stoppage - 89

وصل فلاديمير بوريسيف مؤسس “اتحاد نقابات العمال الحر” في الاتحاد السوفييتي ٬ الى فيينا حيث طرد اليها في 22 حزيران 1980 . عمره 36 عاما وهو يعمل من أجل حقوق الانسان . قضى أكثر من تسع سنين في مستشفى للأمراض العقلية وفي السجن بتهمة “المعارضة المنعدمة” . وقد حاول معارضة طرده حتى اللحظة الأخيرة مثلما رفض عام 1977 اقتراح السلطات السوفييتية ان يهاجر الى اسرائيل . وقد أجرت صحيفة “ليموند” الفرنسية المقابلة التالية مع بوريسيف غداة ابعاده الى فيينا ورأت “متسبين” نشرها بالعربية لأهميتها :

● كيف يصبح عامل ‒ وهو ابن لوالد يشتغل مهندسا صغيرا وأم أجيرة ‒ منشقا ؟

لم تربو سني على الثانية عشرة لدى انعقاد المؤتمر العشرين (للحزب الشيوعي السوفييتي عام 1956 ‒ المترجم) غير أن الصدمة حتى في مثل هذا السن كانت عنيفة جدا . فالرجل الذي كان بمثابة نصف اله لدى أغلبية السوفييت يصبح فجأة ‒ مجرما ! (المقصود : ستالين ‒ المترجم) لم أستطع استيعاب هذا التحول . ذلك لأنهم علموني في المدرسة ان أثق بما تقوله الصحف والشعارات !

تركت المدرسة كي أصبح كومسومولا (الكومسومول هي تنظيم الشبيبة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي ‒ المترجم) ٬ لكنني بقيت على يقين أن حقيقة الصحف ليست دائما هي الحقيقة المجردة .

بعد ذلك بفترة وجيزة ٬ وبينما كنت أشتغل شهدت في كامتشتكا اضرابا لعمال أحد الموانئ . كان هؤلاء عمالا موسميين دون عمل ثابت ٬ وأحيانا اسرى فيما مضى ٬ وكانوا يقعون تحت رحمة رجال المليشيا والموظفين . دفعوا لهم أجورا تتدبر كثيرا عن الأجور المعمول بها . وذات صباح رفض العمال تفريغ احدى السفن ٬ وحصلوا على علاوة في الأجور ضئيلة اثر اضراب دام يوما ونصف . وعندما اشتغلت لاحقا في محطة للقوى الكهربائية رفضوا ان يدفعوا لنا العلاوة المستحقة (برميا) فتوقفنا عن العمل ٬ وبعد نصف يوم نلنا ما نستحقه . ولأنني كنت أحد قادة الاضراب فقد فصلوني فورا بحجة وجود فائض طاقة بشرية ٬ ولم تبلغ سني يومئذ الثامنة عشرة بعد .

● هل تدخلت المليشيا في هذين الحادثين ؟

يطير صواب السلطات السوفييتية جزعا وهلعا من حركة عمال منظمة ٬ وعادة ما تتنازل حالا . واذا كان الأمر يتعلق بحركة على نطاق واسع ٬ يحدث أحيانا ان يحضر عضو المكتب السياسي الى العمل كي يستجيب لمطالب العمال . وبعد أن تأخذ حركة تعبئة العمال في الفتور ٬ تبدأ السلطات بملاحقة المنظمين ٬ فيتم اعتقالهم أو فصلهم في أحسن الأحوال ٬ وبما أن عدم مزاولة أي عمل يعد غير مشروع فانهم سرعان ما يعتقلون !

● هل أنت تتحدث عن اضرابات في الاتحاد السوفييتي كظاهرة متفشية ؟

هنالك اضرابات كثيرة ٬ ولكن بما انه من الواضح ان جميع الصحف تتجاهل هذه الاضرابات ٬ فان المعلومات تغدو ضربا من الشائعات ٬ يصعب جدا التأكد من الوضع في المكان الذي يندلع فيه الاضراب .

● أتصدق ٬ مثلا ٬ انه قد جرى اضرابا في تولياتيغراد وغوركي مؤخرا ؟

لا معلومات لدي حول ذلك ٬ غير اني أصدق ذلك . توجد فئة من أنصار “اتحاد نقابات العمال الحر” في تولياتيغراد ٬ وأنا أعلم ان التذمر هناك شديد بسبب الأعمال الشاقة وانخفاض الأجور الحقيقية (المقاسة بقوتها الشرائية) والتجهيز الرديء للغاية .

