اعترف زعيم الليكود , مناحيم بيجن , بأنه لا شك في أن حكومة اسرائيل تريد ارجاع جزء من الأراضي المحتلة . ووضح أن الحكومة قد رضخت للضغط الأمريكي . قال ذلك أثناء البحث الذي جرى في الكنيست , للمصادقة على الحلّ الوسط الاسرائيلي ‒ الأمريكي ‒ المصري .

وبعد عدة أسابيع قال موشي ديان في فانكوبر بكندا , أن التسوية الاسرائيلية فرضت على اسرائيل بواسطة الضغط الأمريكي . وقال ديّان : “لقد هددت الولايات المتحدة اسرائيل بوقف المساعدة المالية والعسكرية , وتحت تأثير هذا التهديد , صادقت الحكومة الاتفاقية , ولكنها غير سعيدة بذلك” (“يديعوت أحرونوت” , 1975/10/7).

ومما لا ريب فيه أن هذين الوزيرين السابقين في حكومة اسرائيل صادقان . اذ كل طفل في اسرائيل يعلم أن هذه الحكومة كسابقاتها , تريد المزيد من الأراضي والمزيد من الاستيطان والأقل من العرب … “قدر الامكان” .

وهكذا فان محور النقاش الدائر بين الزعماء الصهيونيين على اختلافهم : ماذا تستطيع الصهيونية أن تكسب في هذا الواقع منذ أكتوبر 1973 ؟

ان التأريخ ليسخر من هؤلاء الزعماء ‒ الفاشلين , الذين لفقوا الأكاذيب العنصرية حول “الشخصية العربية” و”الطبيعة العربية” و”العقلية العربية” , وحاولوا البرهنة أن العرب لا يفقهون غير لغة القوة . وها هنا يتضح الآن ان انسحابا اسرائيليا صغيرا وجزئيا كان شيئا مستحيلا لو لم تفرض الحرب على اسرائيل .

وفي الوقت الذي يتنازعون بينهم حول مغزى التسوية الاسرائيلية ‒ المصرية , أو بالأحرى الاسرائيلية ‒ الأمريكية , يعلمون أن مصير الصهيونية مناط بالامبريالية في الحياة والممات .

ومن يتابع تصريحات الزعماء الصهيونيين من بيجن الى [يعقوب] حزان , من اليمين و”اليسار” , يفهم حسنا , منطق ثيودور هرتصل , نبيّ “دولة اليهود” , الذي كتب قبل ثمانين سنة “سوف نكون لأوروبا سدا منيعا ضد آسيا , ونكون متأهبين للدفاع عن الحضارة , امام الآدميين المتوحشين , وكمملكة قائمة بذاتها ستبقى هنالك روابط وعلاقات بيننا وبين شعوب أوروبا وهم سيضمنون وجودنا” (عذه الأقوال نشرت أصلا في 1896).

واذا ما عوّض القارئ “أوروبا” ب”أمريكا” , أو “الولايات المتحدة” , فانه يجد نفسه يقرأ “عل همشمار” , مثلا , في 1975 وهي جريدة تغالى في تأييدها للامبريالية .

ان معارضي الحل الوسط , من الجناح اليميني للصهيونية لا يخفون نواياهم , يودّون العودة الى “الأيام الحلوة” عندما كان السلب والتشريد والنسف والهدم والاحتلال والاستيطان شيئا ممكنا , دون خجل أو تبرير أمام الغير . هم يحلمون بالاعتراف بمهمتهم “سدّ منيع ضد آسيا , ودرع الحضارة في وجه البشر المتوحشين” , و”بالضمان لوجودنا” دونما شرط أو تقييد .

وبينما الحكومة ومؤيّديها “اليساريين” مستمرة كدأبها في المزيد من المصادرات والمزيد من الغارات والاستيطان , تردّد أنشودة : “نحن نسعى من أجل السلام , وها قد وقعنا على اتفاقية حل وسط مع مصر …” .

بينما يقيمون [مستوطنة] “يميت” ويستمرون في الاستيطان في هضبة الجولان , في منطقة رفح والضفة , يصعدون ثانية سلب أراضي العب الفلسطينيين “مواطني اسرائيل” في الجليل والمثلث والنقب , وذلك لتهويد المناطق الآهلة بالعرب . انها لعنصرية صارخة .

وليس مدهشة أن تشتمل اتفاقية الحل الاسرائيلي ‒ المصري ‒ الأمريكي على محاولة لكنس القضية الفلسطينية الى تحت بساط الدبلوماسية الشاملة للامبريالية والصهيونية والبرجوازية العربية . وتتصرف هذه البرجوازية وكأنما قد مسّها الجنون , ذلك لأنها تفضل مصالحها الطبقية على مصالح الشعب العربي الفلسطيني , المصالح التي تعودت هذه البرجوازية أن تحلف بها كل بكرة وعشية .

