eating lebanon

لم تغير الانتخابات للكنيست التاسعة من نوعية النظام الحاكم أو من طابع الدولة ٬ فاسرائيل كانت وما زالت قائمة على أسس الاستغلال الرأسمالي وهي ليست ثمرة المشروع الاستيطاني الصهيوني فحسب ٬ بل هي أيضا أداة مواصلته وتوسيعه .

أين اذن ٬ حدث ذلك التغيير الذي يتحدث ويبحث فيه الجميع منذ السابع عشر من أيار 1977 ؟

حسب رأينا فان هذا التغيير حصل في توازن القوى داخل الطبقة الحاكمة في اسرائيل .

لقد عرفنا في حينه ٬ النظام الحاكم في اسرائيل بأنه شراكة بين البيروقراطية والبرجوازية ٬ حيث تلعب فيها بيروقراطية “اليسار” الصهيوني “العمالية” الدور الرئيسي ٬ بينما تلعب البرجوازية الدور الثانوي . وهذه شراكة معاكسة للنسق المتبع والسائد : فليس البرجوازيون هم المقررون من سيمثلهم من المحترفين السياسيين ٬ بل على العكس ٬ فان المحترفين السياسيين هم المقررون من سيصبح برجوازيا ٬ فمن منا لا يتذكر “طريقة البطاقات” السبيرية (من اسم وزير المالية بنحاس سبير ‒ المترجم) التي جعلت من أناس عاديين رأسماليين بفضل حكومة المعراخ ٬ تلك الطريقة التي حددها ليفي أشكول ٬ معلم سبير وسيده ٬ بأنها عبارة عن شق الطريق ومد السكك للرأسمال الفردي .

من طبقة الى شعب

والآن يمكننا أن نقرر بأن التغيير الذي برز في الانتخابات الأخيرة ٬ يمثل تحولا في ميزان القوى داخل الطبقة الحاكمة في اسرائيل ٬ فالبيروقراطية التي ضعفت ٬ أخلت مكانها في السلطة للبرجوازية التي قويت ٬ فالنظام بقي فعليا نفس النظام ٬ الا أن السلطة السياسية انتقلت من “اليسار” الصهيوني الى اليمين الصهيوني .

لقد كانت هذه مرحلة طويلة تعفن خلالها “اليسار” الصهيوني وتفكك ٬ فهو لم يبذل جهدا لتجديد نفسه ٬ وتآكل نتيجة لتناقضاته الداخلية . فبينما كان يواصل تصريحاته عن ولائه لأفكار حول “الاقتصاد العمالي” ٬ “المجتمع المتساوي” الخ .. ‒ وكل ذلك بالطبع لليهود فقط ‒ فقد انهمك هذا “اليسار” في تجنيد الرساميل بروح “رسمية” ونحت شعار “من طبقة الى شعب” وفي بناء الرأسمالية الرسمية .

لقد انفصل اليسار الصهيوني أكثر فأكثر عن الطبقات الشعبية التي أدعى تمثيلها ٬ وأصبح زعماؤه ومحترفو سياسته محببين لدى البرجوازية وتكاثرت حوادث “الفرار” من “اليسار” الى اليمين ٬ وتلاشت الفوارق بين “اليسار” واليمين ٬ لدرجة أن الخارجين عن مباي يشكلون اليوم جزءا هاما من الليكود ٬ ومركبا هاما في حركة داش (الحركة الديمقراطية للتغيير) . وأفرز ذوبان الفوارق هذا بين “اليسار” واليمين طبقة كاملة من الضباط والتكنوقراطيين والبيروقراطيين والبرجوازيين ٬ وجميعهم متعانقون بحيث يصعب تمييز أحدهم من الآخر .

