ليونيد بريجنيف (الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي بين عامي 1964 و1982)

ليونيد بريجنيف (الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي بين عامي 1964 و1982)

ويجري النضال من أجل حقوق الانسان والحريات الديمقراطية في بلدان أخرى من أوروبا الشرقية . في مطلع سنة 1977 تبلورت فئة من رجال الفكر التشيكوسلافيين ٬ وباشروا النضال من أجل تحقيق قرارات مؤتمر هلسينكي لأمن أوروبا ٬ المتعلقة بحقوق الانسان .

واتخذت هذه الجماعة اسم “ميثاق 77” وحظيت بالتأييد العلني لرجال فكر من المجر ٬ رومانيا ٬ ألمانيا الشرقية ٬ بولندا ويوغوسلافيا ٬ كما وأن الاشتراكيين الثوريين القلائل الذين يعيشون ويعملون في تشيكوسلوفاكيا ٬ قدموا تأييدهم الى “ميثاق 77” وأحد هؤلاء هو (بيتر أوهل) وجه رسالة مفتوحة الى اليسار الثوري في الغرب ٬ لكي يعبر عن تأييده في النضال من أجل حقوق الانسان في بلدان أوروبا الشرقية .

عرف بيتر أوهل لأول مرة في الغرب عندما حكم في 1971 في تشيكوسلوفاكيا ٬ بتهمة عضويته في الحزب الاشتراكي الثوري ٬ والذي حلته الشرطة في نهاية سنة 1970 . أسس هذا الحزب حول حلقة طلاب في كلية الفلسفة بجامعة كارل في براغ . وقد قطع هذا الحزب صلاته السياسية مع سائر أجنحة البيروقراطية ٬ بما فيها الجناح الليبرالي بزعامة دوبتشك . والتزم هذا الحزب مواقف ثورية في قضايا معينة مثل كسر الدولة البيروقراطية بوسائل تعبئة الجماهير ثوريا ٬ وتبديلها بنظام ديمقراطي عمالي .

نشرت رسالة أوهل في عدة مجلات اليسار في أوروبا الغربية ٬ والفقرات المقتبسة أدناه ٬ مترجمة عن المجلة اليسارية “الأسبوعية الحمراء” الصادرة في بريطانيا ٬ كتب أوهل يقول :

أيها الرفاق :

يبدي اليسار الثوري في بلدان الديمقراطية البرجوازية ٬ الاشمئزاز أحيانا من الدفاع عن حقوق المواطن والحريات الديمقراطية [في بلدان أوروبا الشرقية] ٬ هذا الاشمئزاز ناجم عن المعارضة ٬ الصادقة على الغالب ٬ للحركات الاصلاحية التي هدفها الرئيسي والوحيد أحيانا ٬ هو على الأقل ٬ تحسين جزئي في مجال العلاقات الاجتماعية ٬ والقيام بذلك ٬ على الغالب ٬ عن طريق ما يسمى “حوار ثنائي” مع سلطة الدولة .

اننا ندرك جيدا ٬ ان التطور الحر للمجتمع ٬ القائم على التطور الحر لكل فرد في المجتمع ٬ قابل للتحقيق فقط في مجتمع لا طبقي . مجتمع كهذا يكون وليد مرحلة متواصلة من تطور الديمقراطية ٬ هذه المرحلة تدشنها الثورة الاجتماعية العمالية .

ان المرحلة الأولى للتطور الشيوعي يجب أن تجلب لكل فرد في المجتمع حقوقا وحريات أكثر مما تقدر أن تضمنه خير البرجوازيات الديمقراطية . خاصة على ضوء التحليل النقدي للثورات البروليتارية التي وقعت لغاية الآن ٬ وللعوامل التي أدت الى انحلالها . هذا الاعتقاد مقبول لدينا جميعا ماركسيين واشتراكيين ثوريين .

