begin's autonomy

ان سلام بغين والسادات بقيادة كارتر ليس سلاما بين الشعب اليهودي ‒ الاسرائيلي والشعوب العربية عامة والشعب العربي الفلسطيني خاصة . انها تسوية بين الصهيونية والطبقة الحاكمة في مصر . واذا ما تجاوزنا الجدل في مسألة “من ربح ومن خسر؟” تبرز الحقائق التالية :

  • لم “يتنازل” بغين وشركاؤه عن شيء ولم يساوموا ‒ وانما اضطروا الى رد ما لمصر والموافقة على ازالة المستوطنات في سيناء .
  • ثمنا للانسحاب من سيناء حصلت الصهيونية على اعتراف مصري بحرية تصرفها ضمن حدود الخط الأضر وربما ما ورائها .
  • لقد اضطرت البرجوازية المصرية الى التخلي ٬ ولو مؤقتا ٬ عن طموحها الى النفوذ في العالم العربي (الأماني القومية العربية الكبرى) كي تحمي نفوذها داخل المجتمع المصري . لقد اعترفت هذه البرجوازية بحقيقة كون العدو الطبقي الداخلي ‒ جماهير العمال والفلاحين المصريين ‒ أعظم خطرا عليها من العدو ‒ الصديق الصهيوني .

يبدو من نظرة أولى وسطحية كأن تسوية الأسياد الفائزين بجائزة نوبل السادات وبغين ٬ تضر فقط بحقوق أبناء الشعب العربي الفلسطيني القومية والانسانية . فالتسوية اياها لا تشمل مطالب ديمقراطية أساسية مثل :

  • ازالة سائر المستوطنات .
  • انسحاب اسرائيلي كامل من جميع الأراضي المحتلة .
  • الاعتراف بالفلسطينيين حيثما كانوا ‒ في البلدان العربية ٬ الضفة ٬ القطاع واسرائيل ‒ ككيان قومي بكل معنى الكلمة .
  • الاعتراف بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير واحترام هذا الحق .
  • الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين .
  • الاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى وطنهم .

ان “أوتونوميا” بيغن ٬ أو “حكم” السادات “الذاتي” أو غيتو بيغن ‒ السادات ‒ كلرتر الفلسطيني ليست بالحل للقضية الفلسطينية ٬ انما هي غشاوة كلامية للتغطية على الحقيقة العارية : التسوية الاسرائيلية المصرية تبقى القضية الفلسطينية بلا حل . وهذه القضية هي جوهر النزاع المتصل في منطقتنا منذ أجيال .

الا ان التسوية الاسرائيلية ‒ المصرية ‒ الأمريكية لا تستهدف أبناء الشعب العربي الفلسطيني فحسب ٬ بل جماهير العمال والفلاحين في منطقتنا ٬ وقبل كل شيء تستهدف هذه التسوية جماهير العمال والفلاحين المصريين الذين بلغت مقاومتهم لنظام السادات أوجها في انتفاضة يناير الشعبية عام 1977 . ان السلام مع دولة اسرائيل سوف يمكن البرجوازية المصرية من تكريس معظم طاقاتها لتثبيت نظام الاستغلال والاضطهاد السائد في مصر وتعزيز روابطه مع مراكز القوى الاقتصادية والسياسية الغربية في أوروبا والولايات المتحدة .

بالاضافة الى ذلك فان اسرائيل تستطيع ان تتفرغ لقمع ‒ خدمة للولايات المتحدة وربما بالتعاون مع مصر ‒ أية حركة ثورية تهدد الأنظمة الموالية للغرب في المنطقة ومصادر النفط (وهذا السلام سوف يستخدم ذريعة أيضا لمواصلة استغلال العمال في اسرائيل . فمتحدثو البرجوازية الاسرائيلية ٬ وفي طليعتهم وزير المالية ايرليخ ٬ أوضحوا ان العامل الاسرائيلي سيضطر الى شد الحزام بعد السلام أيضا … فالرأسماليون سواء عليهم في حرب وسلم ٬ ففي رأس همومهم ‒ زيادة أرباحهم . لغاية الآن كان العامل يستغل لتمويل “الأمن” ٬ ومن الآن فصاعدا سوف يستغل لتمويل “السلام”) .

