يجد القارئ في هذا العدد من “متسبين” على ورقة منفردة ٬ “الاعلان العالمي لحقوق الانسان” لمنظمة الأمم المتحدة والذي وقعته أيضا دولة اسرائيل . (طبعت هذه الوثيقة كاعلان من قبل “المركز القطري لمواطني العالم في شرقي البحر الأبيض المتوسط” ٬ وهو جسم ينادي بتوحيد العالم في وحدة واحدة ٬ ويعمل وفقا لذلك عن طريق نشر شهادات ووثائق شبه رسمية ذات قيمة رمزية فقط ٬ الا انها باهضة الثمن) . اننا ننشر هذا الاعلان رغم عدم كوننا من أنصار منظوة الأمم المتحدة ٬ كما اننا لسنا من أنصار الديمقراطية البرجوازية التي يشكل هذا الاعلان أخطر تعبير للجوانب الديمقراطية منها . في الواقع يمكن القول بأن هذه هي “وثيقة النظام البرجوازي لحقوق الانسان” ولهذا بالذات من المهم ان نرى كيف أنه بعد مرور قرنين على الثورة الفرنسية (التي تعتبر الثورة البرجوازية الديمقراطية الكلاسيكية) لا تزال مبادئ الديمقراطية البرجوازية تمثل تعبيرا للمنشود لا الموجود في أغلبية دول العالم بما في ذلك المدعوة “ديمقراطية” .
تزعم اسرائيل الانتماء الى المعسكر البرجوازي ‒ الديمقراطي . ونحن ندعو القراء الى الوقوف معنا على مواد اعلان حقوق الانسان لمعرفة مدى انتهاك اسرائيل لبنود الاعلان اياه .
ان جميع المواد المتعلقة بمساواة الانسان امام القانون غير معمول بها في اسرائيل كما هو معلوم . ذلك لأن هذه الدولة لا تعترف بحقوق مساوية (شرعية) دون فارق في الدين مثلما انها لا تعترف بحقوق مساوية (شرعية) دون فارق حسب الأصل والقومية . يميز القانون في اسرائيل بشكل سافر ضد تيارات الدين اليهودي غير الأرثودوكسية مثلما انه يميز بشكل سافر بين اناس من أصل يهودي وآخرين من أصل غير يهودي (قانون العودة يمنح الجنسية بشكل أوتوماتيكي لمن أصله يهودي فحسب) .
المادة التاسعة [“لا يجوز اعتقالُ أيِّ إنسان أو حجزُه أو نفيُه تعسُّفًا”] تنقض يوميا على أيدي اسرائيل . فحتى اليوم لا تزال هنالك أكثر من عشرة أفراد (من أهالي الضفة الغربية) معتقلين تعسفا اعتقالا اداريا دون تقديمهم الى محكمة . وابعاد السكان الى وراء الحدود ‒ الى الأردن ‒ هو عرف مألوف لدى السلطات الاسرائيلية .
المادة الثالثة عشرة تقضي بحرية التنقل والاقامة لكل فرد داخل حدود كل دولة . لكن مواطن اسرائيل اذا كان عربيا تحظر عليه الاقامة في أي مكان استيطاني قائم على أرض “القيرن قييمت ليسرائيل” (مؤسسة صهيونية) . وأحدث مثل على هذا الحظر هو التنكيل بالبدو (تحت رعاية القانون) المقيمين قرب أماكن عملهم والتنكيل بسكان المستوطنات الذين يشغلونهم . وهنالك أيضا العديد من المواطنين الاسرائيليين (من العرب طبعا) المحددة حرية تنقلهم تعسفا بواسطة “أوامر تحديد” صادرة حسب “أنظمة الطوارئ” الانتدابية سيّئة الصيت .
المادة الثالثة عشرة (2) تقضي بحق كل انسان في العودة الى بلاده . الا ان دولة اسرائيل ٬ تسلب أكثر من مليون لاجئ فلسطيني حقوقهم في العودة الى بلادهم طيلة ثلاثين عاما !
المادة السادسة عشرة تلفت نظرنا الى ان قوانين الأحوال الشخصية في دولة اسرائيل تتنافي وحقوق الانسان كما هو معترف بها من قبل الأمم المتحدة . فكثير من المواطنين الاسرائيليين غير مخوّل ‒ حسب القانون ‒ بالتزوج وتأسيس أسرة وذلك بسبب التحديد الديني (ما يسمى : غير صالحي الزواج ٬ وفق الديانة اليهودية ٬ أو أفراد يدينون هم أو آباؤهم بديانات مختلفة) .
