(عن “الاقتصاد العربي” ٬ حزيران 1979)

تمتد الأراضي المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة) على مساحة تبلغ حوالي ستة الاف كيلومتر مربع ٬ ويسكنها حوالي 1٬2 مليون نسمة ٬ منهم حوالي 595 ألف نسمة في سن العمل ٬ بالمقارنة مع حوالي 986 ألف نسمة في سبتمبر (ايلول) 1967 ٬ حيث كان يقطن الضفة الغربية 596 ألف نسمة ٬ وقطاع غزة 390 ألف نسمة . في خلال صيف عام 1967 انتقل عدد كبير من الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية بصفة خاصة للاقامة في الضفة الشرقية ويزيد عدد هؤلاء على 200 ألف نسمة . وحتى بداية العام 1969 استمر عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة بالانخفاض نتيجة للممارسات التعسفية وغير الشرعية لسلطات الاحتلال . ولكن المعدل الحالي للزيادة الطبيعية أدى الى النمو الكبير للسكان . فقد بلغ معدل نمو السكان في الضفة والقطاع 3٬2 في المئة سنويا ٬ بالمقارنة مع نفس ذاته للسكان اليهود ٬ مع الأخذ بعين الاعتبار ان نصف الزيادة الحاصلة بالنسبة لليهود تعتبر نتيجة للهجرة الصافية .

وتظهر الاحصائيات وجود تفوق نسبي للنساء في الضفة الغربية وقطاع غزة في مجموعة العمر تتراوح بين 25 ‒ 50 سنة ٬ وهذا يعكس الحقيقتين التاليتين : الحقيقة الأولى تتمثل في بحث الذكور عن فرص التعليم الجامعي خارج المنطقة ٬ والحقيقة الثانية ٬ الأكثر أهمية ٬ وهي ميل الذكور للبحث عن فرص الاستخدام في الشرق الأوسط ٬ وخاصة الدول العربية المجاورة .

تشير الاحصائيات المتاحة الى ان القوى العاملة في الضفة الغربية عشية حرب 1967 كانت تنقسم تقريبا بالتساوي بين الزراعة بنسبة 34٬2% والبناء والصناعة والحرف والتعدين واستخراج الحجارة بنسبة 35٬5% ٬ وقطاع الخدمات بنسبة 30٬3% . اما في قطاع غزة فقد كانت الأهمية النسبية للزراعة والأعمال المتصلة بها أكثر انخفاضا ٬ حيث بلغت نسبتها 22% فقط . وقد ازدادت مستويات البطالة بعد الحرب نتيجة للتأثير المباشر الاقتصادي للحرب ٬ وكانت قوة العمل النشطة صغيرة بالنسبة لمجموع السكان بسبب البنيان الشاب للسكان ٬ والعدد الكبير للذكور البالغين الغائبين ٬ والمشاركة المنخفضة للمرأة في العمل المدفوع الأجر .

ولم يكن يسمح للعمال الفلسطينيين في السنة الأولى من الاحتلال الاسرائيلي بالبحث عن العمل داخل اسرائيل بسبب تخوف السلطات من مصاعب البطالة التي يمكن لهذا الاستخدام ان يتسبب فيها داخل اسرائيل ٬ ولكن بحلول شهر يوليو (تموز) 1968 ونتيجة لنقص العمل الحاصل في اسرائيل سمح للمقيمين في الضفة والقطاع بالبحث عن العمل داخل اسرائيل لمواجهة احتياجاتها من العمل غير الماهر . وبعد العام 1969 تزايد استخدام الفلسطينيين في اسرائيل بصورة كبيرة حيث ارتفع عدد العاملين من حوالي 12000 عامل للعامي 1968 و1969 الى حوالي 68000 عامل في الربع الثالث من العام 1973 . ونتيجة لحرب المذكورة (حرب أكتوبر 1973) انخفض الرقم المذكور الا انه عاود الارتفاع ثانية ليصل الى حوالي 79000 عامل في الثلث الرابع من عام 1974 . وقد انخفض هذا الرقم بعد ذلك نتيجة للركود الاقتصادي الذي لحق بالاقتصاد الاسرائيلي . وتجدر الاشارة الى ان الأرقام الحقيقية كانت أعلى من تلك المذكورة بسبب ان كثيرا من العمال كانوا يعملون بصورة غير قانونية ٬ وبالتالي لم تنعكس أعدادهم في التقديرات الرسمية .

