مظاهرة في مصر – كانون الثاني 1977

 

 

 

وزير الداخلية المصرية :
“هذه المرة لجأوا الى بطون الناس .. وكان هذا أخطر” 

عن مجلة “الحرية” اللبنانية ٬ 7-2-1977

في محاولات متواصلة لتقييم أحداث ال-18 و-19 من كانون الثاني الماضي ٬ واصل المسؤولون المصريون وأجهزة الدولة ٬ ومؤسساتها المختلفة ٬ والصحافة والسياسيون التقدميون عملية الحوار والمناقشات . وذلك في محاولة لتحديد الأسباب الحقيقية العميقة الكامنة وراءها ٬ ومعرفة وتوضيح أهدافها وأفاقها ٬ وبالتالي كيفية مواجهة تلك العوامل . من جهة ثانية كانت أجهزة الأمن والشرطة مطالبة من قبل السلطات العليا وبعض القوى السياسية اليمينية ان تبرر عجزها ٬ وتبرير عدم قدرتها على معرفة التحضيرات السياسية والجماهيرية الواسعة ٬ وبالتالي عدم قدرتها على التأثير في مجريات الأحداث وهذا ما جعل وزير الداخلية المعزول سيد فهمي ٬ يعترف ببعض الأسباب التي تجعل عوامل التحركات الشعبية أقوى وأكبر من أجهزة الأمن والمباحث ٬ ذلك لأن جذورها ٬ كما قال في الأهرام ٬ تتصل بعوامل الفساد وتفاوت الدخل ٬ والظلم الاجتماعي .

ان كل ما يستطيع ان يفعله المسؤولين ٬ وهم يدركون ذلك ٬ هو العلاجات المباشرة والمؤقتة فحسب .

كالغاء رفع الأسعار ٬ واعطاء علاوات لموظفي الدولة ٬ وتوسيع أجهزة الأمن والمباحث وزيادة ميزانياتها ٬ وتكثيف الاجراءات البوليسية الاحترازية … ومن ثم اقالة وزير الداخلية وتعيين آخر وتغيير المجموعة الاقتصادية .. الخ الخ .

لكن بعض التحقيقات والكتابات تشير الى هذه المعالجات الاقتصادية والسياسية ٬ وان كانت لا تشكل سوى مخرجا مباشرا ومؤقتا فحسب ٬ فانها هي الوحيدة التي تملكها السلطات المصرية وتقدر عليها .

فما هي حقيقة هذه الآراء ٬ وهل هي موضوعية أم متشائمة ؟

4 ملايين اشتركوا في الأحداث

ان بعض أعضاء مجلس الشعب ومحرري الأهرام والمصور يقولون انه في يومي الثلاثاء والأربعاء 18 و-19 من الشهر الماضي خرج الى الشوارع واشترك في الأحداث ما يقارب ال-4 ملايين مصري ٬ ومن مختلف فئات الشعب . بدأ من عمال حلوان وطلبة الجامعات ٬ حتى المهنيين والعاطلين عن العمل . وساهموا في الأحداث بأشكال عنيفة ودموية واسعة . وهذه أولى الظواهر .

اما الثانية التي يثار النقاش حولها ٬ والتي يثير قلق السلطات وأجهزة النظام فهي المساهمة الكبيرة للصبية الأحداث من تلاميذ المدارس المتوسطة بشكل خاص . والذي تراوح أعمارهم بين 10 و- 16 سنة . وقد بلغت نسيبهم الثلث من المتظاهرين . هؤلاء الصبية استمروا على امتداد يوم الثلاثاء وحتى فجر الأربعاء . واستأنفوا مساهمتهم كذلك في اليوم الثاني .

والاستنتاج هو ان ذويهم لا يعترضون على ما يفعلونه ٬ بل ان قسما كبيرا من ذويهم آبائهم واخوانهم وأقاربهم [اشتركوا] في التظاهرات ذاتها . وربما يشجعونهم على الاستمرار بالاضافة الى العوامل المادية الملموسة التي تتمثل في معاناتهم وتفاقم انحدار مستوى حياة الغالبية العظمى منهم وتأثر البقية بالأفكار الوطنية والتقدمية .

وقد كتب صبري أبو المجد في مجلة المصور عدد 28/1 ما يفسر دقة الشعارات السياسية التي حملها المتظاهرون [اثناء] الأحداث والتي تعبر عن عمق الأزمة الاجتماعية وتفاوت الدخل والوضع الاجتماعي . وذلك في حوار له مع المساهمين في التظاهرات .

اما الظاهرة الثالثة ٬ التي تثير النقاش والجدل ٬ فهي ظاهرة مئات الألاف ٬ أو المليون مواطن الذين استمروا في الشوارع رغم حظر منع التجول ٬ ورغم محاولات الجيش والبوليس تطبيقه بالقوة ٬ لقد اشتبك قسم منهم مع الجنود والبوليس بالأسلحة الأوتوماتيكية ٬ ومنهم من اعتقل .

العوامل الاقتصادية وتفاوت الدخل

الظاهرة الأخرى ٬ تحدث عنها وزير الداخلية ٬ والأهرام ٬ ومجلة أكتوبر ٬ وهي التي تتعلق بالهجوم على عدد كبير من مراكز البوليس ٬ وفي آن واحد ٬ وقطع طرق المواصلات بين قسم وآخر ٬ لكي لا يستطيع أحدهم نجدة الآخر ٬ وليبقى كل قسم مشغولا بالدفاع عن نفسه .

