لقاء الرئيسين أنوار السادات وحافظ الأسد

لقاء الرئيسين أنوار السادات وحافظ الأسد

تهدف هذه الأطروحات الى تحليل التحول الذي طرأ على ديناميكية الشرق الأوسط (خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية) نتيجة للحرب في لبنان وللتحدي السوري ٬ وكذلك الى فهم طبيعة النضال في سبيل حقوق الشعب الفلسطيني في الحقبة التاريخية المقبلة .

(كتبت بتاريخ 8/8/1976)

*     *     *

ا ‒ المنعطف :

(1) خط التطور في المنطقة الذي شكلت حرب أكتوبر 1973 بدايته والذي اصطبغ بشكل رئيسي بتسارع اندماج المشرق العربي بالنظام الرأسمالي العالمي في ظل الهيمنة السياسية المباشرة للولايات المتحدة ٬ وبالسعي التدريجي الى “تسوية” النزاع العربي الاسرائيلي ‒ خط التطور هذا يمر بمنعطف هام نتيجة للحرب في لبنان بالرغم من ان استمراريته لم تنقطع .

(2) القوى المحركة الأساسية في الحرب في لبنان هي اثنتان :

الأولى ‒ التناقضات الداخلية في المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية التي كانت موجودة بمعزل عن القضية الفلسطينية وتعقدت بعض الشيء نتيجة تواجد الحركة الفلسطينية الفعال في لبنان .

الثانية ‒ المصالح السورية التي دفعت بسوريا الى التدخل العسكري الفعال وجعلت من الحرب الأهلية حرب تدخل .

لن نتطرق ٬ في هذه الوثيقة الى تحليل العامل الأول ‒ أي التناقضات الداخلية في لبنان بل سنركز على العامل الثاني .

*     *     *

ب ‒ التحدي السوري :

(1) نظام البعث السوري لا يختلف جوهريا عن النظام المصري تماما كما ان البعث والناصرية لم يختلفا جوهريا في الخمسينات والستينات . ففي الحالتين يمكننا الحديث عن تيار ذي منشأ برجوازي صغير مر بعملية البرجزة (من برجوازية) اثناء وجوده في السلطة وساعد على خلق طبقة جديدة ‒ برجوازية . وواقع ان النظام السوري ما يزال يعتمد ٬ الى حد ما ٬ على الدعم الدبلوماسي العسكري السوفيتي لا ينفي التشابه الأساسي بينه وبين النظام المصري .

(2) التناقضات القائمة بين سوريا ومصر ليست تناقضات بين نظامين يختلفان في طبيعتهما الطبقية أو بين خطين سياسيين مختلفين جوهريا . انها تناقضات ناتجة عن التنافس بين نموذجين متشابهين ومتوازيين لنظام البرجوازية العربية الجديدة . الموضوع الرئيسي الذي يدور حوله التنافس هو مكانة الصدارة في الشرق الأوسط .

(3) مكانة الصدارة هذه تعني ٬ أولا ٬ ان باستطاعة الدولة التي تتبوأ هذا المركز ان تؤثر على السوق العربية الداخلية وبشكل خاص على حركة رأس المال العربي مما يمكنها من توجيه الخطوات السياسية لبقية الأنظمة العربية ٬ وثانيا ٬ تشكل هذه الدولة حلقة وصل رئيسية بين الأنظمة المحلية وبين رأس المال العالمي كعميل عربي رئيسي للسياسة الأمريكية . لقد تمتعت مصر حتى الآن بموقف الصدارة بينما تحاول سوريا ان تحظى ‒ ولو جزئيا ‒ بموقف كهذا ٬ مما يتسق مع البرامج بعيدة المدى لاقامة “سوريا الكبرى” ‒ دولة أو اتحاد فيدرالي تضم سوريا ٬ لبنان ٬ شرقي الأردن ومناطق واقعة غربي نهر الأردن بقيادة البرجوازية السورية .

(4) الثمن الذي دفعته مصر للأمريكيين مقابل مركزها الحالي تضمن فيما تضمن :

أولا ٬ التخلي عن حرية الحركة والمناورة السياسيتين على الصعيد الدولي (تجميد العلاقات مع الاتحاد السوفياتي) .

