(عن كتابها “الوجه العاري للمرأة العربية” ٬ القاهرة 1977)

هناك فئة كبيرة من النساء المضطهَدات في قانون العمل وهن النساء العاملات داخل البيت ٬ ويطلق عليها “ربات البيوت” .

ان عمل المرأة داخل البيت غير منظور وغير معترف به ضمن أعمال الانتاج في المجتمع . ونحن لا نطلق على المرأة التي تعمل في البيت اسم امرأة عاملة مع ان عمل المرأة في البيت عمل انتاجي مائة في المائة ٬ لكنه عمل بغير أجر ٬ وبغير مقاييس اقتصادية واجتماعية ٬ في حين ان عمل المرأة داخل البيت يبدأ أول النهار وينتهي في اخره . أي أنه بمقاييس العمل يزيد عن أي معدل لأي عمل آخر خارج البيت . (هذا باستثناء النساء العاطلات في البيوت من الطبقة القادرة على استئجار الخدم والطباخين ومربيات الأطفال وهن يمثلون فئة صغيرة من المجتمع العربي بصفة عامة) .

وعمل المرأة في البيت أيضا يشمل على عدة وظائف وعدة تخصصات ٬ فهي تقوم بوظيفة الطباخ والخادم والممرضة والمرضعة والغسالة والسفرجية ومربية الأطفال والمدرسة والمرفهة النفسية والمواسية والمشجعة جنسيا والمنفسة عن غضب الزوج أو فشله أو توتره أو احباطه .

تقوم المرأة داخل البيت بجميع هذه الوظائف بغير أجر ٬ وبغير ان يعترف بعملها ضمن الأعمال الانتاجية في المجتمع . أي أن المرأة العاملة داخل البيت مستغَلة اقتصاديا وانسانيا . لأن الانتاج هو الذي أعطى البشر صفة الانسانية ٬ فالفرق بين الانسان والحيوان هو الانتاج . وقد توصل الانسان للانتاج لأنه هو وحده دون سائر الحيوانات الذي اكتشف الادوات أي وسائل الانتاج .

الانتاج اذن عمل خاصّ بالانسان وحده . أما الاستهلاك فتقوم به جميع المخلوقات والكائنات .

ان سلب انتاجية المرأة العاملة في البيت سلب لانسانيتها . وان سلب أجرها وفرض هذا العمل عليها بغير أجر انما هو سلب لحقوقها الاقتصادية الأساسية . كما أن فرض هذا العمل عليها يحرمها من حرية اختيار عمل آخر . والمفروض أن الانسان هو الذي يختار عمله لا أن يفرض عليه لأنه ولد أنثى . ان وظيفة تنظيف البيت يجب الا تفرض على المرأة لمجرد انها أنثى . كما أن وظيفة تنظيف الاحذية يجب الا تفرض على الزنجي لمجرد انه ولد أسود الون .

وعلى هذا فان الاضطهاد الواقع على المرأة العاملة في البيت اضطهادا مضاعفا ثلاث مرات كالاتي :

  1. حرمانها من شرف الانتاج كانسان وتجاهل عملها بمقاييس العمل المنتج .
  2. حرمانها من الأجر .
  3. فرض عمل البيت عليها والخدمة فيه لمجرد أنها أنثى .

ويمكن لنا ان نتصور الأموال التي توفرها أي دولة بتسخير النساء في العمل داخل البيوت بغير أجر ٬ حيث ندرك النفقات الباهظة والصعوبة التي تتطلبها هذه الوظائف في المجتمعات الاشتراكية التي حاولت أن تحرر نسائها العاملات خارج البيوت من الأعمال المنزلية وخدمة الأطفال ٬ الى الحد الذي جعل معظم البلاد الاشتراكية عاجزة عن تحرير الأغلبية من نسائها من هذه الأعمال المنزلية أو رعاية الأطفال . ان الاتحاد السوفياتي مثلا لم يوفر من دور الحضانة الا 25 بالمائة فقط مما يمكن ان يكفي أطفال الامهات العاملات . وألمانيا الشرقية لم توفر الا 30 بالمائة فقط .

