(عن مجلة “الاقتصاد العربي” ٬ شباط 1978)
شمس هينا ٬ هو اسم الفيلم الذي أخرجه وكتب السيناريو له المخرج التونسي رضا الباهي ٬ شاب في الثلاثين من عمره يحمل درجة الدكتوراه في الاخراج من باريس .
وشمس هينا هو أول فيلم طويل يحققه المخرج التونسي ٬ وكان قد عرض في لندن في الحريف الماضي وحظي بترحيب واسع من النقاد السينمائيين الأجانب بشكل عام والمشارقة ‒ أو المصادفة ‒ هي في عرض الفيلم في 28 يناير (كانون الثاني) الماضي على شاشة التلفزيون البريطاني (بي ‒ بي ‒ سي) . وذلك بعد يومين اثنين من بدء الاضطرابات الداخلية في تونس والتي أودت بحياة نحو 100 من المواطنين .
ويستعرض الفيلم أساسا الأزمات الكامنة والمتخفية وراء الوجه السعيد لتونس البلد السياحي المعروف بفنادقه الفخمة وفيلاته الجميلة ومقاهيه المترامية فوق أرصفة الشوارع . ويستعرض أيضا ٬ عنف التمزق القاسي الذي يعاني منه المجتمع التونسي وهو في حيرة من امره بين التوجه الكامل نحو المجتمع الغربي ‒ وخاصة الفرنسي ‒ أو الالتزام بموقعه في التراث العربي الاسلامي . ويتناول من ناحية أخرى ٬ التناقض الذي يعيشه السكان والمتولد عن الغزو السياحي للبلاد . وهذا ‒ كما يظهر الفيلم ‒ يضع المرء في موقع بين الرضاء والرفض . رضاء بالأمر الواقع لما يحققه ذلك من مستلزمات العيش . ورفض للأمر الواقع بسبب محالفته لقواعد التطور المنطقي .
الخطوط العريضة ل”شمس هينا” بسيطة . يعرض الفيلم الاثر الذي يتركه بناء مركز سياحي برأسمال ألماني على حياة قرية يعتمد سكانها على صيد الأسماك . وحال اتمام بناء المركز يتوضح النزف البالغ الذي يحصل للقرية . فهذه تصبح بمثابة مصدر تشويه لمنظر المركز السياحي العام . وفي اثناء عملية بناء المركز يتم تحطيم بعض القيم التقليدية مما كان يعتبره سكان القرية رموزا للتراث . ويهجر بعض السكان شباك الصيد التي تبتلعها الحفارات والات التشييد المعدنية .
ويظهر الفيلم أولئك الذين يدافعون عن استقلالهم ويحاولون الوقوف في وجه عملية الغاء الهوية ٬ في موقف على درجة عالية من الضعف امام موجة التغيير . وفي أفضل المشاهد المحركة للمشاعر هو مشهد الصياد طاهر (يقوم بالاداء أحمد السنوسي) المتمرد في لحظة اطلاق سراحه من السجن بسبب مسؤوليته عن مشاركته في اضراب الصيادين .
وتظهر دهشة طاهر ٬ وهو يقف امام محل لبيع التذكارات السياحية ٬ لدى رؤيته لحداد القرية الأمين (يلعب الدور محمود مرسي) وهو يرتدي الزي المحلي ليجلب انتباه السياح والتقاط الصور الفوتوغرافية له .
الامين حاول المقاومة في البدء ٬ الا انه امام وطأة الحاجة اعترف بالأمر الواقع وانضم الى العشرات من سكان القرية الاخرين الذين قبلوا بالواقع الاقتصادي الجديد في القرية .
وتبدو الصدمة عندما يلتقي الرجلان ٬ يترددان للوهلة الأولى ٬ ويتعانقان بمرارة وبؤس . كلاهما فشل ٬ ولم يحقق أي منهما الا الفشل .
والذي يعيق وصول الفيلم السوق التجاري هو من دون شك ٬ مضمونه الاجتماعي السياسي وان كان الفيلم يتميز ببساطة وسهولة في عرض وتقديم وتناول الفكرة في آن معا .
“شمس هينا” يتمكن براعة تامة ودقة بالغة في نقل وجهة نظر رضا الباهي ‒ انه فيلم جميل ومؤثر في آن واحد ٬ يتجنب النواحي العاطفية وتتدفق شخصياته بالحياة .
المتفرج على الفيلم ينتقل الى القرية ٬ واستخدام كاميرا التصوير البارع (الفيلم من تصوير تيوفان دي ساند) يجعل المتفرج يتابع أحداث الفيلم من خلال عيون سكان القرية التي ترى عملية الغزو الكبرى التي يقوم بها السياح ورجال الأعمال وبعض المسؤولين .
وتلعب الموسيقى (تأليف نيقولا بايوفاني) دورا هاما في تشابك أحداث وصور الفيلم مستخدما كل الامكانيات المتاحة في الألحان الغربية والشرقية على حد سواء .
رغم وضوح المضمون السياسي في “شمس هينا” الا ان رضا الباهي لا يقدم الينا اجابات بسيطة بل يتركنا في النهاية امام علامة استفهام كبيرة . فهو يكشف عن مأزق ممتد الى ما بعد تونس وأبعد من السياحة ٬ انه مأزق التحديث والنتائج المرافقة لتطبيقه في مجتمعات العالم الثالث عموما . ورضا الباهي لا يدعي ان العيش في القرية مان صعبا ومرهقا قبل تشييد المركز السياحي ٬ بل يتساءل عن المسار الذي يتخذه المجتمع اثناء عملية التغيير .
فيلمه يظهر كيف ان عملية التحديث لا يمكن ان تتوقف بعد ان تبدأ ٬ وكيف يمكن ان تؤدي الى نتائج سلبية ومعاكسة من دون قصد . والسؤال يبقى ٬ هل يمكن لمجتمع ما ‒ موارده الطبيعية محدودة ‒ ان يتقدم ويتطور لخدمة مصالح آنية دون الاهتمام بالمستقبل ؟