aghourriya

قصة اعادة فتح الجامعة الأميركية وتجميد قرارات صرف معظم عمالها وأساتذتها وموظفيها والكف عن معزوفة اغلاقها ليست سوى مسرحية مضحكة ‒ مبكية توزعت ادوار الابطال فيها الدولة اللبنانية ممثلة بالقصر الجمهوري وادارة الجامعة الأميركية الممثلة بشخص رئيسها صاموئيل كيركوود ٬ الموظف السابق في سفارات الولايات المتحدة في باكستان وطهران .

ولهذه القصة ٬ تماما كما في المسرحيات ٬ “عقدة” وأهداف وحلول . ما عي وكيف ظهرت على امتداد السنة الماضية حتى انتهت باعادة فتح أبواب الجامعة في الخامس من الشهر الحالي ٬ يوم الاثنين الماضي ؟

ان الهدف الأساسي للسياسة الرسمية الأميركية العاملة على تركيز التغلغل على الجبهة المصرية وتنمية كافة المؤسسات التابعة بشكل أو باخر للولايات المتحدة في مصر ٬ أصبح تضييق دور الجامعة الأميركية في بيروت وتحويلها الى جامعة ثانوية لصالح الجامعة الأميركية في القاهرة التي أصبح مناطا بها أعداد الكوادر العربية بعد ان كانت الجامعة الأميركية في بيروت مكلفة بهذه المهمة .

وقد رافق تنفيذ هذه السياسة تحويل قسم لا يستهان به من المساعدات الحكومية الأميركية الى جامعة القاهرة وتحميل اعباء ذلك للطلاب عبر رفع الرسوم السنوية بنسبة 10 بالمئة كل سنة حتى عام 1980 أي بمعدل اجمالي يقارب ال-70 بالمئة . هذه السنة سوف يدفع طالب كلية الزراعة (على سبيل المثال) رسما سنويا يصل الى 9000 ليرة لبنانية بينما كان يدفع سنة 1975 ٬ 5000 ليرة وسنة 1952 500 ليرة لبنانية فقط !

على ان المخطط الذي تنفذه الجامعة الأميركية كان يقضي بان تتحمل الدولة اللبنانية (وبالاتفاق مع اربابها) قسطا من اعباء الجامعة دون ان يرتب ذلك اشرافا لبنانيا على الجامعة .

وهنا بدأ تنفيذ الشق الثاني من “المسرحية” فتعالى صوت رئيس الجامعة صاموئيل كيركوود معلنا تارة عن ضرورة رفع الرسوم وطورا عن رفض مجلس الشيوخ الأميركي دفع المساعدات السنوية للجامعة ٬ معلنا عن حتمية اقفال الجامعة وصولا الى الخطوة التصعيدية العملية الأهم : ارسال انذارات الصرف لموظفي واساتذة وعمال الجامعة باستثناء العاملين في المستشفى .

وكانت تصريحات صاموئيل كيركوود تأتي دوما بعد زياراته للقصر الجمهوري .

كانت لهذا التصعيد أسباب عدة ٬ أبرزها :

1 ‒ نفض يد الدولة من مسؤولياتها وتبيانها وكأنها مرغمة على قبول شروط الجامعة وتقديم المساعدات المادية لها دون الخوض بمشروع اللبننة أو على الأقل الحد الأدنى من الرقابة على ان يكون هذا الحل “اهون الشرين” بمقارنة مع اقفال الجامعة برمتها .

2 ‒ قطع الطريق على الوسطاء الذين كانوا يفاوضون باتجاه تجميد قرار رفع الرسوم مقابل مساعدات خاصة أو عربية بمساومة قوامها التخلي عن المطالب مقابل التخلي عن فكرة اقفال الجامعة أو على الأقل تجميدها ٬ هنا ايضا على أساس ان “شر” رفع الرسوم اهون من “شر” الاقفال . وقد “خرست” فعلا الأصوات التي ارتفعت فترة مطالبة الجامعة بالرجوع عن مقرراتها .

