‒ 1 ‒
يتجولان في احدى شوارع بيروت المدمرة :
‒ أي زلزال هذا ؟
‒ ليس زلزالا . انه بعض من منتوجات البشر .
‒ أي بشر ؟
‒ ألم تسمع أمين الجميل يقول في أوائل الحرب : نحن بنينا هذا البلد . ونحن سندمره اذا اقتضى الأمر ؟ ها هم قد دمروه . حولوه الى أطلال . الى أعمدة خشبية محترقة . الى …
‒ انتبه لغم !
‒ (لا يكترث ٬ يتابع سيره) . خاضوا الحرب تحت شعار السيادة . تستطيع الآن ان تبحث عن السيادة تحت ركام هذا المبنى ٬ تبين ان (سيادتهم) تعني سيطرة الغانية على قبوها ! اتضح ان (سيادتهم) تباع لمن يدفع أكثر !
تكشف ان …
‒ انتبه . قذيفة لم تنفجر .
‒ (لا يكترث يتابع سيره) . اهرقوا الاف الأغاني التي تتغنى بلبنان . كم كان سهلا عليهم ان يحبوه . كم كان سهلا عليهم ان يكرهوه … حتى الموت !
‒ دعنا لا نمر من هنا . ربما ما يزال هناك قناصة .
‒ (لا يكترث يتابع سيره) . وطنهم كان يعني بالنسبة لهم امتيازات . حينما احسوا ان المقهورون على وشك الاطاحة بامتيازاتهم ٬ لم يترددوا لحظة . دمروا الوطن . اطاحوا به .
مصور تلفزيوني أجنبي يمر بجانبهما يلتقط الصور المتتالية للدمار وهو يكاد يطير فرحا بهذه (الغنيمة) .
المصور لم ينتبه لوجودهما ٬ كما لم يتنبه لشعار كتب على بقايا بناية كان يصورها . الشعار رسم باللون الأسود . الشعار كان يقول : (الكتائب والأحرار مروا من هنا . عاش لبنان !)
‒ 2 ‒
أنظر . (انعزالي) !
الاثنان يشاهدان مواطنا على مدخل الاشرفية في التباريس . تهيأ لهما في البداية انه قادم نحوهما . تقدم المواطن بالفعل خطوات ولكنه ما لبث ان توقف ثم قفل عائدا . تبين ان شخصا آخر كان يقف في مواجهته وهو يخفي سلاحه .. وينظر اليه شذرا !
‒ 3 ‒
الاثنان وصلا الى معاقل القوات المشتركة في الأسواق :
‒ هل تعلم شيئا ؟ تستطيع ان تؤرخ للحرب الأهلية اللبنانية كلها عبر جمع الشعارات المكتوبة على الحيطان . أنظر : (لا للكتائب . لا للانعزاليين . لا للحكم العسكري . نعم للبنان ديمقراطي علماني ) . أنظر : (لا للتعريب ومناورات السادات ٬ تسقط الرجعية العربية !) . أنظر : (لا لمؤامرات النظام السوري . لا للتدخل العسكري السوري . أين الأنظمة الوطنية العربية ؟) . أنظر : (لا للتدويل ٬ سنحطم مؤامرات الامبريالية الأميركية . لا للتدخل الفرنسي . لا للمرتزقة الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين و .. ) .
‒ الثاني لم يرد . اكتفى فقط برسم ابتسامة فخر واعتزاز على ثغره . الأول بادله الابتسامة ذاتها وكأنه سمعه يقول : (حقا مقاتلونا أبطال . كيف استطاعوا احباط كل هذه الحلقات التآمرية ؟) !
‒ 4 ‒
الساعة شارفت على السادسة مساء . بيروت المدمرة اقفرت من الفضوليين . الاثنان ما زالا يتجولان :
‒ هل تشعر بالخوف ؟
‒ أشعر برهبة الموت .
‒ غريب ٬ لا أشعر لا بخوف ولا برهبة موت ٬ فقط ينتابني شعور عميق بالحزن ٬ مشوب بشعور عميق آخر بأن الجثة التي ماتت قد أعطت قبل وفاتها مولودا جديدا .
‒ …
‒ لا أستطيع أن أصف لك هذا المولود الجديد ٬ ولكني أستطيع حتى ان أراه وأسمعه وسط هذا الصمت الرهيب .
‒ ربما للأن هذه الشوارع التي نمر بها الآن تذكرك بمظاهرات الطلاب . بهتافات العمال . بتحركات المقاتلين . بصور الشهداء …
الآخر لا يرد . يمسك بيد رفيقه ٬ يقول : (دعنا نخرج من هنا) . قبل ان يتحرك تلتقط أنظاره صورة أحد الشهداء . دمعة تترقرق على جبينه .. تليها ابتسامة سريعة !
(عن مجلة “الحرية” اللبنانية)