في بداية شهر كانون الأول عام 1972 ٬ وصلت عضو لجنة العمل الثوري الاسرائيلي في الخارج “ايسراكا” الرسالة التالية الى لندن :

… عزيزي

ستعتقد النقابة العامة للطلاب العرب في بريطانيا ٬ اجتماعها السنوي في لندن ٬ في 18 كانون أول 1972 . وقد طلب اليّ أن أدعوك للظهور أمام المجتمعين .

سيشترك في هذا الاجتماع عدد كبير من الطلبة العرب في بريطانيا ٬ وعدد من الممثلين الرسميين للدول العربية ٬ ووفود منظمات مختلفة من العالم العربي ٬ بالاضافة الى مفكرين ومثقفين عرب ‒ بضمنهم عدد من الماركسيين والشيوعيين المعروفين .

ويهمنا بشكل خاص أن تظهر القوى التقدمية في هذه النقابة ٬ تضامنها الدولي مع التقدميين والثوريين الاسرائيليين واليهود . ان اشتراكك في هذا الاجتماع سيكون ذا أهمية لا تقدر اتجاه الجماهير العربية في بريطانيا وفي الدول العربية نفسها .

بامكانك أن تقول ما تريده . بامكانك ان تهاجم الحكومات العربية ٬ وان تهاجم حتى نقابة الطلاب نفسها . المهم أن يستمع الطلاب العرب ٬ وذوي المناصب الرسمية ٬ والمفكرون العرب على اختلاف مشاربهم ٬ عن وجود “اسرائيل الأخرى” ٬ لا يهمنا ان أدى ظهورك الى تذمرهم .

حاول من فضلك أن تأتي . وان لم يكن بامكانك القدوم فارسل صديقا آخر لينوب عنك .

آمل من كل قلبي ان تتمكن من الحضور وأنتظر رؤيتك في هذا الاجتماع .

مع مشاعر الود
…….

وفي أعقاب هذه الرسالة ٬ تباحث أعضاء لجنة العمل الثوري للاسرائيليين في الخارج ٬ في هذه الدعوة . وتقرر حضورها وجرت صياغة الأقوال . والصيغة المنشورة فيما يلي تمت قراءتها في بريطانيا ٬ في الاجتماع نفسه من قبل مندوب “ايسراكا” .

*

حضرة الرئيس ٬

حضرات الأعضاء ٬

نشكركم على دعوتكم لعضو لجنة العمل الثوري للاسرائيليين في الخارج ٬ للظهور أمامكم اليوم . اننا نفهم بأن مثل هذه الخطوة تتطلب جرأة ٬ وتشير الى الاستعداد لتدارس المشاكل التي تواجهونها ٬ بصورة جديدة ‒ والحلول التي اقترحت لها في الماضي .

نحن أعضاء لجنة العمل الثوري الاسرائيليين في الخارج ٬ عارضنا الصهيونية دوما ومن وجهة نظر مبدئية ٬ ترتكز على مفاهيمنا الدولية (الأممية) . لقد أوضحنا بصورة جلية وعدة مرات ٬ داخل اسرائيل وفي أرجاء العالم ٬ بأن الصهيونية كانت وما زالت حركة استعمارية ٬ عقدت دوما احلافا مع دولة استعمارية كبرى ‒ كان الشرق الأوسط يرزح تحت نفوذها ٬ وانه كان بامكان الصهيونية أن تحقق أهدافها فقط على حساب الشعب الفلسطيني .

ومع ذلك أوضحنا بانه يجب التفريق بين الصهيونية ٬ سياستها ٬ ومؤسسات الحكم التابعة لها ٬ وبين سكان اسرائيل اليهود .

ان كل عمل سياسي لا يفرق بين الصهيونية ٬ وبين السكان اليهود في اسرائيل ٬ يدفع هؤلاء السكان الى احضان الصهيونية . فأعمال كهذه تضع العراقيل أمام التطور الثوري في الشرق الأوسط ٬ أو انها تعمق العوامل القومية المتطرفة في النزاع . ويتوجب على السكان اليهود في اسرائيل ذاتها ٬ أن يؤلفوا عاملا حيويا في النضال من أجل هزيمة المؤسسة الصهيونية . ان المراحل الثورية داخل المجتمع الاسرائيلي ٬ يمكن ان تنمو فقط ضمن تعاون مع المراحل الموازية في المجتمع العربي ‒ هذه المراحل الذي يهدف منها ٬ ليس فقط تغيير هذه السياسة أو تلك ٬ أو قلب هذا النظام أو ذاك ٬ وانما السعي الى تغيير مبنى المجتمع العربي من الجذور . ان المراحل الثورية داخل المجتمع الاسرائيلي ٬ مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمراحل الموازية داخل المجتمع العربي . وبالنسبة للفلسطينيين ٬ فان النضال الثوري للشعب الفلسطيني قد حكم عليه بالفشل اذا ما أدير بصورة منفصلة عن المراحل الثورية في ارجاء المشرق .

