يتخذ النضال في الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية ٬ من أجل الدقرطة أشكالا عديدة . ويساهم في هذا النضال هيئات وأفراد ذوو مواقف وأهداف سياسية مختلفة ٬ وأحيانا متعارضة . فمنهم رجعيون ٬ أمثال سولجينيتسين يطمحون العودة الى نظام الفرد التيوقراطي ٬ منهم أنصار الديمقراطية البرجوازية والرأسمالية أمثال ساخاروف ومنهم اشتراكيون ‒ ديمقراطيون أمثال (روي مدفدييف) ٬ وقليل منهم اشتراكيون ‒ ثوريون .
على كل حال ٬ من لا يتعامى يدرك ان ليس كل شيء يجري على ما يرام في الاتحاد السوفياتي ومناطق نفوذه . حسبك ملاحقة هذه الأنظمة المستمرة لفئة قليلة من رجال الفكر ٬ لتتساءل مندهشا : مما تخاف هذه الأنظمة ؟
انهم يخافون أشد المخاطر المرتقبة لحكمهم ٬ الا وهي خطر نمو صلة بين رجال الفكر الثائرين اياهم ٬ وبين جماهير العمال .
صلة أولية كهذه نشأت في غضون السنتين أو الثلاث الأخيرة في بولندا . ويقص رجل المعارضة البولندية ٬ آدم ميخنيك ٬ تاريخ هذه الصلة ٬ في رسالة علنية موجهة الى الرأي العام العالمي ٬ قبل عودته الى بولندا من الغرب قبل أشهر .
لقد “اصطدم” آدم ميخنيك في الماضي مع سلطات بولندا . ففي سنة 1969 حوكم لمشاركته في انتفاضة الطلاب التي اندلعت في وارسو سنة 1968 وأدين بالحبس لثلاث سنوات . واعتقل معه أيضا وقتئذ ياتسيك كورون . ولا شك ان كورون معروف لقراء “متسبين” القدامى . في 1965 كتب مع كارول مودزلفسكي “رسالة مفتوحة الى الحزب” ونشرت منها فصول واسعة بالعبرية على صفحات “متسبين” في سنوات 1967 ٬ 1969 ٬ تحت عنوان “برنامج المعارضة البولندية” وبسبب كتابة هذه الرسالة حكم كلاهما في 1965 بالسجن لثلاث سنوات ونصف . وبعد اطلاق سراحهما بفترة قصيرة قدما للمحاكمة مرة أخرى ٬ وهذه المرة سوية مع بقية نشطاء حركة الطلاب . وفي 1969 حكم كلاهما بالحبس لثلاث سنوات ونصف أخرى .
واعتقل ياتسيك كورون ثانية على اثر نشاطه في اللجنة للدفاع عن العمال (ك.و.ر) . لكن الضغط الشعبي في بولندا كان مثمرا ٬ فتم اطلاق سراح معظم العمال الذين اعتقلوا في أعقاب “مظاهرات الأسعار” كما وأفرج عن معظم نشطاء لجنة الدفاع عن العمال ٬ هذه الحقيقة تفيد ان النظام البولندي لا يستطيع ان يتصرف وفقا لأهدافه . فعلى اثر المظاهرات اضطرت الحكومة الى الغاء خطة رفع الأسعار ٬ كما أرغم الرأي العام البولندي الحكومة على اطلاق سراح الأسرى السياسيين الذين اعتقلوا لعلاقاتهم بالمظاهرات .
ومع ذلك فان الوضع في بولندا أشد تعقيدا منه في بلدان أخرى . فللكنيسة الكاثوليكية توجد مكانة خاصة في المجتمع . وضعها الوطيد ٬ والذي أحجم أيضا الحزب الشيوعي عن المساس به ٬ يجعلها ملجأ وبؤرة تشد اليها المعارضين للنظام والباحثين عن بديل له سياسيا وفكريا . ان مكانة الدين هذه ٬ ومكانة الكنيسة في حياة المجتمع البولندي هما أحد الدلائل لاخفاق الحزب الشيوعي البولندي بالقيام بثورة اجتماعية حقيقية . اثنتان وثلاثون سنة لنظام الحزب الشيوعي لم تفلح في ان تطرح لعمال بولندا ٬ بديلا فكريا وثقافيا جديا للدين والكنيسة الكاثوليكية . ولا شك ان نصيبا كبيرا من المسؤولية لذلك يرجع الى انعدام الديمقراطية وللاستهتار بحقوق الانسان ٬ والتبعية للاتحاد السوفياتي وللادارة البيروقراطية .
في هذا العدد :
بولندا : رسالة مفتوحة الى الرأي العام في الغرب ‒ بقلم آدم ميخنيك