ان جميع التيارات التي يتكون منها الليكود لا تختلف عن التيارات التي تتألف منها حركة العمل الصهيونية ٬ فكلها جميعا صهيونية صرفة . الا انها وفي اطار الصهيونية مثلت في الماضي وتدعي بأنها تمثل اليوم أيديولوجيات مختلفة ٬ “فاليسار” الصهيوني أكد على توجه تحقيق الصهيونية حسب شعار “دونم هنا ودونم هناك” بينما أكد التحريفيون على شعار “بالدم والنار سقطت يهودا ‒ بالدم والنار تقوم” . وعلينا الا ننسى بأن عبارات حركة العمل الصهيونية كانت مستمدة من أساليب كلام الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية ٬ بينما كان أسلوب الكلام الايديولوجي للتحريفيين هو أسلوب كلام الحركات الفاشستية في أوروبا .

لقد أصبحت هذه الفوارق بحد ذاتها خارجة عن الموضوع ٬ منذ قيام الدولة . فالسجود للدولة وتقديس الرسميات كانا عمليا تراثا مشتركا “لليسار” واليمين الصهيونيين ٬ وليس معنى ذلك ان لا فرق بين حكومة الليكود والمتدينينن وبين حكومة المعراخ والمتدينين ٬ لقد صعد بيغن الى الحكم بعد مرور عشر سنوات على حرب 1967 ٬ واحتلال الأراضي العربية . فمن ناحية معينة صوت معظم الناخبين من أجل استمرار الاحتلال والقمع ونهب أبناء الشعب العربي الفلسطيني . وفي هذا المجال فمن المتوقع أن يستعرض الحكم الجديد عضلاته وسطوته ٬ وقد شرع عمليا في اداء هذه المهمة .

كلب حراسة

عندما يكون اسرائيل كينيغ ٬ أمنون لين ٬ زبولون هامر ٬ أريئيل شارون ٬ موشيه ديان ويورام أريدور أعضاء فرقة موسيقية يقودها “بطل” دير ياسين لم يبق الا أن نتوقع المزيد من عمليات المصادرة والاستيطان والنهب والسلب والمزيد من المساس بحقوق الانسان ٬ وبحرية التعبير وحرية نضال العمال المهني ٬ والتضييق على الحريات الديمقراطية .

وعندما تكون “المعارضة” مشكلة من حركة “داش” والمعراخ ٬ فأنه يجب على الاشتراكيين الجديرين بهذه التسمية الا يبحثوا عن وسيلة لاعادة بناء حزب “احتلال العمل” وحركة الاستيطان التعاونية ٬ بل عليهم التوجه نحو الأفكار الاشتراكية الكونية ٬ نابذين الايديولوجية الصهيونية برمتها على اختلاف صورها وتياراتها ٬ عندها سيكون بامكانهم طرح بديل جوهري للتحولات غير الجوهرية التي حدثت داخل المعسكر الصهيوني والتي برزت للعيان في انتخابات السابع عشر من أيار 1977 .

وليس فحسب أنه لم يحدث تغيير جوهري في طبيعة النظام الحاكم في اسرائيل بل أن دور اسرائيل في المنظومة العالمية ككلب حراسة للامبريالية بقي كما كان دونما تغيير .

لقد أدلى أحد محرري صحيفة “هآرتس” في مقال نشر في ايلول سنة 1951 ٬ بما يلي: “لقد أعد لاسرائيل دور شبيه بدور كلب الحراسة . فليس هناك مصدر للتخوف من أن تمارس اسرائيل سياسة عدوانية تجاه الدول العربية اذا اصطدمت هذه الممارسة مع ارادة بريطانيا وأمريكا . الا انه اذا فضلت الدول الغربية الكبرى ان تغض الطرق لسبب أو لآخر ٬ فعندها يمكن الاعتماد على قدرة اسرائيل في معاقبة دولة أو بضعة دول مجاورة كالمطلوب ٬ هذا اذا تجاوزت وقاحة هذه الدول تجاه الغرب ٬ الحدود المسموحة” . لقد ثبتت صحة أقوال هذا الصحفي بدقة في السنوات التي أعقبت عام 1951 .

