المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية (متسبين) تنشر بهذا خلاصة النقاش , التي أجرته حول القضية الفلسطينية , عقب حرب أكتوبر 1973 ونتائجها . ونحن نعتبر هذه الخلاصة كخط موجه لنشاطنا السياسي في ميدان نضالنا السياسي داخل المجتمع الاسرائيلي في الفترة القريبة , ونحن نعرض هذه الخلاصة أمام اليسار العربي واليهودي وعلى الأخص , أمام الاشتراكيين الثوريين الاسرائيليين والفلسطينيين , الذين يحملون مثل فكرتنا , بأن الحل للقضايا الاجتماعية والقومية في منطقتنا , يحصّل بواسطة النضال الثوري من أجل الاشتراكية . وكما قلنا سالفا , فان هذه الخلاصة هي الخط الموجّه لنشاطنا خلال فترة معينة . ولسنا نراها صيغة لمبادئ أساسية , ولا خاتمة تحسم النقاش حول المسألة المطروحة وكل ما يتعلق بها .
ان منظمتنا صغيرة وضئيلة التأثير . ولكنها سوية مع المنظمات الاشتراكية الثورية الاخرى , تشكل القطب المضاد الوحيد للمعسكر الصهيوني كله . ذلك القطب الذي يحاول العمل من خلال تطوير نقد اشتراكي للوضع في الشرق الأوسط كله , وخاصة للصهيونية . ولكننا نقف أمام خطرين : الأول – الانحراف مع التيارات الفكرية الشائعة والآراء الرائحة وذلك للخلاص من العزلة والخروج من وراء الكواليس الى حلبة الأحداث . والخطر الثاني , هو التأقلم للعزلة والتسليم بالوقوف على الهامش وبرمجة خطط ليس بها من عيب , ولسنا معصومين في وجه هذه الأخطار , ولا نملك الوسائل العجيبة لمقاومتها , ولقد ارتكبنا بعض الاخطاء بين الفينة والأخرى , ومرجعها الى الخطر الثاني . أما الآن فيبدو وكأن الظروف مهيأة لاقناعنا في أخطاء ناشئة عن الخطر الأول , اذ نتيجة لحرب أكتوبر وما أعقبها من اعداد الخطط , فان القضية الفلسطينية تعرض اليوم بضوء “الواقعية” وبشكل “عمليّ” , وبطريقة “برغماتية” .
* * *
بين حزيران 1967 وأكتوبر 1973
لم تكن حرب أكتوبر منفصلة عن الحرب الدائمة بين الصهيونية والعالم العربي , فقد كانت (الجولة الرابعة) لهذه الحرب . وأسباب حرب أكتوبر راجعة الى الوضع الذي نشأ على أثر (الجولة الثالثة) – حرب 1967 والى التطورات التي أعقبتها في المنطقة وفي العالم .
لقد صعّدت حرب 1967 النضال الفلسطيني وجعلته عاملا مستقلا وديناميا . ولقد أبرزت التطورات السريعة لحركة المقاومة الفلسطينية احتمالات نضال شعبي ثوري ضد النظام الصهيوني والأنظمة العربية , وشكل هذا النضال خطرا على كل محاولة دبلوماسية بين الأنظمة القائمة , ذلك لأنه قائم على مقاومة حازمة وغير متهادنة مع الصهيونية . ولقد رغبت الأنظمة العربية بمساندة الاتحاد السوفييتي بتسوية تتلائم مع مصالحها الضيقة , وتنقذ مواقفها على المستوى العربي والعالمي , لذلك اقترحوا اتفاقية الحل الوسط المبنية على صيغة بسيطة الغاية : انسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة سنة 1967 , مقابل اعتراف سياسي باسرائيل والموافقة على ما انجزته الصهيونية لغاية حزيران 1967 (جواب مصر لغونار يارينغ) . وقبل أكتوبر 1973 لم تر الولايات المتحدة واسرائيل مغزى كبيرا بحلول وسطى بعيدة المدى : فاسرائيل قوية , عدوانية ونشطة هي الجواب لكل قضايا عدم الاستقرار في المنطقة . وهكذا فان اسرائيل تحت حماية الولايات المتحدة كانت معنية بحفظ الوضع الراهن : استمرار مرحلة الالحاق والضم مع املاء الشروط , وتقلّص الجدل داخل المعسكر الصهيوني الى حد هل ان الضم يجب أن يكون “زحفا” أم “عدوا” . وخلاصة القول , كانت هنالك ثلاثة احتمالات :
الاحتمال الأول : تطور نضال شعبي ضد الصهيونية والأنظمة العربية .