ثانيا ٬ التخلي عن الخيار العسكري ازاء اسرائيل ٬ على الأقل في الفترة القريبة القادمة . هذا ما تعجز سوريا عن دفعه لأن ليس لديها خيار عسكري ازاء اسرائيل بمعزل عن مصر . غير انا في مقدور سوريا ان تخدم المصلحة الأمريكية (وفي نفس الوقت ان تخدم أهدافها بعيدة المدى) وذلك عن طريق تحكمها المطلق بالحركة الفلسطينية وجعل هذه الحركة رهينة بدل كونها حليفا وجارية ابدية للسيد السوري بدل كونها حركة شعبية تتمتع بقسط ملموس نسبيا من لاستقلالية .

*     *     *

ج ‒ التسوية والدولة الفلسطينية :

(1) تحبذ أمريكا القضاء على الحركة الوطنية الفلسطينية كعامل مستقل لأن سياستها الحالية في المنطقة لا تتماشى مع حل وسط يمكنه ان يرضى حتى أشد التيارات اعتدالا داخل الحركة الفلسطينية المستقلة .

(2) ان مطلب الحد الأدنى الذي لا يستطيع التنازل عنه حتى أشد التيارات اعتدالا داخل منظمة التحرير الفلسطينية (طالما انه قائم كعامل مستقل) هو اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة في المناطق المحتلة تتعايش طوال حقبة تاريخية كاملة مع دولة اسرائيل صهيونية .

(3) كان من المحتمل ان يرضى الأمريكيون بمطلب كهذا ليهدأ الهيجان القومي . من جهة أمريكية بحتة ٬ وكذلك من جهة التيار المعتدل في م.ت.ف. كان من الممكن ان يرد بالحسبان حل وسط يتضمن اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة برعاية الولايات المتحدة . غير ان حلا وسطا كهذا قد تعذر التوصل اليه بسبب الموقف الصهيوني المبدئي وبسبب المنزلة الخاصة التي تحتلها اسرائيل لدى الأمريكيين في المنطقة .

(4) الغالبية الساحقة في القيادة الصهيونية سواء في الحكومة أم في صفوف المعارضة اليمينية تعارض بحزم ٬ مبدئيا وجذريا ٬ اقامة أية دولة فلسطينية مستقلة .

أولا ٬ لأن التبريرات الشرعية الصهيونية لاقامة دولة اسرائيل كدولة يهودية مطلقة ارتكزت دوما على “الحق التاريخي” لجميع يهود العالم على “أرض اسرائيل” بكاملها وليس على حق اليهود المتواجدين في البلاد في تقرير مصيرهم .
من وجهة النظر هذه فان الاعتراف بأن هناك شعب آخر في فلسطين ‒ الشعب العربي الفلسطيني ‒له مطلب قومي مشروع فيها يعني تفويض دعائم الشرعية والتبرير الصهيونيين .

ثانيا : الحقيقة ان القيادة الصهيونية تورد بالحسبان امكانية ارغامها على اخلاء قسم من المناطق المحتلة الواقعة غربي الأردن في اطار تسوية . غير ان أي انسحاب من أي جزء من “أرض اسرائيل التاريخية” وخاصة من غربي الأردن هو ‒ في نظر الصهيونية من ناحية مبدئية ‒ انسحاب مؤقت ومشروط بالظروف التي ولدها الزمن . من وجهة النظر هذه فان اسرائيل ستحتفظ لنفسها بالحق وبالمقدرة على اعادة احتلال هذه المناطق حين تتواجد الامكانية السياسية أو الحاجة الأمنية .

لكن ‒ من ناحية السياسة الدولية ‒ هناك فارق كبير بين احتلال جزء من “دولة ثانية” وبين احتلال “دولة ثالثة” بكاملها . ان امكانية تسليم العالم ‒ تحت ظروف معينة ‒ باحتلال اسرائيلي مجدد لجزء من الأردن (أو من سوريا الكبرى) أكثر احتمالا من تسليمه بمحو دولة فلسطينية ذات سيادة . وعليه ٬ اقامة دولة كهذه ستشكل تقييدا حادا للاستراتيجية السياسية والعسكرية لاسرائيل .

