لقد دمر مشروع الاستيطان الصهيوني بنية المجتمع الفلسطيني ٬ وعلى انقاضه قام مجتمع المستوطنين الصهيوني . والجزء الذي تبقى من الشعب الفلسطيني سنة 1948 تحت حكم الصهيونية المباشر (في حدود دولة اسرائيل) اجتاز تغييرات اجتماعية عميقة منذ ذلك الحين . فمصادرة أراضي الفلاحين الفلسطينيين اضطرتهم الى التحول من العمل في الأرض الى العمل كعمال أجيرين. وحدثت تحولات أخرى سوى ذلك. وهذا المقال يعالج مغزى هذه التحولات وتأثيرها على بنية مجتمع الريف الفلسطيني وخاصة على وضع المرأة الفلسطينية في دولة اسرائيل.

الحمولة

لقد استمد المجتمع الفلسطيني قوته من الظروف الاقتصادية . فملكية الأرض والاعتماد على الزراعة والصلة الضعيفة مع المراكز المدنية ٬ كلها ساعدت على نشؤ المؤسسة الاجتماعية الرئيسية في القرية ‒ الحمولة ٬ التي استمدت قوتها من الدين والتقاليد والحضارة العربية.

لقد أثر اللقاء مع الحضارة الأوروبية وقيمها والذي نشأ في القرن الماضي مع بداية تدخل الدول الامبريالية في المنطقة اثر بشكل رئيسي على سكان المدن الذين كانوا يشكلون أقلية من مجموع السكان. واما الريف فقد بقي في معزل عن التأثير الأوروبي حتى كان نشاط الحركة الصهيونية.

بعد هزيمة الدول العربية سنة 1948 فرضت الحركة الصهيونية سياستها على الفلسطينيين الباقين في اسرائيل وكانت السياسة الصهيونية ولا تزال مكونة من نزعين نقيضتين . الأولى ترمي الى الابقاء على الهيكل الحمائلي التقليدي للمجتمع الريفي لكي يسهل عليها التسلط على الفلسطينيين ٬ والأخرى مصادرة اراضي الفلسطينيين ٬ والتي دمرت القاعدة الاقتصادية للبنية التقليدية التي ترغب الصهيونية في حفظها . فمصادرة الأراضي أتت على الركيزة الاقتصادية للحمولة . وتفرق أبناء الحمولة الى كل حدب وصوب يلتمسون العمل في الاقتصاد الاسرائيلي. وانقطعت الروابط الاقتصادية التي كانت توحد أبناء الحمولة الواحدة . ورغم ذلك بقيت الحمولة قائمة.

في البلدان التي اجتازت ثورة صناعية مثل انجلترا أدى تجريد الفلاحين من أراضيهم التي تفكك المجتمع الريفي. فنزح الفلاحون الى المدن بحثا عن مصادر جديدة للعيش وتحولوا الى بروليتاريا صناعية وانشأوا لأنفسهم أطرا اجتماعية جديدة تتلائم ووضعهم الجديد. لكن في انجلترا كان الفلاحون الذي طردوا من أراضيهم من الانجليز والذين قاموا بالاستيلاء على هذه الأراضي هم من الانجليز كذلك . كانت هذه مرحلة ترجع الى تطور انجلترا الاقتصادي اما هنا ٬ في البلاد ٬ فقد كان طرد الفلاحين من أراضيهم نتيجة لصدام بين حركة من المهاجرين ذوي طابع كولونيالي وبين السكان المحليين. لم تنشأ هذه المرحلة بسبب التطور الاقتصادي للبلاد . ولئن كانت نتيجة طرد الفلاحين من أراضيهم متشابهة في كلتا الحالتين (أصبح الفلاحون عمالا) فان الاطار التقليدي للمجتمع الريفي في البلاد لم يتحطم . لأن الفلسطينيين لم ينزحوا الى المدن فقد حظرت على الفلاحين الاقامة في المدن العبرية قريبا من أماكن عملهم (تم الغاء الحكم العسكري قبل عشر سنين فقط) أو منعتهم السلطات من ذلك لسبب التفرقة العنصرية التي مارستها ضدهم والتي كانت ممارسة أيضا على الصعيد الشعبي . واستمر العمال الفلسطينيون يقيمون في قراهم وتحولت بذلك الى أحياء عمالية بينما البنية الحمائلية السابقة لم تتلاشى.