وبحلول منتصف العام 1974 بلغت نسبة الاستخدام في اسرائيل 31٬7% من مجموع المقيمين المستخدمين في الضفة والقطاع . وقد كانت الأهمية الكمية للاستخدام لقاء أجر في اسرائيل كبيرة لأن نسبة عالية من الاستخدام في الضفة والقطاع تتكون من المستخدمين لأنفسهم في قطاعات الزراعة والحرف والخدمات . وتبين أرقام العام 1973 ان حوالي نصف المستخدمين العاملين بأجر في الضفة والقطاع كانوا مستخدمين في اسرائيل ولكن منذ العام 1975 بدأ عدد المستخدمين من الضفة والقطاع بالانخفاض ٬ حيث تقدر أعدادهم بين 50 ‒ 70 ألف عامل نتيجة للأزمة الاقتصادية ٬ وخاصة المظاهر المتعلقة بمعدلات التضخم الرهيبة ٬ والتخفيض المثير لليرة الاسرائيلية وانعكاس ذلك على الرغبة في التخلص منها ٬ وما يتبع ذلك من انخفاض في قوتها الشرائية ٬ وعدم ارتفاع الأجور بصورة موازية للارتفاع الحاصل في الأسعار ٬ مما ترك أثارا واضحة على المستوى المعيشي لهؤلاء العمال ٬ واتجاههم للعمل في الضفة الشرقية من الأردن والدول العربية الأخرى .

تتوافر نصف الوظائف تقريبا في قطاع البناء ٬ حيث كان هناك حوالي 30000 فلسطيني في الضفة والقطاع يعملون في القطاع المذكور . ولم تكن الأهمية النسبية لعمال الضفة والقطاع كبيرة في مجموع القوى العاملة الاسرائيلية حيث ساهم بأقل من 6% في مجموع الاستخدام عند بلوغه الذروة ٬ و7% من مجموع المستخدمين . ولكن تجدر ملاحظة تركيز عمل سكان الضفة والقطاع في قطاع البناء مما يعطيه أهمية كبيرة ٬ فأكثر من نصف المستخدمين في القطاع المذكور من الضفة والقطاع ومن السكان غير اليهود في اسرائيل . ويمكن القول بأن حوالي 12% من المستخدمين بالعمل اليدوي في الاقتصاد الاسرائيلي من المقيمين في الضفة والقطاع .

ولا شك فان القوى العاملة من الضفة والقطاع قد لعبت دورا مهما في توسع الاقتصاد الاسرائيلي خلال الفترة 1968 ‒ 1973 وقد اعتمدت بعض القطاعات التي تعتمد بصورة كبيرة على القوى البشرية ٬ على المستخدمين من الضفة والقطاع بحيث يشكل سحبهم من العمل صعوبات جدية لتلك القطاعات ٬ ويخلق الحاجة لاعادة توزيع القوى العاملة الاسرائيلية .

ولكن هل يوجد احتمال لتغير دوري اذا ما تحرك الاقتصاد الاسرائيلي تجاه الركود ؟ يمكن القول بانه نظرا للتركيز الكبير لليد العاملة العربية في فرص العمل اليدوي المتزايدة وتركزها في قطاع البناء والزراعة والصناعة ٬ وبسبب غياب الأساس التنظيمي لمساومة ٬ فان وجود العمال من الضفة والقطاع يعتبر أمرا بالغ التأثر ٬ حيث يمكن ان تؤدي مستويات بطالتهم الى تقلبات في الاقتصاد الاسرائيلي . فعندما اتجه الاقتصاد الاسرائيلي الى الركود عام 1975 انخفض استخدام المقيمين في الضفة والقطاع في الربع الثاني من العام المذكور ٬ وتبعا للمعطيات المتاحة وغير المتكاملة عن هذا الوضع فقد هبط استخدام العمال من الضفة والقطاع في الربع الثالث من العام المذكور بنسبة 11% من الذروة التي بلغها قبل عام واحد . وأهم النتائج التي ترتبت على ركود الاقتصاد الاسرائيلي انتقال الاستخدام الى الضفة والقطاع ٬ وزيادة عدد العمال الذين أصبحوا يعبرون نهر الأردن بحثا عن العمل . يساعد على ذلك تراخي سوق العمل في اسرائيل ٬ وزيادة ندرة فرص العمل في الأردن نتيجة للتوسع الاقتصادي فيها ٬ وقد تجلت أهم مظاهر التوسع المذكور في قدوم حوالي 60000 عامل معظمهم من مصر والباكستان وسوريا ٬ حيث يعمل أكثر من نصف هذا العدد في أعمال لا تتطلب مهارات معينة ٬ وتجدر الاشارة الى ان نموذج العمل الفلسطيني يتركز في الاقتصاد الاسرائيلي بالعمل اليدوي .

