هذا المقال وضع أصلا في الانجليزية بقلم طالب فلسطيني من اسرائيل . وهو مترجم الى العبرية في هذا العدد من “متسبين” . وليس هذا الطالب عضوا في منظمتنا , وليست المواقف التي يعكسها هذا المقال مطابقة لمواقفنا كذلك . وانما لأهميته رأينا وجوب نشره .
هيئة التحرير
1. الأقلية الفلسطينية , اسرائيل وفلسطين
أ ‒ الوعي الوطني الفلسطيني
تشكل الوطنية الفلسطينية في هذه الأيام حقيقة لا يستطيع تجاهلها حتى صهاينة اسرائيل . وبتعبير ايديولوجي يمكن القول أن “النزاع الاسرائيلي ‒ العربي” ليس الا تسمية كاذبة للصدام الحقيقي , بين الوطنية الفلسطينية والصهيونية , اللتين طمحتا وتطمحان الى تجسيد قومي في حدود فلسطين . ويزعم أصحاب النظريات الامبرياليون ‒ البرجوازيون أن نزاع الشرق الأوسط هو نزاع بين صاحبي حق . ان هذه رؤية مبسطة للغاية لطابع القضية , اذ لا يوجد هنالك أي صدام بين الحقوق المشروعة للشعب الاسرائيلي في تقرير المصير وبين نفس الحقوق للشعب الفلسطيني . وانما الصدام في أساسه بين الحركة الصهيونية الرجعية المدعومة بواسطة الامبريالية وبين الطموح القومي والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني , وليس تعاظم الوعي الوطني لدى الجماهير الفلسطينية بظاهرة جديدة , فتأريخها يرجع الى أكثر من نصف قرن . ولكن في الفترة الأخيرة اكتسبت هذه الظاهرة المقدرة على التجدد الذاتي . ويمكن القول بثقة ان حرب يونيو 1967 شكلت بداية جديدة بالنسبة للوطنية الفلسطينية . فلقد أطلقت الهزيمة العربية الوطنية الفلسطينية من الاغلال التي حالت دون انطلاقاتها على طريق الكفاح العسكري ‒ السياسي المستقل .
ب ‒ هويتنا الفلسطينية
منذ أمد ليس ببعيد كانت الأقلية الفلسطينية في اسرائيل تعتبر نفسها حسب مصطلحات حدّدتها لها البرجوازية الاسرائيلية . ويمكننا ايجاز هذه المصطلحات كالآتي : “عرب اسرائيليون” , “عرب اسرائيل” , “عرب مسلمون” , “دروز” , “عرب مسيحيون” , الخ … وقد تقبلت الأقلية الفلسطينية هذه التسميات بالتردد , واعتبروا أنفسهم “عرب اسرائيل” من خلال تأكيد (عرب) .
وقد اعتبر أغلب الاسرائيليين هؤلاء العرب أعداء وعاملوهم طبقا لذلك . فالحكم العسكري (أنظمة الدفاع , في حالة الطوارئ , 1945) لا يزال يكون جزءا من كتب القانون الاسرائيلي , وباختصار فقد كان الفلسطينيون نوعا من (الزنوج الاسرائيليين) . وفي أواخر الخمسينات بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة (ج.ع.م) بدأ الفلسطينيون في اسرائيل يعرفون أنفسهم كعرب , أبناء الأمة العربية , وهذه القومية لم تتحدّد بشكل خاص واكتسبت طابعا عاما غامضا . ومع ذلك فان هذا يعدّ بديلا أفضل اذا ما قورن بالأصناف السالفة للهوية . وهو خاصة أفضل من “عرب اسرائيل” .
وفي مطلع الستينات بدأ الشعب الفلسطيني يمثل هويته المضطهدة ويعبر عنها . ولقد شكل انشاء النواة الأولى لقوات المقاومة الفلسطينية (الفتح , الجبهة الشعبية وغيرهما) خطرا على زعامة ناصر كمناضل في سبيل القومية العربية , وأملا منه في انشاء قوة مقابلة للحركة الفلسطينية ووضعها تحت وصايته . وفي هذه الفترة بدأت نهضة عامة في الوعي الوطني الفلسطيني , ومما يجدر ذكره أن نشؤ الوطنية الفلسطينية بلغت الآوج أبان حرب يونيو 1967 , وفترة ما بعد الهزيمة العربية . وعقب ذلك موجة من الانخفاض والصمود وصلت مرحلة هامة في خطاب ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة . وكان لكل هذا اثره على موقف الأقلية الفلسطينية في اسرائيل , وعلى عواطفها وطموحها القومي . وخلصت هذه الأقلية الى ان الهوية القومية ليست بلباس ترتديه كلما توقع ذلك منها طوليدانو [“مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية”] وشركاؤه .
