فيما يلي ننشر مقالا لطالب عربيّ , يدرس في احدى جامعات البلاد . وكان هدف هيئة التحرير في البداية اجراء مقابلة مع الطالب , فيما يتعلق بنضال الطلاب العرب من أجل حقهم في التنظيم في اطارات لجام الطلاب العرب , ضد محاولات السلطات وادارات الجامعات المسّ بحقهم الأساسي هذا . ةقد رفض الطالب تجزئة الموضوع الى مشاكل ثانوية . وأصر في رأيه بأن اضطهاد الطلاب العرب ليس الا حلقة في سلسلة السياسة الاسرائيلية من القضية الفلسطينية , بكاملها .

وهيئة التحرير متفقة في الرأي مع هذا الطالب في هذه المسألة . واتفقت معه أن يكتب مقالا لصحيفتنا , كبديل لاجراء مقابلة معه .

وهذا المقال – الذي يعبر بصراحة غير مألوفة في اسرائيل (لعوامل الاضطهاد والتخويف المعروفة) عن موقف عربي فلسطيني – ينشر فيما يلي بدون أي حذف . حتى وان لم يقترح كاتبه برنامجا لنضال يهودي – عربي مشترك وبروح اشتراكية ثورية , فان من واجبنا نشره كتعبير لعواطف ووجهات نظر قومية مكبوتة بيد عاتية في اسرائيل .

هيئة التحرير

*     *     *

تحاول أجهزة الاعلام الصهيوني في هذه الأيام , أن توهم الرأي العام الاسرائيلي , بوجود “أزمة طلاب عرب في جامعات البلاد” , وأن ثمة “عناصر معينة” , تحاول , “تعكير الهدؤ الذي كان سائدا منذ أمد بعيد في الجامعات” , وذلك بواسطة استغلال “مشاكل” الطلاب العرب , وتحريضهم ضد نظام الحكم . وفيما يلي , سأحاول كشف النقاب عن طبيعة هذه الأزمة . وهل هي حقا أزمتنا – أزمة الطلاب العرب – أم أزمة نظام الحكم الصهيوني الذي أكل الدهر عليه وشرب ؟

وقبل ان أبدأ , أودّ أن أسدى خالص النصح لكل من يريد أن يدرس ويتفهم مشاكل الشعب العربي الفلسطيني , في هذه البلاد , منذ 1948 , بما في ذلك طلابه وعماله وفلاحوه , بألّا يفعل ذلك بفصل قضايا هذا الشعب وعزلها عن نضاله الطويل , ضد الغزو الصهيوني والعنصرية الصهيونية . واذا أراد الباحث أو الدارس فصل هذه القضايا عن نضال هذا الشعب ضد الصهيونية , فانما يرتكب بذلك , جريمة تزييف الحقائق والواقع . على كل حال , اذا وجد مزيفون كهؤلاء لتأريخنا , فمرجعهم الأوثق ‒ وخاصة فيما يتعلق بالطلاب “العرب الاسرائيليين” ‒ هو (شموئيل) طوليدانو . فهذا الرجل حجة الصهاينة في هذا المضمار . ناهيك به “مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية” .

ان حرب حزيران (1967) وأثرها العميق في نفسية الانسان العربي , والضربة , التي انزلها الحكم الهاشمي , بالتعاون مع اسرائيل والامبريالية الأمريكية , بثورة التحرير الفلسطينية في الأردن عام 1970 , لم تتخطيا بآثارها البالغة , الشعب العربي الفلسطيني , بل في ذلك أبناء هذا الشعب الرازحين تحت الحكم الصهيوني منذ 1948 .

فنتيجة للنصر العسكري الاسرائيلي على أرض المعركة , تشبع جو الحياة في هذه البلاد , بتفوق اسرائيلي شامل ثقيل الوطأة , تجلى في كل شيء في معاملة العرب , على الصعيد الرسمي والشعبيّ . وبدت الصهيونية في أزهى أيامها , واجتهدت في ابراز الفلسطينيين في هذه البلاد , كأيتام يعيشون على مأدبتها ونفقتها , وكأقلية مجزأة الى طوائف دينية , وراح المستشرقون الصهاينة يتبارون في فبركة النظريات العنصرية حول أصل الفلسطينيين وتأريخهم , وغزرت هذه النظريات حتى حسب بعضهم أن سيلها سيمحو عروبة البلاد . فقيل أن الفلسطينيين هم من بقايا اليهود الذين لم يبرحوا البلاد منذ قديم الزمان . وقيل بل هم بقايا البدو الرحل الذين كانوا يردون فلسطين طلبا للكلأ والماء وسلب بعض القرى والمدن , ثم يرتدون بعيدا الى جوف الصحراء عبر الأردن .

