ان حرب التحرر القومي الدائرة في أقطار الخليج العربي (الفارسي) لم تبدأ في السنوات الأخيرة فقط . فقد سبقت الكفاح الثوري المسلح في ظفار – والذي بدأ في 9 حزيران 1965 – انتفاضات في البحرين (1945-1956) , في عمان الداخلية (1957-1959) وفي قطر (1963) .

ان الكفاح في ظفار , الذي ثبّت نواة ثورية تسيطر على منطقة محرّرة وتنفذ فيها برنامجا ثوريا , هو بمثابة قدوة لباقي مناطق الخليج العربي . في سبتمبر 1968 تم توحيد “جبهة تحرير ظفار” مع القوى الثورية الأخرى في المنطقة , وتجلّى هذا التوحيد بقيام حركة موحدة – “الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل” . ولقد كان توحيد قوات التحرير ذا أهمية خاصة اذ مكنهم ذلك من اتخاذ استراتيجية موحدة في كل المنطقة ومن تجنب انشقاقات (قومية) ناجمة عن الحدود الاصطناعية لامارات النفط , تلك الحدود التي وضعها الاستعمار البريطاني .

في حزيران 1970 بدأ نضال ثوري آخر في عمان الداخلية بواسطة “الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي” . واتسم هذا النضال بتوسيع الكفاح المسلّح من جنوب عمان (ظفار) الى مناطق اخرى من السلطنة . وفي ديسمبر 1972 تم توحيد الجبهتين , ودعيت الحركة الموحدة “الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي” . وفي تلك الفترة بدأت مفاوضات سياسية بين الجبهة وبين “حزب العمال العرب في عمان” , وانتهت باتخاذ قرار بالتعاون بين الجانبين .

ووضعت الجبهة الشعبية لنفسها , في مؤتمرات مختلفة , استراتيجية ثورية , تشمل النضال ضد الامبريالية واعوانها من السلاطين والشيوخ , وضد المنهج الاجتماعي العائلي في المنطقة , وتسعى لتحرير قومي اجتماعي , وذلك بأسلوب مشابه لما يجرى تنفيذه في جمهورية اليمن الديمقراطية (اليمن الجنوبي) .

ومؤخرا افادت الأخبار ان قوات سلطنة عمان- ظفار تحت قيادة قوات عسكرية ايرانية , تقوم بشنّ هجوم جديد على معاقل الجبهة الشعبية في المنطقة المحررة من ظفار . وهذا التطور يدلّ على تغيير في ميزان القوى في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية . فايران [في زمن الشاه] تعزز لنفسها مكانة هامة بدورها “كلب حراسة” للامبريالية (الأمريكية والبريطانية) في المنطقة وستضطر الحركات الثورية في المستقبل الى الوقوف أمام حلف من الحكام المحليين , ايران والامبريالية , وهي في شبه عزلة عن القوى المؤيدة لنضالها .

ان اليمن الجنوبي المدعوم من قبل “المعسكر الشرقي” والصين , والموجود في نضال دائم ضد الرجعية المحلية والخارجية , لا يزال يشكل مصدر القوة للجبهة الشعبية في عمان- ظفار . ودخول ايران بشكل فعال في النضال السياسي والعسكري سيضطر , كما يبدو , القوى الثورية الى البحث عن حلفاء في العالم العربي . وليس من المستبعد ان يتم ذلك خلال تنازلات معينة في المجال العقائدي – السياسي .

ان مستقبل التجربة الاشتراكية في جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية منوط الآن أكثر من أي وقت مضى بالتطورات الثورية في العالم العربي , فالضريبة الكلامية التي تزجيها أنظمة الحكم العربية “التقدمية” – مصر , سوريا والعراق – وذلك كنوع من المساعدة للنضال في الخليج العربي , ترمز الى نضال هذه الأنظمة ضد الامبريالية والرجعية العربية .

هيئة تحرير متسبين

*     *     *

ننشر فيما يلي المقابلة التي أجرتها مجلة “تريكونتيننتال” الصادرة في كوبا مع محمد عبد الله – عضو اللجنة التنفيذية للقيادة العامة للجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي (فيما يلي : الجبهة الشعبية) .

pfloag

محمد عبد الله : يعيش الطرف الجنوبي- الشرقي لشبه الجزيرة العربية الآن مرحلة هامة من التحول الاجتماعي , تهدم الاطارات القديمة وتؤدى الى نضال عنيف للتحرر القومي , وهذا النضال الذي تكلل بالنصر التام تحت قيادة ماركسية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يسير على طريق النصر في سلطنة عمان ويتعاظم في اتحاد الامارات العربية . وليس ثمة مجال للشك في وجود مؤامرة امبريالية في الخليج العربي – هكذا يسمى الخليج الفارسي عند العرب – تتجلّى واضحا في ثلاثة مظاهر : عسكرية , سياسية واقتصادية .