الاحتمال الثاني : استمرار مرحلة الضم وتوطيد الاحتلال .
الاحتمال الثالث : نظام علاقات جديدة قائمة على ارجاع الأراضي التي احتلت في 1967 .
لقد مثلت حركة المقاومة الفلسطينية الاحتمال الأول بصورة جزئية ومحدودة . وبعبارة أدقّ , لقد مثلت هذه الحركة الطريق الثوري باعتمادها على تجنيد الجماهير للنضال لأجل مصيرها . ولكن هذه الحركة ابتليت بنقص أو تحديد خطير , كنا قد وقفنا عليه مرارا في غضون السنوات السبع الأخيرة . فقد عملت حركة المقاومة على تجنيد الجماهير الفلسطينية فقط , لأجل اهداف فلسطينية , وذلك بمعزل عن قضايا الجماهير في المنطقة كلها . وبحكم كونها حركة قومية برجوازية لم تعتبر المقاومة النضال الفلسطيني كجزء من ثورة اجتماعية في الشرق العربي كله .
ان اندحار الحركة الفلسطينية أوضح نوعيتها المزدوجة : فاختيارها النضال الشعبي حرك القوى المضادة للثورة في المنطقة (المؤيدون لاستمرار السيطرة الاسرائيلية المطلقة والراغبون في تسوية دبلوماسية) للقضاء على هذه الحركة . كما أن خاصيتها ونقائصها الداخلية سببت اضعافها وانعزالها والقضاء عليها . وهكذا ففي ايلول 1970 ذبح حسين آلاف الفلسطينيين , بينما الحكام العرب لم يحركوا ساكنا ضده (وبعضهم سانده جهرا أو خفاء) ووقفت جيوش الولايات المتحدة واسرائيل متأهبة للتدخل (اذا اقتضت الضرورة) . وبعد ايلول 1970 أنزلن ضربات اضافية من قبل اسرائيل ولبنان على بقايا حركة المقاومة الفلسطينية وانجزوا تقريبا عملية القضاء عليها .
وبعد سحق الحركة الفلسطينية بدا وكأن الوضع هادئ , ولكن في الخفاء تفاعلت أحداث وشكلت تهديد على “الهدوء” . فقد فقدت الأنظمة العربية القومية التأييد الجماهيري , وحلت بالعالم الامبريالي تطورات ظهرت على أثرها علامة استفهام على سياسة الاستعمال المطلق للسوط الاسرائيلي في كبح جماح العالم العربي , ونذكر أزمة العلاقات بين الولايات المتحدة وبين أوروبا واليابان في جو الأزمة الاقتصادية الدولية . ان دينامية تطور الأحداث وقد وضعت في ضوء جديد كيفية استغلال المنطقة بأيدي الامبريالية . وعلى هذا الضوء يجب علينا أن نفحص من جديد مسألة التناقض بين الامبريالية وبين البرجوازية القومية , التي اصبحت عاملا أكثر دينامية وكذلك أهمية الحرب الطبقية في منطقتنا .
هذه القضايا هي موضع الجدل النظري في منطقتنا , ولسنا نتجاهل حقيقة أن الامبريالية ليست العامل الوحيد صاحب المصالح في المنطقة . ففي هذه الفترة تعتبر الامبريالية الاتحاد السوفييتي حليفا مؤقتا وسهلا للتسويات الدبلوماسية ضمن اطار المحاولات لتصميم سياسة الانفراج الدولي – “ديتانت” . ان تحليل الأوضاع في المنطقة خلال السنوات الأخيرة يوضح بأن رجحان الكفة بين الطريق التي اختارتها الحركة الفلسطينية وبين الطريقين الآخريين (الضم والتسويات) كان ممكنا بواسطة الحرب – الحرب الأهلية في الأردن – وكذلك فان رجحان الكفة بين طريق الضم وطريقة التسويات ممكنة بواسطة الحرب أيضا , ولهذا فحسب الوضع الذي كان قائما فان حرب أكتوبر كانت حتمية .