ربما قد بدت هذه الحقيقة عن التسوية الاسرائيلية ‒ المصرية ضربا من الوهم أو الخيال لو لم تباشر الجماهير الايرانية ‒ اثناء محادثات كامب ديفيد ‒ مظاهرات جبارة واضرابات ضد نظام الشاه . لقد تعرى النظام الايراني ‒ وهو من دعائم الوضع الراهن الموالي للغرب في المنطقة ‒ امام الجميع كنظام مضعضع تهدده ثورة اجتماعية .

هذا وفي الوقت الذي ينهمك فيه الجيش الايراني في حماية مصادر النفط خدمة للمصالح الغربية ٬ من جماهير العمال والفلاحين الايرانيين ٬ نشأ فراغ في منطقة الخليج . فمن يدافع عن مصادر النفط هناك اذا ما سار عمال العراق والكويت والسعودية وامارات الخليج على درب عمال عبدان ؟

ان دور اسرائيل ككلب حراسة للامبريالية في المنطقة لا تهبط قيمته بمرور الزمن ٬ فاسرائيل وحدها ٬ أو بتحالفها مع مصر ٬ تشكل الضمانة الوحيدة التي تستطيع الولايات المتحدة الركون اليها في حالة تفجر ثوري في المنطقة .

مؤتمر بغداد

ليست الأنظمة العربية التي التأم ممثلوها مؤخرا في بغداد بغاضبة على التسوية التي قام بها السادات مع اسرائيل ٬ انما يسعون الى رفع الثمن الذي سيدفع لهم مقابل قبولهم الانضمام الى تسوية مماثلة مستقبلا . فهم يقفون منذ الآن ‒ بعضهم جهرا وبعضهم سرا ‒ في جانب واحد من المتراس ٬ سوية مع اسرائيل الصهيونية ومع البرجوازية المصرية ٬ في جبهة ضد العدو الرئيسي الذي يهددهم جميعا : أي قوى الثورة الاجتماعية .

لقد تجاهلت الصحف الاسرائيلية جلها أو كلها التحول الذي طرأ على الدول العربية في مؤتمر بغداد . التحول اياه الذي نضج طبعا خلال السنوات الأخيرة ٬ وتجلى علنا ولأول مرة في هذا المؤتمر : فقد جاء في البيان الخاتمي لمؤتمر الذي وقعته أيضا كل من بغداد ٬ دمشق ٬ عمان والرياض :

يقرر المؤتمر التزام العرب بالسلام العادل الذي يقوم على الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس العربية ٬ وضمان الحقوق القومية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حقه في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني .

ان هذا القرار يشكل تحولا كنا قد أشرنا اليه مرارا بناء على دلائل أقل وضوحا :

  • يشكل هذا القرار في الواقع توقيعا على قرار مجلس الأمن 242 الذي يعترف باسرائيل ضمن حدود 1967 . لغاية الآن رفضت منظمة التحرير الفلسطينية والعراق الاعتراف بدولة اسرائيل في حدود 1967 ٬ والسعي الى السلام معها على أساس قرار مجلس الأمن 242 .
  • هذه أول مرة لا تتحدث فيها العراق ومنظمة التحرير عن كامل الأرض الفلسطينية التاريخية كبقعة طبيعة تتجسد فوقها الحقوق الفلسطينية ٬ بما فيها حق اللاجئين في العودة الى وطنهم .
  • لأول مرة يتخذ مؤتمر قمة عربي قرارا يطالب بانشاء دولة فلسطينية في جزء من فلسطين ٬ وليس بالذات “دولة علمانية ديمقراطية في كل فلسطين” .

لهذا فاننا لن نكل أو نمل من تنبيه قرائنا الا يقموا في الشرك الذي تنصبه لهم الطبقات الحاكمة ٬ وألا يتوهموا بالخلاص على أيدي هذه الطبقات .

ولا فرق بين السادات والأسد أو القذافي والبكر فكلهم يمثلون الطبقات الحاكمة التي لا تنفك تؤدي قسم الولاء يوميا للوحدة العربية ولتجسيد حقوق الفلسطينيين . لكن أول ما يعنيهم أرباحهم وحكمهم .

وأرباحهم هذه ٬ كما هو معلوم ٬ ناتجة عن استغلال الجماهير في بلادهم وحكمهم قائم على قمع هذه الجماهير .

