مقدمة

في 22 آذار 1968 أعلنت المنظمة الاشتراكية في اسرائيل في بيان لها أن “حق وواجب كل شعب محتل ومضطهد ابداء المقاومة والنضال من أجل حريته . وهو يقرر بنفسه المناهج والطرق والوسائل الصحيحة اللازمة لهذا النضال . انه لنفاق من الأجانب ٬ خاصة اذا كانوا ينتمون الى الشعب المضطهد (بالكسر) ٬ أن يعظوا الشعب المحتَل ويقولوا له ‒ افعل كيت ولا تفعل كيت” .

هذا كان موقفنا وما زال ٬ الا أن منظمتنا التي تضم أعضاء يهودا وعربا من أبناء الشعبين المضطهِد والمضطهَد ٬ لا تستطيع اعتبار نفسها غريبة بالنسبة لنضال الاشتراكيين الفلسطينيين الذين يحلمون بالتحرر القومي والاجتماعي .

اننا نعتقد انه من الممكن معرفة أهداف الانضال حسب المناهج والطرق والوسائل المستخدمة في سبيل نيلها ٬ ولهذا فلنا جدل مع أولئك الذين يزعمون في حركة التحرير الفلسطينية انهم من أجل العيش المشترك للعرب واليهود ٬ لكنهم يمارسون مناهج ووسائل وطرقا لا تقربهم ولا تقربنا من هذه الغاية .

على هذه الخلفية كتبت الرسالة المفتوحة الى أعضاء “الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين” . ولم تكن أول مرة نكتب فيها الى “الجبهة الشعبية الديمقراطية” ففي 1969 – 1970 أجرت منظمتنا حوارا كتابيا مفتوحا مع هذه الجبهة . وهذا الحوار بيننا نشر وقتئذ بكامله من على صفحات “متسبين” . وبعد ايلول الأسود ٬ 1970 ٬ انقطع الاتصال وتوقف الحوار على اثر التغيير الذي طرأ على وضع الجبهة الشعبية الديمقراطية وعلى مواقفها .

في منتصف 1974 وجه نايف حواتمه رئيس الجبهة اياها نداء الى اسرائيليين يساريين ٬ بواسطة صحفي أمريكي ٬ يدعوهم فيه الى بدء الحوار بين الجانبين . ونشر هذا النداء وقتئذ في الصحيفة الاسرائيلية “يديعوت أحرونوت” . وبعدها بمدة وجيزة تم تنفيذ عملية معلوت ٬ عندما قام رجال الجبهة الشعبية الديمقراطية باقتحام شقة سكن في بلدة معلوت واطلاق النار على أفراد العائلة التي تسكنها ثم احتجزوا كرهائن عشرات من الفتيات والشبان الاسرائيليين في بناية مدرسة محلية في معلوت . وطالبوا باطلاق سراح عدد من السجناء السياسيين في سجون اسرائيل مقابل الافراج عن الرهائن . وقررت الحكومة الاسرائيلية “عدم الاستجابة الى مطالبهم” واقتحم الجيش الاسرائيلي بناية المدرسة وعلى اثر ذلك قتل وجرح كثير من الرهائن اثناء العملية .

*

الرسالة

اننا نرى ان علينا واجبا سياسيا للتوجه اليكم بشكل علني ومفاتحتكم بما يخص عملية رجالكم في “معلوت” , تلك العملية التي اثارت ردود فعل سياسية تتعلق في خصائصها ومنفذيها أكثر من أي عملية سبقتها , سواءا وذلك في اسرائيل أو المناطق المحتلة وارجاء العالم المختلفة .

DFLP-logoلانه خلال الخمس سنوات الماضية , منذ الانشقاق داخل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , ظهرت منظمتكم الى الملاء وكأنها المحور اليساري للحركة الفلسطينية أو كقطب تتجمع حوله القوى الثورية لمنظمات المقاومة .

