تكرّس أجهزة الاعلام الاسرائيلي جهودا كبيرة في الآونة الأخيرة في محاولة للبرهنة على أن اللاسامية ومعاداة الصهيونية ظاهرتان متشابهتان ٬ وان كل من يتخذ موقفا معاديا للصهيونية فهو لاسامي مقنع ليس الا . يلقى هذا الزعم اذنا صاغية في أوساط الصهيونيين والشوفينيين الاسرائيليين ٬ الذين يطيب لهم ان يبرّروا استمرار الاحتلال والتنكر لحقوق الفلسطينيين من خلال ذرائع “الأمن” و”الحقوق التأريخية” وما شابه ذلك من القاذورات الشوفينية .
نظرة خاطفة الى هذه المصطلحات تكفي للدلالة ليس فحسب على انعدام الشبه بين معاداة الصهيونية واللاسامية ٬ بل وفي الحقيقة ٬ للدلالة على وجود شبه كبير جدا بين المواقف المبدئية لكل من اللاسامية والصهيونية بالذات . فيما يلي بعض الفرضيات الأساسية المتشابهة لهاتين العقيدتين .
تزعم الصهيونية واللاسامية ان هناك “مشكلة يهودية” ناجمة عن تواجد أقليات يهودية بين ظهراني السكان “الأغيار” . وكلتا العقيدتين تزعم ان هناك طريق واحد لحل “المشكلة” وهي : طرد اليهود من أماكنهم وفصلهم المطلق عن “الأغيار” . وتزعم كل من الصهيونية واللاسامية أن اليهود أغراب في أماكن اقامتهم وعليه فلا حق عليهم أو لا حق لهم ان يشاركوا كمتساوي الحقوق والواجبات في العمليات الاجتماعية والسياسية الجارية في تلك الأماكن .
وتدعو الصهيونية واللاسامية الى انعزالية اليهود وتمايزهم عن “الأغيار” . أو الوجه الآخر للعملة ذاتها : تمايز “الأغيار” عن الشعب اليهودي . وكلتا العقيدتين تعتبر زواج اليهود أو اليهوديات “المختلط” مع “الأغيار” كارثة . لماذا ؟ لأنه حسب منظور الصهيونية واللاسامية تستحيل المساواة الحقيقية بين اليهود و”الأغيار” وذلك بحكم طبيعتهم !
ترضع الصهيونية واللاسامية من مستنقعات العنصرية ومن عقد التفوق والانخطاط في آن واحد ٬ الرائجة في الحضارة الانسانية المعاصرة . الصهيونية بالتحديد ٬ هي ردّ اليهود العنصري على العنصرية اللاسامية ٬ وبصفتها هذه فان الصهيونية ليست نقيض اللاسامية بل وجهها الآخر .
ولهذا فليس غريبا أن تخرج التيارات الفكرية المتنورة حقا في ارجاء العالم ضد اللاسامية وضد الصهيونية على حدّ سواء ٬ وليس في ذلك تناقض على الاطلاق !
لقد تورّط اليهود الصهاينة الشوفينيين في فرنسا في “أزمة” ايديولوجية عندما اتضح لهم ان عشرات الآلاف من الفرنسيين الذين خرجوا في مظاهرة جبارة من ربع مليون متظاهر ضد العنصرية واللاسامية ٬ لم يكونوا سوى تلك الجماهير التي تنتقد بحدة الصهيونية والسياسة الاسرائيلية .
ان من يصغي الى المتحدثين باسم التنظيم النازي الجديد في أوروبا الغربية يسمع جيدا الفكرة القائلة أن اليهود والعرب غرباء بالنسبة للحضارة الأوروبية ٬ ولن يقدروا أبدا على الاندماج بها ٬ لذا وجبت معاملتهم كغرباء . أليس ممكنا من خلال أقوال هؤلاء النازيين الجدد سماع تلك الاسطوانة الصهيونية القديمة في كون اليهود غرباء في بلدان أوروبا ؟
سيزعم المدافعون عن الايديولوجيا الصهيونية ٬ وهم يزعمون كذلك ٬ ان النازيين الجدد هم المعبّرون عن الحقيقة في موقف شعوب العالم من اليهود ٬ ولذلك فان الحقيقة اليهودية المضادة يجب أن تكون الجواب الصهيوني ٬ بمعنى أن الشعب اليهودي يجتاز عملية تطبيع في أتون الصهر الصهيوني ٬ وبالتالي سيصبح شعبا طبيعيا . ومدلول “طبيعي” هي انه حينما يتحول اليهود الى شعب “طبيعي” ٬ فانهم سوف يعاملون غير اليهود “الأغيار” بما يوصي به النازيون الجدد من معاملة تجاه اليهود و”غير الأوروبيين” الآخرين .
وهكذا تبقي الصهيونية واللاسامية لليهود أحد الخيارين : اما أن يكونوا عنصريين أنشطاء و…”أقوياء” واما أن يكونوا ضحايا عنصرية أبديين !
وأما الانسانيون والاشتراكيون فيطرحون لليهود التحرر من العقدة الشوفينية والالتحاق بالنضال ضد العنصرية بشتى أشكالها ٬ ضد اللاسامية و… أجل ٬ ضد العنصرية الصهيونية أيضا !
هيئة تحرير متسبين