لذا يجب عدم ربط الآمال بهؤلاء الحكام ٬ فهم لن يحلوا القضية الفلسطينية مثلما لن يحلوا قضايا الشعوب العربية الأخرى . ولن تحظى الأمة العربية بالتحرير الكامل القومي والاجتماعي على السواء ولن يحظى العالم العربي بالوحدة الحقيقية تحت قيادة هؤلاء الحكام .

لهذا فلا مجال للتذمر والشكاية من انهم خانونا وخانوا رسالتهم ومهمتهم . انهم رؤساء الحكومات والرؤساء والملوك ظلوا مخلصين لموكليهم : القطط السمنية قديمها والجديد ٬ وأصحاب الرأسمال والأراضي ٬ أعداء العمال والفلاحين ٬ هؤلاء الحكام يؤدون رسالتهم باخلاص وهي ‒ تأمين النظام الاجتماعي القائم ٬ لمواصلة استغلال الجماهير وقمعها بالدم والنار اذا ما اقتض الأمر .

ان في انتفاضة ايران الشعبية لذكرى لمن قد نسى المظاهرات في مصر في يناير 1977 ٬ والاضراب العام في تونس في يناير 1978 !

السادات والناصر : تأمين النظام الاجتماعي القائم

السادات والناصر : تأمين النظام الاجتماعي القائم

السادات غير خائن

ان الجماهير المصرية والفلسطينية وسائر شعوب الشرق الأوسط ٬ التي عانت الحرب ٬ كما أكدنا سالفا ٬ سوف تعاني وتدفع ثمن السلام ٬ الذي سيبرز أساسا في استقرار كبير للأنظمة العربية والنظام الصهيوني .

الا ان السادات ليس “خائنا” في اعتبارنا ٬ فما خان المصريين ولا خان الفلسطينيين بمسالمته اسرائيل . السادات كسائر الحكام العرب ٬ بدءا بعبد الناصر مرورا بالأسد والى البكر يعتمد سياسة تتلائم ومصالحه الطبقية ٬ وهو ليس في ذلك أقل حظا في الذكاء من أشكاله . اننا لا ننجر في عاصفة العواطف المنافقة التي تفتعلها سوريا والعراق وليبيا في هذا الصدد .

وكاشتراكيين ثوريين فاننا لا نرى أية ضرورة لمعارضة تسوية برجوازية بين اسرائيل والعالم العربي عامة أو مصر خاصة ٬ تحت رعاية الولايات المتحدة ٬ ولكن بتوفر شرط واحد : ان تكون هذه عملية تجعل أيضا الوجود الفلسطيني قوميا وانسانيا طبيعيا على الأقل وفق المعايير المألوفة حاضرا . أي : الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الأساسية في تقرير المصير والمشاركة المتكافئة في عملية المنطقة كلها .

حتى في الاعتراف الجزئي مع مصر اضطرت المؤسسة الصهيونية الى ملائمة نفسها مع فترتنا والى التوقيع على وثيقة تحدد خلق حقائق جديدة للاسعتمار الاستيطاني (ازالة المستوطنات) . وهذا دليل على ان التسوية البرجوازية لن تقوم ولن تغدو ذات مفعولية تاريخية ٬ ما لم تلتزم الدولة الصهيونية بالانسحاب من معظم الأراضي التي احتلتها سنة 1967 ٬ وبالقاء أحلامها التوسعية شمالا شرقا وجنوبا ٬ الى المزابل . وعندها أيضا ستظل ضرورة الغاء صهيونية دولة اسرائيل قائمة وملحة ويعني ذلك تحويل دولة اسرائيل الى دولة عادية يتساوى مواطنوها بصرف النظر عن فوارقهم القومية الدينية والطائفية امام القانون والادارة ٬ أي تحويل دولة اسرائيل من دولة اليهود الى دولة سكانها بكل ما في ذلك من معنى .