ان نظام الدمى – الذي يقف في رأسه السلطان سعيد بن تيمور قابوس – يحظى بدعم منهجي . فلقد نجح قابوس في ابعاد ابيه عن السلطة وذلك بمساعدة الحرس البريطاني الخاص الذي أعدّ بذريعة الحماية لوالد قابوس من انقلابات البلاط . وبعد انقلاب 1971 وقع قابوس على سلسلة اتفاقيات مختلفة مع ايران , العربية السعودية والعائلة المالكة الأردنية . وبموجب هذه الاتفاقيات فقد قدمت مساعدة عسكرية كبيرة لجيش السلطنة الذي قوامه عشرة آلاف رجل . وقد زيدت مساعدات ايران بصورة ذات مغزى خطير اثر زيارتي طوايني بن سهاب مستشار قابوس لطهران (1971-1972) وفي تلك الفترة استولت ايران أيضا على جزر أبو موسى , طمب الصغير وطمب الكبير الواقعة داخل الخليج العربي , وعلى ام الغنم في مدخل مضيق هرمز وعلى جزر كوريا – موريا الواقعة امام ساحل عمان . ومن هنا يتضح ان الوجود العسكري الايراني ليس مقصورا على الخليج فحسب , بل ان لهذا الوجود بعثات في خليج عمان والبحر العربي ومقابل تنازله عن هذه الجزر حصل حاكم عمان على تعزيز عسكري يقدر بألفين وتسعمائة مقاتل . وتقع القيادة العامة لهذه القوات في جزيرة كوريا – موريا . وقد تم ارسال حوالي ألف منها الى البر لمحاربة قوات الغريلا التابعة للجبهة الشعبية وتستعين قوات السلطان الجوية بحوالي ثلاثين طيارا ايرانيا وتسع طائرات هيلكوبتر ايرانية . ويشترك رجال المباحث الايرانية – المدربون على ايدي مستشارين أمريكيين – عمليا في التحقيق مع اسرى من الجبهة الشعبية , وبالاشراف على حملات من العقاب لقواتنا وللسكان المحليين . وأسباب تعزيز الدعم لنظام الحكم في عمان- ظفار راجعة الى ضرورة حماية المصالح الاقتصادية – النفط – والجيو- استراتيجية لكل من بريطانيا والولايات المتحدة في المنطقة .

العربية السعودية

بعد زيارة قابوس للرياض (1971) صادق الملك فيصل على منحة مالية لعمان قدرها 600 مليون جنيه استرليني وذلك لاغراض عسكرية . وقام وزير الدفاع سلطان عبد العزيز بزيارة الى سللا – المدينة المركزية في ظفار – لكي يطلع على الاحتياجات الخاصة لنظام الحكم في المنطقة , كما وارسل المستشارون العسكريون . ومقابل هذا العون وافق قابوس على تركيز جزء من قواته قرب الحدود مع اليمن الجنوبي وذلك لتحويل قسم من جيش اليمن الجنوبي بعيدا عن حدوده الشمالية مع العربية السعودية . وتبدو هذه العملية كجزء من مخطط يهدف الى محاصرة وعزل الحصن الماركسي – الثوري لشبه الجزيرة العربية , والى اضطرار اليمن الجنوبي لتحويل جزء من طاقاته البشرية من مشاريع التحويل الاقتصادي والاجتماعي الى عمليات دفاعية .

ويمكننا الآن ان نرى بوضوح تقسيم المنطقة الى مناطق نفوذ كالآتي : ايران تسيطر على مياه الخليج العربي , خليج عمان والبحر العربي والعربية السعودية تثبت اقدامها كحاكمة لأراضي شبه الجزيرة بدون التخلى , طبعا , عن طموحها لسيطرة مطلقة في المنطقة . ورغم التضارب والتناقض بين مصالح هذين البلدين فان التحالف بينهما أثبت مقدرة هائلة . ومما يدفع ايران , العربية السعودية , اتحاد الامارات العربية , الأردن , اثيوبيا وعمان – ظفار الى التعاون فيما بينها هو سعيها للابقاء على الوضع الراهن وذلك خشية من أفكار ثورة اجتماعية – اقتصادية . هذا هو حلف الرجعية العربية ضد الثورة العربية المتعاظمة .

ولهذا الحلف الرجعي ممثلون في سلطنة عمان – ظفار . فهنالك أربعمائة رجل منتشرون بين قوات المدرعات , المدفعية وقوات الأمن , وقد درب هؤلاء الممثلون تحت اشراف عبد الله الدايم السفير الأردني في سللا , وهو أحد ضباط حسين الذين دبروا مذبحة الفلسطينيين في الأردن في أيلول 1970 .

وحيال استراتيجية الحكم هذه , فان نضال التحرر القومي لا يواجه التدخل العسكري فحسب , بل ان الاضطهاد السياسي هو حقيقة قائمة في كل مجلان الحياة القومية . فالمعطيات الرسمية تقيد ان هنالك حوالي خمسمائة معتقل سياسي في سجون سللا , ظفار , مطرح ومسقط . وفي 19 حزيران 1974 ادين واعدم عشرة من المعتقلين السياسيين وحكم اثنان وثلاثون بالحبس المؤبد . ولأول مرة حكمت سبع نساء بالسجن بتهمة محاولة انقلاب .

