بعد أن أعرب يروحام مشيل وأصدقاؤه في قيادة الهستدروت عن تأييدهم لنضال العمال البولنديين ٬ اتضح ان الحزب المثابر الوحيد الممثل في مؤسسات الهستدروت هو الحزب الشيوعي الاسرائيلي (ركاح) : فقد عارض اقامة نقابات مهنية مستقلة ومناضلة في بولندا ٬ وعارض كذلك ٬ ويعارض اقامة نقابات مهنية مستقلة ومناضلة في اسرائيل !
(وقد كتبنا في مبادئنا الأساسية : “ان النضال من أجل الدفاع عن مستوى معيشة العمال وظروف عملهم وتحسينها هو جزء لا يتجزأ من النضال في سبيل الاشتراكية . وكوسيلة ضرورية في هذا النضال فان متسبين تعمل على انشاء نقابات مهنية مستقلة ومناضلة للعمال المأجورين . هذه النقابات – خلافا “للهستدروت” التي تخضع مصالح الطبقة العاملة لمصالح الدولة الصهيونية – يجب ان تكون قيادتها بيد الممثلين المباشرين للعاملين الذين يتم انتخابهم في اماكن العمل وليس بواسطة بيروقراطيين محترفين”. )
ان بلدان أوروبا الشرقية ليست هي الوحيدة التي تنعدم فيها سيطرة العمال على النقابات المهنية ٬ وليست بولندا هي الدولة الوحيدة التي يقتصر فيها دور النقابات المهنية الرسمية على تنفيذ أوامر الحزب الحاكم ٬ ولم تكن بولندا الوحيدة التي كان يسود فيها وضع تنعدم فيه النقابات المهنية ما خلا مؤسسة علمة تتسمى باسم كهذا .
مثل هذا الوضع معروف في أغلبية بلدان منطقتنا ٬ بما فيها اسرائيل ٬ وعليه فثمة مغزى لنضال عمال بولندا ٬ رغم انهم يناضلون تحت ظروف مغايرة ونظام اجتماعي آخر ٬ ليس بالنسبة لمستقبل بلادهم السياسي والاجتماعي فحسب ٬ وانما بالنسبة لما يجري في منطقتنا ٬ في اسرائيل ومصر ٬ تونس والسعودية ٬ سوريا والكويت .
لهذا السبب ٬ عندما جئنا لنتظاهر امام مكاتب اللجنة المركزية لركاح (الحزب الشيوعي الاسرائيلي) في تل أبيب تضامنا مع عمال بولندا ٬ جئنا أيضا لنعبّر عن ايماننا في ان مصلحة عمال بولندا هي مصلحة العمال في اسرائيل وعمال منطقتنا كذلك .
كتب أحد المعارضين الشيوعيين في سنوات الثلاثين عن أحد زعماء المعارضة اليسارية في الحزب الشيوعي السوفييتي يقول : “بدل الاسترشاد بالحاجات الجديدة للبروليتاريا ٬ فقد هيمن الخوف من عودة الرأسمالية على سياسته” (عن كتاب أنتا سيليغا “الأحجية الروسية” . كان المؤلف عضوا في اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي اليوغوسلافي في العشرينات . أرسل الى موسكو للدراسة فالتحق هناك بالمعارضة اليسارية وأعتقل في 1930 فلبث في السجن ثلاث سنين وفي المهجر في سيبيريا سنتين ونصف قبل ان يسمح له بمغادرة الاتحاد السوفييتي . الاقتباس أعلاه كتب حول سياسة كريستيان راكوبسكي أحد قادة المعارضة التروتسكية في الاتحاد السوفييتي وقتئذ) . كان بالامكان كتابة هذا الكلام في كثير من الشيوعيين والاشتراكيين بما فيهم من يتسمون “ثوريين” ٬ وكان بالامكان كتابة هذا الكلام قبل ثلاثين أو عشرين عاما أو عشرة أعوام ٬ وأيضا في هذه الأيام .
ومن فرط قلقهم من عودة الرأسمالية يتمركز كثير من اليساريين في خنادق النظام البيروقراطي السوفييتي وضد العمال ٬ متخذين الخوف من عودة الرأسمالية ذريعة يبررون بها دعمهم لكل ما تجنيه أيدي النظام البيروقراطي اياه من خسيس الافعال . وتبريرا لموقفهم الغريب هذا راح هؤلاء اليساريون يلتمسون التقصير والاخطاء والعيوب ٬ ليس عندهم ٬ بل عند … العمال المناضلين في سبيل حقوقهم ٬ ويتهمونهم ب”التدين” و”القومية” و”مناهضة الاشتراكية” .
معروف أن العواطف الدينية والقومية وحتي اللا اشتراكية تلقى رواجا في صفوف العمال البولنديين . لعل “لا اشتراكية” هؤلاء العمال الذين يضطهدهم ويستغلهم هذا النظام المتغطرس بلباس “الاشتراكية على الأرض” ٬ لعلها ناجعة عن معارضتهم للنظام وليس عن معارضتهم للاشتراكية ؟ وطالما ان أكثر شيوعيي العالم يناصرون النظام البيروقراطي ويعادون العمال ٬ فلم ينبغي بالعمال التماس الالهام (أم الايهام؟!) لدي أعدائهم ؟ ولربما ضاق انفتاح العمال على تأثير الدين فيما لو غير شيوعيو العالم من عادتهم ووقفوا الى جانب العمال بدل اتهامهم بالوعي الزائف ؟ وقد يصبح العمال البولنديون أقل تأثرا بالأفكار القومية لو ناصر شيوعيو العالم ٬ العمال البولنديين في معارضتهم العادلة ضد التدخل السوفييتي في شؤون بلادهم .
هيئة تحرير متسبين
كل السلطة للعمال! ‒ نص المنشور الذي وزعناه خلال المظاهرة