نتائج الحرب
الحرب وعلى اثر نتائجها , يتضح للجميع بأن الامبريالية تغيّر بشكل أو بآخر وسائل سياستها في المنطقة , بما في ذلك في اتجاه لتقليص الاعتماد المطلق على قوة اسرائيل في المنطقة . وليس ذلك يعني بأن الولايات المتحدة ستتنازل عن اعتمادها على قوة اسرائيل العسكرية وعلى خدماتها “ككلب حراسة” في المنطقة . ولكن اذا كان كلب الحراسة حتى الآن يعبث وينصرف وفق ارادته , يجمع ويخترق حدود جيرانه وبعض عن يمين وعن شمال , فان صاحب الكلب يشعر في هذه الأيام بالحاجة أكثر من أي وقت مضى لربط هذا الكلب ولجمه , أي : اجبار اسرائيل على انسحاب معين .
وهذا التحول في السياسة الأمريكية ذو صلة بالمحاولة لتلبية طلب العالم العربي لانسحاب اسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها سنة 1967 , على فرض أن العمل لتحقيق هذا الطلب سيساعد الامبريالية على البقاء في المنطقة لفترة طويلة ولتقوية سيطرتها كذلك , وفي اطار هذه السياسة تفكر السلطات الأمريكية كيف تبارى القضية الفلسطينية ولكن الشيء الواضح هو انه حتى لو تحققت المشاريع التي تحضّر في المطابخ الدبلوماسية وأدت الى اتفاقية بين النظام الصهيوني وبين الأنظمة في البلاد العربية , فان ذلك لن يكون حلا للمشكلة الأساسية للنزاع التأريخي بين الصهيونية وبين العالم العربي , هذا النزاع الذي تعود جذوره الى الطابع الاستيطاني لاسرائيل والى حقيقة كونها كلب حراسة للمصالح الامبريالية .
ان اتفاقا دبلوماسيا لن يغير بل سيوطد بقاء الشرق العربي ميدانا للاستغلال الامبريالي , وكل أهداف هذا الاتفاق هو زيادة الاستغلال وتثبيته . وضمن مجال الاستغلال هذا , فان اسرائيل هي الدولة الوحيدة غير مستغَلة اقتصاديا , بل العكس فهي تحصل على منافع اقتصادية وعسكرية مقابل ما تؤديه الامبريالية الأمريكية من خدمات عسكرية وسياسية . ان هذه العلاقة الأساسية بين الشرق العربي والامبريالية , وكذلك العلاقة بين اسرائيل والامبريالية , لن تتغير اليوم ولا في الغد , ان تغييرا أساسيا لهذه العلاقة قابل فقط , حسب رأينا , بطريقة واحدة – الطريق الثوري . وأما التغييرات المطروحة اليوم على بساط البحث فهي ليست ثورية , انما هي نتيجة للعبة دبلوماسية وعسكرية بين القوى والمصالح العالمية وبين الطبقات الحاكمة المحلية التي تحاول ايجاد توازن جديد للقوى .
ان نظرة كهذه للاتفاقيات المقبلة في الشرق الأوسط لا تعني بأننا ندعو حكومة اسرائيل للوقوف ضد الضغط الأمريكي والتمسك بالأراضي المحتلة , فالعكس هو الصحيح . وكما كنا قبل فما زلنا مستمرين في نضالنا من أجل انسحاب اسرائيلي فوري وغير مشروط من جميع الأراضي المحتلة . وذلك من وجهة نظر لنضال ثوري اشتراكي : نضال يتجاوز أطار المسألة الفلسطينية ويمس جذور الاستغلال الطبقيّ والاضطهاد القومي في المنطقة كلها , نضال يضمن نجاحه الحقوق الديمقراطية الكاملة لكل الشعوب , بما في ذلك حق تقرير المصير لجميع الشعوب غير العربية وبضمنهم الشعب اليهودي–الاسرائيلي ,
ان وجهة نظر كهذه تستوعب نضالا ضد الصهيونية والاستعمار . لذا فنحن نواجه السؤال : هل من المحتمل أن تكون نتائج ايجابية من حيث النضال للديناميكا المتطورة في الشرق الأوسط على أثر حرب أكتوبر 1973 ؟ جوابنا هو أنه رغم المبادرات الامبريالية ورغم تقوية الأنظمة العربية القائمة فان سير الأحداث منذ بداية الحرب يشكل تحولا من حيث الامكانيات والشروط الموضوعية .
