بعد اعلان نتائج الانتخابات وتحويل المنابر الى أحزاب
فاز “الوسط” في الانتخابات التي أجراها النظام المصري ٬ فاز الوزراء وأركان الحكم واصهار الرئيس وجماعته وسقط “اليمين” ونال اليسار مقاعد هزيلة .
واثر هذه النتيجة ٬ أعلن السادات بعد ان انتخب مجلس الشعب الجديد أحد أركان النظام ومن كبار الملاكين الزراعيين السيد مرعي رئيسا له … أعلن السادات بقرار فوقي تحويل المنابر الثلاثة التي تنافست في الانتخابات الى أحزاب … وهكذا أصبح المنبر حزبا بقدرة قادر وبقرار تفضل به السيد الرئيس وأعلنه للشعب مبشرا اياه بأن عهدا جديدا من الديمقراطية قد بدأ ٬ وان أكبر شاهد على هذه الديمقراطية هذه الانتخابات التي جرت “بحرية تامة” وهذا الاعلان عن تحويل المنابر الى الأحزاب ! … الا ان السؤال المشروع ما هي حقيقة هذه المنابر ٬ وهل هناك “وسط” و”يمين” و”يسار” فعلا فيما سمح له بالتعبير والاشتراك في الانتخابات . هنا نكتشف الخدع الديمقراطية الجديدة ٬ فالوسط الذي يمثل الحكومة هو فعلا اليمين الحاكم الذي يمثل التحالف الطبقي الجديد من البرجوازية الطفيلية والملاك الزراعيين الكبار والسماسرة الجدد وهو الذي التف حول السادات وأنصاره ومنحه الثقة والتأييد خاصة لسياسة الانفتاح الاقتصادي .
اما “اليمين” أو المنبر الثاني فهو يتشكل من عناصر من هذا التحالف الحاكم نفسه أكثر استعجالا للتراجعات ولحرية الرأسمال المحلي والأجنبي . وهي لا تفترق كثيرا عن “الوسط” وكثير من أركانها يتنقلون بين المنبرين دون حرج وليس عندهم اعتراض كبير على “الوسط” الحاكم .
واما اليسار المنبر الثالث فهو تجمع عام ديمقراطي ووطني يضم عناصر وشخصيات تقدمية وناصرية وجدت ان بامكانها التعبير نسبيا أو جزئيا عن مواقف تقدمية ووطنية عامة دون ان تدعي انها تمثل فعلا حزبا للطبقة العاملة المصرية . وهي قد قبلت بخدعة المنابر كثمن للتعبير النسبي والاستفادة من الادعاءات الديمقراطية كي تخرج مواقفها الى العلن ٬ ومع ذلك تعرضت الى ارهاب ومنع من ابداء آرائها ومواقفها وفرضت عليها رقابة شديدة في الانتخابات وفي الصحافة بحيث تعذر عليها ان تنشط فعلا بحرية تامة . بينما كان كل من “الوسط” و”اليمين” يتمتع بكل الحرية وبكل أجهزة الاعلام الرسمية والصحفية ٬ ونزل الى الانتخابات مدعوما بأجهزة السلطة ونفوذها “وأموالها” وعلاقاتها وخدماتها .
ومن هنا كان من “الطبيعي” ان ينتصر “الوسط” وينجح أنصار الحكومة والوزراء والاصهار ٬ فأجهزة السلطة في خدمتهم والتزوير المستتر والضمني ممكن ما دام أركان النظام من فوق يهيمنون على كل شيء ٬ ويمسكونه بيد من حديد وبواسطة الأجهزة وأدوات القمع والارهاب يمنعون ويفرضون حدودا للحريات .. ومع ذلك وحفاظا على أصول اللعبة الديمقراطية ومظاهرها كان لا بد لهم من ان يتركوا لبعض التذمرات الشعبية ان تعبر عن نفسها فيسقط بعض أركان اليمين في الانتخابات شرط الا يمس “الوسط” والحكم والأكثرية التي يجب ان تتوفر له ٬ وان يتركوا بعض الشخصيات التقدمية تنجح كأقلية لا بد منها كمظهر من مظاهر الديمقراطية ولضمان الخدعة نفسها !
وهكذا جرت الانتخابات بكل حرية ٬ وهكذا تحولت المنابر بكل بساطة الى أحزاب دون استئذان ٬ فالأحزاب قد أعلنت ومن لا يريد فهو الذي يرفض الديمقراطية ٬ اما اليسار فيؤكد ان “منبره” لم يكن أكثر من تجمع تقدمي ديمقراطي عريض وان حزبه موجود ولكن ممنوع ومراقب وتشن عليه حملات القمع والاعتقالات .
واما الجماهير المصرية التي تعاني أزمات معيشية حادة وغلاء فاحشا فتعرف انها لم تتعرف في الانتخابات على الديمقراطية ٬ وانها شمت رائحتها من بعيد دون ان تتذوقها ٬ وانها غارقة حتى اذنيها بمشاكلها المعيشية وانها تصرخ ويضرب وتناضل ولا ترى الا القمع والارهاب في وجهها !
[الحرية]