ostrich - 84
أكثر الناس لا يكادون يذكرون اليوم اسم غونار يارينغ ٬ مبعوث الأمم المتحدة الذي كان يتجول في المنطقة قبل سبع سنين . لقد حاول يارينغ الاستفسار لدى حكومات الدول العربية واسرائيل عن شروطها للسلام . وحظي بالجواب الواضح من الرئيس المصري أنور السادات .

لقد أوضح السادات شروط مصر ليارينغ ولم يذكر القضية الفلسطينية أبدا ٬ ولم يطالب بالاعتراف بالحقوق القومية لأبناء الشعب العربي الفلسطيني . (طالع جواب مصر ليارينغ في هذا العدد بالعبرية) .

حتى اذا جاءت حرب أكتوبر وارتفعت مكانة مصر عاليا ٬ أيد السادات في مؤتمر الرباط (خريف 1974) الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني .

والآن يبدو السادات كالبندول يتأرجح بين هذين الموقفين (الاعتراف بحقوق الفلسطينيين أو عدم الاعتراف) ويتساءل المعلقون : أما زال السادات يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية أم قد سحب اعترافه ؟وهل يؤيد اقامة دولة فلسطينية أم قد تراجع عن تأييده ؟

واستهتر معظم الاسرائيليين بما يجري في مصر والعالم العربي عامة ودفنوا رؤوسهم المغسولة في الرمال . لقد كانوا مقتنعين ان “العرب يريدون قذفنا في اليم” ولا طائل من الاصغاء الى ما يقوله العرب . ورفضت غولدا مئير اقتراحات السادات الى يارينغ وأعلنت ان “اسرائيل لن ترجع الى حدود الرابع من حزيران 1967 !”

لم يكن الاسرائيليون الوحيدون الذين تصرفوا كالنعام . فكثير من العرب أيضا دفنوا رؤوسهم في الرمال مؤثرين تجاهل الواقع والعيش في الأوهام واعتبار الحكومات العربية مخلصة ومنقذة . وزعموا ان جواب مصر ليارينغ ٬ مثل اعتراف سوريا باسرائيل (قبلت سوريا بقرار مجلس الأمن 242 القائم على الاعتراف باسرائيل) هو مجرد تكتيك لا غير .

هؤلاء العرب مثل الاسرائيليين رفضوا ان يصدقوا السادات . وتجاهلوا أيضا استعداده للتضحية بحقوق الفلسطينيين على مذبح مصالح الطبقة الحاكمة في مصر . فمن هو محمد أنور السادات ان لم يكن ممثل البرجوازية المصرية ؟!

لقد أفلح السادات بزيارته للقدس في حمل الكثير من الاسرائيليين على اخراج رؤوسهم من الرمال ٬ ولو للحظة عابرة ٬ والنظر الى الواقع بأعين بصيرة . وأكثر من ذلك : ساهم السادات في تعرية أخرى للسياسة الاسرائيلية في أنحاء العالم (طالع في هذا العدد البيان الذي نشرناه في هآرتس بمناسبة اجتماع السادات ‒ بيغن في الاسماعيلية) .

الرئيس المصري أنور السادات مع ياسر عرفات

الرئيس المصري أنور السادات مع ياسر عرفات

وهكذا فان السادات يكون قد ألقى كامل المسؤولية للحرب القادمة على اسرائيل . ويكون قد عرى نفسه واضطر النعام في العالم العربي الى اخراج رؤوسها من تحت الرمال والتفرس به على حقيقته عاريا .

لكن يبدو ان النعام في العالم العربي كان متلذذا بدفن رؤوسها في الرمال . وكثير منهم يود العودة الى وضعه السابق . وفي غضون ذلك يتفجرون غيظا ضد “السادات الخائن” . وما غضبوا على السادات الا لأنه أيقظهم من أحلامهم وجعلهم يؤمنون انه ما خان سوى أوهامهم . فالطبقات الحاكمة في العالم العربي بما في ذلك البرجوازية المصرية ٬ كانت دائما على استعداد لخيانة الفلسطينيين اذا كان لهم منافع في الخيانة . ومتى كانت هذه الطبقات مخلصة للشعب العربي الفلسطيني ؟!

ويعود هؤلاء الناس الى أحلامهم العذبة ٬ ومنهم من يفضل ان يعود ويتوهم “بطلا” كالأسد ٬ أو “مناضلا للحرية” كالبكر ٬ أو “معاديا للامبريالية” كالقذافي ! وينسى أولئك الحالمون ان الأسد قد ذبح الفلسطينيين منذ عهد قريب في لبنان ٬ وان الرئيس العراقي قد تحالف مع شاه ايران لقمع الأكراد وسحق النضال الثوري في ظفار .