طالما أن العالم العربي كان وما زال مرتع استغلال للامبريالية فان خطر الثورة الاجتماعية فيه ماثل دائما ٬ بينما يختلف الأمر بالنسبة لاسرائيل التي تقدم لها الامبريالية كافة المعونات ٬ وهي نتيجة لذلك مرتبطة بالامبريالية مصيريا في حياتها ومماتها . وهكذا فان اسرائيل بالنسبة للأميركان تشكل ضمانا عسكريا لمصالحهم السياسية والعسكرية في المنطقة . وبالفعل فقد هاجمت اسرائيل تلك “الدول التي تجاوزت وقاحتها الحدود المسموحة” ٬ لقد فعلت ذلك في حربين كبيرتين عامي 1956 و 1967 ٬ وفي أعمال عدوانية “صغيرة” (عمليات انتقامية) في الخمسينات والستينات ٬ وهي تحارب اليوم في لبنان ٬ وكانت تهديداتها بالتدخل عنصرا ملموسا ساعد الملك حسين في تنفيذ مجزرته ضد الفلسطينيين .

والآن يطلب الأميركان من كلبهم الحارس أن يلائم نفسه للمعطيات الجديدة . انهم لا يعزمون اعفاءه من مهمته ٬ معاذ الله ٬ بل يودون تلقينه الحكمة حتى يتمكن من مسايرة العصر .

فما معنى هذا ؟

الطبقات الجديدة

تنشأ وتتبلور في العالم العربي طبقات حاكمة جديدة ‒ برجوازيات جديدة . ففي بلد كالسعودية فان البرجوازية هناك تتبلور تحت جناحي الطبقة الحاكمة القديمة القبلية قبل ‒ الرأسمالية . أما في البلاد العربية “التقدمية” التي اجتازت ثورات من الطراز الناصري ٬ فان البرجوازية الجديدة تتبلور من داخل الطغم العسكرية والطبقات البيروقراطية وبقايا الطبقات الاستغلالية القديمة ٬ يضاف اليها أولئك البرجوازيين الجدد الذين نشأوا تحت رعاية حكومية . (والى حد ما فان هذا الأمر يذكرنا بما حصل في اسرائيل) . وتتشكل امام أنظارنا مصالح مشتركة بين هذه البرجوازيات الجديدة وبين الرأسمال الغربي ٬ في الأساس الأميركي وأيضا الياباني والأوروبي .

من السخافة بمكان ٬ حسب رأينا أن يعرض الأمر وكأن “الرأسمال الغربي” ببترودولاراته يسيطر على المراكز الرأسمالية في الغرب ٬ فتطور الرأسمالية في العالم العربي لا يؤهله ان يصبح دولة رأسمالية عظمى قائمة بذاتها ٬ بل يحوله الى عنصر رأسمالي مرتبط بالامبريالية .

علينا أن نتذكر بأن هذا التطور يتم في عهد أزمة اقتصادية تجتاح المنظومة الرأسمالية العالمية ٬ فالعصر ليس عصر اتساع وازدهار الرأسمالية ٬ بل هو عصر يتم فيه مزيج لم يسبق له مثيل ٬ من الركود الاقتصادي والبطالة والتضخم المالي .

ان التطور في البلاد العربية ليس نسخة لاحقة للتطور الرأسمالي الكلاسيكي “كما هو مكتوب في الكتب” ٬ انه بمثابة غرس مشاريع صناعية في بلاد ليس لديها قاعدة صناعية ٬ انه بمثابة انشاء جزر رأسمالية في مجتمعات لم تجتاز ثورة صناعية عميقة ٬ ومع كون هذه المشاريع الرأسمالية حديثة جدا ٬ بل ولأنها كذلك ٬ فانها لا تشكل عاملا للاستقلال ٬ بل تعمق التبعية الاقتصادية للعالم العربي ٬ ان وجود المشاريع الصناعية المرتبطة باستيراد قطع الغيار البسيطة من الولايات المتحدة واليابان وأوروبا ٬ ليس مشهدا نادرا في العالم العربي ٬ وينطبق هذا القول على المساعدات العسكرية العصرية ٬ فمستلم السلاح لا يصبح مستقلا بفعل قوة السلاح بل يصبح مرتبطا بمزودي قطع الغيار والذخيرة .

