organize - 74

قبل خمسة وخمسين عاما قام الشيوعيون بمظاهرات أول أيار تحت راية الكفاح ضد الاستغلال الرأسمالي وضد الاستيطان الصهيوني المغتصب . لقد راج استعمال الاصطلاح استعمار استيطاني Colonization أيضا في أوساط الصهيونيين وأنصارهم . ولاحقا استبدلوه بعبارات أخرى مثل : “هتنحلوت” و”هتيشفوت وكلاهما يعني : استيطان ٬ “اقتحام الأرض” و”احياء القفر” .

وكان بعض المتظاهرين ذوي ماض صهيوني . وقد أنشأوا عام 1923 رسميا الحزب الشيوعي الفلسطيني PCP ومكن منذ 1919 كانت هذه الفئة في مرحلة بحث عن مخرج للمأزق الذي تورّطت فيه : أي محاولتها دمج الصهيونية والاشتراكية معا . ولقد أدركت هذه الجماعة نظريا وعمليا أن هذا الدمج مستحيل . وبحثوا عن وجهات نظر اشتراكية فعلية وتفسير اشتراكي للأوضاع في فلسطين . ويجدر هنا التنويه بأبرزهم : مردخاي حلدي ٬ أبراهام لومونوسوف ٬ يعقوب مايرسن ٬ غرشون دفا (أدموني) ويحئيل كوسوي .

لقد تظاهر هؤلاء وأنصارهم يوم أول أيار 1921 في يافا وحيفا . وكما أسلفنا فقد كان بعضهم صهاينة في الماضي ٬ ولكن وقتئذ وقبل خمس وخمسين سنة ٬ تبنّى فصيل هام من بينهم موقفا مناهضا للصهيونية وبشكل ثابت . وآمن أن الصهيونية لا تقدر على حل “المشكلة اليهودية” فحسب ٬ وانما تخلق نزاعا مستمرا مع السكان العرب المحليين ٬ لأنها تسعى لتحقيق “مشروعها” وتجسيد ذاتها على حسابهم .

في الأول من أيار عام 1921 والذي كان يوم أحد ساطع الشمس وحارا ٬ نظمت الهستدروت حديثة النشأة ٬ “اجتماعا عماليا” في شوارع تل أبيب ٬ وكما يليق بما يسمى “الهستدروت العامة للعمال العبريين في أرض اسرائيل” فقد كان ذلك اجتماعا لم يشترك فيه عمال عرب أو شيوعيون . وتظاهر الشيوعيون على مقربة من الاجتماع الصهيوني واقتربوا منه وحاولوا التحدث مع المشتركين فيه . ولكن الشرطة البريطانية التي قامت بالمحافظة على الاجتماع عملت ‒ بناء على طلب رؤساء الهستدروت ‒ على ابعاد الشيوعيين من المكان وادخالهم الى ضاحية المنشية في يافا (على مقربة من شارع هكوفشيم الحالي : أنقاض ٬ منتزه كبير ومسجد حسن بك) . وقد أشاع رجال الشرطة ان هؤلاء هم اليهود “المحتلون والمغتصبون الأرض والعمل منكم” . من هنا أصل الاصطدامات المعروفة بحوادث عام 1921 .

وورد في تقرير سريّ حول “الحوادث” من الثالث عشر لأيار من السنة نفسها (قدم التقرير رئيس المخابرات البريطانية الكابتن برانتون) أن الدعاية القائلة بأن العمال والفلاحين العرب قد اعتدوا على اليهود المتظاهرين لكون هؤلاء شيوعيين ٬ ليست الا كذبة صهيونية عريقة . والحقيقة ٬ ليس فحسب لم تكن هنالك عداوة عربية لليهود البلشفيين ٬ بل “جدير بالذكر أنه في تلك الحوادث ظهر جمهور من الفلاحين المسلمين المسلحين يزحفون تحت العلم الأحمر” . ويستعرض هذا التقارير بشكل خاص النشاط الشيوعي في فلسطين خلال النترة المعطية .

وفي ذلك اليوم من التضامن العمالي العالمي جرت كذلك مظاهرتان شيوعيتان في حيفا . واحدة على جبل الكرمل باشتراك مائة وخمسين متظاهر مع الأعلام الحمراء والشعارات ولم يقع حوادث خاصة . والأخرى جرت مقابل التخنيون في الهدار باشتراك خمسين متظاهرا ٬ وألقيت خطب وصفها الحاكم البريطاني في حيفا بأنها “ثورية” ٬ لأنها “أيدّت بحزم الأممية الثالثة والحركة البلشفية وحرب الطبقات” .

