في نوفمبر 1975 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة ٬ ان الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتفرقة العنصرية . وعلى اثر هذا القرار قام الصهاينة ومؤيدوهم على اختلافهم بردة فعل جنونية في البلاد والعالم .

لقد أدركنا أن قرار الأمم المتحدة هذا وان كان مصيبا فانه لا يستوعب الطبيعة الحقيقية للايديولوجيا الصهيونية وجوهرها وأبعادها ٬ بل يختزلها الى “شكل من أشكال العنصرية” على نحو عام لا غير . لذلك رأينا ضرورة نشر موقفنا من الصهيونية مرة أخرى . هذه الوثيقة وضعت في 23 تشرين ثاني 1975 ٬ على اثر صدور قرار الأمم المتحدة اياه ٬ ونشرت في مجلة “متسبين” ٬ آذار 1976 .

*

قبل قرار الجمعية العمومية (للأمم المتحدة) الذي أدان الصهيونية بزمن طويل ‒ وبالتحديد قبل 80 عاما ‒ كتب مؤسس الحركة الصهيونية في كتابه “الدولة اليهودية” : “وستكون بالنسبة لأوروبا سورا حصينا في وجه آسيا وسندافع في وجه المتوحشين .. وكدولة مستقلة فان العلاقات بيننا وبين شعوب أوروبا ستبقى قائمة وهم بدورهم سيضمنون وجودنا …”

والحق يقال ان هذا القول ‒ من بين أقوال وتنبؤات مؤسس الصهيونية ‒ أحد الأقوال القليلة التي لا يزال لها معنى ومفعول في أيامنا هذه ٬ اذ انه يصف بايجاز وبلغة البرجوازية التي كانت سائدة في أواخر القرن الماضي ٬ الوضع الحالي لاسرائيل التي تعتبر تتويجا للمشروع الصهيوني بعد عشرات السنين من النشاط : الدولة الصهيونية تواجه الجماهير العربية (آسيا … المتوحشين …”) وتربطها بالاستعمار علاقة حياة أو موت (“شعوب أوروبا سيضمنون وجودنا”) .

وكاشتراكيين ثوريين فان رفضنا للصهيونية الذي تبنيناه منذ ان انتظمنا في اطارات سياسية لكي ندفع الى الأمام النضال من أجل الثورة الاشتراكية في منطقتنا ٬ رفضنا هذا عميق وجذري . وهذا الرفض الراسخ في الفكر الاشتراكي المبكر يشكل محور عمل مركزيا في نشاطاتنا .

فاليهود والمتواجدون بين صفوفنا يمثلون بموقفهم المعادي للصهيونية أفضل الاتجاهات والتقاليد الديمقراطية والثورية التي انتشرت بين الجماهير اليهودية في العالم . والعرب المتواجدون في صفوفنا يمثلون بموقفهم المعادي للصهيونية ليس فقط آمال الجماهير العربية في التحرر الوطني والاجتماعي وانما أيضا أفضل الاتجاهات وتقاليد التسامح التي نعم في ظلها اليهود الذين عاشوا بين ظهراني الشعوب العربية .

اننا ٬ يهودا وعربا ٬ قد اجتمعنا في وحدة صلبة متماسكة نفتخر بأنها البديل الوحيد للوضع الحالي الذي يدفع فيه اليهود والعرب دماءهم ثمنا للاحتلال والاضطهاد والتمييز والسلب . وبهذا المعنى فان وحدة الثوريين اليهود والعرب تشكل استمرارا مباشرا لنضال الشيوعيين اليهود والعرب في هذا البلد خلال العشرينات والثلاثينات من هذا القرن .

واذ نعلن ذلك فاننا نقول ان قرار الجمعية العمومية لا يهمنا . فماذا كان سيحدث لو تبنت الجمعية قرارا مختلفا حول الصهيونية ؟ هل كنا سنغير ٬ تبعا لذلك ٬ موقفنا من الصهيونية ؟ لا ٬ بكل تأكيد . يضاف الى ذلك اننا نعرف جيدا ان من بين الممثلين في الجمعية العمومية ‒ في وسط معارضي الصهيونية ومؤيديها ‒ هناك ممثلو حكومات يشكل الاستغلال والاضطهاد والتمييز وحتى العنصرية ٬ دعائم رئيسية في سياساتها . لكن مما لا شك فيه ان قرار الجمعية يعبر عن واقع ان الصهيونية تتكشف عارية أكثر فأكثر ٬ وان “أيامها الحلوة” قد ولت دون رجعة . ويعود الفضل في ذلك الى الصهاينة أنفسهم ‒ أكثر من غيرهم ‒ وذلك بسبب أعمالهم ونظريتهم .

*     *     *

واذا اكتفينا بذكر بعض الأسباب التي تدعونا الى معارضة الصهيونية ورفضها ٬ نقول :