فاذا بلغ عبد الناصر وأمثاله في العالم العربي الى درجة الصدام مع الامبريالية خلال قيادتهم للثورة الوطنية أي البرجوازية الديمقراطية حتى النصر ٬ فان حلفاؤهم “واقعيين” أكثر منهم . فالتناقض الذي تورط فيه عبد الناصر بين المسألة الوطنية والامبريالية يخرجون منه بالحلول الوسطى والتسليم بالنظام الرأسمالي العالمي ٬ وهذا هو سر “انفتاح” و”اخلاص” السادات والأسد وأمثلهما .

يطلب الأميركان الآن من اسرائيل أن تلائم نفسها مع الوضع الجديد وأن تسلك حسب تقاليد جديدة ٬ ةأن تفهم بأن السادات ليس عبد الناصر . لقد استخلصت الامبريالية كامل الفائدة من عداء اسرائيل للعالم العربي طوال سني وجودها ٬ والآن تطلب الامبريالية من اسرائيل مواصلة عدائها للجماهير العربية الحاملة بخطر الثورة ٬ والتعبير عن ودها لممثلي البرجوازيات الجديدة ٬ واقامة علاقات طبيعية مع الحكام العرب ٬ وحتى علاقات ودية اذا اقتضى الأمر .

بعبارة أخرى : كلب الحراسة الآن بابداء مزيد من الحكمة في علاقاته مع العالم العربي ٬ مطالب أن يبقى عدوا للجماهير العربية وأن يساعد الزعماء العرب على تعزيز سلطتهم ٬ واذا تطلب الأمر ارضاء لهم أو رفعا لمكانتهم ٬ التنازل لهم عن بعض العظام التي لملمها كلب الحراسة في تلك السنوات الطيبة عندما كان مطلق الحرية في النباح والانقضاض .

هل سيتمكن زعماء اسرائيل من الوصول الى هذا القدر من الحنكة ؟ وتكييف أنفسهم للنسق الجديد في منطقتنا ؟ هذا سؤال ما زال مفتوحا الى الآن .

والاجابة عليه هي المفتاح لفهم السياسة الاسرائيلية الراهنة . فمن الواضح أن الولايات المتحدة قادرة أن تفرض على اسرائيل تسوية وفق مشيئتها الا انه ليس من مصلحتها تطويع اسرائيل وتحقيرها وعرضها كأداة جوفاء أمام العالم كله وأمام العالم العربي بشكل خاص ٬ لأنه ما زال لاسرائيل دور هام في المنظومة الامبريالية في المنطقة . ان أي جهاز اقتصادي استغلالي مضطر لأن يعتمد على قوة سياسية عسكرية ثابتة ٬ فالغليان وانفجار الغضب في صفوف العمال والفلاحين المصريين في يناير من العام الماضي تثبت أن السادات بعيد من أن يكون مطمئنا على منصبه على المدى البعيد . كما أن كراسي الأسد والحسين والتي تبدو ثابتة الآن ليست هي في عصمة من تفويضها في المستقبل غير البعيد . لذلك فان الأميركان معنيين في الحفاظ على مقدرة وموثوقية اسرائيل كي يستخدموها في الساعات الطائرة لسحق القوى الثورية والحفاظ على النظام الاستغلالي في منطقتنا . وهكذا فقد تعاظم ٬ الى مدى بعيد ٬ الدعم العسكري والاقتصادي الذي تمنحه الولايات المتحدة لاسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973 .