لذلك فقد أثارت عمليتكم في “معلوت” ردود فعل حية في اسرائيل ان كان ذلك داخل المعسكر الصهيوني بأشكاله المختلفة أو داخل المنظمات الثورية والجمهور اليساري . ولم يكن من قبيل الصدف ان غولدا مائير التي وقفت على رأس حكومة تمارس منذ سنين طويلة سياسة نهب واضطهاد الفلسطينيين , خرجت عن عادتها ولم تكتف بالمصطلحات التي عودتنا على استعمالها مثل “قتلة” … الخ … وانما اضافت “هذا هو نفس حواتمه الذي يحاول خداعنا بحياة مشتركة بين اليهود والعرب” . لقد فعلت ذلك , في رأينا , نتيجة لخوف من وجود سلاح خطير جدا بالنسبة للصهيونية في أيدي القوى الثورية الفلسطينية : الا وهو البديل الأممي الذي من الممكن ان يطرحه الثوار الفلسطينيون امام جماهير يهود اسرائيل . وهو البرنامج الاشتراكي الثوري الذي يمكن ان تجند حوله الجماهير , داخل الشعب العربي الفلسطيني والشعب اليهودي الاسرائيلي على حد سواء .

لقد ادلت رئيسة حكومة اسرائيل بهذا التصريح بعد مضي بضعة ساعات فقط على مذبحة معلوت , وذلك عبر برنامج تلفزيوني موجه للجماهير . وقد كانت تعابير وجهها شديدة وكأن المذبحة كانت قضاء مبرما لقوة عليا لا يمكن الوقوف أمامها , وكأنها لم تكن شريكة في الأمر , ولم تكن بين الذين حكموا بالموت على العشرات في معلوت . ولكن خلف قناع وجهها  ظهر ارتياحها من ان ما حدث يومذاك يدعم نظريتها بأن “كل العرب نفس الشيء … كلهم يريدون ابادتنا …” الخ … الخ …

اننا لا نخفي أنّ عمليتكم في معلوت قوت وعمقت العداء بين جماهير الشعبين وخدمت – كما نعلم من خبرتنا اليومية – الصهيونية . فقد أثارت عملية معلوت معارضة ونقدا شديدين ليس فقط في صفوف أعضاء منظمتنا وانما داخل أعضاء منظمات ثورية أخرى . كما وبامكاننا القول بان الكثيرين من داخل المعسكر اليساري-الصهيوني (وهذا ينطبق على أعضاء صف صادقين ومخلصي النوايا) تلقوا صدمة قوية من جراء عمليتكم . ذلك لان الأحداث الأخيرة (حرب أوكتوبر وما تلاها من صدمة) دفعتهم نحو تفهم أكثر واستعداد للتحالف مع أبناء الشعب الفلسطيني . وقد انفتحت آذانهم لتصغي لنداء أصوات مختلفة من داخل العالم العربي عامة وأبناء الشعب الفلسطيني خاصة , كما ان قسما منهم خطا خطوات ثورية مع الاستعداد لترك المواقف الصهيونية . لقد كان لوجودكم القسط الأكبر في هذا التطور . لذلك كان خبر وقوف منظمتكم وراء عملية معلوت كصفعة خد رنانة بالنسبة لهم .

هذا ليس كل شيء .

ان تأريخ هذه الفترة ملىء بالانتفاضات العفوية التي تقوم بها الجماهير المضطهدة ضد مضطهديها للقضاء عليهم . ولم تكن عملية معلوت من هذا الصنف , فهي ليست عملية عفوية . انها عملية مبرمجة ومدروسة , لذلك فاننا لا نستطيع القول , كما يفعل الاخرون , بأن هذا هو منطق النضال ولا مجال لادخال عنصر العواطف الانسانية . لقد تجاهلتم في عمليتكم في معلوت مبادئ اخلاقية اساسية , ان هذا التجاهل لا يمكن اخفاؤه خلف الادعاء – الذي تكرر حقا – بان هذه هي مبادئ برجوازية . نحن لا نقبل هذا الادعاء لأن المعايير التي تسري على انتفاضات عفوية يقوم بها جمهور مضطهد كمثل تلك التي تسري على المحاربين القوميين من أجل التحرر الوطني لا تليق بالمناضلين الذين يحملون السلاح باسم الثورة الاشتراكية.