ونشطت وزارة المعارف والثقافة بالتعاون مع مكتب طوليدانو , بنشر العديمة القومية بين أبناء هذا الشعب , فأشاعوا أن النصارى العرب أوهن قومية من المسلمين , وان الدروز ربطوا مصيرهم بمصير الحكم الصهيوني , وبدا للصهاينة الحالمين أن شعارهم القديم “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” قد بات وشيك التحقيق . فانهمكت الرؤوس الصهيونية بالترحيل والاستيطان في الأراضي المحتلة بعد 1967 , وبتحصين “الحدود” واقامة خطوط الدفاع درأ لغزوات “البرابرة” المغيرين على مراكز الامبراطورية الفتيّة . واستوت جولدا مئير على عرش أوسع امبراطورية عرفتها المنطقة , منذ زوال العثمانيين . وراحت تنتظر استسلام القبائل المجاورة , وعلى يمينها أمير الجيش رحمه الله ديان .

لقد كانت قائمة لجان للطلاب العرب في العهد الامبراطوري : لجنة القدس قائمة منذ نهاية سنوات الخمسين , ولجنة تل أبيب منذ 1969 , وكانت لها نشاطات اجتماعية وسياسية واسعة , ضد سياسة التفرقة العنصرية والاضطهاد والاحتلال . وكان من الطبيعي أن يتسع نشاط هذه اللجان وأن يتصاعد نضالها نتيجة لاتساع رقعة الاحتلال والامعان في اضطهاد الفلسطينيين .

ورغم نضال الطلاب العرب في تلك الفترة (1967 ‒ 1973) , فان أجهزة الأعلام الصهيوني لم تتحدث عن “أزمة طلاب عرب” ولا عن “العناصر المعينة المعنيّة بتعكير الهدوء في الجامعات” . فماذا جرى ؟ وما سرّ الأزمة الطلابية العربية ؟

لقد بدّدت حرب أكتوبر ضباب التفوق الاسرائيلي الكثيف بسرعة فائقة . فكان لذلك أثره البعيد على أبناء الشعب الفلسطيني الرازحين تحت الحكم الصهيوني منذ 1948 . وكان من أهم النتائج لهذه الحرب , هي الكشف عن جذور الصراع العربي ‒ الاسرائيلي ‒ وهي الغزو الصهيوني لفلسطين وتشريد شعبها . واليوم لا يقبل العالم العربي , وكذلك أقلية اسرائيلية غير ضئيلة لها وزنها وتأثيرها , والعالم كله أي اقتراح لتسوية في الشرق الأوسط بدون الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني بما في ذلك ممارسة حقه القومي ‒ السياسي في وطنه , وبدون الاعتراف بممثليه الشرعيين , وبدون الجلوس معهم الى مائدة المفاوضات . وبذلك ردّت حرب أكتوبر كل افتراءات الصهيونية وأباطيلها الى نحرها . اذ زعمت منذ 1948 وحتى اليوم , أن القضية ليست فلسطينية , بل مسألة نزاع مع العالم العربي , مسألة اعتراف متبادل بين اسرائيل والدول العربية .

لقد كان محتما أن تلقى مسألة تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني , أشد الاهتمام لدى أبناء هذا الشعب الذين يدرسون في الجامعات الاسرائيلية , وخاصة على ضوء ما احرزته حركة التحرير الفلسطيني من كسب سياسي خطير في العام المنصرم , وأن كان هؤلاء الطلاب يعدون في القانون الاسرائيليّ “مواطنون متساوو الحقوق” .