*     *     *

لهذا فاننا لن نكل أو نمل من تنبيه قرائنا الا يقعوا في الشرك الذي تنصبه لهم الطبقات الحاكمة ٬ وألا يتوهموا بالخلاص على أيدي هذه الطبقات .

ولا فرق بين السادات والأسد أو القذافي والبكر فكلهم يمثلون الطبقات الحاكمة التي لا تنفك تؤدي قسم الولاء يوميا للوحدة العربية ولتجسيد حقوق الفلسطينيين . لكن أول ما يعنيهم أرباحهم وحكمهم .

وأرباحهم هذه ٬ كما هو معلوم ٬ ناتجة عن استغلال الجماهير في بلادها وحكمهم قائم على قمع هذه الجماهير .

لذا يجب عدم ربط الآمال بهؤلاء الحكام ٬ فهم لن يحلوا القضية الفلسطينية مثلما لن يحلوا قضايا الشعوب العربية الأخرى . ولن تحظى الأمة العربية بالتحرير الكامل القومي والاجتماعي على السواء ولن يحظى العالم العربي بالوحدة الحقيقية تحت قيادة هؤلاء الحكام .

اما الذين يئسوا من السادات فكثيرا منهم الآن يعلقون أمالهم بالأسد وشركائه ٬ وما يفعلون ذلك الا يأسا وقنوطا ٬ فقد تحطم ما اناطوه من آمال بمختلف الحكام العرب . وأما منظمة التحرير الفلسطينية فقد وهنت حاليا من بعد ما بدا وكأنها قادرة على تحقيق نصيب من هذه الآمال والاطماح . وأما البديل للأنظمة العربية اياها ‒ حركة اشتراكية ثورية ٬ فلم تولد بعد .

فمن لا يريد ان يسير على هذا الدرب الطويل الشاق والمثبط أحيانا ٬ من أجل هذا البديل ٬ فليس له الا ان يستسلم لليأس وان يهذي ويحلم بمنقذ ما له من وجود .

يقولون لنا لعل “الأحاديث عن الاشتراكية والجدل والحوار حول الثورة” حسنة كتسلية وأوتوبيا لكنها “لا واقعية ولا عملية” . واياهم نجيب : ليس ثمة شيء عمليا وواقعيا أكثر من العمل ! العمل هنا والآن من أجل بناء وبلورة حركة اشتراكية ثورية !

وكما كنا في الماضي كذلك اليوم ٬ فان اعتقادنا راسخ في ان القضية الفلسطينية ٬ مثل سائر القضايا القومية والاجتماعية في المنطقة ٬ يمكن حلها على نحو كامل ٬ فقط ٬ ضمن نضال ثوري مظفر في المنطقة كلها ٬ من أجل الاشتراكية ٬ نضال يقضي على الامبريالية ويسحق أنظمة وكلائها المحليين في اسرائيل والدول العربية ٬ ينزع الحدود القائمة ٬ يوحد الشعوب العربية ٬ ويضمن الحقوق كاملة للشعوب غير العربية التي تعيش في الشرق العربي .

تقف على رأس جدول أعمال المنطقة في هذه الأيام ٬ اتفاقية سلم بين الدول العربية واسرائيل . مع مصر وحدها ؟ مع مصر والأردن ؟ وربما مع سوريا ؟ اتفاقية سلام لا تقضي باحترام الحقوق الانسانية والقومية لأبناء الشعب العربي الفلسطيني .

نحن نعتقد انه وان استجابت اسرائيل لجميع مطالب السادات (ومعروف ان اسرائيل لا توافق على ذلك …) وان استجابت أيضا لمطالب الأسد واقامة دولة فلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ٬ فان القضية الفلسطينية ستظل قائمة بكل حدتها ٬ واضحة وملموسة أكثر مما كانت عليه قبل حرب حزيران 1967 :

  • قضية الجماهير الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وخارجها ٬ التي لم تسلم بواقعية التشريد والاضطهاد والغربة ٬ هذه القضية لا تحلّ بواسطة دولة الضفة والقطاع .
  • قضية نصف المليون فلسطيني في اسرائيل والذين يعيشون فيها كمواطنين من الدرجة الثالثة ٬ تبقى بدون حل أيضا .
  • بعد الانسحاب فأن اسرائيل ستبقى ككلب حراسة للامبريالية ٬ وتبقى على استعداد للهجوم فور تسلّم الاشارات من أسيادها .
  • سوف تتضرر ديناميكية الاستيطان الصهيوني ٬ لكنها لن تتوقف : فستظل اسرائيل ترى أن رسالتها الأساسية هي تجميع يهود العالم في “أرض اسرائيل التاريخية” حتى وأن كان ذلك على حساب مصالح سكانها وضد أغراض التطور في المنطقة .

