مقتل 170 عاملا ٬ اصابة 100 ألف ٬ ضياع خمسة ملايين يوم عمل ٬ ومليارد ونصف ليرة اسرائيلية مبلغ الاضرار الاقتصادية . هذا هو حصاد اصابات العمل في السنة الأخيرة في اسرائيل . ذلك ما أفاده مراسل “هآرتس” الاقتصادي على لسان وزير العمل والانعاش دكتور يسرائيل كاتس ٬ في “هآرتس” (20 ‒ 4 ‒ 1978) . وذكر كاتس اياه في جلسة مؤسسة التأمين والصحة أن أيام العمل التي ضاعت خلال اصابات العمل تعادل 12 مرة أيام العمل التي بددت في الاضرابات وأشار وزير العمل والانعاش بشكل غير مباشر الى المسؤولين الرئيسيين عن الوضع ٬ وقال ان وزارته سوف تشدد العقوبات على أرباب المصانع الذين يهملون تقييدات الوقاية .
وتجدر الاشارة الى أن الخبر في “هآرتس” لم ينشر على الصفحة الأولى ٬ ولا في العنوان الرئيسي طبعا . وأما “معاريف” الحافلة صفحاتها بعناوين الافتراء والقذع ضد العمال الضربين ٬ فلم تجد من المناسب أن تذكر ولو بكلمة أقوال الوزير كاتس . وبدل ذلك رأت أن من المناسب نشر كلام الوزير اياه في صدد آخر . ففي 23 ‒ 4 ‒ 1978 ٬ أوردت “معاريف” أن “كاتس ضد ليفي ‒ في موضوع تقصير أسبوع العمل” وفي سياق التقرير يقول الوزير كاتس أن التحول ٬ حسب التجربة الدولية ٬ الى أسبوع عمل من خمسة أيام و 45 ساعة أسبوعيا ٬ يخلق ضغوطا لتقصير أسبوع العمل الى أربعين ساعة “الوضع الذي لا يقدر الاقتصاد الاسرائيلي تحمله ٬ دون تضرر مستوى الانتاج بشدة ٬ الذي هو غير مرض حتى حاليا” .
واضح أن دكتور كاتس ٬ وهو ممثل حقيقي لحركة “داش” غي الحكومة ٬ غير معني كثيرا بتحسين شروط وقاية العمال لصالح العمال . فالمصلحة العليا التي وضعها نصب عينيه هي “الاقتصاد الاسرائيلي” الذي يعاني من ضياع أيام عمل ٬ وليست طبقة العمال التي تعاني عشرات القتلى وعشرات ألوف المصابين سنويا . ليست مصلحة كاتس العليا تقصير أسبوع العمل من أجل رفاهية العامل ٬ بل تقصير أسبوع العمل فقط اذا كان ذلك لا يضر “بمستوى الانتاج الذي هو غير مرض حتى حاليا” ..
وفي هذا المضمار لاقى كاتس عونا من جسم آخر الا وهو “الاقتصاد الاسرائيلي” بذاته . فمكتب التنسيق التابع للمنظمات الاقتصادية يحتج على محاولة الوزير دفيف ليفي طرحه للنقاش أمام الحكومة اعتماد اسبوع عمل مقصر ٬ دون دراسة الأمر كما يجدر “من قبل سائر الجهات في الاقتصاد” . ورد ذلك ضمن برقية بعث بها ٬ في 19-4-1978 ٬ دوف لاوتمان ٬ رئيس اتحاد أصحاب الصناعة بالوكالة . وقد كتب أصحاب الصناعة الذين يربطون احتياجاتهم مع احتياجات اسرائيل ٬ في برقيتهم : “مجرد طرح هذا الموضوع لنقاش الشعبي في هذا الوقت ٬ يخلق لدى جماهير واسعة تطلعات ومناخ يتنافيان واحتياجات اسرائيل الحقيقية” !!
وفي سياق برقيتهم يشير أصحاب الصناعة الى أن الوزير ليفي “يتجاهل الواقع الاقتصادي في اسرائيل مطلقا ٬ ولا يدرك أبعاد اقتراحه الخطيرة بالنسبة لمشاكل مثل التضخم المالي ٬ الانتاج القومي الخام ٬ استغلال المعدات ٬ استيراد الرأسمال ٬ انتاجية العمل ٬ النقص في الأيدي العاملة ٬ حضارة استغلال ساعات الفراغ وسواها من المشاكل” .
لا حاجة للوقوف على المزاعم الديماغوغية المختلفة والتي جاءت للتغطية على الزعم الرئيسي الكامن وراءها الا وهو العناية بحجم الأرباح التي يجنيها أصحاب الصناعة ٬ وفجأة يتضح أن أرباب الصناعة يهتمون أيضا بكيفية استغلال العمال لأوقات فراغهم … لماذا ؟ لأن أرباب الصناعة يدفعون رواتب منخفضة (نسبة لما تدفعه الحكومة والهستدروت) ويجبرون العمال على العمل ساعات اضافية لكي يظلوا مشغولين طيلة الوقت ولكي لا يجابهوا صعوبات اذا ما أرادوا استغلال فراغهم . والأرباح الهائلة التي يجنيها أرباب الصناعة من هذه الساعات الاضافية ليست مهمة ٬ فأرباب الصناعة لا يلقون مشقة لاستغلال الفراغ . فالأموال متوفرة لديهم على النقيض من العامل . ولكن أرباب الصناعة رغم كل ذلك ٬ تنعدم لديهم الأموال اذا ما طولبوا بالنقيد الشديد بضوابط الوقاية !
ثمة أوجه كثيرة لحرب الطبقات في اسرائيل : 170 قتيل ٬ 100 ألف مصاب ٬ أولئك هم الضحايا الصامتة للرأسمالية الاسرائيلية . فحتى متى يصمتون ؟؟