[عن مجلة “الحرية” اللبنانية , العدد 723 , 2-6-1975]
من الشعر الشعبي المصري
نشأ الشاعر المصري فؤاد قاعور في بيئة شعبية فقيرة . وقد استطاع بعصاميته وجهده ان يتعلم القراءة والكتابة وان يشكل جوانب ثقافته بدون الدخول الى المدرسة أو الجامعة . وقد مارس الشاعر عددا كبيرا من المهن في مختلف الأوساط الشعبية والعمالية مما أدى به الى معايشة وتحسس معاناة وهموم الجماهير المصرية وتطلعاتها الثورية الديمقراطية .
ويعتبر الشاعر فؤاد قاعور من الشعراء القلائل الذين ساهموا في الستينات في رفع مستوى شعر العامية المصرية ودفعه خطوات الى الأمام (بعد بيرم التونسي وسيد درويش) .
وهو يمثل الى جانب زملائه من الشعراء الثوريين المصريين (سواء المعروفين منهم كأحمد فؤاد نجم) أو غير المعروفين (كمحمد سيف وزين العابدين فؤاد وشهاب الدين والشاذلي وسواهم) التعبير الصادق عن تطلعات الحركة الشعبية المصرية الناهضة .
وقد غنى له الشيخ امام عددا من قصائده مثل “احزان الفرد” و”الأمل والطريق” و”الحرب الحرب الحرب ولا غير الحرب بديل” وغيرها من القصائد الأخرى . نشر الشاعر عددا من قصائده في مجلة “صباح الخير” حيث كان يعمل . الا ان الرقابة تدخلت أكثر من مرة لمنع نشر أشعاره .
ومن أشهر قصائده “الغضب” التي يخاطب في مطلعه العمال المصريين قائلا :
“لمّا العيون طفحتْ
دموع حمرا
طلع الغضب بركا
كان شرر طاهر ..”
ومنها أيضا “عمال التراحيل” و”البياع” و”الجرس” و”سيكولوجية الانسان المتوسط” .
ولقد عبرت مختلف قصائده بكل قوة ووضوح عن المعارضة الشعبية ضد الممارسة البوليسية للنظام البورجوازي البيروقراطي وتصديه الدائم للحركة الشعبية الديمقراطية .
أعتقل الشاعر في عامي 1972 و73 على أثر تأييده للانتفاضات الطلابية . وهو يعتبر حاليا في طليعة الشعراء والفنانين الديمقراطيين الثوريين في مصر .
وقصيدته “الاعتراض” تنشر للمرة الأولى , وهي صرخة في وجه التمايز الطبقي والارهاب المسلط على الحركة الشعبية . ونشرها , في هذا الظرف الذي يتميز بتصاعد “الاعتراض” الجماهيري المصري , يأتي دليلا اضافيا على مواكبة الشعر الشعبي الحميمة لقضايا الجماهير ومشاركته مشاعرها وتطلعاتها .
الاعتراض
لمّا اعْترضْ ع اللي ما يِعْجِبنيش
تِسْعَد كتافي بِحَمْل مسؤوليّتي
وأحس اني بَعيشْ
ونا بَعْترض
أنا بعترض ع الباطل المطلوق سراحه
والحق متكتّف بجنزير حديد
وبعترض على قسمة المخاليق
حُرّاس وسادة وعبيد !
أنا بعترض ع الوحوش
الي بتنْهش فِ الغنم
وبعترض على الألَم
وع الوشوش *.
الخالية مِ التعبير
وبعترض على بند توزيع الكلام والسكوت
وبين شخص لُهْ في القول وشخص مالوش
أنا بعترض على ندوة المحاسيب
لما يكون الرأي خَدّام مصالح
وبتعرض ع الغِنَا
لما يكون اعلان في الانتخابات !
أنا بعترض ع الزحام
الماشي من غير كلام
غرقان في بحر السُكات
وبعترض على ندرة الأصوات
رغم الزيادة كل يوم في العدد !
أنا بعترض على الهوا
لما يكون مقصور على الشُرُفات
وبعترض على الميّة
اللي ما ترضاش تمشي في العالي
واعترض على الشمس
لما توزع ضوئها من غير عدل
وتطل ع القصر بس
وتهمل الاكواخ !
وبعترض وبعترض
على أي أمر يحيد عن المبدأ
ان كان صُغَيّر أو كبير
وبعترض وبعترض
على ملايين الحاجات
تفاصيل كتير لو قُلْتَها
البحر ما يكفيش مداد
لكن اعتراضي الأهم
ينصبّ قبل كل شيء
على العيون الكارهة للحرية
اللي بتنظر لي بغضب وعداء
ونا بعترض !
_______
* جمع “وش” , أي وجه .