يجب الاعتراف بالحقيقة أن اكراه اسرائيل على الانسحاب سيكون بالنسبة للولايات المتحدة مجرد تحرك محدود , ولكن بالنسبة للصهيونية فان ذلك يشكل هزيمة تأريخية , اذ للمرة الأولى افلح العرب في الوقوف أمام الصهيونية واجبارها على الدخول في حرب صعبة , ولهذه الحقيقة من الممكن أن تكون نتائج بعيدة الأثر بالنسبة لاحتمالات العمل الثوري داخل اسرائيل . ولحد الآن تمتعت الصهيونية بالتأييد الكامل من قبل الجماهير اليهودية في اسرائيل , وهذا التأييد كان قائما على الحقيقة الموضوعية وهي أن الصهيونية لم تضع هذه الجماهير في وضع بحيث يستغلون على أيدي الامبريالية , بل العكس : هذه الجماهير تنتفع من الاعانة الامبريالية مقابل ضمان المصالح الامبريالية في كل المنطقة . لقد أمنت الصهيونية للجماهير اليهودية وضعا مفضلا في المنطقة . ولكن تأييدهم للصهيونية كان شروطا الى حد كبير بالاعتقاد بأن الصهيونية قادرة على تأمين حياتهم وسلامتهم وعدم تعريضهم لخطر جديّ . ولقد بقى الدعم اليهودي مستمرا للصهيونية طالما أن اسطورة الصهيونية التي لا تغلب والتي تسير من نصر الى نصر , تقدر أن تفرض وجودها على المنطقة وعلى شروطها من خلال ثمن عسكري ضئيل , طالما ان هذه الأسطورة ظلت حية . ومما لا شك فيه أن حرت أكتوبر غيرت بشكل واضح هذا الوضع . فالصهيونية ليست اليوم قادرة على كل شيء , وخاصة اذا اضطرت للخضوع لتسوية من قبل الولايات المتحدة فأنه سيتضح كم هي خطرة المهمة التي هيأتها الصهيونية للجماهير اليهودية , والى أي حد موثوق مصيرها بالمصالح الامبريالية . من هنا تبدأ امكانية لتطور رديكالي داخل المجتمع الاسرائيلي .
ومع هذا من الممكن الفرض بأن نجاح السياسة والاستراتيجية المصرية والسورية – خاصة اذا تحقق الضغط الأمريكي واضطرت اسرائيل الى انسحاب عميق – فان ذلك سيؤدى الى ارتفاع قيمة الأنظمة العربية وكذلك سيؤدى ممارسة الضغط الأمريكي على اسرائيل لزيادة نفوذ الامبريالية في العالم العربي , وكما قال السادات فان الولايات المتحدة تقوم “بدور بناء” من أجل الوصول الى تسوية . . . ولكن الجماهير العربية ستبقى مستغلة من قبل الامبريالية وان الطبقات الحاكمة في العالم العربي – كسائر حكام العالم الثالث – سيبقون شركاء للامبريالية . وهذه الطبقات الحاكمة لا تستطيع حل المشاكل الأساسية لجماهير الشعب العربي . ولذلك فان الحرب الطبقية ستتفاقم ثانية في العالم العربي .
ومن الجدير بالتأكيد بأن البلاد العربية تختلف في هذا المضمار اختلافا شاسعا عن اسرائيل . فالطابع الخاص للصهيونية والمهمة الخاصة لاسرائيل في المنطقة يؤديان الى جعل القوة العسكرية المطلقة للنظام الصهيوني عاملا كافيا لتأييد الجماهير اليهودية في اسرائيل لهذا النظام بدون تحفظ . وليس الحال كذلك في الأقطار العربية . فاقتصاديات البلاد العربية لم تحصل على معونات أمريكية انما العكس . واذا بدا أن الأنظمة العربية قادرة أكثر من ذي قبل على حماية الأمن العسكري لبلادها فان ذلك لا يعني انها قادرة على حل المشاكل الداخلية . لذلك فانه يصح الافتراض بأن تثبيت الأنظمة العربية وارتفاع وقار الامبريالية الأمريكية في العالم العربي , لن يكون ذلك الا ظواهر عابرة .