على ان قرار رفع الاقساط كان له هدف أساسي على الصعيد اللبناني الا وهو حصر الانتساب الى الجامعة على أبناء البرجوازية والاقطاع السياسي الحاكم وبعض المتمولين وتصفية الطلاب المنتمين الى بعض الفئات المتوسطة الذين استطاعوا خرق الحصار المالي المضروب حول الجامعة والذين شكلوا داخل الجامعة قاعدة لبعض الجيوب الوطنية التي برزت في السنوات الاخيرة داخل الحرم الجامعي الأميركي .

وانتهت “المسرحية” التي اعدها صاموئيل كيركوود بالتعاون مع الدولة يوم الاثنين الماضي عندما “افتتحت” الجامعة ابوابها بعد ان تخلى كيركوود المذكور عن تشاؤمه “لأن الجامعة على شفير الاقفال” وطمأن اللبنانيين انه “متفائل” لأن الجامعة سوف تستمر في برنامجها الأكاديمي الكامل لسنة 1975 ‒ 1976 التي تنتهي في أواخر ايلول المقبل “بحيث تغطي الفصلين الدراسيين ويحصل الطلاب في نهايتها على كامل متطلبات الدراسة من دون اية خسارة تلحق بهم !”

طبعا لم ينسى كيركوود شكر الحكومة اللبنانية على دعمها المالي للجامعة للخروج من “أزمتها” .

غير ان “لمسرحية” كيركوود ‒ الدولة فصولا لم تنشر وتستوجب الملاحظات الاتية :

1 ‒ ان افتتاح الجامعة الأميركية بالطريقة المعلومة وانتساب 2073 طالب اليها يعكس المأساة الفعلية التي يعيشها مليون تلميذ وطالب في الجامعات الأخرى والمدارس والذين لا يستحقون طبعا اهتمام الدولة وحلفائها الانعزاليين طالما ان أولاد هؤلاء مؤمنون اما بالجامعة الأميركية واما في جامعات بالخارج . وبديهي القول أيضا ان المليون ونصف المليون دولار التي وهبتها الدولة للجامعة الأميركية سوف تقتطع طبعا من الأموال المفروض رصدها للجامعة الوطنية لأن ثلاثين الف طالب فقير ومتوسط الحال يستطيعون الانتظار بينما أبناء الاثرياء “محشورين” على متابعة دروسهم والتفتح على نور العلم !

2 ‒ ان افتتاح الجامعة الأميركية في ظل بنادق قوى الأمن ومصفحات السلطة قد حول الحرم الجامعي الأميركي فعلا الى “منطقة مغلقة” جديدة لا سيما ان اكلاف التعليم هذه السنة باهظة جدا وان المعيشة مرتفعة بشكل جنوني ولا يستطيع تحمل اعبائها الا ابناء الاثرياء . وعلى سبيل المثال لا الحصر يدفع كل واحدمن الطلاب المنتسبين الى الجامعة هذه السنة 600 ل.ل. عن كل فصل (والسنة الدراسية فصلان) بدل ايجار غرفة داخل الحرم الجامعي هذا عدا طبعا عن رسوم الانتساب . اما الطلاب الباقون الذين لم يحظوا على غرفة في الجامعة فقد استأجروا شققا تتراوح بدلات ايجارها بين 150 و 300 ل.ل.

ان مدى خطورة هكذا “منطقة تعليمية مقفلة” (على الواقع اللبناني وعلى باقي القطاع التربوي والجمهور الطلابي) يبرز فعلا عندما نعرف ان من الأسباب الأساسية في الكارثة الوطنية التي نعيشها الان في ظل الحرب الأهلية وجود “جزر ثقافية” عملت عشرات السنين على بث التفرقة الفكرية والايديولوجية بين اللبنانيين .

ان هذه “الجزيرة التربوية” التي قامت في الجامعة الأميركية وبهذا الشكل تكشف الغطاء عن مدى نخبوية التعليم العالي التي تقوم الان بأموال هذه النخبوية التي تتغذى من الأموال اللبنانية وعلى حساب الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي عموما .

ويبرز أيضا فتح الجامعة الأميركية مدى صحة الشعار الذي طالما رفعته الحركة الوطنية وطالبت به بأن تمارس الدولة سلطاتها وتشرف على كافة مؤسسات التعليم العالي في لبنان وصولا الى “لبننة” الجامعات الأجنبية كافة !

الحرية ٬ 12-1-1976