بطاقة التقين

● كيف تنظم “اتحاد نقابات العمال الحر” ؟

في البداية يرجع الفضل في ذلك الى عمل عدة أفراد ٬ خاصة فلاديمير سفيرسكي الذي أراد انقاذ ما تبقى من “النقابة الحرة” التي أقامها فلاديمير كلابنوف (الذي يرقد حاليا في مستشفى للأمراض العقلية) والتي قضي عليها باعتقال قادتها . تعدادنا الآن حوالي المائتي نفر موزعين على اثني عشرة فرقة ٬ وكل واحدة مكونة من أفراد يعرف بعضهم بعضا أو أشخاص التأموا حول صديق مشترك . وتختار كل فرقة ممثلا يشترك في جلسات ثابتة . وعندما ذهبت الى احدى هذه الجلسات في موسكو في الثامن من الشهر (حزيران 1980) اعتقلوني للمرة الأخيرة ٬ وهنالك اثنا عشر رفيقا مفصولون عن العمل أو معتقلون .

● هل تعتقد رغم كل ذلك ان في الامكان نمو منظمة عمال مستقلة في الاتحاد السوفييتي ؟

حاليا هذه هي بداية أولية لكن “اتحاد نقابات العمال الحر” هو وليد عملية لا يمكن ايقافها لمدة طويلة . لقد ازداد استياء العمال الذين بدأوا يدركون القوة التي يشكلونها عند تنظيمهم . وهذا شيء أساسي !

● حول أية مطالب يمكن تنظيم حركة كهذه ؟

أولا : الأجور . فأجر العامل العادي يشكل ٬ طبق حساباتنا ٬ جزءا واحدا من خمسة عشر مما ينتجه . ثم الوقاية في العمل . فالحوادث كثيرة جدا لغياب أنظمة الوقاية ٬ وكذلك تحسين التجهيز ‒ الذي يجعل العيش ممكنا بشكل ما في المدن الكبيرة لكنه في الواقع ينعدم في الأقاليم .

في الأرياف يتحتم الانتظار وقوفا حسب الدور خمسة ساعات كل صباح قرب المخابز دونما التأكد من الحصول على الخبز ٬ لا يمكن ايجاد الحليب ٬ وبطاقات التقنين تجيز لك كيلوين اثنين من اللحم شهريا مقابل كل فرد في العائلة يتقاضى راتبا . وأخيرا البطالة . انما تنعدم رسميا حيث لا توجد وزارة عمل ولا توجد مخصصات للبطالة ٬ لكن يوجد هنالك مئات الألوف من الناس في المعسكرات بتهمة انه لم يكن لديهم عمل خلال فترة تزيد على أربعة أشهر !

والعمال أشجع …

● المعارضة المنظمة في الأساس هي من صنع أهل الفكر . لماذا ؟

انني لا أوافق . فلم ار أبدا رجال فكر مضربين . صحيح ان العمال أقل في الثقافة نصيبا ٬ ولا يتقنون بالتمام استعمال القوانين دفاعا عن أنفسهم . لهذا تبقى تنظيماتهم ارتجالية وتتمحور في مواضيع خاصة . لكن العمال يبزون رجال الفكر شجاعة وجرأة ٬ اذ لا مناصب تنتظرهم فيخشون ضياعها . انهم يظلون دائما عمالا ٬ واذا ما فقدوا مكان عمل ٬ ظلوا دائما على أمل ايجاد آخر جديد .

وبما انه ينبغي بالحزب ان يكون بروليتاريا ٬ فانهم يطلبون من العمال الالتحاق به . واما أهل الفكر فقد وجب عليهم تقييد أسمائهم في سجل المنتظرين ‒ وهم بفعلون ذلك ٬ لأنهم اذا لم يكونوا أعضاء في الحزب سدت في وجوههم السبل الى المناصب ! واما انخراط العمال في الحزب فانه يتسبب لهم في الانزعاج فحسب ٬ اذ يتوجب عليهم دفع رسوم العضوية ٬ والاشتراك في الاجتماعات خارج ساعات العمل ٬ وأولئك الذين يترقون المناصب منهم في جهاز الحزب ٬ يكون نصيبهم الخزي في صفوف أصحابهم من العمال السابقين !

● لم حدة انتقادك هذه للمعارضة الفكرية ؟

بيد اني ناقد ومشكك أيضا ٬ لكنني أود التكلم بحذر لأن هذه المشاكل لم تدرس بعد في أوساط المعارضة ذاتها . لنفرض ان المبادئ الاخلاقية تلزم المرء الدفاع عن صديق في ضيق بسبب أفكاره ٬ وطبقا لهذا فان حركة المنشقين هي عبارة عن جماعة للتعاون المتبادل بين أناس ينتمون الى دائرة واحدة وأهل ثقافة واحدة ٬ لا يجد المرء له فيها مكانا اذا لم يعرف من تكون آنا أخمتوفا ٬ مثلا ٬ حتى وان أراد الدفاع عن حقوق الانسان أو العمال ! وهذا شكل من العنصرية ! ان حركة المنشقين هي بالأحرى حركة ليبرالية تناضل من أجل حريات الانسان ٬ أكثر من كونها حركة ديمقراطية . وأنا ديمقراطي ٬ أي مناصر حكم من أجل الشعب !