تفيد الصحف البرجوازية أنهم يفكرون في موسكو هذه الأيام بأحياء الحزب الشيوعي المصري , وذلك اثر الانشقاق بين مصر والاتحاد السوفييتي .

ونشرت “زو هديرخ” , لسن حال الحزب الشيوعي الاسرائيلي [ركاح] بتأريخ 1975/9/10 , تحت عنوان : “اعادة بناء الحزب الشيوعي في مصر” تقول : “في عهد نظام جمال عبد الناصر , رأى الشيوعيون المصريون أن من واجبهم الانضمام الى الاتحاد الاشتراكي والى تنظيماته” .

ولم تتكرّم “زو هديرخ” لتوضح كيف يرى الشيوعيون , أن “من واجبهم” حل تنظيمهم اراديا . ولم تذكر أين أتخذ هذا القرار لاقامة الحزب الشيوعي المصري من جديد ‒ في مصر أم في الاتحاد السوفييتي ؟

وتورد “زو هديرخ” ترجمة لمقال عن “طريق الشعب” الشيوعية العراقية , ومن جملة ما يتحدث عنه هذا المقال , ازدياد قوة البرجوازية المصرية , واخفاف الاصلاح الزراعي , واعادة ملكية الأرض الى أصحاب المزارع .

وجاء في سياق المقال :

“أن هذه العوامل الموضوعية التي هيأت الفرصة لليمين لزيادة قوته , قد استمدت قوتها من عوامل ذاتية أخرى , وأولها انعدام منظمة سياسية مستقلة لطبقة العمال خلال فترات طويلة وهامة في الحياة السياسية في مصر” .

لماذا لم تكن هنالك منظمة شيوعية مستقلة في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة , فهذه المرحلة المشار اليه آنفا , بدأت تتضح بالذات , في الفترة التي أتحل فيها الحزب الشيوعي المصري اراديا .

ليس هذا سؤال استفزازي للأثارة . أن كل من يتكلم باسم الثورة الاجتماعية ملزم باعطاء رأيه فيها .

ولا بد للمراقب الموضوعي من أن يربط بين حل الحزب الشيوعي في مصر أو اعادة اقامته وبين نوعية الصداقة السائدة بين النظام المصري والاتحاد السوفييتي في الفترة المعطية . ومن المشهور أنه لا توجد دائما صلة بين العلاقات مع الاتحاد السوفييتي وبين مدى تقدمية النظام الذي يقيم هذه العلاقات . ومن يخلط بين هذين العاملين , فانما يدخل البلبلة الى اعتبارات الثوريين , البلبلة المضرة الى درجة حل الحزب الذي يدّعى الثورية !

وبعبارة أوضح : بينما كانت الصداقة السوفييتية ‒ المصرية في الآوج في منتصف الستينات , كان الشيوعيون المصريون يعانون في السجون . ولما أراد عبد الناصر خنق المعارضة اليسارية عملت وزارة الخارجية السوفييتية لاقناع قيادة الحزب [الشيوعي] في مصر “للانحلال اراديا” , مقابل منح العفو لأعضاء الحزب ودمجهم في وظائف حكومية .

ولأكمال الصورة الحزينة تضيف الصحافة البرجوازية بشامتة أن “النظام المصري لا يقيم وزنا لهذه الأنباء ‒ اعادة تنظيم الحزب ‒ لأنه حسب رأيه لا يشكل الشيوعيون في مصر أي نفوذ أو قوة حقيقية” .

وهنا لا بد لنل من أن نعود فنكرر النقد الثوري المسلط خلال سنوات طويلة على الحركة الشيوعية في جميع أرجاء العالم , وعلى وسائل ممارستها . أي : أن الحزب الذي يمارس سياسته طبقا للمصالح المؤقتة لدولة عظمى ما , لن يتمكن من بناء القوة السياسية التي ستدفع الى الأمام الأهداف الاجتماعية التي يعمل هذا الحزب باسمها .

والى قائمة ضحايا السياسة التي توجه الشيوعيين في مصر , يمكننا أن نضيف الشيوعيين في العراق , الذين فوتوا [في 1958] فرصة تأريخية ‒ لكونهم تحت تأثير الاتحاد السوفييتي ‒ لاجراء تحويل ثوري في العراق , ثم ذبحوا بعد ذلك بجماهيرهم . ضف الى ذلك شيوعيي السودان الذين ذبحوا على يد الجزار النميري في آب 1971 , دون أن يمسّ ذلك علاقات الصداقة مع الاتحاد السوفييتي …

وتجدر الاشارة هنا الى أن تبعة اخفاق الحركة الشيوعية , لا تقع على الاتحاد السوفييتي بالذات , اذ هو يمارس سياسة نفعية طبقا لمصالحه كدولة عظمى . أن المسؤولية ملقاة على الأحزاب الشيوعية , التي تنصّب من نفسها , وبدون جدل , أدوات طيعة في يد الاتحاد السوفييتي . تنشأ هذه الأحزاب وتنحل وفقا لمتطلباته , وتدافع عن سياسته الخارجية . وكل ذلك دونما نقد أو تفكير .

ونودّ تحذير رفاقنا الشيوعيين من ذلك اليوم الذي تستأنف فيه العلاقات بين اسرائيل والاتحاد السوفييتي الى مستوى الصداقة العميقة . وما ذلكم ببعيد . ألم تعقد صفقات السلاح بين المعسكر السوفييتي والدولة الصهيونية .

فما عسى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الاسرائيلي ‒ ركاح ‒ يومئذ تقول ؟ أن النظام قد تغيّر ؟ وأن طابعه الاجتماعي تحسن فجأة ؟ وأن الصبغة الكولونيالية لدولة اسرائيل قد تلاشت ؟ أم ترون هذه اللجنة تجتمع يومئذ فتقرر حل الحزب , ودعوة جماهير أعضائه يهودا وعربا , الى الانضمام الى حزب النظام ؟!