فماذا سيحصل ٬ اذن ٬ على المدى القريب ؟

ان كافة الزعماء الصهاينة من “اليسار” واليمين على حد سواء ٬ شركاء في سياسة “امسك قدر امكانك” . ويختلفون فقط في تقدير المساحة التي يمكن الاحتفاظ بها من “أرض الميعاد” ٬ بيغن يعتقد أنه ممكن الاحتفاظ بكل ما في اليد واليئاف يعتقد بأنه لا يمكن الاحتفاظ بأراض خارج “الخط الأخضر” باستثناء “تعديلات طفيفة على الحدود” . أما زعماء المعراخ فانهم يتأرجحون بين هذين الاثنين ٬ فمنهم من يزيد ومنهم من ينتقص من قدرة الصهيونية على بسط سيطرتها .

أما من الطرف العربي :

فان قوى معينة في “جبهة الرفض” ترفض التسوية تحت أي شرط من الشروط . بينما تسود الأطراف المؤيدة للتسوية وجهات مختلفة ‒ ابتداء من ذلك القسم في منظمة التحرير الفلسطينية الذي يؤيد اقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ٬ مرورا بذلك القسم من قادة م.ت.ف المستعد بالاكتفاء بأقل من ذلك ٬ وانتهاء بزعماء عرب على شاكلة السادات المستعد لبيع الفلسطينيين مقابل حفنة من رمال سيناء . وعلى هذا الأساس يمكن فهم المناورات السياسية لنظام كارتر الهادفة لايجاد نقطة توازن بين المطلب الصهيوني بضم جميع الأراضي المحتلة وبين المطلب الفلسطيني باخلاء جميع الأراضي المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة .

ولا فائدة من التنبؤ أين ستقع بالضبط نقطة التوازن هذه ‒ اذا أمكن ايجادها أصلا ‒ والتي ستكون أحد أسس التسوية المبرمجة “السلام الأميركي” . لأنه ليس كل ما يخطط في الدوائر الامبريالية صائر الى التحقيق في منطقتنا ٬ فللقوى المحلية ما تقوله حول الموضوع . لذلك فان خطر الحرب وارد دائما في جدول أعمال منطقتنا ٬ هذه الحرب التي يمكن أن تكون مدمرة وفتاكة أكثر من سابقاتها .

نحن وهم

اننا لا نتردد أبدا أن نقرر بصورة قاطعة منذ الآن ان كامل مسؤولية الدم والدمار الذي ستلحقه هذه الحرب بالجماهير اليهودية والعربية ٬ تقع على كاهل حكومة اسرائيل التي تطمح الى توسيع مجال السيطرة الصهيونية من خلال مواصلة قمع وسلب أبناء الشعب العربي الفلسطيني .

ان المحاولات التي تأخذ شكلا أكثر سفورا ووقاحة للالتفاف بصورة كلية على الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية والوصول الى تسوية بين حكومة اسرائيل والحكومات العربية تحت الرعاية الأميركية من خلال التجاهل المطلق للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ٬ تكشف عن الوجه الحقيقي للتسوية التي يتم طبخها في المطابخ الدبلوماسية ٬ وعن الوجه الحقيقي للقوى المختلفة العاملة على اعداد هذه التسوية .

لقد كتبنا في بيان نشرناه في تشرين ثاني 1974 ٬ تحت عنوان : “القضية الفلسطينية ‒ هنا والآن” :

“قضية مستقبل الشعب الفلسطيني تثور الآن بكل حدتها ٬ خاصة بسبب محاولات الصهيونية التوصل الى اتفاقيات اقليمية – دبلوماسية مع الأنظمة العربية من خلال تجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وخاصة تجاهل المطالب المستعجلة لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة ٬ وهذا التجاهل مصحوب بتشديد الاضطهاد في الأراضي المحتلة : الطرد ٬ الاعتقالات ٬ التشريد ٬ وغير ذلك” .

