“ان اسرائيل معنية بوجود لبنان كما هو , من حيث البنية السياسية والنظام الداخلي الموجودين فيه” – هذا ما صرح رئيس الحكومة [الاسرائيلية] في مقابلة تلفزيونية في 14 أكتوبر .
وبعد يومين نشرت “هآرتس” في مقال لهيئة التحرير : “لم يجدد رئيس الحكومة شيئا في تحذيراته الدقيقة , سوى انعاش الذاكرة لمن هو في حاجة الى ذلك , ان اسرائيل تؤيد في الأساس نظام القوى الرسمية الراهن في المنطقة منذ عشرات السنين . وكل محاولة لتقويض هذا النظام , سيثير حتما هواجس اسرائيل ويزيد من همومها”.
اذا اسحق رابين – ولسنا نحن – يحدد ان اسرائيل هي بمثابة قوة حراسة في المشرق العربي , وتعترف في اثره الصحيفة “المحترمة” بصراحة : اسرائيل هي شرطي المنطقة !
وعلى النقيض من الصحف الاسرائيلية , فان الصحف الأوروبية مثل “ليموند” تكشف لقرائها شيئا من الخلفية الاجتماعية والطبقية للمعارك في لبنان . ومنها يتضح أن القتال المحتدم في لبنان ليس دينيا , بل هو حرب بين أغنياء وفقراء , بين أصحاب امتيازات وعديمي امتيازات , بين مستغلين ومستغلين (بالفتح) , وحقيقة كون أكثرية الفئة الأولي من المسيحيين , بين أغلبية الفئة الثانية من المسلمين , ترجع في الأصل الى تركة الماضي , التي يحتفظ بها نظام الاستغلال السائد في لبنان .
على هذه الأرضية طبعا يجري تحريك الشؤون الداخلية في لبنان من قبل دول كبرى ودول وقوى سياسية مختلفة , وعلى هذه الأرضية تبرز واضحا المعالم الرجعية للسياسة الاسرائيلية .
وينتشى الكثير من الصهاينة مما يجري من اراقة للدماء في لبنان ويقولون : “هذه برهان آخر لاستحالة عيش العرب واليهود سوية … فها هم العرب أنفسهم لا يقدرون أن يعيشوا سوية , ويقتتلون على أساس الانقسام الطائفي …”.
ولئن صدق هؤلاء الكذابون لوجب علينا أن نتوقع اندثار المجتمع الانساني : ايرلندا الشمالية “تثبت” أن الكاثوليك والبروتستانت لا يستطيعون العيش سوية , والسود والبيض لا يستطيعون الاقامة معا في الولايات المتحدة , والباسك والاسبان لا يقدرون على العيش تحت سماء واحدة في اسبانيا , وحتى أشدود تثبت أن مصير السفرديم والأشكناز الى انفصال .
كذب وباطل , بهدف الى التغطية على الطابع الحقيقي لهذه النزاعات “الدينية” , “العرقية” , “القومية” و”الطائفية” .
ان استنتاجنا يختلف على الاطلاق : ان تصفية تركة الامبريالية البريطانية , تفسح المجال بالذات لحياة مشتركة للكاثوليك والبروتستانت في شمالي ايرلندا , والنضال الثوري بالذات , من أجل تغيير أنظمة المجتمع الرأسمالية في الولايات المتحدة , سيقرب بين البيض والسود , وأن النصر بحد ذاته على الفاشية الاسبانية , سيمكن حياة مشتركة بين الباسك والاسبان .
وما يسرى على صعيد عالمي يسرى كذلك في اسرائيل : النضال ضد النظام , وتصفية طابعه الاستعماري والمستغل – هو الطريق لحياة مشتركة , على أساس من المساواة واحترام الحقوق الانسانية والقومية ليهود اسرائيل وعرب فلسطين , وبما في ذلك تصفية التفرقة بين السفرديم والأشكناز .