نفت الحكومة السعودية نفيا قاطعا الخبر الذي أوردته جريدة “السياسة” الكويتية حول الافراج عن 1,800 معتقل سياسي , فأرادت بذلك ان تؤكد على سياستها الاستبدادية البالية في البطش بالحركة العمالية والوطنية وحراسة مصالح الاستعمار الأمريكي في المنطقة .
يصعب التحديد الدقيق لعدد المعتقلين السياسيين في الجزيرة العربية . لقد استشهد العديد منهم كما اعتبر البعض بحكم المفقود … ولكن سجون الحكم تضم بالتأكيد عدة الآف من المعتقلين القى القبض عليهم في الموجات الرئيسية لنهوض الحركة الوطنية والعمالية في البلاد , دون تقديمهم للمحاكمة ودون ان ترتفع أصوات كثيرة في المنطقة العربية والعالم تطالب بالتحقيق في أوضاعهم .
عرفت الجزيرة العربية نضالات عمالية ووطنية عارمة منذ مطلع الخمسينيات . ففي عام 1953 , أضرب عمال شركة النفط – “أرامكو” – مطالبين بتخفيض ساعات العمل ورفع الأجور وتحسين شروط السكن والاعتراف بحقهم في التنظيم النقابي . وقد استمر الاضراب ثلاثة أسابيع . كذلك كانت الطبقة العاملة على رأس المعارك الوطنية لعام 1956 . فمنذ انتهاء معاهدة قاعدة الظهران العسكرية الأميركية واعلان عزم الحكومة على تجديدها , قامت التظاهرات والاضرابات التي قمعت بالعنف . وخرجت تظاهرة عمالية في أيار 1956 ضمت عدة الآف من عمال شركة النفط تهتف “يسقط الاستعمار الأميركي” وتطالب بنقابة عمالية منتخبة . وكرد على موجة القمع والاعتقالات , أعلن الاضراب العمالي العام في 17 حزيران 1956 الذي استمر عدة أسابيع واجبر السلطة على الاستجابة الجزئية لبعض المطالب العمالية .
خلال حرب حزيران , قامت التظاهرات الجماهيرية وخاصة في المناطق العمالية : الظهران , رأس تنورة , بقيق , مطالبة بوقف ضخ النفط , وهاجم المتظاهرون القنصلية الأميركية في الظهران حيث انزلوا العلم الأميركي ومزقوه وحطموا المكاتب وبعض منازل الأميركيين ومنشآت شركة “أرامكو” .
منذ ذلك الحين والنظام يعمل على تحديث أجهزة القمع والاستخبارات فجرى التركيز على “الحرس الوطني” المشكل من أبناء القبائل كقوة قمع محلية تعسكر حول المدن الرئيسية وكركيزة اساسية للنظام فيما لو خسر ولاء ضباط الجيش . كما زيد عدد أجهزة الاستخبارات الى ستة أجهزة حديثة , يشرف عليها ضباط أميركيين .
وعلى الرغم من التباكي الدائم على “القدس” وادعاء دعم المقاومة الفلسطينية , فقد تعرضت المقاومة الفلسطينية وأنصارها في الجزيرة العربية لشتى أنواع الارهاب والقيود . فقد اعتقل العشرات من المتظاهرين في حزيران 1967 ونفي العديد من الفلسطينيين الوطنيين الى خارج البلاد . وتجري بانتظام ملاحقة الشباب الوطني الذي يتطوع في صفوف المقاومة الفلسطينية . وليس أدل على وقاحة سياسة العداء لحركة المقاومة وأنصارها في الداخل من منع السلطات تشييع جثمان الشهيد رياض الخزيم الذي سقط وهو يقاتل العدو الاسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة عام 1969 .
وعرف عام 1969 , والأعوام التي تلت درجة واسعة من الاعتقالات وعمليات التعذيب والارهاب , بحجة وجود محاولة انقلاب تعد ضد الحكم , قامت السلطات الأوتقراطية باعتقال الالاف من المواطنين . فزج في السجون ما لا يقل عن مئة ضابط من مختلف الرتب وسرح العديد من الجنود وضباط الصف . وزادت حصيلة الاعتقالات في صفوف العمال عن ألفي معتقل . كما شملت حملة الاعتقالات التجار والطلاب والموظفين والنساء .
وفي عام 1970 حاصرت قوات الجيش منطقتي القطيف والاحساء ومنعت دخول وخروج المواطنين طوال أشهر .
بنتيجة كل هذه الحملات , يرزح الآن الآف المعتقلين في سجون مكة وجدة والرياض والدمام , حيث يعيشون في أسوأ الظروف الصحية . وقد استشهد منهم الكثيرون تحت التعذيب والعناية الصحية . ومن هؤلاء المناضلون عبد الواحد عبد الجبار وحسن الشيخ فرج ومجيد الشماسي وسعود المعمر والعشرات غيرهم من أبناء الجزيرة العربية الذين أبوا السيطرة الاستعمارية والركوع للحكم الأوتقراطي الرجعي العفن .
ان كافة فصائل حركة التحرر العربية والعمالية مطالبة بكسر مؤامرة الصمت بحق مناضلي الجزيرة العربية القابعين في السجون .
(عن مجلة “الحرية” اللبنانية , 10/12/1973)