هذه الظاهرة ٬ بالاضافة الى هدفها السياسي الواضح الذي يكمن خلفها ٬ كفاءة التنظيم في ادارة عمليات مثل مراكز البوليس ٬ فان ذلك كان يربط بفقدان هيبة رجل الأمن والشرطة كما تقول الأهرام في عدد 29/1 .

اما أسباب فقدان الهيبة فهي ترجع الى أسباب اجتماعية واقتصادية كما قال وزير الداخلية سيد فهمي .

من الحوار الشامل الذي أجراه معه محمد زايد أحد محرري الأهرام ٬ يسأل محرر الأهرام :

‒ لعل سؤالا هاما يلح علينا جميعا ٬ هو أين هيبة الأمن ورجل الأمن ؟

لقد قلت مرة .

‒ أي الوزير ‒ اننا نواجه اليوم حملات للتقليل من هيبة القانون والقائمين عليه ؟

يجيب الوزير محللا : “ان الهيبة محصلة أمور كثيرة ٬ ولا يمكن ان تأتي تلقائية من أجهزة الأمن .. وللهيبة المطلوبة لقانون والقائمين عليه مؤشرات منها يتعلق بالمتغيرات الاقتصادية ٬ وما حدث من فروق بين الدخول الموجودة … والسوق السوداء . واثراء البعض عن طرق غير مشروعة .. أو استغلال الخلل في التوزيع … الخ” . وهذا ما يؤكد بوضوح ان عدم قدرة الأمن ورجال الأمن على مواجهة أساليب التظاهرات وقوة تلك الأساليب وفعاليتها يرجع الى عوامل ٬ اقتصادية واجتماعية عديدة . واحمد مصطفى يكتب في أكتوبر عدد 14 ٬ وقبل أيام من اقالة وزير الداخلية : “كان الأولى ان يستقيل سيد فهمي وزير الداخلية . كما استقال وزير الاقتصاد بعد ان أصبح الأمن في عهده في حالة تسييب وفوضى ٬ وضاع معها هيبة رجل الشرطة .. مش كده والا اية ؟”

معالجات مؤقتة وخطرة

وتأكيدا لمناقشات ومخاوف وتوقعات بعض المفكرين والسياسيين والصحفيين والمسؤولين جاءت المعالجات الأخيرة ٬ معالجات سلطوية مؤقتة جزئية . فهي معالجات جزئية مباشرة في جانب منها ٬ وتحمل خطر كونها تساعد على تفاقم الأوضاع وتعمق عوامل الاحتقانات الاجتماعية من ناحية أخرى .

لقد اورد السادات في خطابه الأخير ٬ حقيقة بالغة الأهمية حيث قال “عندما الغيت قرار رفع الأسعار ٬ كان ذلك لاحباط المؤامرة التي كانت تهدف للاطاحة بالسلطة . أي ان الأحداث كانت تستهدف النظام برمته ومن هنا خطورة قوتها” .

ولكن هذا الخطر الذي شكلته قرارات رفع الأسعار ٬ سوف يتجدد ما دامت الأزمة الاقتصادية مستمرة ٬ وبهذا المعنى كانت اشارة السادات واضحة في خطابه الذي قال فيه “ان خطة سيرنا الاقتصادي يجب ان تتضح .. والا سنواجه الدمار” .

لقد كان بيان رئيس الوزراء امام مجلس الشعب هو الاخر ٬ يبتعد عن كشف الأسباب الحقيقية ٬ وبالتالي عن الأساليب الجدية لمواجهتها . لقد وضع اللوم على نظام عبد الناصر وتركته ٬ وعلى القوى الوطنية والناصرية واليسارية وبذلك أبقى كل شيء كل عوامل التفجير الاجتماعي كما هي :

وبالرغم من كونه ممثلا لحزب مصر الحاكم (الوسط) في الوزارة ٬ فان البيان تناقض مع كل من موقف السكرتير العام لحزب الوسط ٬ أبو واقية ٬ واللجنة الاقتصادية للحزب ٬ وغالبية الكتلة البرلمانية ٬ حيث أعلنوا في وقت سابق عن خطأ صدور القرارات الاقتصادية ودورها في تفجير الأزمة .

لقد انصبت غالبية عناصر اللوم على حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي ٬ والذي هو أحد الأحزاب الشرعية الثلاثة داخل الاتحاد الاشتراكي .

وبعد بيان رئيس الوزراء ورئيس حزب مصر الوسط الحاكم ٬ عقد مقرر ورئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي مؤتمرا صحفيا أكد فيه على جملة من الحقائق الهامة ومنها :

أولا : ان الأزمة سببها السياسة التي تبنتها الحكومة في السنوات الأخيرة وهي التي أدت الى الهبة الشعبية .

ثانيا : حول علاقة حزب اليسار بالأحزاب الماركسية السرية ٬ قال خالد محي الدين ات أنظمة التجمع الوطني تمنع أعضاءه من الانضمام الى أي حزب آخر .

ثالثا : “ان تنظيم التجمع الوطني التقدمي الوحدوي ٬ يضم في صفوفه اتجاهات ماركسية وناصرية ويسارية وتقدمية دينية وقومية عربية ٬ والحزب لا يمكنه منع أي شخص من الانضمام الى تجمع اليسار المشروع طالما يلتزم بالمبادئ الأساسية للحزب” .

وهكذا فان المعالجات الحكومية كلها مؤقتة ٬ وجزئية ٬ اما الحقيقة والعميقة فقد بقيت كامنة ومتفاقمة ٬ وهذا ما يجعل للمعالجات الاقتصادية والاجرائية السلطوية مضاعفات عكسية خطيرة على المدى المتوسط والبعيد .. هكذا تكلم الاقتصاديون والصحفيون وجماعة حزب التجمع التقدمي .