ثالثا : تخشى الزعامة الصهيونية من ان تؤدي اقامة دولة فلسطينية مستقلة ‒ حتى ولو كانت صغيرة ‒ الى بداية عملية تاريخية تتوسع فيها هذه الدولة تدريجيا على حساب اسرائيل ٬ اذ ان الصهاينة يعرفون من تجاربهن عملية مشابهة : في البداية وافقوا على اقامة دولة يهودية صغيرة ضمن حدود لجنة بيل وبعد ذلك ضمن مشروع التقسيم لعام 1947 ٬ لكنهم وسعوا الحدود تدريجيا أكثر فأكثر . في هذا الصدد من الجدير اقتباس ما قاله دايان (أنظر صحيفة هآرتس 19/12/1975) : “دولة فلسطينية تشكل أساسا نقيضة لدولة اسرائيل … الحقيقية الأساسية العارية هي انه لا فرق هناك بين نظرة عرب نابلس لنابلس وبين نظرة عرب يافا ليافا … اذا قلنا اليوم ان للفلسطينيين الحق في اقامة دولة خاصة بهم لأنهم أبناء البلد نفسه ولأن لهم نفس الحقوق فان ذلك لن يتوقف عند الضفة الغربية . الضفة الغربية وقطاع غزة لا يشكلان دولة … اقامة دولة كهذه ستكون حجر الزاوية لشيء آخر … اما دولة اسرائيل أو دولة فلسطينية” .

(5) منذ حرب تشرين 1973 لم تعد اسرائيل الحليف المطلق للولايات المتحدة في المنطقة ٬ لكنها ما تزال أقرب حليف وأكثره ضمانة . هناك حلفاء آخرون ر اضافيون ٬ للولايات المتحدة مثل الأنظمة العربية . غير ان العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية هي ٬ في الأساس ٬ علاقات استغلال . لذلك ٬ فاذا كان نظام عربي معين مستعدا حاليا للتواطؤ مع الولايات المتحدة ٬ فان هناك قوى اجتماعية ذات أهمية ٬ قوى تاريخية تهدد بتغيير سياسة تلك الدولة لتسلك طريقا معاديا للاستعمار .

بالاضافة الى ذلك فمن المحتمل دوما نشوب خلافات بين الشريك الأكبر ‒ الأمريكي ‒ وبين الشريك الأصغر ‒ الطبقة المحلية الحاكمة ‒ حول اقتسام غنائم استغلال الكادحين العرب . في نزاعات من هذا القبيل ٬ لا يوجد للأمريكيين بديل فعلي أفضل من كلب الحراسة الاسرائيلي . اسرائيل لا تستغل (بفتح الغين) اقتصاديا انما تحمل على معونات وهبات من الاستعمار . فاسرائيل تشكل حليفا مضمونا وحيويا للاستعمار طالما انه مسيطر في المنطقة وقادر على اعالتها . (لقد عبرت هذه الحقيقة عن نفسها في الرسالة التي بعثها جوزف السوب لعاموس عران ‒ وهي في الحقيقة رسالة موجهة من كيسنجر الى رابين ‒ ونشرت ترجمتها العبرية في صحيفة هآرتس 19/12/1975 وبالرغم من ان هذه الرسالة قد كتبت في وقت ساد فيه توتر شديد في العلاقات الاسرائيلية الأمريكية وجل هدفها انذار حكومة رابين من مغبة فرض شروط مفصلة على الولايات المتحدة ٬ مثلما ان الذيل لا يستطيع ان يهز الكلب . بالرغم من كل ذلك فان الرسالة تنتهي بالكلمات التالية : “لا شيء مما ذكرته سالفا يزحزحني عن رأيي الذي عبرت عنه وهو ان دمار اسرائيل سيجر في أعقابه خرابنا نحن”) . وعليه ٬ فاذا كانت الولايات المتحدة على استعداد لممارسة الضغط على حكومة اسرائيل ولفرض التنازلات عليها في هذه النقطة أو تلك ٬ فانه من غير المنتظر ان يصل هذا الضغط حد فرض تنازلات عما يعتبر مصلحة وجودية لدولة اسرائيل الصهيونية . عدم انشاء “دولة ثالثة” ذات سيادة يشكل “مصلحة وجودية” كهذه .

