تثير الحرب الدائرة منذ بضعة أشهر في القرن الأفريقي ٬ تساؤلات كثيرة لا تتوفر الأجوبة عليها في تقرير وسائل الاعلام الرسمية . فالتقلبات السياسية التي وقعت في المنطقة مع تطور النزاع تركت المعلقين مشدوهين وعاجزين عن تأويلها . فالاتحاد السوفياتي وما يتبعه من أحزاب شيوعية بما فيها الحزب الشيوعي الاسرائيلي (ركاح) ٬ تولت جميعها عن دعمها الهائل للصومال “الماركسية” وثوار التحرير الارتريين “الماركسيين” لتؤدي الدعم الهائل للحبشة “الماركسية” ٬ وتقفت آثار الاتحاد السوفياتي في ذلك أنظمة كوبا واليمن الجنوبي وليبيا (!) والولايات المتحدة تحولت بسرعة عن دعمها لاثيوبيا وراحت تدعم الصومال وثوار أرتريا ٬ ولحقت في ذلك الأنظمة العربية الموالية للغرب أو المتمثلة بأوامر الولايات المتحدة ٬ أمثال السعودية ومصر والسودان .

اما اسرائيل التي لها ضلع في كل مؤامرة في المنطقة فقد واصلت سياستها القديمة الى ما قبل فترة قصيرة : تأييد من يحارب العرب وان كان الشيطان بحضرته في اعتبارها . وهكذا فقد شهد مطار أديس أبابا مسرحية نادرة : طائرات اسرائيلية تقل الذخيرة العسكرية الى اثيوبيا تهبط بمحاذاة طائرات سوفياتية تقل أيضا الذخيرة العسكرية لاثيوبيا ٬ وتتزود اثناء طريقها بالوقود في ليبيا أو عدن !

وجاء تصريح [وزير الخارجية موشيه] ديان عن تقديم المساعدات الاسرائيلية الى اثيوبيا فأدى الى ايقاف هذه المساعدة حسب قرار من حكومة أديس أبابا . من الجائز ان يكوم وقف هذه المساعدات هو ما رمى اليه ديان في تصريحه . وهكذا تدريجيا تضطر اسرائيل ان تدرك ان مهمتها الراهنة في خدمة الولايات المتحدة تفرض عليها الوقوف الى جانب العربية السعودية ومصر وليس ضدهما .

ومهما تكاثرت وتضاربت تفسيرات المعلقين وتحليلاتهم حول لعبة المصالح المتعددة التي تنهمك فيها الدول المتورطة في النزاع ٬ فاننا كاشتراكيين ثوريين يعنينا قبل كل شيء ان نعرف من أجل ماذا تقاتل ٬ أو ترسل للقتال ٬ جماهير الاثيوبيين والصوماليين والارتريين .

فيما يتعلق بالارتريين فالأمر بسيط نسبيا . منذ القرن السادس عشر كانت بلادهم خاضعة للسيطرة الأجنبية (تركيا ٬ مصر ٬ ايطاليا ٬ بريطانيا) . وفي سنة 1951 اعترفت الأمم المتحدة بارتريا ككيان ذي حكم ذاتي (أوتونومي) وتم الحاقها “بالاتحاد الفيدرالي” تحت التاج الامبراطوري الاثيوبي . لكن النظام الاثيوبي ٬ تأمينا لسيطرته على ساحل ارتريا ٬ رفض الاعتراف بحقوق الارتريين المضمونة في قرار الأمم المتحدة اياه (علم خاص ٬ نشيد وطني خاص وبرلمان خاص . والاعتراف بالعربية والتيغرانية كلغتين رسميتين) . وكان الحاق ارتريا بالحبشة سنة 1962 ٬ ايذانا باندلاع الكفاح المسلح للتحرير القومي في ارتريا . ومنذ ذلك الحين والى اليوم وأبناء ارتريا يحاربون في سبيل هذا الهدف . وحقيقة كونهم يحصلون على معونة من دولة موالية للغرب لا تبطل من عدالة كفاحهم .

ان موقفنا من هذه القضية واحد لا غير : اننا نتضامن مع نضال أبناء ارتريا للتحرير القومي ٬ ونطالب النظام الاثيوبي “الماركسي” وحلفاؤه ٬ بالاعتراف بحق تقرير المصيب للشعب الارتري حتى الانفصال .