اننا نعرف الرأي القائل بأنه من الممكن التغلب على الاضطهاد القومي بواسطة النضال القومي . فكل الحركات التي فصلت بين التحرر القومي والتحرر الاجتماعي ٬ أو انها قدمت مرحلة التحرر القومي على مرحلة التحرر الاجتماعي قد باءت بالفشل . ان علم المراحل ‒ الذي يدفع بالتحرر القومي أولا ٬ ثم الديمقراطية ثانيا ٬ تليها الثورة الاجتماعية في النهاية لعلم فاشل ٬ أو انه يسلم مقاليد الحكم بأيدي القوى المعارضة للنضال الطبقي داخل كل أمة ٬ وهذه تنادي بالتعاون بين الطبقات والوحدة القومية . مثل هذه القوى متوفرة في كل أمة ‒ وخاصة داخل صفوف الأمم المضطهَدة . ومن واجب الاشتراكيين الثوريين ٬ معارضة هذه الاتجاهات بصورة علنية . اننا نفعل ذلك داخل اسرائيل ٬ ولكن نجاحنا وتأثيرنا مرتبطان بأولئك الذين يسيرون على نهجنا داخل العالم العربي .

ها قد مرت أكثر من خمسة سنوات منذ عام 1967 ٬ وأكثر من سنتين منذ ايلول عام 1970 . فما هي العبر التي تعلمها اليسار الثوري في العالم العربي من هذين الحدثين ؟

وما هي الخلفية الاجتماعية والسياسية لهذه الأحداث ٬ الخلفية التي كان بالامكان التنبؤ على أسسها وبصورة قاطعة نتائج هذين الصدامين ؟
واذا لم نعتبر بالعبر المؤلمة من هذه الأحداث ٬ فانها ستعاود الكرة مرة تلو الأخرى .

ان الذي هزم عام 1967 في صحراء سيناء لم يكن الجيش فقط ٬ وانما كل النهج الاجتماعي الذي يقف خلفه ٬ نهج امتد خمس عشرة سنة. والمذبحة في عمان في ايلول 1970 لم تحدث فقط نتيجة التفوق العسكري الذي يتمتع به جيش حسين ٬ وانما لتبنى المبدأ القائل بأن النضال الفلسطيني ضد حسين يجب أن يؤجل الى ما بعد هزيمة الصهيونية .

ان الحاجة تدعو الى استخلاص هذه النتائج فقط ٬ ولكن طيلة الوقت الذي لم نتعلم فيه الدرس ٬ ستحصل فقط هزائم جديدة متوالية .

ان المؤسسة الصهيونية هي العامل الرئيسي المباشر في اضطهاد الشعب الفلسطيني ٬ وهي بمثابة قناة الصرف لكافة التوترات الاجتماعية في العالم العربي ٬ الى داخل مستنقع التطرف . هذه المؤسسة هي حليفة النفوذ الامبريالي في المنطقة . لكن العامل الرئيسي الذي يمهد لهذا الوضع لهو أنظمة الحكم القائمة في العالم العربي كلها واحدا واحدا .

ليست المسألة مسألة تغيير زعماء أو سياسة ٬ وانما تغيير من الجذور لكل شبكة العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع العربي . وهذا يتضمن كسر سلطة الدين على الأدمغة ٬ بنفس مدى كسر سلطة الرجل على المرأة ٬ وهذا يتضمن الغاء الملكية الخاصة على وسائل الانتاج ومصادر الثروة الطبيعية ٬ بنفس مدى الغاء علاقات السلطة داخل العائلة . بهذا الموقف والتفكير الاجتماعي الواسع فقط ٬ يمكن صياغة موقف سياسي لا تكبله المشاكل المحلية أو المؤقتة ٬ وهذا النهج فقط بامكانه حل المشاكل دون الاستعباد لها .

ان نضالنا داخل اسرائيل ينبع من موقف كهذا ٬ ولكننا نعرف بوضوح ان النتائج في كل مرحلة مرتبطة بالنضالات الموازية الجارية في العالم العربي .

اننا ملزمون جميعا بالاعتراف بأننا اصبنا بهزائم ضخمة في السنوات الأخيرة . هذه الهزائم أصابت بعضنا باليأس الى درجة التوقف عن النضال ٬ والبعض يسير على نهج السياسة القديمة في الطريق الى هزائم جديدة . تلك القلة المستعدة لنقد مواقفها السياسية في الماضي ٬ مع الاستمرار في النضال الثوري ٬ هي القادرة فقط على ادارة النضالات التي سنواجهها في المستقبل ٬ وأن ننتصر .

*

هذا البيان القى ‒ بالانكليزية ‒ بحضور مئات المشتركين في الاجتماع ٬ دون احداث ازعاج أو مقاطعة اثناء تلاوته . وعندما أنهى مندوب “ايسراكا” كلامه استقبل بالتصفيق من قبل الحضور ٬ تصفيق لم يحظ به كثير من الخطباء العرب ‒ من بينهم شخصيات رسمية . ومع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة تنظيم هذا الاجتماع من قبل نقابة الطلاب العرب ٬ وليس من قبل أية منظمة دولية ٬ فان هذه الحقيقة ذات مغزى . وبعد الاجتماع توجه عدد من الطلبة العرب الى الخطيب الاسرائيلي ٬ وطلبوا اليه الظهور في اجتماعات اضافية في عدد من الجامعات ٬ أمام جمهور مختلطة من العرب واليهود والانكليز .

وقد سلم النص المطبوع من البيان الى منظمي المؤتمر ٬ وارسل للنشر في العالم العربي .