لقاء الأخوين حافظ الأسد وبيير الجميل

عندما تحكم العائلة ينصرف الصغار من أبنائها الى “الشؤون اليومية” و”الصغيرة” فينشئون الشركات ويعقدون الصفقات ويسمسرون ويتوسطون ويقيمون العلاقات على “المستوى الاخر” .. اما الكبار فبريئون من هذه الصغائر والتفاصيل اذ انهم تركوا للأبناء أو للأشقاء هذه المهمة الخفيفة والخفية .

والعائلة الأسدية التقت مع العائلة الفرنجية في هذا التقسيم للمهمات والاختصاصات … ففرنجية الابن (طوني) مثلا تخصص في هذه الشؤون اليومية والأمور الصغيرة ٬ ومشاركة الاصهار والاخوان .. ولكنه أبرزهم وأشطرهم .

و”رفعت الأسد” في العائلة الشقيقة تخصص ‒ أيضا ‒ في هذه الأمور داخل سوريا ٬ ولكن ساحة سوريا ضاقت عليه فتوسع نحو لبنان ووجد في فرنجية الابن ضالته وشريكه الممتاز .. وانعقدت بين الأسد الصغير وفرنجية الابن علاقات الود والتجارة والصفقات والشركات .

وارتاح الكبيران لهذه العلاقات على مستوى الأبناء والأشقاء ورفعا “القضية” الى مستوى أعلى وأرفع ٬ وبدأت العلاقات بين العائلتين تنسج على مستوى سياسي واستراتيجي .

ووجدت العائلة الأسدية في العائلة الفرنجية شبيها لها ٬ وقاعدة لتدخلها في لبنان .

ويقال في دمشق ان رفعت الأسد لم يكتف بهذا الدور بل عمل على توسيع أعماله وبز شريكه في ميادين أخرى معنوية لم يستطع طوني ان يدخل الى عالمها .. صحيح ان رفعت الأسد جنرال وقائد سرايا الدفاع وقد استطاع طوني ان يقلده فأصبح هو الآخر جنرالا وقائدا لجيش التحرير الزغرتاوي .. ولكن الأسد الصغير لم يكتف بهذه الأدوار كلها العسكرية والمالية والتجارية بل أراد لنفسه دورا آخر هو دور المثقف .. ومنذ عامين فوجئت الأوسط الثقافية في سوريا ودنيا العرب بصدور كتاب عن “قضايا بناء الاشتراكية في سوريا” ‒ اية والله ‒ من تأليف رفعت الآسد نفسه مضافا اليه لقب دكتور !!

وقد ذكر المؤلف ان كتابه النفيس هذا هو عبارة عن رسالة دكتوراه قدمها الى احدى الجامعات العالمية ونال بها درجة الدكتوراه ! .. لذلك أضيف الى ألقابه العسكرية والتجارية لقب جديد هو الدكتور رفعت الأسد (وقد انتشرت شائعات مغرضة عن هذا الأمر في صالونات دمشق وبين دكاترها عن دكتور مغمور يهمس في اذن أصدقائه انه هو الذي ألف الكتاب وان العقيد دفع له اتعابه وشكره على جهده .. وانتحل الكتاب لنفسه..) .

وبعد ان نال العقيد لقب الدكتور وأصبح صالحا لمخاطبة المثقفين أصبح متخصصا في ميدان الثقافة والدكاترة ..

ومنذ أيام توجه العقيد الدكتور الى جامعة دمشق وجمع دكاترة الجامعة جميعهم ليشرح لهم الأوضاع في لبنان وموقف شقيقه الكبير من الأحداث .. مما قاله مثلا انه يجب تغيير التصنيفات في لبنان للقوى السياسية فليس صحيحا ان الكتائب والشيخ الجميل هي من القوى الانعزالية وجنبلاط والأحزاب التقدمية هي القوى الوطنية . بل العكس تماما .. فالشيخ بيار عروبي متحمس وقومي عربي وأكثر من ذلك فهو مهذب وجنتلمان .. اما جنبلاط وجماعته فهم انعزاليون منحرفون .. وأضاف لا فض فوه : “ان قطاعات من الفلسطينيين منحرفة وتتآمر على القضية الفلسطينية” .. الخ .
وقد علق أحد الحضور انه كان بين الدكاترة الذين استمعوا باندهاش الى “زميلهم” المفروض عليهم خمسة فقط مؤيدين للحكم الأسدي وموقفه من لبنان ولكنهم بعد المحاضرة خرجوا مقتنعين بالعكس !

وهذه من عبقرية الأسد الصغير !

(الحرية ٬ 12-7-1976)