بعد هزيمة 1948 عاش السكان الفلسطينيون في اسرائيل في ذل ومسكنة فقد تم طرد سكان المدن وحوالي ثلاثمائة وخمسين قرية عبر حدود الدولة الصهيونية . وانتقلت القيادة الفلسطينية الرئيسية بعد 1948 الى المخيمات . وغدت الحمولة المؤسسة الاجتماعية الوحيدة الباقية من مخلفات الماضي وأصبحت شبه مؤسسة لتجديد وحفظ الهوية الفلسطينية داخل اسرائيل . وأدت المحاولات الصهيونية لمحو وانكار وجود الشخصية القومية الفلسطينية الى ردة فعل عن طريق تعزيز الأطر التقليدية (وهي ظاهرة مألوفة لدى القوميات المضطهدة ‒ بالفتح ‒ في مثل هذا الحال) لكن لا يمكن استخدام الأطر التقليدية كوسيلة للنضال ولمقاومة الاضطهاد . لذلك سرعان ما انقلبت هذه الأطر الى عكاكيز بيد السلطات تتوكأ عليها فكان مثلا ربط شيخ العائلة بعجلة السلطات يؤمن السيطرة على أغلبية أبناء الحمولة ٬ ويضمن تصويتهم للأحزاب السلطوية في الانتخابات.

وهكذا من خلال المحاولة لاستخدام الحمائل اداة لمقاومة السياسة الصهيونية ٬ ارتدت هذه الادارة الى نحو مستخدميها ٬ اداة حادة بأيدي المؤسسة الصهيونية لتشديد الخناق على المجتمع الفلسطيني . وحتى في الحالات التي يكون فيها رئيس الحمولة خارج جيب السلطات فان الحمولة لا يمكن ان تكون قاعدة لنضال واسع ٬ لأنها اطار لأبناء الحمولة فحسب ولا تستطيع فتح صفوفها للجماهير الواسعة . وبقيت مؤسسة الحمولة تحتفظ بمكانتها ونفوذها بالاضافة الى قيم ومسلمات كانت من مميزات المجتمع العربي التقليدي . وكانت المرأة الفلسطينية من أشد أفراد المجتمع معاناة. فعلاوة على انتمائها الى شعب مضطهد مظلوم فقد كان وضعها مترديا وكانت مظلومة أيضا بين ظهراني شعبها.

المرأة في المجتمع الفلسطيني

“شرف العائلة”. هذا المصطلح الذي يفرض معظم المحظورات على المرأة الفلسطينية ويحدد حركتها ويقيد حريتها . حظر اللقاء بين الجنسين قبل الزواج ٬ والقائم على قيم الدين والتقاليد والمسلمات الاجتماعية ٬ لا يزال يمس بشكل خاص حرية الشخصية للنساء . وهذا الحظر يحول دون مشاركة الفتاة في مناسبات اجتماعية وتربوية سوية مع الشباب (وهذا يشمل عادة منع الذهاب الى السينما أو الجلوس في المقاهي وأحيانا منع الجلوس سوية مع الضيوف في البيت) . وحرية المرأة المتزوجة هي محدودة أيضا فهي لا تستطيع المشاركة في مناسبات مختلفة مع الذكور الا برفقة زوجها.

التقاليد المتبعة في الزواج تصعب على الانثى والذكر الزواج وفق اختيارهما. وهذه التقاليد هي وسيلة لتكريس الفوارق الاقتصادية في المجتمع. ويكون الزواج على الغالب صفقة تجارية. والعائلات الموسرة تزوج بناتها وأبنائها من عائلات موسرة ولضمان ذلك يوجد المهر. من لا يقدر على دفع المهر المطلوب لقاء فتاة من عائلة غنية لا يستطيع زواجها.