نهب وسلب في الضفة والنقب

كلما ازداد الضغط الدولي على اسرائيل كلما زادت ضغوطها على الفلسطينيين الرازحين في تعسفها . وبينما يستمر الحوار عن “الأوتونوميا” في العالم كله وفي المؤسسة الاسرائيلية ٬ تبطش حكومة بغين بكل من يتجرأ من الفلسطينيين على استخلاص النتائج حول امكانية أي عنل سياسي في الضفة والقطاع . ففي الأشهر الأخيرة قامت اسرائيل بحملة تهدف الى تعزيز سيطرتها في الضفة بمواصلة مصادرة الأراضي ٬ تطوير المستوطنات الصهيونية المتسارع ٬ اعتقالات طلاب جماهيرية مصحوبة بالتعذيب أو مجرد مضايقات وتشديد الرقابة على الصحافة في الضفة الغربية . عشرات الطلاب من بير زيت ومؤسسات تعليم أخرى يستجوبون يوميا حول النشاط السياسي في المدارس العليا ٬ ويؤخذون الى المعتقلات في ساعات متأخرة من الليل ويسجنون لأيام ٬ اسابيع وأشهر دون لائحة اتهام .

نوايا حكومة اسرائيل واضحة ‒ فهي تود ان توضح لنفسها ولأهالي الضفة ماهية الأوتونوميا التي تنص عليها الاتفاقات : أوتونوميا تحطّ من مكانة الضفة والقطاع ٬ المحترمة نسبيا والمثبتة في القانون الدولي (كمنطقة محتلة) الى مكانة منحطة ٬ مكانة “غيتو فلسطين” أي كيان قانوني خاضع لتعسف الاحتلال ويضفي صبغة من الشرعية على مواصلة الاستيطان والاحتلال .

غير ان تصعيد القمع في الضفة ليس الا الوجه الواحد للعملة . وما الوجه الآخر الا السلب الفظيع الدائر حاليا في أرجاء النقب . سلب الأراضي والمواشي التابعة للقبائل البدوية .

والآن تزمع السلطات الاسرائيلية أن تسلب من بدو النقب ما سترغم على ارجاعه من سيناء . من هذا يمكننا الوقوف على احدى المميزات الهامة جدا للتسوية وخلاصتها انه كلما حسم الواقع العدوان الاسرائيلي تجاه الشعوب العربية كلما تسارعت وتيرة الديناميكا الصهيونية في المصادرات والترحيل تجاه السكان العرب في اسرائيل ٬ من النقب الى الجليل ومن المثلث الى الناصرة .

أحداث ثورية في ايران

ظهور الجماهير الايرانية كقوة سياسية جبارة جسدت مرة أخرى افلاس الأفراد ٬ المنظمات والأحزاب الذين يبنون برامجهم وآمالهم على الأنظمة القائمة والنظام الاجتماعي الراهن . معظم القوى السياسية في اسرائيل من ائتلاف بغين الى معارضة “ركاح” يبنون برامجهم للسلام على اتفاق بين حكومة اسرائيل والأنظمة العربية القائمة . في الأيام العادية اعتاد هؤلاء الاستهزاء بالثوريين أمثالنا ٬ الذين يؤسسون برامجهم وآمالهم على دخول الجماهير الفعال الساحة السياسية وعلى القضاء على الأنظمة القائمة .

في أحسن الأحوال يطلقون علينا تسميات “الحالمين” و”الأوتوبيين” وفي أسوأ حال يسموننا “مغامرين” أو حتى “مهاويس” . واذا ما أسمعت الجماهير صوتها كما وقع في مصر ٬ يناير 1977 ٬ وتونس ٬ يناير 1978 ٬ وايران اليوم ٬ ظهر هؤلاء “الواقعيون” على أشكالهم محافظين قصيري نظر لا يثقون بمقدرة الجماهير على تقرير مصيرها بنفسها ٬ ويعمون أن يروا أبعد من أطراف أصابعهم .

أشهر معدودات من مظاهرات الجماهير في ايران ٬ وأن جرت بقيادة دينية ٬ تكنس الى مزبلة التاريخ كل البرامج والمشاريع المرتكزة على الأنظمة القائمة . عروش الحكام تهتز ٬ الثورة الاجتماعية تكمن لهم قاب قوسين أو أدنى . أما “الواقعيون” على اختلاف أجناسهم فيجدون أنفسهم أمام الخيارات البسيطة :

  • التنازل عن برامجهم المرتكزة على الأنظمة القائمة والنظام الاجتماعي الراهن ٬
  • أو التأميل في قرارة أنفسهم بفشل النضال الجماهيري ٬ كي يتمكنوا من مواصلة عرض برامجهم “الواقعية” على الجماهير ٬ برامجهم القائمة على فشل الجماهير ٬ على انتصار الأنظمة السائدة واستمرار النظام الاجتماعي الراهن .

هيئة تحرير متسبين