ويشاركنا فيه كل الاصلاحيين ‒ وان كانوا يستعملون مصطلحا آخر ‒ ومؤخرا ٬ ذلك الجناح الحديث منهم ٬ وهم الشيوعيون الأوروبيون (أيرو ‒ كومونيزم) وبخلاف هؤلاء فان الثوريين لا يعانون من الوهم وكأن بالامكان تحقيق الاشتراكية وتحرير الانسان والمجتمع عن طريق دقرطة المجتمع البرجوازي تدريجيا ٬ من خلال الابقاء على علاقات انتاج رأسمالية ٬ أو من خلال الغائها تدريجيا . كما أن الثوريين لا يتوهمون أنه من المعقول أن يوافق نظام فاشستي ٬ أو أي نظام توتاليتاري آخر ٬ على قدر ما من توسيع حقوق المواطن أو الحريات الديمقراطية ٬ أو أن يكون مستعدا للاشتراك في محاورة ثنائية في هذا الأمر .

الا أننا نستطيع أيضا ٬ أن نتفهم أن كثيرا من المناضلين من أجل حقوق الانسان ٬ ضد أنظمة ذات صبغة أوتوقراطية أو عسكرية ٬ بيروقراطية أو أي شكل من أشكال الديكتاتورية ٬ يدركون هم كذلك أن مساعيهم لن تؤدي الى النتائج التي يطالبون بها علنا . وفي الوقت نفسه يعلمون هم أن المطالبة بحريات المواطن والحريات الديمقراطية ٬ والتي لا يمكن تحقيقها تحت حكم الأنظمة الديكتاتورية ٬ تستطيع أن توقظ طبقة العمال وشرائح هامة أخرى بين السكان العاملين ٬ وأن تعزز نضالهم هم ٬ وأن تهز قاعدة الديكتاتورية ٬ وأقرب مثل وبرهان على ذلك هي اسبانيا .

ان الأوهام المؤيدة للرأسمالية والأساطير الرجعية التي قد تقود هذا النضال (من أجل حقوق الانسان والحريات الديمقراطية) في بداية مسيرته ٬ تضعف بقدر ما تصاعد الوعي الذاتي والثقة بالنفس لدى طبقة العمال .

أعتقد أن مهمة الثوريين هي الوقوف في طليعة هذا النضال ٬ ومكافحة الأوهام والأساطير ٬ وعليهم أن يذكروا في نفس الوقت أنه لا يمكن لأي نضال من أجل حقوق الانسان ٬ حتى وان كان تحت قيادة الحزب الشيوعي الاسباني ٬ أن يحل محل نشاط الجماهير الثوري ٬ التي تقلب العلاقات الاجتماعية رأسا على عقب كما يتطلب التاريخ .

على كل حال ٬ النضال في سبيل حقوق الانسان هو احدى الطرق المؤدية الى الثورة . هو احدى الطرق التي يمكن أن تنشأ فيها ظروف ذاتية مبكرة حيوية لثورة اجتماعية وسياسية ٬ حتى وان زعم زاعم أن هذه الاستراتيجية مناسبة لبلدان الديمقراطية البرجوازية ٬ فأنه من الواضح أن هذه الاستراتيجية هي عملية ٬ وأحيانا وحيدة ٬ في النضال تحت الأنظمة الديكتاتورية العسكرية أو البيروقراطية وتحت الأنظمة الفاشية . كل واحد في اليسار الثوري يعترف بذلك عندما تكون المسألة هي تقييم حقوق الانسان في البلدان التابعة لمل يسمى “مجال النفوذ الغربي” ٬ ولكنهم يتحفظون لدى تقييمهم مثل هذه الحركة في بلدان أوروبا الشرقية . يبدو لي أن الفارق ٬ وأحيانا الحيرة ٬ في منهج اليسار ٬ في أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية ٬ تجاه هذه القضية ٬ ناجم عن تحليل مختلف ٬ وعلى الغالب اصطناعي وحتى خاطئ ٬ للنهج الاجتماعي والسياسي المعمول به في هذا الجزء من العالم (أي أوروبا الشرقية) .