هنالك ظاهرة عند يهود اسرائيل تشبه المهر . فالمجتمع الاسرائيلي أكثر “انفتاحا” والزواج يكون نتيجة للخيار الحر المتبادل بين الزوجين . ولكن قبل الزواج يلتقي اهل “الجانبين” وتتم الصفقة التجارية : مقدار مبلغ الذي يدفعه كل جانب لولديهما تأمينا لوضعهما الاجتماعي . وكم من زواج الغي حتى قبل التوصل الى ابرام الصفقة . فمعارضة الأهل للزواج تنتصر على الحب و”الخيار الحر”.

والوضع في المجتمع الفلسطيني ليس أخف وطأة . فنفوذ رب العائلة أشد. وقلة قليلة من الشباب تجسر عللا عصيان العائلة في مسألة الزواج . الفصل القائم بين الذكور والاناث قبل الزواج يشكل عقبة امام نشوء علاقات حب وبذلك يعزز رب العائلة سيطرته على أفرادها لأنه بانعدام علاقات حب يسهل على رب العائلة فرض ارادته بخصوص الزواج على الأفراد الذي يخصهم الأمر.

لكن من مجمل التغييرات الأخرى فان الوضع أخذ بالتغير نحو الأحسن في هذا المضمار أيضا. التغيير بطيء لكنه يتسارع مع الزمن والأمر يتعلق بالشبان أنفسهم ذكورا واناثا. مصلحتهم جميعا تقتضي التحرر من سطوة التقاليد الحمائلية لفسح المجال امام علاقة حرة أكثر بين أبناء الجنسين قبل وبعد الزواج ولكي ينال الشباب ذكورا واناثا حقهم في اختيار شركاء حياتهم.

فان النضال لالغاء المهر سيشكل خطوة هامة الى الأمام في هذا السبيل.

لقد حد “شرف العائلة” بشكل تاريخي من مشاركة النساء في مرحلة الانتاج الاجتماعي . ولكن على اثر مصادرة الأراضي على أيدي الصهيونية تدهور وضع المرأة الفلسطينية في اسرائيل . في الماضي كانت النساء يشاركان في عملية الانتاج العائلي ‒ فلاحة الأرض ٬ وبانعدام الأرض خرج الذكور للعمل في المدينة وبقيت المرأة قعيدة البيت رهينة المسلمات الاجتماعية.

الوضع الاقتصادي الصعب في السنوات الأخيرة ‒ ارتفاع كبير في الأسعار مقابل ارتفاع طفيف في الأجور ‒ اضطر الفلسطينيين الى فسح المجال امام النساء للخروج الى العمل كعاملات مساهمة منهن في زيادة ميزانية العائلة . وازدادت شراهية الاقتصاد الاسرائيلي ‒ خاصة صناعة النسيج والأغذية ‒ للعمل الرخيص . وقامت النساء الفلسطينيات تغطية متطلبات الاقتصاد الاسرائيلي . في الفترة 1968 ‒ 1972 انخرطت سبعة الاف امرأة فلسطينية في العمل الصناعي (“دافار” 10/3/1972) وهنالك الاف النساء المستخدمات في الأعمال الزراعية في مزارع اليهود . وهكذا تكشفت “قدسية” “شرف العائلة” وتكشفت مهمة هذا “الشرف” ٬ وهي حماية علاقات السلطة في العائلة ٬ هذه العلاقات المرتكزة على وضع اجتماعي ‒ اقتصادي يعد من رواسب الماضي . و”شرف العائلة” لا يستطيع حبس المرأة في المنازل لدلى تغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية .

