انشئت “المنظمة الاشتراكية في اسرائيل” عام 1962 ٬ وصدر العدد الأول من مجلتنا “متسبين” (بالعربية : بوصلة) ٬ في ايلول من نفس العام . وهي لسان حال منظمتنا .

واليوم [آذار 1978] وبعد مرور خمسة عشر عاما على قيام المنظمة ٬ لم ينجل بعد كثير من الغموض عن مواقف المنظمة وأهدافها لدى الجمهور . وثمة سببان رئيسيان لذلك : أولهما ناجم عن الصعوبات التي تجابهها عادة كل منظمة صغيرة في نشر مواد سياسية على نطاق واسع ٬ وخاصة عندما تكون مواقفها لا تحظى بالقبول عند عامة الجمهور في البلاد . وكذلك نتيجة لصعوبات مالية (اذ لا موارد لدينا تذكر) كما أن كثيرا من الناس يصدون عن شراء مجلتنا أو أية مواد أخرى نصدرها ٬ احترازا منهم أن يناصرونا ماديا أو معنويا .

والسبب الآخر هو انه نتيجة لمواقفنا المحددة ٬ نشأت منظومة كاملة من الكذب والتزييف والافتراء والقدح ضدنا وذلك لتحريف مبادئنا عن مواضعها وجعلها هزءا بين الناس .

ويشترك في هذه المعركة عوامل سياسية مختلفة ٬ أولها الصهاينة ٬ على اختلاف أحزابهم ومنظماتهم ووسائل دعايتهم . ولا عجب فممثلو الحركة الصهيونية على اختلافهم يعرفون ان “متسبين” وأفكارها تمثل قطبا مضادا للصهيونية ٬ وبمقدورها ان تطرح ليهود اسرائيل بديلا واقعيا للصهيونية ٬ يعني : العيش المشترك للعرب واليهود في مجتمع اشتراكي ٬ لذلك فانهم لا يدخرون جهدا في تزييف مواقفنا لكي يبعدوا الجماهير العربية واليهودية على السواء عن امكانية تنمية نضال مشترك ضد الصهيونية .

ونفوذ الدعاية الصهيونية المعادية له وقعه وأثره بين اليهود . وهذه احدى العقبات أمام اقامتنا علاقات مع الجماهير اليهودية لنوضح لها مواقفنا على حقيقتها (حتى وان زالت هذه العقبات فليس ثمة ضمان لنجاحنا في اقناع الكثيرين ٬ ولكن عندئذ ٬ وعلى الأقل ٬ سيعلمون أي بديل نقدم لهم) .

وليس الصهاينة وحدهم في معركتهم ضد “متسبين” ٬ ان لهم حليفا هاما في هذه الجبهة ٬ الا وهو الحزب الشيوعي الاسرائيلي ٬ “ركاح” . فما تنجزه الصهيونية بين اليهود ٬ تعينها ركاح على القيام به بين العرب . وركاح هي التي تقود حملة القذع والكذب الدائرة ضدنا بين الجماهير العربية في اسرائيل . ولركاح نجاح في ذلك غير ضئيل وان كان أقل مما تحرزه الصهيونية في أوساط سهود اسرائيل . وكحزب يمارس ٬ على حد زعمه ٬ نضالا ضد الصهيونية ٬ فان أقوال ركاح تحظى بثقة جزء كبير من الجماهير العربية . وموقف ركاح هذا منا ومن مواقفنا غير مفاجئ لأنها تخشانا في مجالين : مجال الفكر الاشتراكي ومجال النفوذ بين الجماهير العربية في اسرائيل وفي كليهما تطمح ركاح الى الاحتكار ٬ لأنه ضروري لها ضرورة الهواء للتنفس . فالحزب الشيوعي يعجز أن يخوض جدلا ذي صلة بالموضوع ٬ مع منظمة اشتراكية معادية للصهيونية حول جوهر الاشتراكية والنضال من أجلها وحول جوهر الصهيونية والنضال ضدها . ركاح بحاجة الى امكانية لكي تتبجح ان “الحزب الشيوعي الاسرائيلي هو الحزب الثوري الوحيد لطبقة العمال الاسرائيلية” ٬ أو ان “الحزب الشيوعي الاسرائيلي هو الممثل الوحيد للسكان العرب في اسرائيل” وكل من يشكك في هذه الفرضيات يلقى مقاومة الحزب الذي يحمي “مجال نفوذه” كما يحمي الاتحاد السوفياتي مجال نفوذه في بلدان شرق أوروبا .

