طلعت صحيفة التايمز اللندنية (عدد 26 يناير 1976) على قرائها بخبر وفاة بنحاس لفون :
توفى بنحاس لفون عن عمر يناهز احدى وسبعين عاما ٬ تلكم الشخصية الرئيسية في “قضية لفون” التي نغّصت الحياة السياسية في اسرائيل خلال عشر سنوات .
لقد أسقطت هذه القضية حكومة ٬ وفسّخت الحزب الحاكم في اسرائيل وحوّلت الأصدقاء المقربين الى أعداء شرسين .
وكان لفون وزير الأمن سنة 1954 عندما قام وكلاء اسرائيليون في مصر بوضع المتفجرات في مكتبات أمريكية في القاهرة والاسكندرية وفي دور السينما المصرية التي عرضت أفلاما بريطانية وأمريكية . لقد رتبت الحملة بشكل ساذج . وتم القبض على أعضاء الشبكة . وقد انتحر احدهم اثناء محاكمته . واعدم اثنين ٬ وحكم على خمشة آخرين بمدد حبس طويلة .
وكان الهدف من هذه العملية المسّ بالعلاقات المصرية ‒ البريطانية والمصرية ‒ الأمريكية . وكذلك محاولة لافشال المفاوضات حول جلاء البريطانيين عن قناة السويس . وقد خشى الاسرائيليون من وقوع منشآت عسكرية هامة في أيدي أعدائهم المصريين بعد جلاء البريطانيين عنها . لم تناقش هذه الفكرة في الحكومة الاسرائيلية . وزعم لفون ان لا علم له بهذا المخطّط . ومهما يكن من أمر فان بنيامين جبلي رئيس قلم الاستخبارات العسكرية أصرّ في رأيه أن الوزير (لفون) هو الذي أصدر اليه الأوامر شخصيا لتعجيل تنفيذ المخطط .
وجرى التحقيق لمعرفة من الذي أصدر الأمر غير أن لجنة التحقيق عجزت عن الوصول الى نتيجة . وعلى أثر ذلك استقال لفون من الحكومة وأصبح سكرتيرا عاما للهستدروت .
وأرسل العميد جبلي الى لندن كملحق عسكري . غير أنه في سنة 1960 اعترف أحد رجاله في الخدمة العسكرية سابقا بأنه أدلى بشهادة كاذبة لصالح قائده امام لجنة التحقيق . ولم يكن ممكنا تقديم جبلي للقضاء بتهمة الحثّ على الادلاء بشهادة زور ٬ وذلك وفقا لقانون التقادم . ولكن جبلي أقيل من القوات المسلحة . وفي فترة لاحقة ٬ أدلت موظفة ٬ كانت قد اشتغلت سابقا لدى العميد جبلي ٬ ببيّنات ٬ أقنعت غالبية أعضاء الحكومة بوجود حقائق ملفّقة ضد لفون .
وأصدرت الحكومة قرارا ‒ عارضه بن غوريون ومعه أقلية ‒ يتعين منه ان الأوامر لحملة 1954 أعطيت ٬ دون علم لفون . وقد هاجم بن غوريون قرار الحكومة بدعوى أنه من خلال تنزيه لفون ٬ أدانت الحكومة العميد جبلي بشكل غير مباشر ودون محكمة . واحتجاجا منه على تدخل السلطة التنفيذية في مجال السلطة القضائية فقد استقال بن غوريون من رئاسة الحكومة وبذلك أسقط الحكومة كلها . وحذر من أنه لن يعود الى منصبه ما دام لفون يمثل الحزب كسكرتير عام للهستدروت . عندها اقترعت اللجنة المركزية للحزب وعزلت لفون .
وقد عمل بن غوريون ضد لفون ٬ لأنه زعم ٬ خلال صراعه لتطهير نفسه ٬ بأن هنالك طغمة في وزارة الدفاع ٬ عين افرادها من قبل بن غوريون ‒ قد دبرت مؤامرة لعزله (لفون) ٬ وبعد عزله من منصبه في الهستدروت لم يتسلم لفون أية وظيفة عامة …
* * *
هذه هي خلاصة قضية غامضة واحدة ٬ من منظومة العلاقات الاسرائيلية ‒ العربية ٬ تلك القضية المعروفة باسم “المهمة المشينة” .
الحقيقة أن هذه الضجة ما كانت لتثور ٬ لولا ان وضع المتفجرات في القاهرة والاسكندرية على أيدي عملاء اسرائيليين قد انتهى بالاخفاق ٬ والخسارة ٬ ولو لم تنفضح القضية على الملأ ٬ ولو لم يقدم عملاء اسرائيل للقضاء في مصر ويدانوا ولو لم … لما صارع بنحاس لفون لتطهير نفسه ولما علم الجمهور بهذه الجرائم .
غير أن “المهمة المشينة” قد فشلت ٬ وبدأت النزاعات الداخلية في القيادة الاسرائيلية ولطّخ كبار الدولة بعضهم بعضا كي يخرجوا سالمين نقيين .
لسنا الآن في صدد التحليل التأريخي للأحداث ٬ بل يجدر بنا لفت الانظار الى حقيقة أن عملاء اسرائيل الذين وضعوا المتفجرات في المنشآت المدنية في القاهرة والاسكندرية قد حظو في اسرائيل بلقب “قدّيسي القاهرة” وحتى الشوارع حملت اسمائهم . ورئيس الحكومة الاسرائيلية موشيه شريت أطلق لقب “هتلر” على الرئيس المصري حينئذ جمال عبد الناصر . أجل ٬ موشيه شريت الذي عرف الحقيقة حول هوية واضعي المتفجرات في القاهرة والاسكندرية . وأما رجال الفتح فيعرفون في اسرائيل “بالارهابيين” و”القتلة” . وأحيانا “نازيون” . تسميات يطلقها عليهم ديان (وهو من أبطال المهمة المشينة) وشارون (بطل قيبية) . وبجين (بطل دير ياسين ) .