وعلاوة على التمييز المعتمد في سياسة الأجور بين النساء والرجال (في المجتمع الرأسمالي تستخدم المرأة العاملة كقوة احتياطية من العمل الرخيص الذي يستغل وفقا لمقتضيات الاقتصاد . والمرأة العاملة لا تعتبر مُعيلة بل مساعدة , ويستغل أصحاب الأعمال هذه الحقيقة كحجة لتملصهم من دفع أجور للمرأة مساوية لأجور الرجل لقاء نفس العمل) ‒ هنالك أيضا تمييز في الأجور على أساس قومي بين اليهود والعرب ٬ لقاء نفس العمل .

والنتيجة هي ان حظ المرأة الفلسطينية من الاستغلال أكبر من حظ غيرها من القوى البشرية في الاقتصاد الاسرائيلي .

أدى تدهور وضع المرأة بالنسبة لوضع الرجل في اطار العائلة القديم الى توحيد سائر العاملات الفلسطينيات وتمييزهن عن العمال الفلسطينيين أفراد نفس الطبقة . تواجه المرأة الفلسطينية مشقات امام مقاومتها الاستغلال في العمل . فاذا كان خروج النساء العمل شاذا وغير مقبول لدى المجتمع الريفي التقليدي ٬ فان أي محاولة منهن للتنظيم في نقابة أو القيام بنضال مستقل ستجابه مقاومة أشد من جانب هذا المجتمع التقليدي . “شرف العائلة” يحظر على النساء اقامة تنظيمات سياسية ويعيقهن عن الاشتراك في أنشطة سياسية مع الرجل . واذا كان “شرف العائلة” يعرقل اشتراك النساء في التنظيم للنضال ضد الاضطهاد القومي (والذي يمس الرجال والنساء على السواء) فان هذا “الشرف” يعرقل أيضا النساء للنضال من أجل حقوقهن.

الحمولة التي تحافظ على “شرف العائلة” هي المصدر الرئيسي لضعف المرأة الفلسطينية واضطهادها وخاصة العاملة الفلسطينية في اسرائيل.

واقع متغير ازاء المحافظة المتعنتة

الوضع الاقتصادي يفرض أيضا تغييرات على المجتمع الريفي المحافظ فالمجتمع الفلسطيني في اسرائيل ما زال ينظر بعين الغضب الى اشتغال النساء في الزراعة سوية مع الرجال . ومعظم العاملات الفلسطينيات ما زلن يعملن بمعزل عن الرجال . الا ان انخراط المرأة في العمل يصبح أمرا عاديا . وتضعف تدريجيا سيطرة العائلة على دخل المرأة من عملها . ويزداد عدد الفتيات اللاتي يوفرن من رواتبهن لأنفسهن ولا يسلمن كل الدخل لرب العائلة . ان مشاركة المرأة في مرحلة الانتاج واستقلالها الاقتصادي النسبي يكونان شرطا لنجاح نضالها في سبيل التحرر من قيود الحمائلية.

هنالك عوامل أخرى تنخر في نفوذ المحافظة الحمائلية واحدها تأثير القيم الاجتماعية للحضارة الأوروبية . لقد اعتبر المجتمع الفلسطيني القيم البرجوازية ‒ المستوردة من أوروبا عن طريق المستوطنين الصهاينة ‒ قيما فاسدة ولكن هذه القيم كانت تعبيرا عن مرحلة اجتماعية تقدمية مقارنة بالقيم الدينية ‒ الاقطاعية القديمة . وكثير من الفلسطينيين اعتبروا هذه القيم جزءا من الاضطهاد الصهيوني. واستغلت الرجعية الفلسطينية هذا الوضع لاقناع الجماهير ام الديمقراطية والاشتراكية هما “قيم صهيونية” يجب محاربتها . وكانت النتيجة ان التمسك بهذه القيم الاجتماعية التقليدية قد أضر باحتمالات تطور المجتمع الفلسطيني وأضر بقدراته على الصمود في وجه الصهيونية.

ان اعتبار المرأة مخلوقا وضيعا غير جدير لاشراكه في النضالات السياسية والاجتماعية وحبسها في البيت ٬ قد أضر بمقدرات المجتمع على الصمود في وجه الاضطهاد الصهيوني لأن معنى ذلك حرمان نصف المجتمع من تقديم نصيبه من الطاقة للنضال والمقاومة.