نجاحات عسكرية

في أكتوبر – نوفمبر 1971 باشرت قوات الحكومة حملة عسكرية – بارشاد مستشارين انجليز – ضد قواتنا في المناطق المحررة , وسمت السلطات هذه الحملة – يجوار . ورغم المظلة الجوية , المدفعية والمصفحات فقد صدّت قوات العدو على طول الجبهة واضطرت الى الانسحاب الى مواقعها قرب سللا والى قطاع ضيق على طول الساحل حيث لا تزال لها سيطرة هناك .

وأكثر المعارك تدور غالبا على الطريق المؤدى الى حارمين وبواسطتها يتصل العدو مع مسقط , وعلى طريق “هو تشي منه” حيث تمر الامدادات من اليمن الجنوبي الى قواتنا . ويقوم العدو عادة بمهاجمة قواتنا في المؤخرة وذلك من مرتفعات سرفيط على مقربة من العربية السعودية واليمن الجنوبي , وذلك بواسطة مدافع بعيدة المدى وطائرات قاذفة . وهذه الغارات موجهة ضد قواتنا والى القرى والمزارع والسدود .

البريطانيون

يوجد للبريطانيون في القاعدة الجوية في سللا حوالي مائة فنى للطيران وما بين 35 – 45 طيار . وتنطلق الطائرات القاذفة بعيدة المدى في مهمات ضد قواتنا من جزيرة ماصيرة المحصنة حيث اجلى عنها سكانها الأصليون . وتستعمل هذه القاعدة أيضا كقاعدة تموين لقطع الاسطول الحربي الأمريكي في طريقه الى الخليج العربي – القاعدة البحرية في البحرين – والى جنوب شرقي آسيا والى الشرق الأقصى .

المناطق المحررة

يعيش في هذه المناطق حوالي مائة ألف نسمة . ان النجاحات العسكرية سوف تفقد أهميتها اذا لم تكن مصحوبة بعمل سياسي وتغييرات ٳجتماعية – ٳقتصادية .

ان أحد الأهداف الرئيسية للنضال هو تجنيد الجماهير , الجيش للشعبي والمليشيا , ولتحقيق هذه الغاية فانه يجري تنظيم دورات دراسية تشمل تعليم القراءة والكتابة ودروس سياسية . ويتعلم الكثيرون القراءة بواسطة كتبا حيث يروى لهم من هم أصدقاؤنا ومن هم أعداؤنا ولماذا نحن نناضل ولماذا تحتاج البلاد الى تغيير .

الصحة العامة

لم يكن في البلاد طبيب واحد اثناء حكم تيسير بن تيمور والد قابوس . وكانت وفيات الأطفال من أعلى النسب في العالم . منذ ذلك الحين لم يطرأ تحسين ملموس في الوضع . فبعض الأمراض كالملاريا والسل والأمراض الناجمة عن سؤ التغذية وطفيليات مختلفة , والقابلة للشفاء بواسطة العلم الحديث , حصدت ضحايا كثيرة من سكان عمان – ظفار وذلك لانعدام الأدوية . ولدينا الآن طبيبان فقط يعملان في مستشفى ميداني في هابقوق . وأجرينا دورات تعليمية في الاسعافات الأولية لأعداد مسعفين لمرافقة وحداتنا العسكرية في المعارك .

واملا في زيادة الامدادات الطبية فقد توجهنا بطلب الى الصليب الأحمر الدولي , ولما نتسلم أي ردّ . ولكن الامدادات الطبية لا تزال تصلنا من اليمن الجنوبي ومن البلدان الاشتراكية .

منظمات شعبية

ويجري تحقيق التنظيم الشعبي عن طريق مجالس شعبية منتخبة بشكل ديمقراطي وبواسطة عامة الشعب . وتمثل هذه المجالس السلطة العليا بعد القيادة المنطقية للجبهة الشعبية , ومهام المجالس هي التنسيق المبادرة والنقد للنشاط الجماهيري في المجالات الاجتماعية السياسية الادارية والاقتصادية , مثل اقامة لجان لمعالجة برامج الري , نشاطات تربوية وتنظيم التعليم (محو الاموية) .

الجامعة العربية

رغم الوجود العسكري البراطاني على أرضنا فان جامعة الدول العربية تعامل عمان – ظفار كدولة ذات سيادة .

وتوجهنا بطلب الى الجامعة العربية لتأليف بعثة لزيارة المنطقة والتحقيق في الغارات على السكان المدنيين والاضطهاد السياسي . لكنهم لم يشكلوا حتى البعثة .

[اذا كان يعنيك فهنالك مقال آخر عن النضال الثوري في عمان : الثورة العمانية المجيدة تدخل العقد الثاني]