القرن الأفريقي

القرن الأفريقي

اجتازت اثيوبيا في السنوات الثلاث الماضية تحولات اجتماعية . فنظام الامبراطور هيلا سيلاسي ٬ تاذي قضت عليه جماعة الضباط في 1974 ٬ كان مرتكزا على طبقة من أصحاب الأرض شبه الاقطاعيين ٬ وعلى المؤسسة الكنسية عظيمة النفوذ والأملاك . وفي البداية حظي النظام العسكري بتأييد مدني واسع خاصة في أوساط العمال والطلاب في أديس أبابا . الا انه سرعان ما أثبت جماعة الضباط ان الحكم العسكري هو حكم عسكري : حظرت الأحزاب السياسية وسائر الهيئات الشعبية . وهنا تجدر الاشارة الى وجود تنظيم سري يدعي أفراده انهم ماركسيون ٬ وهم يحاربون ضد النظام “الماركسي” . والة جانب اجراءات القمع ٬ واصل النظام العسكري الاثيوبي تنفيذ اصلاح زراعي واسع . تهاوت مراكز القوى التي تمتعت بها الطبقات الحاكمة القديمة والبيروقراطية الامبراطورية والكنسية وكان الاصلاحالزراعي عاملا في التأييد الشعبي الذي توقعته جماعة الضباط ٬ وبفضله افلح النظام في تجنيد عشرات الألوف من الفلاحين في الحرب “دفاعا عن الوطن” .

رغم كل التغييرات السياسية والاجتماعية التي اجراها حكام اثيوبيا ٬ فانهم لم يغيروا شيئا من السياسة القديمة التي انتهجها الامبراطور المخلوع هيلا سيلاسي تجاه الأقليات القومية في اثيوبيا . فالنظام الجديد مثل هيلا سيلاسي ٬ يسعى الى صيانة “وحدة” الدولة ٬ “الوحدة” التي معناها التمسك بالأراضي التي احتلتها الامبراطورية الاثيوبية في نهاية القرن التاسع عشر (صحراء أوغادين عاذي يقطنها صوماليون) ٬ والابقاء على سياسة الضم والاضطهاد القومي في ارتريا . لا شك ان هذه الحقيقة معروفة أيضا للسوفيات والكوبيين ٬ الذين حمدوا في الأمس القريب ٬ لأبناء ارتريا ٬ حربهم للتحرر من نير الاحتلال الاثيوبي !

اما الصومال فلم تخف طموحها منذ نالت استقلالها من الحكم البريطاني والايطالي لتوحيد سائر المناطق المأهولة بأغلبيتها بالصوماليين في دولة واحدة . وأثارت الصومال مطلبها هذا مرارا من على منصة الأمم المتحدة وفي منظمة الوحدة الأفريقية . وتطالب الصومال بجيبوتي التي استقلت منذ وقت قصير عن الحكم الفرنسي وانضمت أيضا كصومال ٬ الى جامعة الدول العربية ٬ وتطالب بصحراء أوغادين المأهولة بالصوماليين ٬ وبمنطقة في شمال كينيا أغلب سكانها من الصوماليين .

ولما أخفق حكام الصومال في تحقيق اطماحهم عن طريق المفاوضات باتوا يترقبون فرصة مواتية . وسنحت لهم لما بدا من النظام الجديد في اثيوبيا أخذ يضعف بسبب مواجهته مقاومة مسلحة في نواحي مختلفة من اثيوبيا ٬ وانهزام جيشه المرة تلو الأخرى في ارتريا ٬ فصدرت الأوامر الى المقاتلين الصوماليين بالاستيلاء على صحراء أوغادين .

ليس ثمة فارق بين النظامين الصومالي والاثيوبي من حيث طابعهما الاجتماعي . لهذا لا يمكن تحديد حرب اثيوبيا ضد الصومال كحرب نظام ثوري وتقدمي ضد قوات رجعية . فالحرب بينهما في الأساس هي حرب بين نظامين اجتماعيين متشابهين ٬ حرب في سبيل أهداف قومية ٬ فهذا يحارب في سبيل “وحدة الدولة الاثيوبية” وهذا يحارب من أجل “وحدو الشعب الصومالي” .

اما مستقبل صحراء أوغادين فانما يقرره سكانه ٬ ولا تقرره حكومة اثيوبيا ولا حكومة الصومال وحلفاؤها !

هيئة تحرير متسبين