ان ترسيخ النظام الاجتماعي السائد حاليا في العالم العربي , بمساعدة الامبريالية , مفضل لدى هذه البرجوازيات على ضمان الحقوق الانسانية والقومية للشعب العربي الفلسطيني . وبذلك لا تختلف البرجوازية العربية والناطقون باسمها , سواء كانوا مصريين أو سعوديين أو غيرهم , عن اخواتها في البلدان وشعوب أخرى . والبرجوازية العربية ليست أسوا من غيرها من البرجوازيات , فمثلها كمثلهن في الاستغلال والاندماج في منظومة البرجوازية العالمية .

وأما زعماء اسرائيل فيفزعون لمجرد سماعهم حديثا عن حقوق الفلسطينيين , اذ أنهم يعلمون جيدا ‒ ومن أعلم بذلك سوى الفلسطينيين ‒ أن حقوق الشعب العربي الفلسطيني تتعارض جذريا وبدون مهادنة مع الصهيونية فكرا وممارسة .

لقد نشرت منظمتنا , في نوفمبر 1974 , خلاصة لنقاشها حول المسألة الفلسطينية , على ضؤ حرب أكتوبر , تحت عنوان : “المسألة الفلسطينية , هنا والآن” (متسبين عدد 73) . ونحن نعتقد أن هذه الخلاصة لا تزال سارية المفعول الى اليوم .

قلنا من قبل ونعود فنقول الآن : نحن نؤيد كفاح الشعب العربي الفلسطيني للتحرر , بما في ذلك كفاحه من أجل الانسحاب الاسرائيلي التام وغير المشروط من الأراضي المحتلة منذ 1967 ; ومن أجل اقامة اطار سياسي مستقل في هذه الأراضي . ونحن نناضل :

  • في سبيل انسحاب اسرائيلي تام وفوري وغير مشروط من كاة الأراضي المحتلة .
  • ضد أي محاولة اسرائيلية لفرض ممثلين على الجماهير الفلسطينية .
  • ضد أي محاولة اسرائيلية لفرض مستقبل الأراضي التي تنسحب منها اسرائيل.

وواضح لنا أن موقفنا يتطلب الحذر من الوقوع في الكمين المحتمل لكل ثوريّ لدى اتخاذه موقفا من واقع معين : كيف يمكنه أن يحتفظ بصلته مع الواقع دون أن يتحول الى انتهازيّ , وكيف يبلور تكتيكا الى جانب استراتيجية ثورية .

فمثلا كيف ينبغي بنا أن نتصرف تجاه ما جرى من صراعات في اسرائيل بين جوش أمونيم وشركاؤوه , وبين مؤيدي الحكومة والحل الوسط : أنقف جانبا , أنقف ضد الحل الوسط فنجد أنفسنا مع جوش أمونيم ؟ أم هل نقف الى جانب مؤيدي الحل الوسط فنجد أنفسنا سوية مع الذين يحاولون ثانية وثانية قبر حقوق الفلسطينيين ؟ كلا ثم كلا ثم كلا .

سنستمر في نضالنا وبما لدينا من قوة ضئيلة وبروح ما قلناه سابقا .

نحن نهتدى بأفكار الثوريين وبأطماحنا الاشتراكية ونعتمد على تحليلنا لطابع المجتمع الذي نعيش فيه , ولجذور النزاع العربي الاسرائيلي . ومن هذا المنطلق فاننا براء من مراوغات ركاح التي تقيس كل شيء طبقا لاعتبارات السياسة السوفيتية .

تفضلوا واقرأوا صحف ركاح التي اكتشفت فجأة الطابع البرجوازي للنظام في مصر , وما تضمره السياسة الأمريكية ‒ الاسرائيلية ‒ المصرية من أخطار . هؤلاء “الشيوعيون” المؤهلون يستعملون مرارا وتكرارا , حجر الفلاسفة الذي يملكونه لاكتشاف الطابع الطبقي لهذا النظام أو ذلك , في مصر , أو اسرائيل أو سوريا , وفي كل دولة ودولة , فاذا كانت الحكومة في دولة ما , تحتفظ بعلاقات وثيقة مع حكومة الاتحاد السوفيتي , فهي حكومة “لا غبار عليها” حتى وأن كانت الجماهير الواقعة تحت سيطرتها تعاني من نير الاستغلال الوحشي والاضطهاد الفاحش , وأحيانا يكفي بأن يحتفظ نظام استغلال طبقي بعلاقة وثيقة مع الاتحاد السوفيتي , لكي يغدو هذا النظام يسير في … طريق غير رأسمالي أو (يادوبه) اشتراكي .

هيئة تحرير متسبين