فالناس كائنات اجتماعية تسعو الى هوية ‒ وغالبا ما تعبر عنها ‒ والى عواطف وطموح قوميّ . علاوة على ذلك فان ثمة معالم بارزة للأقلية الفلسطينية تضفي عليها هوية خاصة بها . ورغم أن هوية كهذه لا يمكن ان تكون الا فلسطينية , فانها تختلف عن الهوية الفلسطينية العامة , كما تخلّت هذه بعد حرب يونيو . ومرجع ذلك الى التجربة الفريدة في نوعها التي مارستها الأقلية الفلسطينية التي تعيش في فلسطين منذ 27 عاما . والظروف التي أوجدت هذه التجربة الخاصة هي : الكولونيالية الصهيونية وما نجم وينجم عنها من اضطهاد قومي واستغلال اقتصادي ‒ رأسمالي.
ولقد تجاهلت المنظمات الفلسطينية الى حدّ ما , الأقلية الفلسطينية في اسرائيل , رغم انها تشكل ما يقرب 17% من مجموع الشعب الفلسطيني (الأقلية الفلسطينية في حدود اسرائيل قبل حرب يونيو 1967 . المترجم) . ولهذه الأقلية كسائر الفلسطينيين , الحق في تقرير المصير , ولكن لهذه الأقلية دور خاص في حركة التحرير الفلسطينية , ويتلخص هذا الدور في توعية الجماهير اليهودية ‒ الاسرائيلية ثوريا واعاناتهم في التحرر من العقلية الكولونيالية .
لذلك فاننا نرفض هوية “عرب اسرائيل” , التي فرضت علينا لأنها هوية زائفة , وهي كذلك تحوى في مضمونها تناقضا أساسيا , فهي صورة مصغرة للصراع الصهيوني ‒ الفلسطيني , هوية كهذه تؤدي الى تجزئة هويتنا الوطنية الفلسطينية وطمس معالمها , وهي تسبب لنا انفصال ما في القومية .
ج ‒ النزعة الخطرة
تعيش الأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل هذه الأيام فترة تحول , وهذه الفترة هي قمة تطور معين يمكن تحديده بدقة , كتحول من طبقة البروليتاريا الكولونيالية الى طبقة شبه برجوازية . ونجم عن هذا التطور وضع متضخم وزائف وذلك نتيجة لمرحلة حتمية وظروف غير طبيعية ‒ أي احتلال اسرائيل للضفة الغربية , قطاع غزة وهضبة الجولان , وتجلت احدى النتائج الخطرة لهذا الاحتلال في سوق العمل , فقد نشأت زيادة بالأيدي العاملة غير الحرفية , غزت السوق الاسرائيلي , ومصدرها الأراضي المحتلة , ونتيجة هامة أخرى ان المنتجات والسلع الاسرائيلية وجدت لها سوقا قريبا في الأراضي المحتلة . وبسبب هذا الوضع فأن العمال شبه الحرفيين من أبناء الأقلية الفلسطينية في اسرائيل ومن أبناء الاسرائيليين الشرقيين , صعدوا اقتصاديا واجتماعيا في السلم الاجتماعي الاسرائيلي .
كل هذه العوامل أدت في الفترة الأخيرة الى ازدهار في اسرائيل . وهذا الازدهار رهن باستمرار الظروف الحالية . أي باستمرار الاحتلال , ولم يتطور هذا الازدهار “بشكل طبيعي” . لهذا فأن النظام الرأسمالي والاجتماعي القديم سيظهر ثانية بعد زوال الاحتلال . أي انه لا مستقبل للأقلية الفلسطينية في اسرائيل , اذا اختارت طريق التطور الرأسمالي كوسيلة للتحرر القومي .
وبالأخذ بالاعتبار البنية الكولونيالية لاسرائيل فان هذه النزعة الى البرجوازية لن تستطيع التطور الى مستوى ذي مغزى وتأثير على الأقلية الفلسطينية بأسرها .