وفي الليلة التي سبقت المظاهرات ألصقت المناشير بالعربية والعبرية والايديش في أماكن مختلفة من حيفا . وأنزلت هذه المناشير اثناء النهار بواسطة الشرطة و”مساعدوها من الداخل” . وكان عنوان المنشور العبري : “يا عمال العالم اتحدوا ‒ الى أول أيار” ومن ضمن ما جاء فيه :

“في هذه اللحظات العصيبة يأتي الصهاينة البرجوازيون ويبدون اهتمامهم باليهود كافة ٬ يبلبلون أدمغة الجماهير بجنون عظمتهم ٬ ويخدعونهم بالأماني والوعود الكاذبة التي يتلقونها من طغم القتلة الامبرياليين الذين هم أنفسهم عملوا في سبيل خراب وذبح اليهود . وما ان تقوت الرجعية اليهودية حتى دخلت في حلف مع انجلترا ‒ حامية الرجعية والثورة المضادة العالمية ٬ عصبة اللصوص الامبريالية ٬ وألد أعداء روسيا السوفيتية والبروليتاريا العالمية . وهذا الحلف من أجل محاربة حركة العمال الثورية والعمال العرب الثائرين ومن أجل الابتزاز والاستغلال المشترك . ان الحكام الانجليز يستفيدون من خدمة الرجعية اليهودية ولكنهم يعرفون كذلك كيفية استخدام الأفندية ٬ ويثيرون العداوة بين العمال اليهود والعرب ٬ لتوطيد سلطانهم في البلاد .

أيها الرفاق ٬ أيها العمال اليهود ٬ اننا نناشدكم في يوم الأول من أيار للانعتاق من الشوفينية والانتهازية والخيانة الطبقية والقومية ٬ أنظموا الى جبهتنا سوية مع طبقة العمال الثورية العالمية ومع الجماهير العربية المضغوطة والمستغلة . حاربوا من أجل اسرائيل اشتراكية مجالسية (سوفيتية ‒ المترجم) ٬ اتركوا العمل . اخرجوا في هذا اليوم الذي ولد فيه صوت الانسانية المستعبدة والمستغلة ٬ لتسمع صياحات كفاحكم كذلك . عاش الأول من أيار” .

اعتقل في مظاهرات الشيوعيين في الأول من أيار 1921 أربعة وأربعون رفيقا كما جاء في التقرير السري الذي قدمه المندوب السامي البريطاني هربرت صموئيل (يهودي انجليزي ٬ وعلى أسمه الشارع والميدان في تل أبيب) . أطلق سراح سبعة من المعتقلين وسجن ونفى الباقي من البلاد . وكان هؤلاء أول المنفيّين . لقد كان هؤلاء العمال اليهود ضحية للحلف الدنس بين الصهيونية والامبريالية ٬ وها نحن نورد اسماءهم اجلالا وتضامنا ٬ ولأولئك الذين لم يعرفوهم قط ٬ ونكاية بالذين عملوا لمحو ذكرهم من البلاد :

أبراهام لومونوسوف ٬ رفقا لومونوسوف ٬ أيدا اتكين (الكين) ٬ منحم بدرمان ٬ مريم سبكتور ٬ حفا روبينشتاين ٬ رفول اكرمان (17 عاما) ٬ موشسه رازنبرج ٬ أبراهام شكلر (ميخائيل كربيسكي) ٬ حاييم ليكبورنيك ٬ بن يكير (دوف يوكوك) ٬ يتسحاق شلزنجر .

وفي غضون الخمسة والخمسين عاما التي تعاقبت على ذلك التاريخ (1921) ٬ طرد من هذه البلاد ٬ وجردوا من أرضهم واجلوا عنها مئات اليهود ومئات الآلاف من العرب ٬ لأنهم ناهضوا الصهيونية ٬ ولأنه لم يكن لهم مكان في كنفها ولأنها رغبت في أماكنهم .

1/5/1921 ‒ 1/5/1976 ٬ خمسة وخمسون عاما تفصل بين هذين التاريخين . ولكن بينهما عهد وثيق : حتمية الثورية التي توجب النضال ضد الاضطهاد والاستغلال والتفرقة ولأجل عالم أفضل . ذلكم هو النضال من أجل الاشتراكية .