طلاب عرب ويهود يذودون عن اجتماع في جامعة تل أبيب , 1975

طلاب عرب ويهود يذودون عن اجتماع في جامعة تل أبيب , 1975

وكان من المحتم أن يتحوّل نضال الطلاب العرب , وكذلك نضال الشعب الفلسطيني في البلاد , من نضال لأجل ضمان حقوقهم الديمقراطية , والمساواة والعدالة في المجتمع الاسرائيليّ , الى نضال ذي طابع قومي تحرّيّ . وخاصة بالأخذ بالاعتبار , أن هذا الشعب الصامد منذ 1948 , قد ذاق وعانى الكفاية معنى الحياة تحت الحكم الصهيوني , فأبناء هذا الشعب كانوا طيلة الوقت متساوي الحقوق على الورق فقط , بينما كان ‒ ولا يزال ‒ نظام الحكم يطبق ويمارس ضدهم قوانين الاحتلال البريطاني الكولونيالي (أنظمة الطوارئ ‒ 1945) , وها هم ‒ مثلا ‒ رؤساء السلطات المحلية العربية في اسرائيل , يجتمعون لأول مرة منذ 1948 ‒ في الناصرة 16/2/1975 ‒ وبعد أكثر من ربع قرن من “المساواة” فيرفعون شعارهم الكبير في وجه الحكم : “المساواة مع السلطات المحلية اليهودية” , ومثلا يصرح طوليدانو بأنه غير مرغوب في قيام لجان عربية مستقلة في الجامعات (“يديعوت أحرونوت , 27/1/1975) . وما هذا الا أمثلة قليلة جدا من الاف دامغات .

وكل ذلك يثبت بشكل قاطع أن النضال السياسي ‒ الاجتماعي الذي خاضه عرب هذه البلاد , منذ سنة 1948 وحتى هذا اليوم , ضد حكم يضع مثله الصهيونية فوق أي قيم انسانية , قد فشل فشلا ذريعا . ومما يجدر ذكره أن فشل هذا النضال لا يرجع فحسب الى سياسة الاضطهاد الشرس , بل الى حقيقة ان هذا النضال لم يخرج عن أطار الأحزاب الاسرائيلية ‒ بدون أي استثناء ‒ العاملة في نطاق القانون الاسرائيلي والجالسة في البرلمان الصهيوني . وما نضال تحت قيادة كهذه وبشكل كهذا , الا استنزاف لقوى الشعب العربي الفلسطيني في هذه البلاد , وبلبلة لصفوفه وتمديد لاضطهاده . كما أن خوض النضال في كنف الأحزاب الاسرائيلية يعين على تقوية نظام الحكم الصهيوني .

وهذه التجربة للجماهير العربية في اسرائيل , تثير في هذه الأيام وعلى ضوء الكسب السياسي الكبير الذي أحرزته حركة التحرير الفلسطينية بعد حرب أكتوبر , السؤال المصيريّ :

كيف يمارس العرب الفلسطينيون في اسرائيل ‒ كجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني ‒ حقهم في تقرير مصيرهم ؟

وفي الوقت الذي أصبحت فيه المسألة الفلسطينية قضية الساعة في المجتمع الاسرائيلي من أقصى اليسار الى أقصى اليمين , تحاول السلطات بشتى وسائل الضغط والتهديد , أن تكمّم أفواه الطلبة العرب وأن تلزمهم الحياد وعدم المشاركة في أي حوار مع زملائهم الطلبة اليهود . ذلك لأن “هؤلاء طلاب عرب اسرائيليون ولا يمتون بصلة الى الشعب العربي الفلسطيني” . ولا يتعدون كونهم خليط من الملل والنحل : سنيون , شيعة , بروتستانت , كاثوليك , أورثودوكس , دروز , ولا ينقصهم شيء , بطونهم مليئة , و”يسمحون” لهم أن يدرسوا في أكثر الجامعات تقدما في العالم , “على حساب دافع الضرائب اليهودي” وعلى حساب طوليدانو والهستدروت وما يدريك لعله على حساب القيرن قييمت … بينما الطلاب اليهود يخدمون في الجيش ويؤمنون سلامتهم ‒ الطلاب العرب ‒ من “الأعداء المحدقين” .

كيف لا تثير حركة التحرير الفلسطينية اهتمام الطلبة العرب الفلسطينيين , الذين يدرسون في جامعات البلاد , أو في جامعة تل أبيب مثلا ؟ خاصة وهم يرون أن مصيرهم حتى في جامعة تل أبيب , قد آل الى مصير شعبهم ‒ الى الخيام , لأن تل أبيب الحضارية ‒ العنصرية لا تؤجر غرفا للعرب . وروى الطلبة العرب لمراسلي الصدف الذين جاءوا لزيارتهم في الخيمة (التي أقاموها في جامعة تل أبيب لانعدام مكان سكن آخر) أن مشاكلهم غير ناجمة عن “المصاعب الاقتصادية للدولة” ولا عن “المشاكل الجنسية” للطالب العربي , وليس بسبب غياب طوليدانو في اجازة (!!) وأن الأمر ليس أزمة سكن لطلاب عرب هنا أو هناك , بل هي مشكلة سكن لشعب بأسره . وأن أصل مشاكل الطلاب العرب راجع الى الأفكار الصهيونية وأعمالها منذ بدايتها : الشيخ مؤنس (حيث تقوم على أرضها جامعة تل أبيب) وشرم الشيخ , برعم ورفح , الجولان والخان الأحمر .