أستطيع أن أفهم جيدا ٬ كمناوئ للبرلمانية ولباقي خردوات الديمقراطية البرجوازية ٬ أنه قد يكون لمطالب “ميثاق 77” ‒ وميثاق 77 ٬ هو غاية في الجدية وأنا متفق معه ‒تأثير سلبي على الماركسية ٬ ذلك لأن “ميثاق 77” يجعل هدفه الوحيد ٬ التنفيذ الناجع للمبادئ المتضمنة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق مدنية ٬ سياسية ٬ اجتماعية ٬ اقتصادية وثقافية ٬ أو لأن هذا الاتفاقيات التي صادقت عليها الدولة التشيكوسلوفاكية وقبلتها ٬ تشكل القاعدة والمنطلق لنشاط أصحاب “ميثاق 77” . (ملحوظة : ليس للعمال التشيكوسلوفاكيين ميل سلبي متين تجاه الديمقراطية البرجوازية ٬ كما وددت لو أن لهم وموقفهم الراهن هو وليد تجربتهم الشخصية مع الستالينية والنظام الأوتوقراطي) .

شيء آخر قد ينفر الناس ٬ وهو ٬ أن الحقوق الواردة في الاتفاقيات الدولية هي جزئية أو معدة لخدمة مصالح رجال الفكر أكثر من مصالح العمال ٬ أو أن لهذه الاتفاقيات قيمة اعلامية فحسب ٬ كما كان من أمر الاعلان العالمي لحقوق الانسان قبل سنوات ٬ أو حقيقة أن هذه الحقوق تشكل تعبيرا للمساعي نحو تجديد التسليم الطبقي ولمفهوم التعايش السلمي الذي يمكن ٬ مؤقتا ٬ من اطالة بقاء أنماط اجتماعية وسياسية صائرة وفق سنة التاريخ الى خراب .

“ميثاق 77” لا يعد معارضة سياسية ٬ كما أنه لا يريد أن يتجانس . لذا فانه متنوع سياسيا . هدفه هو النضال من أجل حقوق المواطن والحريات الديمقراطية على أساس المعاهدات الدولية التي تشكل جزءا من مجموعة الأنظمة والقوانين في تشيكوسلوفاكيا . هذا الهدف ضيق أكثر من اللازم . رغم ذلك ٬ فان “ميثاق 77” هو أهم الحركات في هذه البلاد في السنوات الأخيرة . وله أصداء ذات مغزى بين العمال . انه يعبر عن مصالحهم حتى جزئيا وبشكل غير مباشر .

وحسب البند الوارد في الميثاق والمتعلق بالحقوق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية ٬ فانه يجب أن يمنح العمال أيضا حق انشاء النقابات المهنية وتنظيمات أخرى لحماية حقوقهم دون أية مضايقة . وجاء في البند اياه أنه يجب منح العمال حق الاضراب . ومن الممكن أن يكون هذا البند منطلقا نحو تحرير العمال ٬ التحرير الذي يكسبونه بأنفسهم وبواسطة منظماتهم .

عندما أقول منطلقا ٬ فأني أفكر في الظروف الذاتية المبكرة ٬ والتي يتحتم وجودها للانطلاق على هذا الدرب ولست متوهما بأي “حوار ‒ ثنائي” اصلاحي أو حتى بأي طريق عفوي يؤدي الى تجسيد هذه الحقوق .

أي طريق هذا يمكن أن يكون اذا لم يكن طريق الاصلاحية ؟ الماركسي الثوري الذي يتحدد نشاطه بتهديد الاعتقال من ثلاث الى عشر سنوات ٬ لا يستطيع الاجابة على هذا السؤال … أن الدعم الفعال أو السلبي الذي أبداه العمال ‒ خاصة الشباب منهم ‒ بهذا الشكل أو غيره “بميثاق 77” ٬ لهو الاحتمال على هذا الطريق …

بيتر أوهل

*     *     *

رغم السنوات التي قضاها بيتر أوهل في معتقلات البيروقراطية ٬ فأنه ما زال يدافع بأصرار عن مواقفه الثورية . وكل من يدرك مثله ٬ أن النضال من أجل ديمقراطية اشتراكية في بلدان “الكتلة الشرقية” هو جزء لا يتجزأ من النضال العام من أجل الاشتراكية ٬ يجب عليه أن يعبر تأييده للنضال في سبيل حقوق الانسان والحريات الديمقراطية هناك . كما كتب أعضاء الحزب الاشتراكي الثوري في برنامجهم :