*     *     *

د ‒ القوى الأخرى المؤثرة في الساحة اللبنانية:

(1) الولايات المتحدة تنسق الهجوم على اليسار اللبناني وعلى الفلسطينيين وترسم حدود ومدى تدخل الجيش السوري .

(2) الاتحاد السوفياتي خسر كل ما تبقى ‒ تقريبا ‒ من نفوذ له في المنطقة ٬ وهو يتعلق بالقشة السورية . غير ان موقفه ضعيف لدرجة انه لا يستطيع ممارسة الضغط على سوريا . الأسلحة السوفياتية تتدفق على دمشق في حين يحارب الجيش السوري ضد الحركة الفلسطينية وجبهة اليسار اللبنانية التي تضم الحزب الشيوعي اللبناني . وفي هذه الحرب فان السلاح الذي يزوده الاتحاد السوفياتي موجود أيضا وفي نفس الجهة من المتراس مع السلاح الذي تزوده كل من اسرائيل والولايات المتحدة .

(3) الدول العربية تستغل التدخل السوري لخدمة مصالحها هي في النزاعات العربية الداخلية . ليبيا والعراق تحاولان اشغال الدور الذي لعبته سوريا في الماضي : دور المدافعة عن الفلسطينيين . لكن بما ان سياستيهما ونظاميهما لا يختلفان جوهريا عن سياسة سوريا ونظامها يمكننا ان نتوقع بشكل مؤكد ان هذين النظامين سينكشفان عن انهما مجرد قشة محطمة ستخرم كف اليد التي ستضمها . اما بقية الدول العربية فانها لا تحاول جديا الظهور بمظهر المدافع عن الفلسطينيين . ودور القوات العربية المتواجدة في لبنان هو ٬ عمليا ٬ التغطية على التدخل السوري .

(4) اسرائيل هي بمثابة السوط في يد الولايات المتحدة . عن طريق التلويح بهذا السوط تضع الولايات المتحدة حدود “الخط الأحمر” وهو الحد المسموح للتدخل السوري ٬ هذا الخط يتغير وفقا لمتطلبات الساعة وبواسطته تستطيع الولايات المتحدة ان تضغط سرعة ومدى التدخل السوري . والى جانب سوريا فان اسرائيل تشارك في الحصار البحري لمنع وصول شحنات الأسلحة للفلسطينيين ولقوى اليسار . في هذه الاثناء تمهد اسرائيل لاحتلال جنوب لبنان حتى نهر الليطاني عندما تتواجد الظروف الملائمة (مثل انهيار لبنان نهائيا وتقسيمه) وما مهرجان “السياج الطيب” الا جزء من هذه التمهيدات .

*     *     *

ه ‒ العبر بالنسبة للكفاح الفلسطيني :

(1) يبرهن التدخل السوري مرة أخرى على صحة ما حددته المنظمة الاشتراكية (متسبين) من ان تحرر الشعب الفلسطيني يحتم نضالا ٬ ليس ضد الصهيونية فحسب ٬ أو ضد الصهيونية والاستعمار ٬ انما أيضا ضد الطبقات الحاكمة في جميع الدول العربية . تحرر للشعب الفلسطيني يمكن ان يتحقق فقط كجزء من الثورة الاشتراكية في عموم المنطقة بقيادة الطبقات الكادحة .

(2) في الميثاق (الوطني) الفلسطيني وضعت م.ت.ف مبدأ عدم التدخل في النضالات الداخلية في الدول العربية . منذ ذلك الحين وحتى الآن تحاول الحركة الفلسطينية المحافظة على هذا المبدأ دون نجاح لأن الأحداث صفعتها المرة تلو الأخرى مبرهنة مجددا على عدم وجود الفصل بين الكفاح الفلسطيني وبين النضالات الطبقية في الدول العربية .

التفسير العملي لمبدأ عدم التدخل هذا كان ٬ بين أمور أخرى ٬ ان فصائل الحركة الفلسطينية دون استثناء ‒ سواء تلك التي تنضوي تحت لواء م.ت.ف أم تلك التي تشكل “جبهة الرفض” فد تحالفت مع هذا النظام العربي أو ذاك وقبلت رعايته .