ومع مرور الزمن يتناقص عدد الفلسطينيين الذين يخلطون بين القيم الديمقراطية والاشتراكية وبين الصهيونية (كذلك فيما يتعلق بمبادئ سياسية وقيم اجتماعية ‒ تربوية) ٬ كما وتخف المعارضة لتبني هذه القيم.

فمثلا كان قانون منع تعدد الزوجات احدى القوانين التي فرضها الحكم البريطاني وبعده الحكم الصهيوني. وكان هذا القانون منافيا للشريعة الاسلامية التي تحل للرجل نكاح أكثر من امرأة واحدة . لكن لا يبدو اليوم ان منع تعدد الزوجات هو من القيم الصهيونية التي يتوجب محاربتها . نحن لا ندعي ان هذا القانون قد حل مشاكل مؤسسة الزواج. هنالك الكثير من عادات الزواج التي تتطلب التغيير. لكن منع تعدد الزوجات هو تقدم كبير لوضع المرأة. ونحن لا نعرف ان هنالك أي فلسطيني واحد يدخل في برنامج التحرير للشعب الفلسطيني بندا لالغاء منع تعدد الزوجات.

والموقف من مسألة التناسل تمر تغييرا مشابها أيضا.

كان التكاثر الطبيعي يعتبر احيانا ٬ عن ادراك أو عدم ادراك ٬ اداة لمحاربة الصهيونية لقد غدى انجاب الأطفال العرب “مهمة قومية” طالما ان الصهيونية أرادت أقل عدد ممكن من العرب. الارتفاع النسبي في مستوى المعيشة والذي يؤدي عادة الى انخفاض الولادة لم يكن له هذا التأثير على الفلسطينيين في اسرائيل. معدل الولادة السنوية عند الفلسطينيين في اسرائيل 4٬6% وهو من أعلى معدلات الولادة في العالم. ورغم انه يبدو ان هذه سياسة معنية للنضال ورد فعل للاضطهاد الصهيوني فان نتائجها تكون مواصلة اضطهاد المرأة. فالعبء الواقع على المرأة شديد خاصة في القرى عديمة الكهرباء والتعليم والخدمات الصحية . ويشق على العائلة كثيرة الأولاد توفير ظروف مادية ونفسية ملائمة لأولادها والنساء لسن المتضررات الوحيدات بل الأولاد أيضا. ورغم ان الدين والحمولة والتقاليد تقف عقبة دون تحديد النسل ٬ ورغم ان المحافظة الريفية تعتبر كل اقتراح للتغيير في الوضع مؤامرة لخدمة الصهيونية ٬ فان ممارسته تتسع وتزداد النساء اللاتي يدركن حقوقهن في التحكم في أجسادهن.

بالاضافة الى العوائق السابقة امام تحرير المرأة فان العقبة الكبرى هي : مقدار وعي النساء لاضطهادهن وعزلتهن وعدم تنظيمهن. الوضع صعب واذا وجدت فتاة تخرج على المسلمات التي تقيدها فانها تغدو مهجورة ومنبوذة . لذلك فان هدفها الأول هو البحث عن شريكات في النضال.

مظاهرة نساء في اليمن الديمقراطية من أجل المساواة في الحقوق وضد التقاليد الباليىة

حركة تحرير المرأة في اسرائيل تختلف عن الحركات الشقيقة في العالم الرأسمالي. ففي اسرائيل اذا أيدت الصهيونية حرية الاجهاض فانها تناقض الأهداف الصهيونية بخصوص المسألة السكانية (الديموغرافية). ولا تستطيع الصهيونية ابطال صلاحية الربانوت (المؤسسة الدينية اليهودية) في أمور الزواج والطلاق دون التعرض لصلاحيتها في القضاء “هو من اليهودي” ٬ (أي : من هو الذي يستحق امتيازات) ومن هو غير اليهودي. ولا تستطيع الصهيونية المطالبة بمساواة النساء في الحقوق دون الحجة القائلة ان “ارواجبات غير متكافئة ٬ لأن ما يقع على كاهل للرجل من وزر أمني أشد وطأة مما يقع على المرأة”. ولا تستطيع الصهيونية المطالبة بمساواة الرجال والنساء دون المطالبة بالمساواة بين النساء اليهوديات الاسرائيليات وبين النساء العربيات الفلسطينيات. ان المطالبة الثابتة بمساواة المرأة في الحقوق تقتضي وضع المبادئ الصهيونية الرئيسية تحت علامة سؤال.