أما في المجتمعات الرأسمالية مثل الولايات المتحدة فان هذه النسبة لا تزيد عن 3 بالمائة رغم ثراء المجتمع النسبي . لكن المجتمع الرأسمالي قائم أساسا على الربح ومضاعفة رأس المال . ومثل هذه الخدمات الضرورية للنساء العاملات لا تمثل للمجتمع الرأسمالي ضرورة فهي مصاريف ونفقات باهظة بغير عائد مباشر .

ويتجاهل المجتمع الرأسمالي العائد من وراء عمل النساء في البيوت اذ لولا عمل النساء في البيوت لانهار الاقتصاد الرأسمالي . فكيف يعمل العامل اذا لم تكن له امرأة في البيت تطعمه وتغسل ملابسه وتربي أطفاله . وكيف يدبر المجتمع الرأسمالي الأيدي العاملة الجديدة اذا امتنعت النساء عن ولادة الأطفال أو عن رعايتهن ؟

women labour at home - 87

ومن هنا ذعر المجتمع الرأسمالي من قوة النساء الصاعدة الجديدة التي قد تفرض على المجتمع شروطا جديدة للعمل في البيت وتطالب بأجر عن عمل البيت وعن الحمل والولادة والرضاعة أو أن تثور النساء ضد كل هذه الوظائف المفروضة ٬ وترفض الزواج والحمل وتسعى الى منع الحمل والاجهاض وهذه كلها حقوق مسلوبة من النساء لأن النساء لم يمثلن في يوم من الأيام قوة ضاغطة على أي نظام أو حكم .

وبرغم ان الاشتراكية سعت الى تحرير المرأة وذلك بأن تعمل المرأة مثل الرجل وتتقاضى أجرا مساويا له عن العمل نفسه الا أن الاشتراكية دفعت أعدادا متزايدة من النساء للعمل دون أن تحررهن من عمل البيت ورعاية الأطفال الا بنسب صغيرة .

كما أن النظرية الاشتراكية الخاصة بفائض القيمة لم يطرقها الاشتراكيون على الانتاج داخل البيت وانما طبقت هذه النظرية على الانتاج في المجتمع . ولذلك تم الكشف الواضح عن مدى الربح الذي يجنيه الرأسماليون من وراء العمال ولم يتم الكشف عن الربح الذي يجنونه من وراء عمل النساء في البيوت .

وفي مجتمعاتنا العربية لا تزال معظم النساء مسخرات للعمل داخل البيت بالمجان ٬ ودون الاعتراف بدورهن الهام في الاقتصاد والانتاج . أما النساء العاملات خارج البيت فانهن يجمعن بين العملين داخل البيت وخارجه في معظم الأحيان مما يسبب الارهاق الجسدي والنفسي لمعظم الامهات العاملات بالاضافة الى مشاكل الأطفال الذين تركوا بغير رعاية الأم أو الأب وبغير رعاية الدولة .

ولا يمكن للنساء العربيات أن يعالجن مشاكلهن وهن أفراد متفرقات . ان الذي عطل حصول النساء على حقوقهن هو أنهن لم يكن أبدا مجموعة قوية متماسكة ٬ ولم يكن لهن في أي مجتمع حزب سياسي يناضل من أجل تحريرهن ويفرض شروطهن بالاقتناع والمنطق أو الاضراب والضغط . بغير القوة الضاغطة الاجتماعية والسياسية لا يمكن لأي مجموعة من البشر ان تنال حقوقها في ظل أي نظام أو حكم .