(3) التحالف الذي كان قائما بين م.ت.ف وبين سوريا جعل تنظيم الصاعقة الذي كان معروفا دائما على انه الذراع الطيعة للنظام السوري يتسلم مركزا مرموقا في م.ت.ف وبذلك منح الشرعية على انه تنظيم فلسطيني حقيقي . وبدافع الحلف المتعفن مع سوريا وافقت القيادة الفلسطينية على ادخال حصان طروادة الى صفوفها . وبعد ان شرع تنظيم الصاعقة بشن الحرب المسلحة الى جانب سوريا وضد الحركة الفلسطينية قلبت له م.ت.ف ظهر المجن .

(4) في البداية حاولت قيادة الحركة الفلسطينية الحفاظ على موقف عدم التدخل في الحرب الأهلية في لبنان . غير ان التدخل فرض عليها ٬ في فترة لاحقة اذ ثبت مرة أخرى انه لا يمكن الفصل بين الكفاح الفلسطيني وبين النضالات الداخلية في العالم العربي . ليست هناك طبقة حاكمة تستطيع السماح لمدة طويلة بتواجد بؤرة قوة (وخاصة قوة مسلحة) جدية خارج سيطرتها هي . ومن هنا فان مجرد التواجد الفعالي للحركة الفلسطينية في لبنان كان أحد العوامل لنشوب الحرب الأهلية . ان القيادة الفلسطينية لم تدرك هذه الحقيقة في الوقت المناسب وبشكل كاف .

(5) عندما انجرت الحركة الفلسطينية الى التدخل في الحرب انجرت قوى فلسطينية في حالات عديدة للتصرف كجيش احتلال تجاه الجماهير المسيحية وللقيام بعمليات انتقامية حسب الخطوط الطائفية .

(6) جميع ما ذكرنا سالفا من نقاط الضعف والأخطاء والعيوب ترجع الى مصدر واحد : طابع الحركة الوطنية الفلسطينية أي كونها تحالفا يضم جميع الطبقات بقيادة وايديولوجية برجوازية صغيرة .

(7) من الناحية العسكرية ٬ وقفت الحركة الفلسطينية امام التحدي السوري بنجاح كبير يفوق جميع التوقعات ورافقت ذلك ظواهر بطولية كثيرة . لكن ذلك ما هو الا نجاح قصير المدى . ففي منطقتنا ٬ حيث يسود الاستغلال والفقر والمرض وحيث تفرض الطبقات الحاكمة الجهل والتجهيل والتعصب على جماهير الشعب وحيث تزداد حدة التناقضات الطبقية ٬ لا يمكن ان يكون النجاح النهائي من نصيب حركة ترفض ان تقف بشكل واضح الى هذا الجانب أو ذاك .

*     *     *

و ‒ عصر جديد :

(1) الأحداث الراهنة تبشر بانتهاء فترة وبداية فترة جديدة . ان الوقت الذي كان من الممكن فيه كسب الجماهير ٬ ولو للمدى القصير ٬ للنضال القومي الصرف دون ان يكون مرتبطا عضويا بالنضال الطبقي ٬ يشرف على الانقضاء . ان الفترة القادمة عي عصر النضالات الطبقية .

(2) هذا لا يعني ان الكفاح الفلسطيني يجب ان يتوقف الآن وان ينتظر تعاظم قوى الثورة الاشتراكية في المشرق العربي ٬ لكن ينبغي على الكفاح الفلسطيني ان يعتبر نفسه جزءا عضويا من النضالات الاجتماعية في المنطقة ضد جميع الأنظمة القائمة فيها .

*     *     *

ز ‒ النتائج فيما يتعلق بنشاطنا في البلاد :

(1) نحن ٬ أعضاء المنظمة الاشتراكية في اسرائيل (متسبين) نعرض على الجماهير الفلسطينية التي تستطيع ان تقيم علاقات مباشرة معها (أي داخل حدود دولة اسرائيل بشكل خاص) طريقا يختلف جوهريا عما تقترحه عليها م.ت.ف أو [الحزب الشيوعي] ركاح .

(2) ان الطريق الذي تطرحه م.ت.ف هو طريق خارجي فيما يخص النضال الدائر داخل اسرائيل . لا يوجد أي ارتباط عضوي مباشر بين نشاطات م.ت.ف وبين المشاكل اليومية التي يواجهها الكادحين العرب واليهود في اسرائيل .

