الفرشاة والألوان أسلحته الثقيلة على جبهة الرسم . يتمترس خلف المنصب ويعطي قلبه للريح الغربية . يقتنص الومضة كصائد ماهر فيغمره الحلم الصيفي بورديات عاملات النسيج ٬ وأهازيج صبايا الجبل . وكشلال سفقي تداهمه الحرب الأهلية ٬ دامية كالجرح المستوطن في شتات الفلسطينيين ٬ فاتنة باكية كطفلة تبحث عن ابوين ضاعا في قذائف الانعزاليين ٬ حزينة كالتنهيدة ٬ كالنوح الريفي على بنادق فلاحي 36 . وكمرجل من الحب والغضب أذيت فيه ثلوج عينطورة المختلطة بدماء تل الزعتر ٬ فرغ عصبه ٬ حبه ٬ حزنه ٬ فرحه باللوحة والملصق . تشهد له الشوارع وجدران المنازل وواجهات المؤسسات . تشهد له محاور النبعة وجسر الباشا والكورة . ولأنهم يشهدون ظل بخندقه محاربا .
وفي هذا المحور المتقدم ٬ ومن خلال ثلاثين لوحة زيتية ٬ والعديد من الملصقات ٬ جسد الفنان توفيق عبد العال ٬ أمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين في لبنان ٬ الألم المنتصر ٬ والمدن المغلقة بوجه الغزاة ٬ والبنادق المشرعة كالنشيد في كل حي وبلدة ومدينة .
في ذاكرته ٬ تختمر صور الرحيل الفلسطيني الأول عام 48 ٬ تعشوشب محطات النفي وشوارع الشتات ٬ وتلتصق به كظله . كان يحمل في جعبته توأما اخر للحزن ٬ نما بنموه ٬ وشاخ في الطفولة . ومن تحت الرقابة كان يهرب الشعر الى دفاتره السرية ٬ يحكي لمسجله كل الأوراق الممنوعة ٬ فتولد رسوماته البكر في حضن المجلات الملتزمة ٬ فينجح في العشق الأول . ومنذ 1960 وأعماله تتمحور حول ابراز الشخصية الوطنية الفلسطينية . “فتاة من عيلوط” ٬ “انتظار” ٬ لوحتان جسدتا امال الشعب الفلسطيني بانتظار المخلص ٬ عبر نافذة “وجهمن فلسطين” . هذا المخلص تجاوز (جودو) صموئيل بيكيت ٬ الذي يأتي ولا يأتي ٬ فجودو الفلسطيني جاء حاملا بندقية حطمت حاجز الصمت . وبالتفاعل مع البندقية ٬ ومن خلال الفرشاة كأداة تعبير حضاري ٬ جاءت لوحة “الطريق” . فالثورة لم تفاجئه ٬ لم تداهمه ٬ لقد مهد لها بعشرات اللوحات ٬ وولدت في مرسمه قبل ان تتحقق على أرض الواقع . فالفنان يبشر بالثورة ولا ينتظرها .
لم يحجز نفسه في صالات العرض والمتاحف المتخصصة فظل يفكر بنقل اللوحة الجدارية الى الشعب ٬ حتى أوصلها الى المخيمات والمدارس والساحات العامة .
وعبر المخاض ٬ عبر تجربته ٬ وصل الى نقطة اللا خيار سوى الالتزام الكامل بقضايا الشعب والثورة ٬ فصار عضوا في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ٬ وتقابل مع الملصق كأداة تحريض وتعبئة وجها لوحة . وصار همه ان يرتقي بالملصق الى مستوى اللوحة ٬ بعد ان جرب اللوحة المباشرة التي تصل الى مستوى الملصق . حتى أصبحت ملصقاته مؤطرة على الجدران وتنتظر دورها في معارض الملصقات الدولية .
يتابع بحماس حملة اعداد المعرض المتنقل للطواف على البلدان الأوروبية الاشتراكية والغربية وعلى بعض البلدان العربية الوطنية ٬ الذي يضم أربعة أجنحة ٬ جناح خاص لأعماله ٬ وآخر للفنانين الفلسطينيين واللبنانيين عن الحرب الأهلية ٬ وثالث لرسوم أطفال تل الزعتر ٬ ورابع للملصقات . كل ذلك تحت اشراف الاعلام المركزي للجبهة الديمقراطية .
ان أعماله ٬ كل أعماله ٬ علامة صمود وتحد ٬ علامة ارتباط عميق بشعبه ٬ بتراثه النضالي الحي ٬ من موقع الالتزام الكامل بالثورة ٬ وبوحدة الشعبين الفلسطيني واللبناني في صد المؤامرة .