وروى الطلاب العرب للمراسلين في مناسبة أخرى , انهم لا يستطيعون التمييز بين اغلاق مدينة تل أبيب أمام الطلبة العرب , واغلاق قاعات الجامعة أمام النشاطات الاجتماعية والسياسية للجنة الطلاب العرب من ناحية , وبين أقفال أبواب البلاد في وجه الفلسطينيين وفتحها لكل يهودي ‒ أينما وجد ‒ يريد الهجرة اليها من ناحية أخرى . كيف يمكن التمييز بين السياسة العنصرية الفاشية تجاه الطلاب العرب في جامعات البلاد ‒ وخاصة في تل أبيب وبار ايلان ‒ وبين قانون العودة الصهيوني العنصري ؟

أما الصحافة فقد زيفت هذه الحقائق وزعمت ان الطلاب العرب يعانون من مشاكل سكن , بدون أدنى محاولة للكشف عن السياسة المتعمدة الكامنة وراء هذه المشاكل . وانما أوردت الصحافة النبأ تحت عناوين طنانة : “الدائرة الحكومية الفلانية تخصص المبالغ لمساعدة الطلبة العرب” أو “الموظف الفلاني” ‒ الصهيوني طبعا ‒ “قرّر حل المشكلة خلال أسبوع” !

أليست سياسة التنكر لحقوق الطلاب العرب في اقامة تنظيماتهم الطلابية في الجامعات , هي من السياسة الصهيونية العريضة سياسة التنكر لوجود الشعب العربي الفلسطيني , وعدم الاعتراف بحقه في تقرير المصير , واختيار ممثليه ؟ وما “الارهاب الفلسطيني” الا “مبرّر” مفضوح لسياسة التنكر العنصرية .

ويعلم الشعب الفلسطيني في اسرائيل , وخاصة طلابه ومثقفوه , أن شعار “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” لا يزال , يحوم في مكاتب السلطات , بما في ذلك مكتب طوليدانو , وان هذه السلطات تعمل بشكل منهجي وثابت لتحقيق هذه الاسطورة الاجرامية : “فمنظمة التحرير الفلسطينية ارهابية ومبادئها تتنافي وأدنى القيم الانسانية , اذا فلا اعتراف ولا مفاوضات” , وان “قيام لجان عربية مستقلة في الجامعات غير مرغوب فيه” لأنه “يقف وراءها عناصر معنيّة بتعكير الهدوء في الجامعات وبتحريض الطلاب العرب ضد نظام الحكم” . ومدير القسم العربي في وزارة المعارف والثقافة ‒ عمانوئيل كوبليفيتش ‒ لا يريد أن يتحدث مع “الاتحاد القطري للثانويين العرب في اسرائيل” , وليس لسبب عنصري , حاشا وكلا , الأمر بسيط , كوبليفيتش لا يعترف بهذا الاتحاد ! والمظاهرة التي قام بها التلاميذ الفلسطينيين في الناصرة , في نوفمبر الماضي , ضد اسحاق رابين , اثناء زيارته للمدينة , ترجع الى “تحريض الشيوعيين” . وانتفاضة الشعب العربي الفلسطيني في الأرض المحتلة في نوفمبر الماضي , تأييدا لمنظمة التحرير الفلسطينية ولكسبها السياسي العالميّ , انعكست في أجهزة الدعاية المحتلة “كتظاهرة أولاد” تدعمها “حفنة من العناصر المتطرفة المنتمية للحزب الشيوعي والجبهة الوطنية الفلسطينية” . هذا في الوقت الذي يعلم فيه كل العالم أن سجون الاحتلال قد طفحت بالاسرى السياسيين من طليعة حركة التحرير الفلسطينية بالاضافة الى مئات المطرودين أو المبعدين الى الأردن ولبنان وغيرها .