(3) بالنسبة لركاح فان الأمر أكثر تعقيدا . ففيما يتعلق بالقضايا السياسية العامة (حل النزاع العربي الاسرائيلي والقضية الفلسطينية) فان ركاح لا تعتمد في الأساس على النضال الجماهيري وانما على نشاط ائتلاف قوى دبلوماسية خارجية ‒ دول ٬ يقف على رأسها الاتحاد السوفياتي وتضم (حسب رأي ركاح) “الأنظمة العربية التقدمية ” أيضا . من ناحية أخرى فان ركاح لا تتخذ موقفا “خارجيا” حيال المشاكل اليومية التي تواجهها الجماهير الفلسطينية في اسرائيل انما تشارك بشكل فعال في النضال حتى انها تقوده . وليس صدفة ان ركاح حازت حتى الآن على ثقة كبيرة من قبل خيرة أبناء الجمهور الفلسطيني في اسرائيل .

(4) غير اقساما اخذ بلازدياد من أبناء الجمهور الفلسطيني الواعي تكتشف تدريجيا (خاصة بعد يوم الأرض) حدود ركاح التي هي في الأساس حزب اصلاحي . برنامج ركاح ونشاطها يعتمدان على التسليم باستمرار وجود الأنظمة الحالية في المنطقة ‒ الأنظمة العربية والنظام الصهيوني . لذلك تحاول ركاح ان تكبح أو تعيق تلك النضالات والمطالب التي يمكن ان تفسر على انها تضع علامة سؤال على وجود هذه الأنظمة بما فيها النظام الصهيوني في اسرائيل .

(5) كذلك فان ركاح لا تكتسب ثقة تامة فيما يتعلق بالقضايا السياسية العامة لأنها تمنح ولاءها لسياسة الاتحاد السوفياتي الخرجية .واعتمادا على تجربة الماضي فان الاتحاد السوفياتي قد يغير سياسته الخارجية لأسباب داخلية (سوفياتية أو بدافع مصالحه العالمية) وستقضي قيادة ركاح على اثاره . ولاء ركاح للاتحاد السوفياتي يفسر أيضا البلبلة التي طغت على موقف هذا الحزب حيال غزو سوريا للبنان ٬ اذ ان الاتحاد السوفياتي يعتبر نفسه صديقا للنظام السوري ولمنظمة التحرير الفلسطينية .

(6) اننا ٬ أعضاء متسبين ٬ نعتبر ان النضال اليومي للكادحين في اسرائيل ‒ وفي البلدان المحيطة ‒ مرتبط ارتباطا عضويا وحيويا بالقضايا السياسية العامة . اننا نرى ان حل قضايا المنطقة هو ثمرة نضال جماهير المنطقة وليس نتيجة نشاطات ائتلاف القوى الدبلوماسية العالمية . اننا نشدد على استمرارية النضال اليومي والنضال الثوري . وليس من قبيل الصدفة ان يتحول اضراب احتجاجي ضد مصادرة بضعة الاف من الدونمات الى صدام تحدي النظام الصهيوني بأسره .

(7) بالرغم من ان الجماهير الفلسطينية المناضلة ضد التمييز القومي في اسرائيل تشكل ٬ في الظروف الراهنة ٬ العامل الأكثر نشاطا وفعالية في النضال من أجل اسقاط النظام الصهيوني ٬ فان هذا النضال في جوهره ليس نضالا قوميا فوق ‒ طبقي ٬ انما نضال طبقي فوق ‒ قومي .

(8) النضال في سبيل الحقوق الديمقراطية لجميع مواطني اسرائيل يشكل في نظرنا مظهرا من النضال العام من أجل التحرر الاجتماعي ٬ وفي الواقع الاستيطاني لاسرائيل فانه مرتبط بالضرورة بالنضال ضد الصهيونية .

(9) من الشروط الضرورية لنجاح أي نضال ضد النظام في اسرائيل ‒ وبضمن تلك النضالات الديمقراطية ‒ كون هذا النضال يهوديا ‒ عربيا مشتركا . وعليه ٬ فمن واجب المنظمة الاشتراكية في اسرائيل (متسبين) ان تخلق اطارات لتصوير هذا التعاون معتمدة في ذلك على المصلحة التاريخية المشتركة لكادحي أبناء الشعبين .