المادة 17 تعبر عن أحد حقوق النظام البرجوازي الأساسية الهامة . نحن ٬ مثلا ٬ كاشتراكيين لا نعترف بحق ملكية مطلق ٬ ونؤيد فعلا الغاء ملكية الرأسماليين ٬ أي وسائل الانتاج ‒ لصالح المجتمع برمته . ومع ذلك تجدر الاشارة الى أن هذا الحق البرجوازي “المقدس” غير محترم في دولة اسرائيل . فقد سلبت أملاك عشرات الألوف من المواطنين تعسفا لثلاثين عاما . والمقصود ٬ مصادرة أراضي المواطنين العرب بمئات آلاف الدنمات بأشكال وأنظمة وقوانين عديدة ٬ يشكل كل واحد منها استهتارا فظّا بالأسس التي يتبجح النظام بالارتكاز عليها .
المادة 19 [“لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود”] تخرق يوميا على أيدي اسرائيل . فقبل وقت قريب اعتقلت الصحافية ريموندة الطويل من رام الله تعسفا (دون مقاضاتها) لأنها حاولت الحصول على الأخبار ونقلها بكل الوسائل دون تحديد . ان مجرد وجود مؤسسات مثل الرقابة على الصحافة والراديو أو مجلس “مراقبة” الأفلام والمسرحيات يشكل تنكرا للحقوق الواردة في هذا البند .
المادة العشرون [“لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية”[ القت بها محكمة العدل العليا لاسرائيل في سلة المهملات بحظرها تنظيم مواطنين (بالطرق السلمية) في نطاق حركة الأرض في منتصف سنوات الستين .
المادة الحادية والعشرون (2) ‒ [“لكلِّ شخص ، بالتساوي مع الآخرين ، حقُّ تقلُّد الوظائف العامَّة في بلده”] ‒ لا جدل فيها . فواضح لكل فرد في اسرائيل ان المساواة تنعدم امام المواطنين في تقلد الوظائف في أجهزة الدولة ٬ بسبب التمييز المعتمد في هذا المضمار في اسرائيل (راجع المادة الثامنة من الاعلان) والذي يرجع الى عوامل الدين ٬ الرأي السياسي أو الرأي في مشاكل أخرى ٬ الأصل القومي المولد وما شابه .
بخصوص البنود المتعلقة بالرخاء الاجتماعي وظروف العمل فلا حاجة الى الاسهاب . حسبنا الاشارة الى وجود تنظيم ضمن قانون التأمين الوطني يفسح المجال للتمييز ضد العرب ٬ الا هو التنظيم الذي يضمن الخدمات لمن أدى الخدمة العسكرية فقط [ألغي هذا التنظيم في كانون الثاني 1997]. احد هذه البنود “الاجتماعية” يتعلق بالتعليم وينص على ان التعليم العالي يكون مفتوحا للجميع على قدم المساواة وعلى أساس الكفاءة” . أجور التعليم في الجامعات لا تمكن جزءا من الناس دخولها ٬ وحديثا حملت الأخبار ان تمة من يريد ايصاد الجامعات في وجه حملة أفكار سياسية معينة (كالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية) .
المادتان السادسة والعشرون (1) (2) يجري خرقهما باستمرار في اسرائيل . فالتعليم غير موجه لتنمية علاقة من الاحترام لحقوق الانسان وانما العكس هو الصحيح أحيانا . رغم ما ورد في مقدمة اعلان حقوق الانسان فليس من المتبع في اسرائيل تعميمه على الملأ ٬ وكم بالحرى ألا يبث في المدارس والمؤسسات الأخرى والا يتلى أو يفسر هنالك . ولتأكيد البون بين الوارد في الاعلان وبين المتبع في اسرائيل يجدر اقتباس بقية المادة 26 (2) : “يجب ان تهدف التربية الى تنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية (العرقية) أو الدينية” . فشتّان ما بين هذا والتربية على مقولات : “العالم كله ضدنا” ٬ و”الشعب المختار” !
خلاصة القول : ان معظم مواد اعلان حقوق الانسان والتي وقعتها اسرائيل ٬ يجري خرقها باستمرار على أيدي حكومات اسرائيل بفظاظة وتعسف . هذه الحقيقة لا تزعج حكومة اسرائيل التي لا يعدل توقيعها على وثيقة كهذه مثقال قشرة بصلة ٬ من ان تشكك في توقيعات الغير على اتفاقيات ٬ ولا تزعج هذه الحقيقة أيضا حكومة اسرائيل من التمادي في مفاخرتها بأنها “الديمقراطية الفريدة في الشرق الأوسط” . قد تنعدم دولة عربية ديمقراطية في الشرق الأوسط ٬ لكن أيكفي هذا لتحويل اسرائيل الى ديمقراطية ٬ و”اعلان حقوق الانسان” المرفق هنا ٬على ذلك من الشاهدين ؟