[عن مجلة “الحرية” اللبنانية]
المغرب ‒ رسالة خاصة
يشير الكثير من المراقبين في مجال التعليق على الحملة الدبلوماسية المشتركة بين المغرب وموريتانيا ٬ فيما يتعلق بقضية الصحراء ٬ المسماة بالاسبانية ٬ وجزر مليلية وسبتة والجعفرية المحتلة من قبل الاستعمار الاسباني ٬ يشيرون ان هذه الحملة موجهة في الأساس ٬ لكسب تأييد عربي وأفريقي بوجه اسبانيا ٬ في أعقاب عرض قضية الصحراء على محكمة العدول الدولية في لاهاي ! لكن مثل هذا التكتيك السياسي بالنسبة للمغرب ٬ يبدو انه يهدف من جهة أخرى الى تحقيق نصر سياسي أو دبلوماسي ‒ أو هكذا يبدو على الأقل ‒ لابعاد الجزائر عن هذه القضية .. فبعد الحملة العنيفة التي شنتها بعض الصحف المغربية ضد الجزائر بحجة انه يغذي “الاتجاهات الانفصالية” في الصحراء ؟! أوضحت الجزائر موقفها من المسألة ٬ في أعقاب البيان الحاد الذي أصدره الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ٬ ونشرته جريدة “المحرر” الناطقة باسمه ‒ عدد رقم 348 ‒ الذي هاجم فيه الاقتراح الجزائري بدعوة عدد من الأحزاب المغربية لعقد حوار مفتوح حول تحرير الصحراء ومستقبلها : “ان الجزائر ليست لها اطماع ترابية أو توسعية ٬ وانها تريد عند الحاجة ان تحمل مسؤولياتها في التضامن مع الأخوة والجيران والحلفاء” وهكذا يلمس من جانب المغرب ٬ الرغبة في الاستفراد بالموضوع دون الجزائر . وبالتأكيد ٬ فان الجميع ينفق هنا بان الأطراف العربية الثلاث ٬ الجزائر ٬ والمغرب ٬ وموريتانيا ٬ يمثلون أطراف الحوار الرئيسيين حول مستقبل الصحراء المحتلة من قبل اسبانيا .
واية محاولة لاستبعاد طرف عن تحمل مسؤولياته ٬ هو ضرب من الأوهام ٬ يتنافى والحقائق التاريخية واليومية الجارية ٬ بالنسبة للقوى السياسية والعسكرية التي تصارع الاستعمار الاسباني لطرد الاحتلال .
وبالرغم من المعلومات المتناثرة ٬ هنا وهناك ٬ حول أنباء عقد اتفاق مغربي ‒ اسباني ٬ تسمح بموجبه السلطات المغربية لنظام فرانكو باقامة قواعد ومنشآت عسكرية ومراكز صناعية في الصحراء الا انه يبدو ان مسألة اخراج الاتفاق الى حيز الوجود ٬ واعتباره ساري المفعول ٬ يحتاج الى اخراج معين ٬ لا سيما وان السلطات المغربية كانت قد أعطت القوى السياسية المغربية الضوء الأخضر لشن هجوم على كل القوى التي تضع تساؤلات وتثير علامات الاستفهام حول مغزى اهتمام القصر الجديد بمسألة الصحراء .
حزب جيش التحرير ساعد اسبانيا على احتلال الصحراء
وقبل الدخول في تفاصيل مغزى مساعي النظام المغربي الأخيرة حول الصحراء ٬ لا بد من وقفة سريعة وقصيرة حول تاريخ الصحراء المغربية .
فقد شكلت الصحراء المسماة بالاسبانية ٬ على امتداد فترة طويلة جزءا لا يتجزأ من الشعب العربي في المغرب وفي الظروف التي اشتدت فيها اطماع الدول الاستعمارية على اقتسام المغرب ٬ بتواطؤ مع النظام المغربي انذاك ٬ قام سكان الصحراء بقيادة الزعيم الوطني “الهبة” بحركة مسلحة ضد التدخل الأجنبي وعملائه المحليين . ووصلت قوات القائد الوطني الى مدينة مراكش حيث بويع “الهبة” كملك على المغرب [1912] . الا ان تفوق القوات الاستعمارية الفرنسية والاسبانية ٬ وخيانة النظام انذاك اجهضت الانتفاضة الثورية لأبناء الصحراء والفلاحين .