2. الدعوى في سبيل حزب ثوري فلسطيني
أ ‒ ضرورة استئصال العقدة الكولونيالية
ان قضيتنا تبقى طبقية في أساسها , ونحن ندرك الضرورة الى كفاح طبقي موحّد ضد الرأسمالية الصهيونية وضد الكولونيالية , ولسنا نبغى عملية انفصالية ‒ عنصرية , بل العكس : نحن نؤمن أن العمل المشترك لليهود والعرب يؤدي الى التحرر والاشتراكية لكلا الشعبين . وعلى كل حال , وبسبب الطابع الكولونيالي لاسرائيل نعتقد بوجود ضرورة الى استراتيجية مختلفة . فاسرائيل هي كيان استعماري (كولونيالي) ورغم ظاهرها الطبيعي فهي تبقى ذات بنية كولونيالية . ولا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن عقلية الجماهير الاسرائيلية هي عقلية استيطانية (لا تختلف في كثير عن عقلية المستوطنين الفرنسيين في الجزائر) . ولا نقدر كذلك أن نتجاهل عقلية جماهير الأقلية الفلسطينية , بحكم كونها عقلية شعب يعيش تحت حكم استعماري . لذلك فاننا نعتقد بضرورة البدء في نضالنا لاستئصال جذور العلاقات الكولونيالية والعقلية التي تربط المستوطن بالسكان الأصليين . نحن نؤمن بأن قيام حزب ثوري فلسطيني هو المنطلق لتحقيق هذه الغاية .
ان اقامة حزب ثوري فلسطيني سيخلق بؤرة لكشف المستقبل الثوري للفلسطينيين ثم للاسرائيليين . ان طرح القضايا التي تخصّ الأقلية الفلسطينية , ايضاحها , والنضال من أجل حلّها , فد يهئ الفرصة للجماهير اليهودية ‒ وخاصة أبناء الطوائف الشرقية الذين لا يختلف وضعهم بكثير عن وضعنا ‒ للانعتاق من الكولونيالية الصهيونية , وعندها ستربط الجماهير اليهودية وضع الأقلية الفلسطينية بالقضية الفلسطينية بأكملها .
ان انعتاق الجماهير اليهودية ‒ الاسرائيلية من الكولونيالية الصهيونية له أهمية حاسمة بالنسبة لهذه الجماهير اذ يسهّل عليها الاستعداد لانطلاق ثوريّ . وثمة ضرورة لشرح وتعرية الحلقة المفرغة التي تسود حياة معظم الجماهير الاسرائيلية .
ب ‒ القضايا التي تجابه جماهيرنا
لا يوجد للفلسطينيين في اسرائيل اليوم أي نصيب في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تتعلق بمصيرهم . فالسياسة التي تحدد نهج حياتهم صادرة عن غيرهم (وزارة طوليدانو الاستعمارية) ومفروضة عليهم . وتسيطر في كل مجلات حياتنا قرارات السياسيين الصهيونيين شركاء النظام الرأسمالي في هذه الدولة .
فأعمالهم (أو قصورهم) تخلد عدم المساواة , الفقر , الاذلال , وحشية الشرطة , التعذيب , الاعتقالات غير القانونية , انعدام الأمن , المضايقة , البطالة , مقاضاة أجور دنيا (الاشغال السوداء) , انعدام الحرية , أوضاع سكن متردية , عنصرية تحت رعاية الدولة , أذى نفساني , وكل شرور الكولونيالية .
وهنالك قضايا مشتركة بيننا وبين السفرديم [اليهود الشرقيين] , ولكن ثمة فارق أساسي قائم بيننا وبينهم : فبينما نحن شعب مستعمر (بفتح الميم) , فهم مستغلون (بفتح الغين) اقتصاديا عن طريق الرأسمالية . هم بروليتاريا المستعمرين (بالكسر) ونحن بروليتاريا الشعب الرازح تحت سيطرة المستعمرين (بالكسر) . ونحن كذلك قومية مضطهدة (بالفتح) تختلف كثيرا عن الأكثرية المضطهدة (بالكسر) . فنظام الحكم يرمى لشعبنا الفضلات الحقيرة , قليلا من التنازلات وقليلا من الوظائف الحكومية . ولكن هذا النظام لا يهدف الى وضع حد للعلاقات الكولونيالية التي تربط بين اليهود والعرب في هذه الدولة .