ولا تنتهي مضايقتنا عند هذا الحد . فبالاضافة الى الصهاينة والشيوعيين يشارك في حملة التزييف أيضا أعضاء المنظمة التروتسكية الذين انفصلوا عن “متسبين” لكنهم ما زالوا يحملون اسمها وليس مواقفها ٬ وهم يطمحون الى ميراث تأريخ “متسبين” بكامله ٬ ولذلك يحاولون تحريف هذا التأريخ ومطابقته لمواقفهم الراهنة . ونحن نستغل هذه المناسبة لتوجيه عناية القراء الى وجود مجلتين تحملان الاسم “متسبين” ٬ احداهما هي مجلتنا ٬ “متسبين” دون أية اضافة ٬ وهي لسان حال منظمتنا ٬ المنظمة الاشتراكية في اسرائيل . والمجلة الأخرى هي “متسبين ماركسي” وهي لسان حال الجماعة التروتسكية واسمها الرسمي “العصبة الشيوعية الثورية” وهي أيضا القسم الاسرائيلي للأممية الرابعة . ولسنا بالطبع ٬ مسؤولين عن هذه المجلة لا قلبا ولا قالبا .

وهذه الكراسة التي نضعها بين يديك أيها القارئ ٬ جاءت لتجلي بعض الغموض الذي يكتنف مواقفنا . وكل من يقف على هذه الكراسة يستطيع أن يعرف بوضوح ‒ وهذه أدنى فوائدها ‒ مواقفنا من مواضيع معينة ٬ مواقفنا كما نعبر عنها نحن ٬ وليس كما يريد غيرنا عرضها .

وتشمل ثلاثة أجزاء : الأول ٬ يضم عدة مواقف رسمية للمنظمة نشرت في الفترة 1969 – 1977 ٬ وبالطبع لا تشمل هذه المنشورات مواقفنا من كل القضايا ٬ بيد انها تتضمن طائفة من القضايا المتعلقة بالوضع في منطقتنا . في القسم الثاني نورد مقالات بأقلام أعضاء “متسبين” وكانت قد رأت النور على صفحات مجلتنا . وهذه المقالات ٬ وان لم تقبل رسميا كمواقف للمنظمة ٬ فهي تعكس بشكل عام مواقفنا في القضايا الهامة التي تتناولها . ويحتوي القسم الثالث على وثيقتين : الأولى هي النص الكامل لحديث بين عضو متسبين وممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن سعيد حمامي . والأخرى نداء وضعه اشتراكيون ثوريون من الأقطار العربية واسرائيل بما فيهم أعضاء من منظمتنا . هاتان الوثيقتان ‒ وان لم نتفق مع سائر المواقف الواردة فيهما ‒ تشكلان عينة لنوعين من الصلات التي نلتمسها مع حلفائنا الاحتماليين في الجانب الآخر من الحدود الاسرائيلية : مع ممثلي حركة التحرير الوطني للشعب الفلسطيني ٬ الشعب الذي هو الشريك الكامل لكل اقتراح لحل النزاع المتواصل في منطقتنا بين الصهيونية والعالم العربي ٬ وصلات مع اشتراكيين ثوريين من كافة البلدان العربية ٬ شركائنا الاحتماليين في اقامة حركة اشتراكية ثورية للمنطقة بأسرها ٬ تعمل لتوحيد الشرق العربي تحت حكم العمال والفلاحين .

آذار 1978