بالاضافة الى ذلك يجب ان نعيد للذاكرة بأنه حتى الآن كان لا يزال سائدا الشعور بأن الصهيونية لا تقهر وانها قادرة على كل شيء وتشكل عقبة جدية امام تطور نضال شعبي في العالم العربي . وكل قوة تقدمية في العالم العربي تعلم بانه لا مناص من الصراع ضد القوة الاسرائيلية ان آجلا أو عاجلا . وحتى الآن لم تندحر الصهيونية اندحارا عسكريا , ولكن لا ريب فيه ان اسطورة القوة الصهيونية التي لا تقهر قد تزعزعت , وبهذا ازيلت عقبة جدية أمام النضال الشعبي في العالم العربي .
ان الحرب ونتائجها لم تحل القضايا الأساسية للمنطقة . وما زالت هنالك أخطار جديدة في الأفق . منها الخطورة بأن اسرائيل قد تحاول ارجاع العجلة الى الوراء وان تمحو , بواسطة (حرب انتقامية) ما أحدثته حرب أكتوبر بميزان القوى من تغييرات في غير صالح الصهيونية . وتعقد الآمال في الدوائر الاسرائيلية الحاكمة وفي أوساط اليمين بأن تكون هنالك فرصة مهيأة لحرب انتقامية ضمن هجوم امبريالي على مصادر النفط . ومع ذلك تتهيأ الآن امكانيات جديدة أمام النضال الثوري في اسرائيل وفي باقي دول المنطقة . ومن الجلى أن تحقيق هذه الامكانيات رهن بعمل مشترك للثوريين في كل المنطقة عربا ويهودا .
حول شعارات النضال
حتى حرب أكتوبر كان أحد شعارتنا الأساسية “يسقط الاحتلال” . (الآن قد اتضح ميل اقسام معينة من المعسكر الصهيوني للموافقة على الانسحاب من أكثرية المناطق المحتلة سنة 1967 , ولكن باشتراط شروط مدلولها احتلال مقنع أو املاء شروطا اسرائيلية) , ولكن اذا ما تجاوزنا قضية الانسحاب فان قضية مستقبل الشعب الفلسطيني تثور بكل حدتها , خاصة بسبب محاولات الصهيونية التوصل الى اتفاقيات اقليمية – دبلوماسية مع الأنظمة العربية مع تجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وخاصة مع التجاهل للمطالب المستعجلة لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة , وهذا التجاهل مصحوب بتشديد الاضطهاد في الأراضي المحتلة : الطرد , الاعتقالات , التشريد , وغير ذلك .
نحن نناضل ضد هذه السياسة ونستمر في النضال –
- من أجل الانسحاب الاسرائيلي الكامل الفوري وغير المشروط من جميع الأراضي المحتلة .
- ضد كل محاولة اسرائيلية تفرض على الفلسطينيين ممثليهم .
- ضد كل محاولة اسرائيلية تفرض مستقبل الأراضي التي تنسحب منها اسرائيل .
ونحن تعتقد أن النضال من أجل هذه المطالب هو واجب كل القوى الديمقراطية في اسرائيل بما فيها أولئك الذين لا ينظرون بايجابية الى المطالبة بانشاء سلطة فلسطينية مستقلة . وهذه القوى ملزمة بالنضال بلا هوادة ضد الاضطهاد المستمر والمتصاعد في الأراضي المحتلة . ونحن نؤكد ثانية أن الشعب الفلسطيني هو الذي يقرر كيف يحقق تقرير المصير . وأن من واجب الثوريين والديمقراطيين الاسرائيليين النضال ضد محاولات اسرائيل فرض الحل الذي نراه , وضد محاولاتها منع الفلسطينيين من تحقيق الشكل الذي يريدونه . لذا فانه من واجبنا التنديد بحكومة اسرائيل لرفضها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثلة للشعب العربي الفلسطيني , خاصة وقد اتضح أن الجماهير الفلسطينية ترى في هذه المنظمة الممثل المخلص لها . وبالاضافة الى ذلك : ان الجماهير الفلسطينية في الأراضي المحتلة تعارض استمرار الاحتلال الاسرائيلي . وتعارض رجوع حسين سفاح شعبها , وتغرب بانشاء سلطة فلسطينية مستقلة داخل الأراضي التي ستنسحب منها اسرائيل . ان من واجبنا النضال من أجل حقهم بتحقيق هذه الرغبة وضد كل محاولة لمنعهم من ذلك .
