ان قضى عام تقريبا على العاصفة الصغيرة التي نشبت في “ركاح” [الحزب الشيوعي الاسرائيلي] وذلك نتيجة لقيام بعض أعضائها ‒ أدباء وشعراء ‒ بالتوقيع على البيان اليهودي ‒ العربي المشترك للأدباء والشعراء , ذلك البيان الذي وضع كلا من عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة , وعمليات الاضطهاد و”حفظ الأمن” والغارات الاسرائيلية البربرية في لبنان , في صيغة واحدة متناسقة , وكأنما عمليات المضطهِد والمضطهَد واحدة .
ولقد أثارت هذه الصيغة الكاذبة سخط الكثيرين من الأعضاء في الحزب الشيوعي الاسرائيلي . وفي اعتقادنا ‒ عن حقّ .
وكانت النتيجة : نشر تحفظ علني من الصيغة الكاذبة .
وها هي الآن تتكرر الظاهرة عينها: ان رجال ركاح نشيطون جدا في نطاق “اللجنة من أجل السلام العادل بين اسرائيل والدول العربية” , أو بالأحرى اللجنة المعروفة باسم لجنة بولونيا . و[رجال]ركاح يشكلون الروح الحيّة لهذه اللجنة . وليس نشاطهم فيها غير محدّد . ففي أطار هذه اللجنة , أقيمت مؤخرا في 15 شباط ندوة دراسية حول المسألة الفلسطينية , وكالعادة ضمن مقاطعة شاملة لجميع العوامل المعادية للصهيونية .
وركاح , ذلك الحزب المعادي للصهيونية نظريا , تعمل جاهدة لتغطية مواقفها العلنية المعادية للصهيونية , وذلك بتكريس غالب جهودها لكسب نوع من التعاون مع الصهيونية كما هو في نطاق لجنة بولونيا . ومبدئيا ليس مفروضا كل تعاون بين الصهاينة ومناوئي الصهاينة , ولكن الطريق الذي تسلكه قيادة ركاح الى هذا التعاون , ملئ بالتنازلات عن مواقف مبدئية , بعبارة أخرى , طريق حافل بالتملق والتذلّل .
فها هو مثلا , البند الرابع من قرارات الندوة , للجنة بولونيا حول المسألة الفلسطينية , ينصّ على اعتراف متبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على أساس “وقف أعمال العنف” … ولسنا الآن في صدد البحث حول كافة المشاكل المتعلقة بهذا الموضوع , انما نودّ الوقوف على ثلاث كلمات “وقف أعمال العنف” .
فما هذا , وما معناه , وما القصد ؟
والمطلوب من ركاح أن توضح لنا النيّة المتستّرة وراء هذه الكلمات الثلاث , هذا واجبها . وألا جاز لنا فهم هذه الكلمات بنصها , أي : العنف شرّ دائما , وسيّان عنف المضطهِد وعنف المضطهَد , هكذا يشخص الشيوعيون ؟ أهكذا يقيّم الماركسيون ‒ اللينينيون مسألة العنف ومسألة النضال المسلح ؟ نحن نطالب بالجواب .
وعمليا تستطيع قيادة ركاح تجاهل طلبنا هذه , ولكن هنالك الكثيرون من أعضاء ركاح ممن يشاركوننا في هذا الطلب , وهم , بصرف النظر عن مواقفنا ووجهات نظرنا , يطالبون توضيحا جليا مبينا لهذه المسألة .
ومرة أخرى ركاح , وثانية بولونيا .
جاء في البند السابع من قرارات الندوة سالفة الذكر : “من الندوة تبعث الطالبة الحازمة الى سلطات اسرائيل لاطلاق سراح مناضل السلام وأخوه الشعوب بشير البرغوثي” .
مع كل الاحترام , هذا طلب ديمقراطي أساسي . ولكن السؤال الذي يطرح هنا ‒ هل تتلخص قضية اضطهاد الشعب العربي الفلسطيني في ضحية واحدة أسمها بشير برغوثي ؟ أليس هنالك لآلاف الفلسطينيين المعتقلين في السجون الاسرائيلية ؟ أيجوز للشيوعيين فصل اعتقال بشير برغوثي عن اعتقال وأسر وتعذيب واجلاء الكثيرين الآخرين ؟
جوابنا ‒ كلا ثم كلا …
والحزب الشيوعي نفسه لا يفرق بين اعتقال البرغوثي وبين سائر سياسة الاحتلال والاضطهاد , وفي صحفه بالعبرية والعربية , يتحدث الحزب بافاضة عن أعمال الاضطهاد . فماذا جرى هذه المرة ؟
حل وسط , مساومة حقيرة جاءت لتوطيد التعاون بين ركاح وبين [حزب] المبام المشتركة في الائتلاف الحكوميّ والمشاركة في الاحتلال والاضطهاد .
لو كانت الندوة الدراسية للجنة بولونيا ندوة دراسية حقّة , بحيث يسمح فيها لكل مناهضي الاحتلال بالتعبير عن آرائهم , لكان من المؤكد ان يثور الجدل بين ممثلي ركاح وممثلي المبام حول مسألة الاضطهاد عامة ومسألة برغوثي خاصة . لو كان الحال كذلك لكان بمستطاع ممثلي ركاح نشر صفحة الاحتلال والاضطهاد بكاملها والتعرض لاعتقال البرغوثي على أساس هذه الخلفية العامة , خلفية الاحتلال , وليس بمعزل عنها , أو كأمر شخصيّ , أو غير محدّد هكذا كما فعلت ركاح . ولكن حقيقة تلك الندوة لا تتعدى كونها تمثيلية قد صمّم لاعبوها مسبقا كل خطوة وحركة . وهؤلاء اللاعبون أو الممثلون بقيادة ركاح يخشون من اغضاب شركائهم .
والنتيجة : تبرئة بشير البرغوثي . والسلام على … اسرائيل .
وهكذا تعين ركاح , من حيث لا ترضى بذلك , آلة الاضطهاد الاسرائيلية والمحاكم العسكرية الاسرائيلية على الاستمرار في عرض “الاحتلال الليبرالي” حيث يدان “المذنبون” ويودعون السجون , واما القلة من “الابرياء” مثل بشير البرغوثي تبرّأ ويطلق سراحها .
نحن نهتف سوية مع جماهير أعضاء الحزب الشيوعي في اسرائيل والأراضي المحتلة , ومع بشير البرغوثي الذي سمعنا أقواله ساعة محاكمته:
يسقط الاضطهاد , يسقط الاحتلال !