وبعد حصول المغرب على وثيقة الاستقلال ٬ مع بقاء الاحتلال الاسباني للصحراء ٬ خاض سكان الصحراء في اطار جيش التحرير المغربي المعركة تلو الأخرى ضد القوات الاسبانية . الا ان مؤامرات الحكم الرجعي المغربي التي استهدفت تصفية جيش التحرير المغربي بالجنوب ٬ في اطار مخطط سياسة الاستفراد بالسلطة خلال السنوات الأولى للاستقلال ٬ ادى فعلا الى اضعاف حركة المقاومة ضد الاحتلال الاسباني ٬ ووجه لها ضربة قاصمة ٬ في الوقت الذي أعلنت فيه انذاك اسبانيا ٬ نبأ اكتشاف الفوسفات والبترول في الصحراء ٬ مما دفع الاستعمار الاسباني للتمسك بالصحراء بقبضة فولاذية .
واستمرت حالة الجمود الرسمي من قبل السلطات المغربية حول المطالبة بالصحراء الى الاونة الأخير حين بدأ النظام المغربي حملة سياسية ودبلوماسية واسعة النطاق استهدفت بعث الحياة مجددا الى القضية التي اعتبرتها اسبانيا الى فترة من الزمن ٬ وكأنها قضية منسية .
السؤال في هذا الصدد ٬ لماذا اثار النظام المغربي حملته في هذه الفترة بالذات ..؟ وهل للموضوع علاقة بما يتردد الان من احتمال الغاء موعد الانتخابات التي كانت قد حددت في شهر أكتوبر ‒ تشرين ‒ القادم ..؟
الأسباب الداخلية للتحرك المغربي
مجلة “23 مارس” المغربية ٬ الناطقة بلسان احدى القوى السياسية التقدمية المغربية قالت في عددها الصادر بتاريخ 15‒2‒1975 ان النظام المغربي تاريخيا عرقل كل امكانية فعلية لتحرير الصحراء . وحملته الأخيرة حول ما يسمى “سنة استرجاع الصحراء للمغرب” تعود للأسباب التالية :
1 ‒ ان الأزمة الاقتصادية التي يعيشها النظام الملكي تجعله يرى في خيرات الصحراء ٬ منفذا مؤقتا للخروج من الأزمة ٬ وهو في حملته الأخيرة واع كل الوعي انه لا يريد مشاركة نسبية في استغلال الصحراء ٬ مع الاحتفاظ بحصة الأسد للاحتلال الاسباني . والتصريحات التي ادلى بها بعض كبار المسؤولين مؤخرا توضح ذلك بشكل أو باخر .
2 ‒ ان الحملة تمكن النظام أيضا من مخرج مؤقت للأزمة السياسية التي يعيشها نتيجة عزلته الداخلية ٬ ونتيجة نمو وتجذر الحركة الجماهيرية في المغرب ٬ مستغلا تهافت بعض قيادات البرجوازية الوطنية المغربية . الى هنا ينتهي تعليق 23 مارس حول أهداف النظام من حملته . وبالتأكيد فان ثمة مؤشرات عديدة تدعم هذا القول ٬ علما بان القوى السياسية الأخرى مثل اتحاد القوات الشعبية ٬ أو حزب العمل “الذي انشئ حديثا” .. ؟! تقف الى جانب النظام في معركته ٬ دون ان تكون القضية بالأساس جزء من معركتها الشاملة ضد النظام ؟ وصحيح أيضا انه يوجد اجماع وطني حول قضية الصحراء لكن الاختلاف يكمن في تحديد الاستراتيجية الوطنية الثورية لتحرير الصحراء لأن “الانفتاح النسبي” الذي تعيشه المغرب حاليا ٬ والحصول على بعض المكاسب الديمقراطية ٬ مثل الاعتراف بشرعية حزب التقدم والاشتراكية ٬ ورفع التوقيف الاداري عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وصدور الزميلة “المحرر” المغربية ٬ واطلاق سراح عدد قليل من المعتقلين ٬ لا يعفى من القول ٬ ان كل هذه المكاسب ليست هبة من النظام ٬ ولكنها ثمرة نضالات عظمى خاضتها الحركة الوطنية والتقدمية المغربية أي بمعنى ان هذه المكاسب يجب الا تحجب القوى السياسية المغربية من رؤية الخط الثوري الصحيح لمعالجة موضوع تحرير الصحراء .