نحن كمنظمة اشتراكية ثورية ملقى على عاتقنا واجب آخر وهو محاربة الأوهام التي يزرعها اليسار الصهيوني , وكأن اقامة حكومة فلسطينية في الضفة والقطاع ستحل الى الأبد النزاع العربي – الاسرائيلي . وكأنه ليس بمستطاع اسرائيل فعل شيء سوى الانسحاب المنتظم من احتلال 1967 وكأنها لا تستطيع فعل شيء لكي يعيش الشعب اليهودي – الاسرائيلي بسلام مع الشعوب العربية . وحتى لو اضطرت اسرائيل الى الانسحاب الى حدود الرابع من حزيران “الخط الأخضر” فان المسألة الفلسطينية ستبقى في أوج حدّتها , واضحة وملموسة أكثر مما كانت عليه قبل حرب حزيران 1967:
- الجماهير الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وخارجها , الذين لا يسلّمون بواقعية التشريد , الاضطهاد , والغربة , ومشكلة هذه الجماهير لا تحلّ بواسطة دولة الضفة والقطاع .
- مشكلة نصف المليون فلسطيني في اسرائيل والذين يعيشون فيها كمواطنين من الدرجة الثالثة , تبقى هذه المشكلة بدون حل كذلك .
- وبعد الانسحاب فأن اسرائيل ستبقى ككلب حراسة للامبريالية , وتبقى على استعداد للهجوم فور تسلّم الاشارات من أسيادها .
- ديناميكية الاستيطان الصهيوني ستتضرر , ولكنها لن تقف – فستظل اسرائيل الصهيونية ترى أن رسالتها الأساسية هي , تجميع يهود العالم في “أرض اسرائيل التأريخية” حتى وأن كان ذلك على حساب مصالح سكانها وضد اغراض التطور في المنطقة .
لهذا فأن الجماهير الاسرائيلية ستستمر في تحمل العبء الناجم عن قيام دولة صهيونية كجسم غريب في الشرق العربي . ان المستقبل يضمر في غيبه قليلا من الزبدة وكثيرا من المدافع , قليلا من الأمن وكثيرا من الضحايا في النفوس .
ولا ينبغي لامكانية قيام دولة فلسطينية في الأراضي , التي ستضطر اسرائيل الى الانسحاب منها , أن تبلبل الاشتراكيين الثوريين العاملين في اسرائيل , ذلك لأن الانسحاب الاسرائيلي والدولة الفلسطينية لن يحلا “المسألة الفلسطينية” , ولذلك فاننا نؤكد مرة أخرى , بأن الحل الكامل للقضية الفلسطينية ممكن فقط ضمن نجاح النضال الثوري , من أجل الاشتراكية في كل المنطقة , النضال الذي سيدحر الامبريالية ويسقط نظام وكلائها المحليين في اسرائيل والدول العربية , ويلغى الحدود القائمة , يوحّد الشعوب العربية ويضمن الحقوق الكاملة للشعوب غير العربية التي تعيش في الشرق العربي .
اليسار الفلسطيني
لسنا نعتقد أنه من واجبنا ان نملى لليسار الفلسطيني أو اليسار العربي كله , برنامجا ولكن من يرى نفسه شريكا – ولو بالاحتمال – لنضال ثوريّ في كل المنطقة , فأنه ملزم بالتعبير عن آرائه بكل ما يتعلق بشركائه الممكنين . وفي هذا الاطار سنتعرض حسب رأينا باختصار , للمهمات المطروحة اليوم أمام الاشتراكيين الثوريين العرب بخصوص النضال الفلسطيني في المرحلة الراهنة وبما أن موضوع الساعة في هذه الأيام هو الانسحاب الاسرائيلي , فأن من واجب الثوريين الفلسطينيين رفع مطالب وشعارات أساسية وتطوير أساليب للنضال من أجل ضمان الاستقلال الفلسطيني , ومن أجل تطوير ودفع الوعي الثوريّ في صفوف الجماهير , هذه هي الطريق الحيوية , للمساهمة في تطوير ودفع النضال الشعبي الى الأمام .
