[عن مجلة “الحرية” اللبنانية , العدد 723 , 2-6-1975]
أعفت أجهزة الاعلام المصرية نفسها من مهمة تسمية الطرف المسؤول عن افتعال الأزمة في لبنان , ونصبت نفسها داعية من أجل التحلي بالصبر والحكمة .
ففي تعليق اذاعي , تحدثت اذاعة القاهرة (24-5-1975) عن الأحداث الدامية المؤسفة “التي وقعت بين (العناصر المسلحة) من حزب الكتائب (وبعض) فصائل المقاومة” وأكدت على انها ليست في معرض تعقب المسؤولين عن هذه الأحداث , في محاولة لتجاوز ذلك الى النتائج التي يمكن ان تقضي اليها .
وبذات النهج , اعتبرت “الأهرام” (24-5-1975) ان المهمة الآن ليست تحديد المسؤوليات وقالت “ان الموقف لا يحتمل ان تعبث عناصر غير مسؤولة يتعذر السيطرة عليها بمجريات العلاقة بين لبنان والمقاومة الفلسطينية” .
ان هذا التوجه الاعلامي , يشير الى عدة مسائل :
أولا : الحديث عن ان النزاع قائم مع “العناصر المسلحة من حزب الكتائب” , يكشف عن رغبة الاعلام المصري في تبرئة سياسة الكتائب من هذه الأحداث , وتعاميها عن حقيقة اساسية وهي ان الأحداث الدموية لم تتم الا بقرار سياسي , وان “العناصر المسلحة” تحركها سياسة الحزب اليمينية الطائفية . لكن أجهزة الاعلام المصرية حاولت ان تصور الأمر وكأنه مجرد خروج لبعض العناصر المسلحة من حزب الكتائب (وبعض فصائل المقاومة) عن الانضباط .
ثانيا : وتمشيا مع الرغبة في تبرئة الكتائب وفي محاولة للايحاء بأن المسؤولية تقع على أكثر من طرف , لم تكلف أجهزة الاعلام المصرية نفسها “عناء” البحث عن المسؤولين أو تسمية “العناصر غير المسؤولة” وكأن الحقيقة يحجبها ضباب كثيف . مع ان جريدة “الأخبار” (26-5-1975) استطاعت “بجرأة متناهية!!” ان تشير الى المسؤولين عن الأحداث حين قالت “ان الظواهر دلت على وجود طرف ثالث يشكل لهيب الخلاف كلما لاحت فرص التحكم به” . وبذلك تحاول “الأخبار” ان تروج في القاهرة لبضاعة “النهار” الكاسدة في أسواق بيروت , والتي تلهث لتبرئة عصابة الكتائب نت المسؤولية .
ثالثا : الحديث عن “بعض” فصائل المقاومة الفلسطينية كطرف اخر في النزاع , يأتي منسجما مع الرغبة الهادفة الى تمزيق النظرة لوحدة كافة فصائل المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية والتقدمية في لبنان في التصدي لمؤمرة الكتائب , وهي ذات النغمة التي ترددها أبواق الاعلام الانعزالي اليميني في لبنان , والتي أصبحت مألوفة منذ أحداث الأردن الدامية , والتي مهدت لضرب المقاومة الفلسطينية بالحديث عن نوعين من الفداء .