نحن ندرك الحقائق التالية :
لن تتحرر الأقلية الفلسطينية أبدا بواسطة دعمها لأحدى الأحزاب الصهيونية . سواء كان هذا الحزب “يساريا” أم يمينيا . ذلك لأن هذه الأحزاب موجودة في قبضة مضطهديها (بكسر الهاء) وحتى عن طريق الحزب الشيوعي الاسرائيلي (ركاح) فلن تتحرر الأقلية الفلسطينية , لأن هذا الحزب لا يقودهم حاليا الى أية غاية . التحرر يتم فقط بواسطة عمل ثوري جماهيريّ . وعلينا واجب تجنيد جماهيرنا . هذا هو البديل الأكثر واقعية . فلذلك نحن نطالب بحقنا في التنظيم .
ج ‒ ضد انصياعييّ (Conformist) ركاح
ان أحدى مهام نضالنا تعرية الكذب , الدماغوغية , الافلاس والاخفاق لكل من “اليسار الصهيوني” وركاح . ويجب علينا البرهنة على أن الخط السليم يتطور من خلال الكفاح ضد الخط الخاطئ ونحن لا نشك في الوعي الثوري لدى غالبية كادر (ركاح) , ولكن هذا الوعي يوجّه توجيها غير صحيح والى نشاط عديم القيمة لا يخدم مصالح جماهيرنا , بل يخدم البيروقراطية التي تتزعم الحزب الشيوعي (ركاح) . ان انعدام أي انجاز جوهريّ , والناجم عن السبيل المتخلف الذي تنتهجه ركاح , يلقي علينا واجب السعي الى بديل جديد وثوريّ حقيقي .
نحن نعتقد أن المدلول لقوة سياسية حقيقية هو المقدرة على ضمان حاجيات وطموح جماعة والعمل على تحقيقها . وأن المدلول لقوة سياسية بكل معنى الكلمة كونه في أن الجماعة هي التي تدير شؤونها بنفسها وتقرر مصيرها . وأن أي درجة لقوة سياسية تعني أن للجماعة الحق في التعبير عن الرأي فيما يتعلق بتحديد شروط وجودها . وهنا يبرز اخفاق (ركاح) .
وأما بقية اخفاقات (ركاح) فهي :
- فشلها في الوقوف في طليعة جهود لجبهة موحدة لحماية شعبنا من وحشية السلطات .
- تفويت فرص المشاركة في النضال وفي قيادة جماهيرنا , وليست ركاح بعد اليوم تعد حزبا طلائعيا يخطو قدما الى الثورة , بل غدت حزبا “يساريا” بيروقراطيا وانصياعيا (كونفورميّ) .
- ليس كلامها المنمق والطنان الا من عوارض الانصياعية والتستر على العجز والخمول .
- ان مغزى انحلال (ركاح) هو الدليل لضرورة بديل آخر ‒ حزب ثوريّ اشتراكي . ولنذكر : من لم يكن محاربا ثوريا فليس جديرا بتسمية شيوعيّ .
- ان مفهوم ركاح الخاطئ للبنية الكولونيالية لاسرائيل ادى الى انعدام شعبيتها في أوساط الجماهير اليهودية ‒الاسرائيلية .
د ‒ حتمية الانتماء لجانب معين
هنالك ضرورة حتمية لاقامة حزب ثوري فلسطيني قادر على التحول الى طليعة يمهد للثورة للأقلية الفلسطينية . ومن خلال مساره يتحول هذا الحزب الى وسيلة عون للجماهير اليهودية ‒ الاسرائيلية التي تريد الانعتاق من العقلية الصهيونية , وعندما يشتد الكفاح الثوريّ تشتد معه أزمة العلاقات الكولونيالية التي تربط الاسرائيليين والفلسطينيين . وان تعاظم الكفاح الثوري سيجلب الاضطهاد (والاضطهاد الوحشي) . وبذلك تكشف الصهيونية الكولونيالية عن وجهها البشع . ونحن نتوقع ازدياد الوعي الثوري لدى الجماهير الاسرائيلية , وسوف يكون اليهود الشرقيون ‒ سفرديم ‒ من أوائل المستيقظين من الحلم الصهيوني الكاذب . ولنذكر ان 60% من السكان اليهود هم سفرديم . ولا حاجة لشرح وتحليل استغلال الرأسمالية للسفرديم . وبحكم كونهم أبناء البروليتاريا المستغلة (بالفتح) فانه ستتوفر لديهم الأسباب الكافية للبدء في طرح الأسئلة حول جوهر البنية الرأسمالية لاسرائيل . وهنا تكون بداية لنقطة لقاء بين الاسرائيليين الثوريين والفلسطينيين وسيتظاهر الاسرائيليين والفلسطينيين لتحقيق الاحلام القابلة للتنفيذ , أحلام العدالة والسلام والاشتراكية .