يقوم نموذج اشتراك العمل الفلسطيني في الاقتصاد الاسرائيلي على جذب العمل في المناطق القروية الى المدينة ٬ ومن الأقاليم المختلفة الى الأقاليم الحضرية ٬ وتعمل برامج التدريب الاسرائيلية على تسهيل ذلك حيث تركز على مهارات البناء والتركيبات الكهربائية . وكانت هذه البرامج في بدايتها عبارة عن دورات قصيرة مكثفة . ثم تطورت الى مدارس تدريبية عالية ذات فصول دراسية أطول ٬ ويثور انتقاد حول هذه البرامج التدريبية يتلخص بتقييد دور العمال الفلسطينيين في الاقتصاد الاسرائيلي بالمساهمة في العمل اليدوي فقط .

ويعتقد المراقبون الاسرائيليون بأن منفعة مشتركة للاقتصاد الاسرائيلي والمستخدمين والرخاء الاقتصادي الأوسع لاسرائيل والمناطق المحتلة قد تحققت نتيجة لانخفاض البطالة بين العمال غير المهرة ونصف المهرة . ولكن اعتقاد المراقبين هذا لا يصمد امام الحقيقة القائلة بأن العمال الفلسطينيين يعتبرون ضمن المجموعة ذات الأجر الأقل في بنيات الأجور الاسرائيلية ٬ وان هناك فجوة ضخمة بين معدل الأجر المدفوع للاسرائيليين ٬ ومعدل الأجر المدفوع للمقيمين في الضفة والقطاع العاملين في اسرائيل . يضاف الى ذلك ان عمل هؤلاء يقوم على حساب تطور المناطق العربية ٬ وحرمانها من المشاريع التنموية المختلفة التي يمكن لها ان تستوعب العمالة المذكورة ٬ ووجود نموذج واحد للعمل وما يخلقه من اضرار للفئة العاملة .

وحتى تكتمل الصورة ينبغي أن نذكر بأن التدريب المتدني ٬ ومستوى المهارات المنخفض للعمال العرب بالمقارنة مع العمال الاسرائيليين يجعل الفئة الأخيرة تملك اختيارا أوسع للوظائف بما في ذلك المراكز الأكثر مسؤولية ٬ علاوة على أن الفرص الوظيفية المتاحة للعمال العرب محددة بعوامل اجتماعية ٬ وعوامل سياسية مما يفيد قائمة الوظائف المتاحة . ويتوجب على ذلك وجود العمال الفلسطينيين في مركز تنظيمي أضعف من العمال الاسرائيليين . وربما يكون ذلك مهما بالنسبة للوظائف المتعلقة بالأمن الا انه يؤثر في مستويات الدخل المتحققة .

وفي دراسة أعدها “برجملن” في بنك اسرائيل ٬ يذكر “ان معدل الاستخدام في المناطق المدارة ‒ أي المحتلة ‒ يتناسب بصورة عكسية مع ارتفاع مستوى التعليم (مقاسا بعدد سنوات التعليم) ويمكن ان يعزي هذا الوضع الى ندرة الوظائف المناسبة للعمال المتعلمين ٬ حيث يعانون من معدل عال للبطالة” .

ويعتبر استخدام العمال الفلسطينيين في الاقتصاد الاسرائيلي من المسائل الدقيقة التي تحيط بالمناقشات الجارية حول مستقبل الضفة والقطاع ٬ ومما يزيد في تعقيد المسألة السكانية هو ان المعتقدات الرئيسية للصهيونية قبل وبعد احتلال فلسطين وتشريد سكانها تؤكد على ان المجتمع اليهودي يجب ات يبنى على عمل العمال والمزارعين اليهود فقط . وهكذا فانه ليس من المقبول ايديولوجيا وسياسيا بالنسبة للعديد من الاسرائيليين الاعتماد على الطبقة العاملة العربية .

وهناك عدة نتائج تترتب على استخدام العمال الفلسطينيين في الاقتصاد الاسرائيلي يمكن تلخيصها كالتالي :

1 ‒ اعاقة التطور للموهبة المهنية والادارة المحلية نتيجة لاستخدام العمال من المناطق المحتلة أخيرا في نماذج عمل محددة تعتمد على العمل غير الماهر أو نصف الماهر .

2 ‒ جمود القطاعات الاقتصادية المختلفة في الضفة والقطاع وتخلفها لحرمان هذه القطاعات من عمل ابنائها .

3 ‒ حدوث تغيرات هامة في بنيان الاستخدام للمقيمين في الضفة والقطاع بصورة تكرس الفجوة وتعمل على توسيعها بين اقتصاديات الضفة والقطاع من جهة ٬ والاقتصاد الاسرائيلي من جهة أخرى .