يشترك جميع الصهاينة تقريبا في اجماع صهيوني موحد حول ثلاث قضايا وهي : رفض الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين ٬ رفض اقامة دولة ثالثة بيت الأردن واسرائيل ٬ ورفض الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران 1967 . وهذه اللاءات الثلاث للمعسكر الصهيوني تؤكد فقط المطالب الفورية التي رفعناها في البيان المذكور سنة 1974:

“اننا نناضل ضد هذه السياسة ونواصل النضال ‒

  • من أجل انسحاب اسرائيل الكامل ٬ الفوري وغير المشروط من كافة الأراضي المحتلة .
  • ضد كل محاولة اسرائيلية تفرض على الجماهير الفلسطينية ممثليها .
  • ضد كل محاولة اسرائيلية تفرض ما سيكون عليه مستقبل الأراضي التي ستجلو عنها اسرائيل” .

وكتبنا في ذلك البيان أيضا :

“نحن نعتقد ان النضال من أجل هذه المطالب هو واجب كل القوى الديمقراطية في اسرائيل بما فيها أولئك الذين لا ينظرون بايجابية الى المطالبة بانشاء سلطة فلسطينية مستقلة . وهذه القوى ملزمة بالنضال بلا هوادة ضد الاضطهاد المستمر والمتصاعد في الأراضي المحتلة” .

ان مثل هذا النضال الذي يجري في اسرائيل ٬ يكتسب أهمية ازاء محاولات القوى المختلفة تجاهل القضية الفلسطينية .

اننا نعتقد أنه آن الاوان لكي تلتحم القوى الديمقراطية والاشتراكية في اسرائيل ٬ في جبهة واحدة ٬ وأن ترفع صوتها عاليا وتعلن على رؤوس الاشهاد : لن يحل السلام في منطقتنا بدون حل عادل للقضية الفلسطينية .

لقد بات واضحا اليوم أكثر من قبل أنه لا احتمال لحل عادل للقضية الفلسطينية ضمن التركيب الراهن لحكومات المنطقة . فالزعماء الصهاينة لا يريدون حل القضية ٬ واما الطبقات الحاكمة في الدول العربية والمرتبطة بالامبريالية فلا تستطيع ٬ ولو أرادت ٬ حلها . هذا التركيب عاجز أيضا عن مواجهة القضايا الأساسية ٬ القومية والاجتماعية التي ترزح تحتها جماهير الشرق العربي . ومصر هي “الرجل المريض” في المشرق . فمشاكل هذه الدولة كبيرة بحيث يتعذر حلها ضمن اطار النظام القائم . ولبنان يداه مغلولتان في توازن قوى دقيق يقف على رؤوس الرماح السورية والاسرائيلية . وفي سوريا يتخذ نظام الأسد وسائل قمع صارمة ضد المعارضين السياسيين وينمي علاقات متينة مع زميله في ذبح الفلسطينيين ٬ الملك حسين . وفي جنوب الجزيرة العربية رفعت الرجعية رأسها بعد الضربة التي أنزلها سلطان عمان بالحركة الثورية في ظفار ٬ بمساعدة الولايات المتحدة ٬ بريطانيا ٬ ايران ٬ السعودية والأردن . ويأمل النظام البعثي في العراق بتصفية النضال الكردي وذلك بالتحالف مع شاه ايران ٬ وأما الطبقات الحاكمة في السعودية وامارات النفط فهي تستخدم البترودولارات لشراء الكماليات ولدعم الأنظمة الموالية للامبريالية عوضا عن استخدامها لصالح جماهير المنطقة .

وكما في الماضي ٬ كذلك اليوم ٬ فأننا حازمين في رأينا ان القضية الفلسطينية مثلها كسائر القضايا القومية والاجتماعية في المنطقة ٬ يتم حلها حلا كاملا ٬ فقط ٬ ضمن انتصار نضال ثوري في المنطقة كلها ٬ من أجل الاشتراكية ٬ نضال يضرب الامبريالية ٬ يقوض ويقضي على حكم وكلائها المحليين في اسرائيل والدول العربية ٬ نضال يكتسح الحدود القائمة ٬ يوحد الشعوب العربية ويضمن الحقوق الكاملة للشعوب غير العربية التي تعيش في الشرق العربي .

المنظمة الاشتراكية في اسرائيل ‒ “متسبين”

ايلول 1977