ان التطورات التي استعرضناها آنفا – والتي جعلت الانسحاب الاسرائيلي لموضوع عمليّ وقابل للتنفيذ – هذه التطورات دفعت روح النضال في أوساط السكان في الأراضي المحتلة . ولكن في حالة انعدام نشاط ثوريّ فأنه من المحتمل الانسحاب الى |اعجوبة من السماء” بفضل جهود كيسنجر السادات وفيصل .
اذا فأي الشعارات والمطالب ترفع ؟ نحن نرفض الرأي القائل بأنه من الممكن التغلب على الاضطهاد القومي للشعب العربي الفلسطيني , وحلّ “المشكلة الفلسطينية” عن طريق نضال قومي فحسب , ومن خلال أرجاء النضال الاجتماعي فترة مؤجلة .
ان نظرية “التحرير على مراحل” تنادى بوحدة قومية في النضال , ديمقراطية برجوازية فيما بعد , وأخيرا النضال للتحرر الاجتماعي . هذه نظرة فاشلة , وتضع السلطة السياسية – العسكرية في أيدي الطبقات المستغلة (بكسر العين) , وموقفنا : يجب رفع مطالب وشعارات يصطدم تحقيقها مع النظام الاجتماعي القائم ويؤدي الى ابادته . مطالب وشعارات تشير الى اتجاه النضال , ويمكن تجنيد الجماهير حولها , ويشاركون في النضال . مطالب وشعارات تفضح وجه العدو .
ان المطالبة باقامة سلطة فلسطينية مستقلة قائمة على تنظيم الجماهير في مجالس عمال وفلاحين , ولاجئين – هي المطالبة التي تفى حسب رأينا بهذه الشروط . ومن هذه المطالبة من الممكن تطوير خطة نضال أكمل وأشمل . وبواسطتها يستطيع الثوريون العمل لتنظيم عمال الضفة والقطاع لنضال جماهيري سياسي من الآن وبدون انتظار لمؤتمر جنيف .
ولهذا النضال امكانيات ايجابية عظيمة , اذ لا يقتصر الأمر على تنظيم نضال جماهيري فحسب ولذا فهو سياسي في أصله ضد الاحتلال , انما يعني ذلك أيضا تحضير الجماهير وتنظيمهم للاستيلاء على السلطة في كل مكان – في كل قرية ومدينة وقطاع من الحياة العامة . وأمام الجماهير تقف مهمة عملية : الانتظام لأجل أن تؤسس الجماهير بأنفسها نظامهم الشعبي المستقل , بدون الانتظار حتى تمنح لهم هذه السلطة بواسطة مؤتمر جنيف .
ان التنظيم الذاتي في الأراضي المحتلة هو الآن وسيلة حيوية ضد التوسع والاستيطان الصهيوني , وهذه التنظيمات الشعبية تستطيع ضمان الحقوق الانسانية والقومية لسكان الأراضي المحتلة ضد الاحتلال والاضطهاد , من قبل اسرائيل أو من قبل السلطات الهاشمية , العاملين بالتعاون بينهم , تعاونا تأريخيا بين “عدوين صديقين” .
ان النضال ضد الاحتلال وضد المحاولات لاقامة دولة محمية (مشروع ألون , أو أي مشروع أمريكي – اسرائيلي آخر) يشكل جوابا حاسما للاستيطان الصهيوني وللكبرياء الاسرائيلية . وهذا النضال يثبت ان الشعب العربي الفلسطيني ليس “عامل أجنبي” , انما سكان ذوو جذور عميقة في هذا الجزء من البلاد , ولا يسلمون بواقع تشريدهم المستمر .
