانية .
ان الخط العام الذي يحكم سياسة الجبهة الخارجية هو كسب المزيد من الانصار وتوضيح النضال البطولي للشعب وتقوية العلاقات مع كافة المنظمات الديمقراطية والتقدمية والبلدان الاشتراكية والتقدمية واحكام الخناق على هذا النظام العميل الذي يريد ان يبرز على غير حقيقته امام الرأي العام العربي والعالمي .
الوحدة الوطنية .. تكتيل أكبر عدد من القوى والشخصيات الوطنية
لقد مرت الجبهة في هذه المسألة بالكثير من التعرجات .. وخاصة صراعات عنيفة ضد سياسات العدو التي أرادت عزلها وخنقها وسحب الجماهير والعناصر الوطنية من حولها .
ولكن الجبهة تمكنت ان تخرج منتصرة من هذه المعركة .. وان تعمق البحر الجماهيري حولها .. وان تنسج العلاقات الوطيدة وتوحد القوى السياسية الوطنية في اطار جبهوي واحد .
فقد شهدت الثورة العديد من اللقاءات بين القوى الوطنية سواء في اهليش حيث اندمجت الجبهة الديمقراطية مع الجبهة الشعبية ٬ أو اللقاء التاريخي بين حزب العمل العربي في عمان والجبهة الشعبية والذي تم بموجبه دخول حزب العمل العربي في اطار الجبهة .. كما شهدت عمان الداخل انتشارا واسعا للجبهة اكدته خملات الاعتقال الواسعة التي شملت العمال والفلاحين والرعاة والصيادين وفئات واسعة من البرجوازية الصغيرة ومشايخ القبائل الوطنيين ورجال الدين الغيورين على وطنهم والنساء والطلبة .
وكان مؤتمر الجبهة الاخير تتويجا لكل الانتصارات على هذا الصعيد . فقد تمكنت الجبهة من الخروج ببرنامج عمل واضح يستوعب كل القوى والعناصر والشخصيات الوطنية الحريصة على شخصيتها القومية ٬ وعلى استقلالها الوطني ٬ وفي سبيل دحر الغزاة والمحتلين وتصفية كل القواعد العسكرية العدوانية .
ان كل هذه النجاحات السياسية والعسكرية ٬ الداخلية والخارجية ما كان بالامكان الحصول عليها .. لولا وضوح الرؤيا امام قيادة الثورة لمجرى التطور التاريخي .. لنوعية القوى المعادية وطبيعة الأساليب التي تستخدمها .. وضرورة التمسك بالخط الثوري .. وبالبندقية لمواصلة حرب الشعب الطويلة الأمد فبالفكر والبندقية خطى شعبنا العماني العظيم خطوات هائلة الى الأمام .. وتمكن من تحقيق انتصارات لم تحققها أي من الثورات العمانية السابقة .
[اذا كان يعنيك فهنالك مقال آخر عن النضال الثوري في عمان : الكفاح في عمان-ظفار – مقابلة مع محمد عبد الله]