من أين نشأت فكرة تأسيس جامعة عربية في اسرائيل ؟
الواقع الذي أثبت هذه مركب من عدة حقائق أساسية : ‒
يعيش في اسرائيل أكثر من نصف مليون انسان ٬ لغتهم هي العربية . ومعظم الناطقين بالعربية هم من أبناء الشعب العربي الفلسطيني ٬ هذا بالاضافة الى الاف كثيرة من اليهود المهاجرين من الدول العربية .
تعتبر اللغة العربية ظاهريا ٬ لغة رسمية في اسرائيل ٬ ووفقا لذلك يوجد اطار تربوي رسمي (مدارس ابتدائية وثانوية) لغة التعليم فيه العربية .
في اسرائيل ٬ مؤسسات كثيرة للتعليم العالي ٬ أكبرها وأهمها : ‒ الجامعة العبرية في القدس ٬ جامعة تل أبيب ٬ جامعة بار ‒ ايلان في رمات ‒ غان ٬ جامعة حيفا ٬ معهد الهندسة التطبيقية (التخنيون) في حيفا ٬ وجامعة النقب في بئر السبع . لقد أقيمت جميع هذه المؤسسات لتخدم التجمعات السكانية الناطقة بالعبرية ٬ أما في الجليل حيث يقطنه مئات الالاف من الناطقين بالعربية فليس هناك أي جامعة .
لغة التدريس في جميع معاهد التعليم العالي في البلاد ٬ هي العبرية ٬ علاوة على ذلك ٬ وفي جامعة تل أبيب ٬ مثلا ٬ (وفي معاهد أخرى أيضا) لغة التدريس في كلية اللغة العربية وآدابها هي : العبرية .
لو كانت اسرائيل دولة ديمقراطية لكانت معطيات كهذه كافية لتدفعها للعمل وبمبادرتها وفورا لتعبئة هذه الفراغ باقامة جامعة في الجليل ٬ تكون لغة التدريس فيها اللغة العربية .
فالناصرة مثلا ٬ المدينة المركزية في الجليل ٬ وهي أكبر مدينة عربية في اسرائيل ٬ لذلك من المنطقي ان تبنى هذه الجامعة في الناصرة .
لكن ٬ ولأن اسرائيل ليست دولة ديمقراطية ٬ بل دولة صهيونية ٬ فان الحقائق الأساسية الواردة أعلاه غير كافية ٬ لذلك سأذكر بعض الحقائق الاضافية التي تشكل هي أيضا جزء من الواقع الذي نعيش فيه .
مستوى التعليم في المدارس العربية ٬ أدنى بما لا يقاس ٬ من مستوى التعليم في المدارس العبرية . ومن الجدير بالذكر هنا ٬ ان مستوى التعليم الذي يحظى به التلاميذ العرب ليس أدنى بكثير من ذلك الذي يحظى به التلاميذ اليهود في الأحياء الفقيرة . (حيث معظم سكان هذه الأحياء هم من البلاد العربية أصلا) .
- مصاعب في الحصول على مساكن لائقة (نتيجة لعدد الأمكنة المقلص والمحدود في مساكن الطلبة ٬ ونتيجة لرفض أصحاب شقق يهود في تأجير شققهم للعرب .. الخ) .
- نوعية أجهزة شبكة التعليم العربية أدنى بكثير من نوعية أجهزة شبكة التربية والتعليم العبرية .
- يدرس هذه السنة في الجامعات أكثر من 55 ألف طالب يهودي (%2 من السكان اليهود) . بينما يدرس في الجامعات أقل من ألفين طالب عربي (%0.4 من السكان العرب) .
- هناك أوساط معنية تمارس سياسة “الانتقاء الطبيعي” المموهة ‒ المعلنة تجاه الطلاب الجامعيين العرب .
- علاوة على المصاعب الناجمة عن المعطيات المذكورة أعلاه يواجهها الطلاب العرب ‒
- مصاعب في التعليم بدون مضايقات خارجية . (نتيجة لملاحقات الشرطة ٬ والحرس المدني وأشباههم .)
- مصاعب في ممارسة حياة ثقافية مستقلة (نتيجة للعراقيل والرفض الذي يواجه به الطلاب العرب من قبل سلطات الجامعات وجمعيات الطلبة في اعطائهم الغرف والقاعات لهذا الغرض) .
- مصاعب في الانتظام للنضال دفاعا عن حقوقهم (نتيجة لعدم الاعتراف بلجان الطلاب العرب من جانب ادارات الجامعات وجمعيات الطلاب) .
- الامكانيات في ان يجد الخريج الجامعي العربي عملا في مجال تخصصه نادرة جدا ٬ وأحيانا معدومة ٬ على عكس امكانيات الخريج الجامعي اليهودي صاحب نفس الكفاءات .
- اسرائيل ٬ كما قلنا دولة صهيونية ٬ والظواهر التي تحدثنا عنها هي جزء لا يتجزأ من السياسة الصهيونية التي تمارس التفرقة ضد العربي لأنه ولد عربيا .
لذلك ٬ فليس من المتوقع ان تغير حكومة صهيونية بصورة جوهرية شيئا من الأمور المذكورة أعلاه . ان المهمة ملقاة على كاهل جميع أولئك الذين يضايقهم هذا الوضع .
* * *
ان جامعة عرية في الناصرة ٬ تكون لغة التدريس فيها العربية ٬ تكون مفتوحة في وجه كل من يرغب ان يتعلم فيها ٬ عربيا كان أم يهوديا ٬ عليها ان تخدم أولا أهل الجليل . سيكون من الصعب على اليهود الذين لم يتعلمون اللغة العربية في المدرسة ان يتعلمون في جامعة عربية . لذلك ٬ اذا رغب يهودي من العفولة ٬ مثلا ٬ ان يتعلم أبناؤه في جامعة الناصرة فعليه ان يضغط على وزارة التربية والتعليم ٬ لتعليم اللغة العربية في المدارس العبرية بأقرب وقت ممكن .
من الطبيعي ٬ ان غالبية المعلمين والطلاب في جامعة الناصرة ستكون من العرب ٬ واذا رغب الطلاب اليهود في تشكيل “لجنة الطلاب اليهود” ستعترف بهم مؤسسات الجامعة وجمعية الطلاب ٬ وستوضع القاعات تحت تصرفهم أيضا ٬ وذلك ليس لأن الحكومة والجيش والشرطة تقف من ورائهم ٬ بل لأن ذلك ٬ وبكل بساطة ٬ سيكون من حقهم .
* * *
لحظة ٬ على مهلك . قبل اقامة جامعة عربية في الناصرة تتحدثون عن كيفية ادارتها ؟؟
ولم لا ؟!
ان أحاديث كهذه ستساعد في نشر الفكرة ومن ثم استيعابها ٬وعندما يصبح أناس كثيرون على استعداد للعمل من أجل تطبيقها ‒ فانها لن تكون مهمة مستحيلة .
بقى علينا من نذكر ملاحظة عابرة الى الانهزاميين والمتخوفين على اختلاف أنواعهم : ‒
ان اقامة جامعة عربية ٬ لا يصادر ‒ باي حال من الأحوال حق العرب الراغبين في مواصلة دراستهم في جماعات عبرية .
ان من يظن بأن اقامة جامعة عربية في الناصرة ستخدم السلطات وستمكنهم من “تنظيف” الجامعات العبرية من العرب ٬ عليه ان يسأل نفسه : ‒
اذا كان الأمر كذلك ٬ فلماذا لا تقيم الحكومة جامعة عربية بمبادرتها ؟!