  • الصهيونية تعني انشاء دولة يهودية من خلال دوس الحقوق الانسانية والقومية لأبناء الشعب العربي الفلسطيني . الحقيقة هي ان كل خطوة خطتها الصهيونية في البلاد كانت مقرونة بسلب أراضي الفلسطينيين وبطردهم من وطنهم . فمنذ ان اتى الصهاينة الى هذه البلاد أعلنوا عن نواياهم : “غزو العمل” ٬ “غزو الأرض” وخلق مجتمع يهودي صرف . وفي أحيان كثيرة ضربوا بالحقائق عرض الحائط وأعلنوا ان هذه “أرض بدون شعب لشعب بدون أرض” .
  • الصهيونية تعني تمييز مجموعة قومية عن مجموعة قومية أخرى ومنح امتيازات ليهود اسرائيل والعالم وجعل المواطنين الفلسطينيين المتواجدين تحت سلطتها مواطنين درجة ثانية . خذوا على سبيل المثال “قانون العودة” الشهير الذي يمنح كل يهودي في العالم الجنسية الاسرائيلية بشكل أوتوماتيكي بينما تسلب الجماهير الفلسطينية من حقها في العودة الى وطنها . خذوا على سبيل المثال دستور الوكالة اليهودية الذي سن عام 1929 وما زال ساري المفعول حتى الآن : “تستملك الأرض على انها ملك يهودي … وتعتبر ملكا للشعب اليهودي لا يمكن نقله (لمالك آخر ‒ المترجم) … على الوكالة اليهودية ان تشجع الاستيطان الزراعي القائم على العمل اليهودي … ومن الأمور المبدئية تشغيل الأيدي العاملة اليهودية في جميع المشاريع التي تنفذها الوكالة أو تشجعها …” وخذوا ٬ على سبيل المثال أيضا ٬ سياسة مصادرة الأراضي العربية ونقلها للأيدي اليهودية ‒ تلك السياسة التي اعتمدتها جميع الحكومات الاسرائيلية منذ قيام الدولة وحتى يومنا هذا (لسنا نحن ‒ ولا أي معاد آخر للصهيونية ‒ الذين أوجدنا التعبير العنصري “تهويد الجليل” . ان الذين فعلوا ذلك هم حكام اسرائيل والناطقون باسمها بدءا برئيس حكومتها الأول بن غوريون وانتهاء بأصغر الموظفين والصحفيين) .
  • الصهيونية تعني القبول بوصاية الاستعمار وتقديم الخدمات له . فانظروا مثلا الى شبكة العلاقات بين الصهيونية وبين الاستعمار البريطاني والفرنسي ٬ وبشكل رئيسي الأمريكي . وبهذا المعنى فان الصهيونية تشكل اداة ضد الحركة الوطنية العربية وشرطيا في المنطقة ضد نضال الشعوب العربية الذي يستهدف كسر نير الاستغلال داخليا وخارجيا . ومن بين الأمثلة المعروفة نكتفي بذكر الدعم والحراسة اللذين قدمتهما اسرائيل للعرش الهاشمي خلال عشرات السنين ٬ والحرب التي شنتها في خدمة بريطانيا وفرنسا ضد مصر عام 1956 .
  • الصهيونية تعني التسليم باللاسامية واعتبارها ظاهرة عامة ٬ طبيعية وأبدية . لقد كتب ي.ل. بنسكر أحد المبشرين بالصهيونية الذين سبقوا هرتسل بعدة سنين : “أن كراهية اليهود مرض نفسي (ذهان) ولذلك فانها وراثية .. وبما انها مرض وراثي متأصل منذ عشرين قرنا فانها غير قابلة لعلاج” (كتاب “التحرر الذاتي” بقلم بنسكر) . اما هرتسل فقد كتب في مذكراته : “في باريس ٬ كما سبق وقلت ٬ تكونت لدي نظرة متحررة تجاه اللاسامية التي بدأت اتفهمها من الناحية التاريخية واغفر لها .وفوق كل سيء ٬توصلت الى ان كل محاولة لمكافحة اللاسامية باطلة وفاشلة” .

هذا هو قليل من كثير . وبمدى شجاعة الصهاينة وصراحتهم فانهم يعترفون بذلك دون مواربة ٬ غير ان أولئك الصهاينة الذين يتقنعون بأقنعة الليبراليين والديمقراطيين أو الاشتراكيين فانهم يحاولون اخفاء هذه الحقائق وتشويهها وانكارها .

*     *     *

الصهيونية التي ادعت انها الحل لمشاكل اليهود قد أوقعتهم في محن عظيمة . فالرأسمالية لم تكتف فقط بانزال ضربات مميتة على اليهود ٬ انما منحتهم “حلا” لا يقل مأساوية عن معاناتهم .

فاليهود الذين قاسوا من الاضطهاد ٬ أصبحوا الآن مضطهدين (بكسر الهاء) جدد لشعب آخر … للشعب العربي الفلسطيني . فالغيتو القديم الذي انهارت جدرانه تحول ٬ بواسطة بعض اليهود الذين انصاعوا للصهيونية ٬ الى غيتو كبير وحديث .

بناء على ذلك ٬ فان الصهيونية لم تخلف مشكلة فلسطينية فحسب وانما أيضا مشكلة يهودية ٬ خطرا ملموسا على اليهود الاسرائيليين وعلى أولئك اليهود في العالم الذين ربطوا مصيرهم بالصهيونية .

نضالنا ضد الصهيونية هو نضال من أجل الحقوق الانسانية والقومية للشعب العربي الفلسطيني ٬ وفي الوقت ذاته فانه قد يساعد على انقاذ اليهود الاسرائيليين أنفسهم .

الصهاينة الذين يدعون تمثيل اليهود في جميع أنحاء العالم يقولون : “ان العالم بأسره ضدنا” ونحن نقول ان اليهود ٬ كبقية الشعوب ٬ جزء لا يتجزأ من الانسانية . الصهاينة يقولون بان اليهود باقون بالرغم من التاريخ ونحن نقول ان اليهود جزء عضوي من التاريخ . الصهاينة يكرسون ويخلّدون العداء بين اليهود والشعوب الأخرى ٬ ونحن نعمل على ازالة هذا العداء والعداء بين الشعوب .

نحن نناضل ضد الصهيونية ومن أجل دمج الشعب اليهودي الاسرائيلي في المشرق . وكجزء من نضالنا في سبيل الاشتراكية فاننا نناضل من أجل احترام الانسانية والوطنية للعرب الفلسطينيين واليهود الاسرائيليين . فالاشتراكية تعني تحرير الانسان عربيا كان أم يهوديا .

المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية (متسبين)

23 نوفمبر 1975