حتى أوروبا الوسطى والشرقية التابعة لنا ٬ لا يمكن أت تكون بمعزل عن بلدان أخرى ٬ لأن الفرضية الأساسية الاشتراكية هي التعاون والاخوة بين بني الانسان في كل المعمورة ٬ لذا فأننا نتعاطف مع الأنصار في أمريكا اللاتينية ٬ ومع الطلاب والعمال الفرنسيين ٬ الذين قدموا لعمال أوروبا الغربية بديلا اشتراكيا لمستقبلهم ٬ في أيار 1968 ٬ وللفيتناميين الذين يكافحون الامبريالية الأمريكية .

لأن العالم واحد هو . وعلى بني الانسان ان يقرروا اذا كانوا يقبلون ببديل الأسياد نيكسون وبريجنيف أو فرانكو ٬ البديل المؤدي الى الخمول والخوف وعدم الحرية ٬ أو بديل المجتمع الحر الاشتراكي .

لم يبق لنا سوى أن نتفق مع بيتر أوهل في هذه النقطة ٬ وأن نحاول الاجابة باختصار على السؤال الذي طرحه ٬ بالاقتباس التالي من مبادئنا الأساسية :

اندلعت في روسيا عام ١٩١٧ ثورة عمالية , لكن السلطة لم تبق في أيدي مجالس العمال والفلاحين والجنود ٬ وانما استأثرت بها شريحة بيروقراطية ركزت في قبضتها السيطرة الفعلية على الانتاج الاجتماعي وعلى المجتمع بأسره . وحسب النهج الذي اقامته البيروقراطية ٬ لا يوجد انتاج سلع عام وليست هنالك ملكية فردية لوسائل الانتاج الرئيسية ٬ لكن جماهير العاملين مستغلة ومضطهدة ٬ بحكم كونها مسلوبة أية سيطرة على عملها ووسائله وثماره ٬ وعلى العملية الاجتماعية بأسرها . لقد قامت أنظمة بيروقراطية مماثلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية في عدد من البلدان الأخرى . ان سياسة هذه الدول الخارجية لا تقوم على اساس دعم النضال من اجل ثورة اشتراكية عالمية ٬ وانما على اساس تعزيز مواقفها في الساحة الدولية . ان نظام القمع البيروقراطي يشكل هو ايضا عدوا للثورة الاشتراكية ٬ ويعتبر نضال العاملين الثوري في هذه البلدان ضد البيروقراطية المتحكمة جزءا من عملية الثورة الاشتراكية العالمية .

ليست مهمة المنظمة الاشتراكية الثورية الاستيلاء على السلطة والقبض على زمامها ٬ وانما المساعدة بكل امكانياتها للاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها في ايدي مجالس منتخبة من قبل جماهير الشعب . ان استيلاء مجالس كهذه على السلطة يشكل سمة مميزة وخطوة حاسمة للثورة الاشتراكية .

المجالس هي شكل من التنظيم الذاتي للجماهير ٬ وتكون مهمة المجالس داخل الخلايا الانتاجية ادارة مراحل الانتاج في كل مشروع من خلال خضوعها للتخطيط المركزي الذي تقرره الجماهير عن طريق مجالسها . في البداية يكون من مهام المجالس تنظيم الدفاع الجماهيري في وجه محاولات أعداء الثورة من بقايا الطبقات ذات الامتيازات . ان سلطة المجالس بحكم طبيعتها لا يمكن ان تكون حكم اقلية ضد اكثرية ٬ وانما تشكل نمطا للمشاركة الديمقراطية الواسعة للجماهير في ادارة العملية الاجتماعية بأسرها .

هيئة تحرير متسبين

في هذا العدد :

المعارضة اليسارية للأنظمة في أوروبا الشرقية 

بولندا : رسالة مفتوحة الى الرأي العام في الغرب ‒ بقلم آدم ميخنيك