هذه نقطة اللقاء لالتحام نساء يهوديات وعربيات في نضال نشترك لتحرير المرأة. وبمقدرة تطور قوة النساء الفلسطينيات المناضلات لتحريرهن ٬ ان يؤدي الى تفاقم التناقضات الداخلية في حركة تحرير المرأة في اسرائيل ٬ والى ايجاد حركة تحرير نساء فوق قومية ومعادية للصهيونية .

والصهيونية كأي حكم كولونيالي تعتمد سياسة التفرقة تمديدا في اجلها وتعزيزا لسلطانها الموجود تحت خطر دائم . هذه التفرقة تجلى على المستولى القومي بين اليهود والعرب كافة ٬ وعلى الصعيد الديني بين المسلمين والمسيحيين والدروز واليهود ٬ وفي مجال الجنس بين الرجال والنساء ٬ وبين الفلسطينيين ضمن الاطار الحمائلي بين حمولة وأخرى.

ان النضال الوحيد الذي يستطيع ان يؤدي الى تحرير الجماهير في البلاد ‒ عربا ويهودا ذكورا واناثا من نير الاضطهاد القومي والتمييز العنصري الذين تمارسهما الصهيونية ٬ هو نضال لا هوادة فيه ٬ نضال يفضح الكذب الكامل في جوهر هذه التفرقات ٬ نضال يكون برهانا على المصلحة المشتركة للمستغلين ‒ بالفتح ‒ أبناء كلا الشعبين ٬ أبناء كلا الجنسين وأبناء سائر الديانات والحمائل ضد مستغليهم ومضطهديهم ‒ الصهيونية والرجعية العربية خدام الامبريالية.

النضال ضد الاطر الاجتماعية التقليدية الاضطهادية في المجتمع الفلسطيني هو شرط حتمي ليس فحسب لتحرير المرأة الفلسطينية وانما لتحرير الرجل الفلسطيني. حتى وان كان وضع الرجل مفضلا في المجتمع فان المحظورات المفروضة على حرية المرأة هي بحد ذاتها تقييدات لحرية الرجل.

الحمولة ٬ الدين ٬ التقاليد ٬ والعادات المحافظة: هي أعداء للجماهير الفلسطينية في نضالهم لتحررهم. جميعها أدوات لاضطهاد المرأة وهي تستخدم لاضطهاد الشعب العربي الفلسطيني بعمومه والنضال ضدها هو فرض وواجب على أبناء الشعب العربي الفلسطيني كافة رجالاً ونساءً.

تحرير المرأة لا يمكن ان يتم بمعزل عن تحرير المجتمع بكامله. وتحرير المجتمع كل المجتمع غير ممكن دون تحرير المرأة. والنضال ضد جميع ظواهر الاضطهاد والاستغلال والنضال من أجل التحرر القومي والاجتماعي هو نضال المجتمع بأسره وعلى النساء المساهمة في هذا النضال. ووقوفهن على قدم المساواة في جبهة واحدة مع الرجال تسهل عليهن النضال من أجل المساواة الكاملة في الحقوق.

ملاحظة : ان تخويل المزيد من الصلاحيات للمؤسسات الدينية لا يمس اليهود العلمانيين المضطهدين للاحتياج الى خدمة رجال الدين فحسب ٬ فأبناء الديانة الكاثوليكية من العرب في البلاد لا يستطيعون طلاقا بعد . بينما الكاثوليك في روما يتمتعون بحق الطلاق المدني تحت سمع البابا وبصره.