هذا ما قلتم في بلاغكم الى السفير الفرنسي (“هعولام هزه” رقم 1917): “نحن لسنا قتلة وانما جنود في حركة تحرر … نحن نؤمن بالماركسية اللينينية وفي حق الشعوب في تقرير مصيرها على أرضها , وعلى هذا الأساس نحن نقاتل …”

يجب عليكم حل هذا التناقض على مسمع من الجماهير الفلسطينية والجماهير الاسرائيلية .

وهنالك وجه آخر لعملية معلوت وذلك لأن معلوت مدينة معظم سكانها من العمال الفقراء الأكثر معاناة من الاستغلال والاضطهاد في المجتمع الاسرائيلي . هم لقمة لمدافع السياسة الاسرائيلية , ليسوا مسؤولين عنها أو راغبين فيها . بالنسبة لسكان معلوت  اذن كان مفهوم عمليتكم هو ان الصهيونية تشكل ملجأهم الاخير . واذا لم تعطهم الحركة الفلسطينية بديلا للعيش بدون الصهيونية فانهم سيفضلون دائما الصهيونية بالرغم من كل مخاطرها وبالرغم من الثمن الغالي الذي يدفعونه لقاءها . انهم سيفضلون في هذه الحالة “الوحدة الوطنية” الفوق طبقية مع مستغليهم في الداخل اذا تركوا دون بديل يكون مفهومه النضال المشترك والحياة المشتركة لليهود والعرب .

لقد كانت عملية معلوت خيانة بالمهمة التي ألقيتوها على عاتقكم , وهو تطوير بديل كهذا وعرضه على الجماهير الاسرائيلية . هنالك تناقض بين المقابلة التي اجراها نايف حواتمة والتي نشرت في [الصحيفة الاسرائيلية] “يديعوت أحرونوت” وبين عملية معلوت . وكما هو معلوم لديكم اذا كان هنالك تناقض بين القول والعمل فان الأول يفقد معناه . يؤسفنا ان نشير الى ذلك وذلك على الرغم من اختلاف الراء بيننا وبين صاحب المقابلة , ذلك الاختلاف الذي كان قائما قبل عملية معلوت ولا مكان هنا للخوض في تفاصيله .

اننا واثقون (وذلك امر طبيعي) من ان عملية معلوت لا يمكن ان تمر هكذا دون وجود من يعارضها داخل اليسار الثوري الفلسطيني لذلك فاننا نعبر عما يختلج في قلوبنا بشكل علني وذلك بغية تشجيع ودعم النقاش في منطقتنا . هذا النقاش الذي يجب ان يتخطى هذا الامر الخاص ويشمل جميع القضايا الفكرية والسياسية , أي الاستراتيجية والتكتيك الذين تقف القوى الثورية في العالم العربي واسرائيل امامها .

وحقا نحن نعلم عن جميع الحجج التي من الممكن اثارتها ضدنا , كوضع الحركة الفلسطينية الحالي بسبب “التسويات” التي تطبخ حاليا من قبل الدول العظمى وحكومات المنطقة من ناحية وكون المعسكر الثوري في اسرائيل صغيرا جدا ولا يشجع تطور قوى ثورية أممية في العالم العربي من ناحية أخرى .

لم نتطرق هنا لمجمل تلك الأسئلة , وسنعالجها في وثيقة لاحقة سيتم نشرها في جريدتنا “متسبين” . لقد كان الهدف من وراء كتابة هذه السطور التعبير عن رأينا بشكل علني وواضح , وهو ان عملية معلوت تضر بالنضال الثوري وتحول كل أرض خصبة الى صحراء قاحلة تنمو فيها اشواك العنصرية بكثرة وتذبل أزهار الاشتراكية .

المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية (“متسبين”)

الأول من حزيران 1974