باختصار : ان قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين اجلوا عن ديارهم داخل الخط الأخضر “خربة خزعة !” قبل ثلاثين عاما ٬ وقضية الفلسطينيين الذين هم مواطنو اسرائيل منذ ثلاثين عاما ٬ هاتان القضيتان غير مطروحتين للبحث في اطار المفاوضات الجارية حاليا بين حكومات المنطقة بقيادة الأميركيين . كذلك فان العلاقة بين اسرائيل والامبريالية وطابع الصهيونية الكولونيالي العنصري غير مطروحة للبحث في الاطار اياه .

لذلك فان الخطأ ممنوع : انهم لا يعدون سلاما بين الشعوب العربية وبين الشعب اليهودي ‒ الاسرائيلي في مطابخ الدبلوماسيين ٬ ولا من أجل احترام حقوق الشعب العربي الفلسطيني كاملة ٬ يسعى زعماء المنطقة ليل نهار ٬ انهم يحاولون كسب تسوية سلام بين الطبقات الحاكمة بقيادة الامبريالية ٬ ومن خلال الالتفاف على القضايا الأساسية ٬ القومية والاجتماعية وتفاديها ٬ وتوطيد حكم هذه الطبقات مستقبلا !

لهذا فلا مجال للتذمر والشكاية من انهم خانونا وخانوا رسالتهم ومهمتهم . انهم ما خانوا وما خدعوا . انهم رؤساء الحكومات والرؤساء والملوك ظلوا مخلصين لموكليهم : القطط السمينة قديمها والجديد ٬ وأصحاب الرأسمال والأراضي ٬ أعداء العمال والفلاحين ٬ هؤلاء الحكام يؤدون رسالتهم باخلاص وهي ‒ تأمين النظام الاجتماعي القائم ٬ لمواصلة استغلال الجماهير وقمعها بالدم والنار اذا ما اقتضى الأمر . وان في اضراب تونس العام الأخير ٬ لتذكرة وذكرى لمن ينسى مظاهرات مصر في يناير 1977 !

*

يجد القارئ في هذا العدد رسالتين مفتوحتين ٬ أرسلهما اثنان من رجال اليسار في أوروبا الشرقية ٬ لنشرهما أمام الرأي العام اليساري في الغرب ٬ وهما : آدم ميخنيك من المعارضة اليسارية في بولندا ٬ وبيتر أوهل ٬ وكان عضوا في الحزب الاشتراكي الثوري في تشيكوسلوفاكيا الذي حلته الشرطة في نهاية عام 1970 .

لا شك ان الظروف التي يعيشها ويعمل فيها رجال المعارضة اليسارية في أوروبا الشرقية ٬ تذكر الكثيرين منا بمعاملة الحزب الشيوعي الاسرائيلي (ركاح) لكل هيئة ومنظمة في اسرائيل تناضل ضد الصهيونية ٬ لكنها تصون استقلالها وحقها في انتقاد ركاح وسياستها . ان التضامن مع رجال اليسار الذين يناضلون في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية لدقرطة النظام ٬ لا يشكل لدينا تضامنا تجريديا ٬ فأحيانا نشعر اننا في وضع مشابه لوضع هذا اليسار ٬ خاصة في الأماكن التي تشعر فيها ركاح وكأنها المسيطرة وصاحبة الأمر والنهي .

ان نظاما أو حزبا ما يخشى النقد ويعمل على اخماده ٬ لا يمكنه في الوقت ذاته التوجه الى الجمهور لاقناعه بأنه “حامي الديمقراطية الحقيقي” . اننا نشك في انه لو تهيا لركاح من قوة مثلما لشقيقاتها الأحزاب الشيوعية الموجودة في الحكم ٬ لكنا نحن أعضاء متسبين وغيرنا ٬ مضطرين الى توجيه رسائل الى القوى الديمقراطية في العالم ٬ شبيهة بما نورده من رسائل مترجمة في هذا العدد من متسبين .

هيئة تحرير متسبين

logo matzpen