ان المهام الملحة المطلوبة من حزب النساء السياسي مثلا هو وضع خريطة جديدة لقوة العمل النسائية المنتجة بحيث تضم الفلاحات وربات البيوت . ان احصاءاتنا الرسمية تقول ان قوة العمل النسائية هي 9٬5 بالمائة فقط ٬ وهي لا تحسب الفلاحات ضمن هؤلاء وانما تحسب النساء العاملات بأجر فقط . لكن الفلاحة المصرية منتجة مائة في المائة لكنها محرومة من الأجر ومحرومة أيضا من شرف الدخول في قوة العمل المنتجة لمجرد انها لا تتقاضى أجرا .

واني أتصور ان من المهام المطلوبة أيضا من حزب النساء السياسي هو صنع مقاييس لعمل المرأة في البيت حسب مقاييس العمل والانتاج في المجتمع ٬ بحيث يصبح عمل ربة البيت ضمن أعمال الانتاج في المجتمع . بمعنى آخر اعطاء صفة الانتاجية الاقتصادية لربات البيوت ٬ فذلك يمنحهن الشرف الانساني كأعضاء منتجات في المجتمع (وليس مستهلكات فقط) بالاضافة الى الحصول على أجر مساو لما يحصل عليه شخص أخر يقوم بالعمل نفسه .

ومن مهام الحزب أيضا تحرير النساء المشتغلات خارج البيت من العمل في البيوت وذلك بأن توفر الدولة المطابخ والمغاسل ودور الحضانة . وبأن يكون لتوفير هذه الدور والمؤسسات أولية في ميزانية الدولة لأن عدم توفيرها يسبب المشاكل والأزمات العديدة للنساء والأطفال بل والرجال أيضا .

والذين يقولون ان هذه المشاكل يمكن ان تحل بعودة المرأة الى البيت لا يدرسون الواقع دراسة علمية موضوعية . لأنهم لو فعلوا ذلك لوجدوا أن الذي يدفع الأغلبية الساحقة من النساء العاملات في الحقول والمصانع والمكاتب هو الحاجة الاقتصادية للمجتمع والحاجة الاقتصادية للأسرة . ان أغلبية نساء مصر مثلا فلاحات يخرجن الى العمل كل يوم منذ الاف السنين ٬ ولولا خروج الفلاحة المصرية من دارها لما وجدنا الخبز الذي نأكله ولا الملابس التي نلبسها . ان الفلاحة المصرية عاملة منتجة مائة في المائة ٬ ولا تكاد تستهلك شيئا وان أغلبية النساء العاملات في غير الزراعة عاملات كادحات في المصانع أو الخدمات أو المهن الضرورية . وكلهن يعملن من أجر توفير القوت الضروري لأسرهن وأطفالهن .

وان نسبة ضئيلة جدا من جملة النساء اللائي يخرجن للعمل لأسباب غير اقتصادية ضرورية . وحتى بالنسبة لهذه الفئة القليلة فان أسباب العمل ضرورية وانسانية .

فمن قال ان الهدف الوحيد من العمل في حياة الانسان هو الحصول على القوت الضروري ؟ ان الانسان العاطل بغير عمل يفقد مع فقدان العمل انسانيته وشرفه بسواء .

وقد كتب أحد كتّابنا وهو توفيق الحكيم يقول ان الرجل انتاج والمرأة استهلاك وهذا هو التقسيم الاقتصادي في الفكر الرأسمالي الذي يحرم المرأة شرف الانتاج رغم انها منتجة مائة في المائة ٬ فان أغلبية النساء فلاحات منتجات مائة في المائة . وأغلبية العاملات في المصانع والمكاتب منتجات . والنساء العاملات في البيوت فقط منتجات أيضا . وانتاج المرأة العاملة أكثر من انتاج الرجل لأنها تعمل في وظيفتين داخل البيت وخارجه . أما المرأة المستهلكة فهي لا تمثل الا نسبة ضئيلة جدا من المجتمع واستهلاك الرجل في هذه الفئة مثل استهلاك المرأة أو أكثر .