وان تتحول هذه القضية الى سلاح جاد في يد القوى السياسية الوطنية والتقدمية المغربية لانتزاع المزيد من المكاسب الديمقراطية لصالح الطبقة العاملة المغربية ٬ وجموع الفلاحين الذين لا زالوا يعانون أبشع أنواع القمع والاضطهاد .
من هنا فان الطريق الثوري ٬ هو دمج النضال ضد الاستعمار الاسباني ٬ بالنضال في نفس الوقت ضد الحكم الرجعي في المغرب ٬ وانجاز مهمة طرد الاحتلال ٬ لا تتم بذات الوقت دون التحالف الكلي ٬ والعمل المنسق والفعال مع سكان الصحراء ٬ في الوقت الذي تسعى غيه اسبانيا الى تذويب سكان الصحراء ٬ والتحايل على كافة القرارات الدولية المتخذة بشأن انسحابها من الصحراء . الأمر الذي يؤكد الحاجة فعلا الى بدء حرب تحريرية وطنية ضد الاستعمار الاسباني . لا سيما وأن الاستعمار الاسباني يبذل كل الجهود الممكنة سياسيا وعسكريا واقتصاديا ٬ بهدف تمرير مشروع الدولة المستقلة والمجزأة . ومع تصلب الموقف الاسباني ٬ ظاهريا على الأقل ٬ يمكن ان يدفع هذا التصلب النظام المغربي بحكم طبيعته ٬ ونتيجة لبعض الضغوط وارتباطاته المعروفة ٬ الى التنازل والقبول بصيغة التقسيم على حساب سكان الصحراء بالتعاون أيضا مع النظام الموريتاني . وفي هذا الصدد نشير مرة أخرى الى تصريحات حكام المغرب واستعدادهم لمنح اسبانيا بعض الوجود في الصحراء . في الوقت الذي لا يشكل فيه سكان الصحراء ثقلا بشريا قادرا على الحاق هزيمة بهكذا مشروع ..؟
وبالتالي يصبح شعار “تقرير المصير” الذي ترفعه اسبانيا ٬ ويؤيده النظام المغربي ضمنا ٬ ذي مفعول رجعي ٬ يقطع كل الجذور وبصفة نهائية مع الكيان التاريخي الحقيقي بين الصحراء والوطن الأم ٬ باعتبارهم جزء من المحيط العربي . ومن هذا المنطلق تبدو أهمية اسقاط مشروع التقسيم الاسباني الذي يجري الحديث عنه في بعض الأروقة بين المغرب وموريتانيا واسبانيا . وفضح كل التنازلات المقدمة على حساب مصلحة سكان الصحراء الوطنية والاجتماعية . وربط النضال من أجل مطالب الجماهير الديمقراطية مع مهامها في النضال لتحرير الصحراء ٬ وسبته ومليلية والجزر الجعفرية تحت شعارات مقاومة الغلاء لتحسين أوضاع الجماهير الشعبية ٬ فرض احترام الحريات الديمقراطية ٬ واطلاق سراح المعتقلين السياسيين ٬ وارجاع الشرعية للمنظمات الوطنية الجماهيرية وخاصة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وجلاء القواعد العسكرية الأمريكية عن المغرب . بالاضافة الى الشعارات الوطنية الهادفة الى المساهمة الكلية ماديا وسياسيا وبالمشاركة الجماهيرية الواسعة في معركة تحرير الصحراء ٬ بالتحالف مع القوى الوطنية لسكان الصحراء مثل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ٬ من موقع التحالف مع النقد فيما يتعلق بالنقاط المختلف حولها . هذه هي السياسة الصائبة لتحرير الصحراء . وليس افتعال المعارك مع الاشقاء ٬ والدخول في سوق المزايدات الوطنية ٬ في الوقت الذي تحتاج فيه معركة تحرير الصحراء المغربية ٬ الى اسهام القوى الوطنية والتقدمية العربية لانجاز هذه المهمة الوطنية .