ونحن نعتقد بأنه يجب على الثوريين الفلسطينيين ألا يقبلوا الايديولوجيا والقيادة العربية – القومية , والتي بواسطتها تلعب منظمة التحرير الفلسطينية في أوساط الفلسطينيين نفس الدور الذي لعبته الناصرية في مصر والبعث في سوريا والعراق . وألا يقيلوا اختصار المسألة الفلسطينية كلها الى مسألة واحدة – اقامة دولة في الضفة أو عدم اقامتها . وعليهم ان يرفضوا سيطرة البرجوازية القومية على الأراضي التي ستخلى , تحت قناع “وحدة وطنية ضد العدو من الخارج” . وأن يرفضوا تأجيل النضال الطبقي للمرحلة التأريخية القادمة , وعليهم أن يرفضوا المحاولات الرامية لتحقيق مخطط أمريكي لنظام سياسي جديد في الشرق الأوسط , فيه تغدو الولايات المتحدة “الحامي” الأساسي للعرب في وجه السوط الصهيوني .
وواجب على كل برنامج ثوريّ في منطقتنا ان يمثل النضال الفلسطيني بربطه مع النضال الأكثر شمولا – ضد الامبريالية , ضد الصهيونية وضد الطبقات المستغلة في العالم العربي . برنامج ثوري كهذا هو بمثابة وسيلة لتجنيد أكثر اتساعا , يتجاوز الاطار الفلسطيني نفسه , ويشمل الجماهير العربية واليهودية في منطقتنا من أجل التحرر القومي والاجتماعي لشعوبنا .
ان منظمة التحرير الفلسطينية بحكم كونها منظمة برجوازية صغيرة , ليست قادرة بطبيعتها هذه على ادارة نضال ثوري . وهذا الطابع البرجوازي الصغير لمنظمة التحرير ينعكس برؤيته الشعب الفلسطيني والشعب الاسرائيلي كوحدات غير طبقية وغير قابلة للتقسيم . من هنا ينبعث كل أشكال الكفاح الخاصة بمنظمة التحرير , بما في ذلك الارهاب بلا تمييز والذي كل غايته ليبرهن “نحن هنا” .
ولا ترى منظمة التحرير الفلسطينية بالنضال الشعبي الأساس , بل على الغالب وسيلة مساعدة , وشعار “سلطة مستقلة” الذي ترفعه هذه المنظمة , لا يعني المطالبة بنضال شعبي , انما هذه خطة لتسوية , تحتل فيها هذه المنظمة مكانها الى جانب الأنظمة العربية القائمة .
ونعتقد أن ثمة خطر حقيقي اذ ربما تحاول منظمة التحرير الفلسطينية , العمل على ايقاف وتصفية النضال الشعبي , مقابل ضمان بأن تعطى لها السلطة حتى ولو في دولة محمية شبه مستقلة .
على القوة الثورية الفلسطينية أن تكون واعية للنضالات السياسية والطبقية التي تجرى في داخل المجتمع الاسرائيلي – هذه النضالات التي من المحتمل ان تتفاعل طرديا مع زيادة الضغط الخارجي على اسرائيل وعلى هذه القوى الثورية ألا تقف غير مبالية بهذه النضالات ونتائجها . ويجب ان يكون نضالها موجها لدعم التضامن مع المستغلين في اسرائيل . وبالاضافة الى كفاحهم ضد الصهيونية فأنه واجب على الثوريين الفلسطينيين أن يتوجهوا الى الشعب اليهودي – الاسرائيلي على أساس الخيار لحياة مشتركة ضمن الاحترام المتبادل لكامل الحقوق القومية – الديمقراطية , بما في ذلك حق تقرير المصير . وخيار أو بديل كهذا يسهل على القوى الثورية في اسرائيل تمهيد السبيل أمام طبقات كبيرة للتحول ضد النظام الصهيوني .
* * *
نحن نؤيد كفاح الشعب العربي الفلسطيني لتحرره – بما في ذلك نضاله لانسحاب اسرائيلي كامل وغير مشروط من الأراضي المحتلة في 1967 , لانشاء اطار سياسي مستقل فيها – ونناضل :
- من أجل انسحاب اسرائيلي كامل فوري وغير مشروط من جميع الأراضي المحتلة !
- وضد كل محاولة تفرض على الجماهير الفلسطينية ممثليها .
- وضد كل محاولة تفرض ما سوف يكون عليه مستقبل الأراضي التي تنسحب منها اسرائيل .
المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية “متسبين”
نوفمبر 1974