وأود أن أتسائل هنا : كيف ان دولة كهذه , ذات قوة ضاربة في المنطقة , تعجز عن تأديب هؤلاء “الأولاد” ؟

ألم يفتر الصهاينة طيلة الوقت أن المقاتل العربي جبان ضعيف النفس يلقى سلاحه ويخلع نعليه لسماعه أول طلقة ؟ حتى جاء أكتوبر , فحصد الصهاينة ما زرعوا . وكان آخر ما جنوه وقدموه لشعبهم الاسرائيلي ‒ قرار لجنة أجرنات . فلو كان لهؤلاء العسكريين شيء من العقل لتصرفوا مع العالم العربي الذي عجزوا عن اخضاعه حسب المثل : “شجاعة عدوك تشرفك” .

لم ينزعج الصهاينة أبدا من أثارة القضية الفلسطينية سنويا ولاكثر من ربع قرن في هيئة الأمم المتحدة كمشكلة “مجموعة من اللاجئين المساكين الذين يعيشون في أقسى الظروف بسبب قساوة وتعنت ورفض اخوتهم العرب توطينهم في سوريا ومصر وغيرها , ولكن عندما ظهر عرفات في الأمم المتحدة كممثل لحركة التحرر الوطني للفلسطينيين , رأينا كيف أن تكواع [السفير الاسرائيلي للأمم المتحدة] لم يعد قادرا على شيء سوى الرش الأوتوماتيكي للشتائم . وهكذا أيضا تصرف دافيد العزار في أكتوبر 1973 , عندما “كسر عظام العرب” أو بالعكس .

*     *     *

طوليدانو لا يريد الطلاب أن يختاروا ممثليهم بأنفسهم , ولا يريدهم كذلك أن يتعاونوا مع اليسار الاسرائيلي ضد سياسة التفرقة العنصرية ولا يريدهم أن يتكلموا أبدا . لا يحق للطلاب العرب ان يساهموا في نضال شعبهم . والصهيونية , يجوز لها ما لا يجوز لغيرها . يجوز لها حتى ان تفتخر وتخلد على أوراق النقد الاسرائيلي ‒ فئة العشر ليرات الجديدة ‒ جرائمها البربرية , ابتداء من منتفيوري , الذي يرمز الى بداية الغزو الصهيوني , وحتى باب الخليل الذي يرمز الى احتلال القدس وضمها لاسرائيل .

صورة منتفيوري على فئة العشر ليرات الجديدة

صورة منتفيوري على فئة العشر ليرات الجديدة

صورة باب الخليل في القدس

صورة باب الخليل في القدس

الحقيقة أن تصريحات طوليدانو هذه , ونشاطه ضد تنظيمات الطلاب العرب , ومحاولاته لايجاد ممثلين “مناسبين” لهم , جاءت متأخرة جدا , وهذا لعمرى عجز طوليدانيّ , يتطلب على الأقل , تعيين لجنة تحقيق , ولا يجب بالحتم تسميتها “لجنة أجرانات” . على كل حال يستطيع طوليدانو ان يغامر ويقامر ويجرب حظه . ولتكن له بشمعون بيرس أسوة حسنة . فهذا الرجل بالاضافة الى كونه شبه جنرال ناجح , فهو سياسي محنك , ففي اوج الانتفاضة الشعبية في الضفة الغربية في نوفمبر 1974 , رأى هذا العسكريّ الغريب من المناسب أن يبدأ بجولة من المحادثات “المكثفة” مع “أعيار الضفة” أملا منه “لانقاذ” الوضع , وايجاد ممثلين فلسطينيين “مناسبين” ‒ على شاكلته ‒ للجلوس معا في جنيف , فجاء الردّ لهذه الولدنة البيرسية صفعة مصلصلة , وليست هذه المرة من عناصر شيوعية أو قومية , انما من صديق حميم , عرف عند الصهاينة “بالجرأة , ورجاحة العقل والمناداة بالتفاهم العربي ‒ اليهودي” تحت الاحتلال . جاءت الصفعة المصلصلة من الشيخ الجعبري الذي ناشد عمال الأراضي المحتلة , بألا يذهبوا للعمل في اقامة المستعمرات الصهيونية على أرضهم .

*     *     *

فليجرب طوليدانو نصيبه . ليلقى شبكته . فقد يحالفه الحظ ويجد في الشبكة آخر ما بقى من حشرات المجتمع العربي , فيجعل منها ممثلين للطلاب و”يستقيم له الأمر” . . . وأما ان خرجت الشبكة فارغة فعلى الرجل أن يخرج الى اجازة . . . طويلة سوية مع نظام حكمه .