يعاني الكثيرون من أبناء الشعب العربي الفلسطيني ٬ أبناء الطائفتين المسيحية والدرزية ٬ من قضية الانتماء ٬ وذلك على خلفية ولاءات مختلفة تتصادم فيما بينها ‒ ولاءات سياسية ٬ طائفية ٬ دينية وقومية .
لنأخذ ٬ على سبيل المثال ٬ الدروز في اسرائيل : فهم ملزمون بالخدمة في الجيش ٬ نتيجة للحلف الذي قطعه زعماء الطائفة التقليديين مع الحركة الصهيونية . انهم يخدمون في الجيش الذي يطيق السياسة الصهيونية بصورة نشطة . هذه السياسة التي هي العامل المباشر لحرمان الشعب العربي الفلسطيني الذي يشكل الدروز جزء منه ٬ من حقوقه .
هكذا ٬ فان الجنود الدروز في الجيش الاسرائيلي يقفون في مجابهة مع باقي أبناء شعبهم ٬ وبالمقابل ٬ فان السلطات الاسرائيلية التي تتدعي ملكية أراضي البلاد ٬ لا تفترق بين الذين يخدمون في الجيش وبين الذين لا يخدمون فيه ٬ فالمصادرات الثقيلة الوطأة لم تعرج عن قرى الدروز في اسرائيل . والنتيجة هي : في الوقت الذي يشترك الكثيرون من الدروز في المحافظة على النظام القائم في اطار الجيش والشرطة وحرس الحدود ٬ اشتركوا أيضا في المحافظة على النظام في يوم الأرض (الثلاثون من اذار سنة 1976) . وكان هناك دروز أيضا شاركوا بصورة نشطة في الاضراب .
وبرز التناقض في الولاءات بصورة أوضح ٬ على خلفية الحرب الأهلية في لبنان ٬ حيث وقفت غالبية الطائفة الدرزية في لبنان بقيادة الحزب الاشتراكي التقدمي ورئيسه الشهيد كمال جنبلاط الى جانب حركة المقاومة الفلسطينية ٬ اما الدروز الذين يخدمون في الجيش وحرس الحدود الاسرائيلي على حدود لبنان فقد خدموا أعداء اخوانهم الدروز في لبنان ٬ وبعد اغتيال كمال جنبلاط خرج طلاب فلسطينيين في مدن الضفة الغربية بمظاهرات احتجاج على القتل ٬ وكان من بين لابسي البزز العسكرية الذين قمعوا هذه المظاهرات دروز أيضا .
وهناك وضع مثيل في سجون اسرائيل ٬ ففي سجن الدامون مثلا ٬ يقبع الكثيرون من السجناء “الأمنيين” الدروز من هضبة الجولان السورية ٬ وفي نفس الوقت معظم طاقم السجانين هم … دروز !
لقد أثارت الحرب الأهلية في لبنان أزمة الهوية والانتماء لدى الكثيرين من العرب الفلسطينيين أبناء الطائفة المسيحية في اسرائيل ٬ فلكونهم جزء من الشعب العربي الفلسطيني كان المسيحيون أيضا ضحايا المشروع الصهيوني ٬ لكن حكومة اسرائيل الصهيونية ظهرت وكأنها حليفة اليمينيين في لبنان حيث غالبيتهم العظمى من المسيحيين .
اما اللاجئون الفلسطينيون المسيحيون ٬ فقد وقفوا جميعا الى جانب حركة المقاومة الفلسطينية واليسار اللبناني ففي مخيم جسر الباشا في بيروت ٬ والذي عاني الأمرين من القصف اليميني حتى احتل ودمر فقد سكن فيه فلسطينيون مسيحيون في غالبيتهم ٬ لكن ٬ وفي داخل اسرائيل شكلت لجنة كان أعضاء فيها فلسطينيون (مسيحيون) من اسرائيل . وقد جمعت هذه اللجنة التبرعات لارسال مساعدات طبية وغيرها الى اليمين اللبناني (المسيحي) . هكذا ٬ فان التناقض بين الولاء الديني والولاء الوطني واضح جدا هنا .
اما في القرى التي داخل اسرائيل والتي يعيش فيه معا دروز ومسيحيين ٬ فان الحرب الأهلية اللبنانية قد قلبت الأمور فيها رأسا على عقب . فاذا كان الدروز يقفون الى جانب اسرائيل ضد الشعب العربي الفلسطيني ٬ فانه بالنسبة للحرب الأهلية قد وقفوا الى جانب الشعب العربي الفلسطيني وضد حلفاء اسرائيل اليمينيين ٬ بينما وقف المسيحيون الذين كانوا يقفون بمواجهة اسرائيل لكونهم جزء من الشعب العربي الفلسطيني ٬ وقفوا بالنسبة للبنان الى جانب السياسة الاسرائيلية وضد الشعب العربي الفلسطيني .
طبعا ٬ ان التعميم هنا ممنوع . فانه بين الدروز وبين المسيحيين أبناء الشعب العربي الفلسطيني ٬ كان هناك أناس لم ينجروا وراء الولاء التقليدي للنظام ٬ أو وراء معارج الولاء الطائفي والديني . [وأسطع مثال على ذلك الانتصار الباهر الذي حققته جبهة الناصرة الديمقراطية ٬ وذلك في أوج الحرب الأهلية اللبنانية] .
الولاء الديني أو الطائفي يعني أولا وقبل كل شيء : الولاء لمؤسسات وأفكار تخدم قشرة رقيقة داخل المجتمع . وحتى عندما تقف ٬ أحيانا ٬ الزعامة التقليدية الممثلة لهذه القشرة الدقيقة في “الطريق الصحيح” من المعترك السياسي ٬ فانها دائما قابلة ان تغير موقعها عندما يكون ذلك في خدمتها وخدمة مصالحها .
ينسجم الولاء الديني والطائفي ٬ مع المطامح الوطنية للجماهير ويتناقض معها أحيانا أخرى . الا ان هذا الولاء الضيق لا يتساوق تماما مع مصالح ومطامح الجماهير المستغَلة والمضطهَدة ٬ في اتحرر الوطني والاجتماعي . وذلك لأن هذا التحرر سيؤدي بالضرورة الى كسر الحواجز الطائفية والدينية والقومية التي تشق صفوف العمال والفلاحين والتحرر الوطني والاجتماعي يؤدي الى تضامن أوسع وأشمل ‒ تضامن على أساس طبقي .