ان الهجوم المضاد الذي يشنه الاستعمار , من أجل دعم وتعزيز نفوذه في المنطقة , من خلال تسوية بين الدول الكبرى , اتخذ في الأسابيع الأخيرة شكلا شديد الفظاعة .

في الأردن يجري اتمام المجزرة الوحشية ضد بقايا حركة المقاومة الفلسطينية , على أصوات تهليل وتأييد الصهاينة , وبموافقة الدول العربية “التقدمية” . لقد سيقت فصائل المقاومة من فشل الى فشل ومن هزيمة الى هزيمة , ودفعت ثمن التسوية غاليا , نتيجة لتألب قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية عليها , وبسبب مهادنة الرجعية العربية وسياسة عدم التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية , التي انتهجتها قياداتها البرجوازية ‒ الصغيرة بالرغم من اطلاقها شعارات ثورية . ان قرار مجلس الأمن ومشروع روجرز , اللذان عارضناهما بشدة , لهما تعبير عن الجانب المحلي للتسوية على  النطاق العالمي , التي تهدف الى الحد من تطور قوة ثورية في المنطقة , وتكريس النفوذ الاستعماري الطبقي والاضطهاد القومي من خلال “التعايش السلمي” .

ان سياسة التعايش السلمي مع الاستعمار معناها الاستسلام للاستعمار . هذه السياسة هي نتيجة لنظرية التطور على مراحل التي تنتهجها كل من موسكو وبيكين منذ سنين . هذه النظرية تقول بأن التحرر الوطني ينبغي أن يكون مرحلة سابقة للثورة الاشتراكية , لكون دول العالم الثالث دولا متخلفة , ولعدم توصل البرجوازية الصناعية فيها الى الحكم بعد , وأن المهمة الرئيسية والعاجلة التي تجابه الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء هي التحالف بشكل أو بآخر مع البرجوازية الوطنية ضد الاستعمار والقوى الاقطاعية , واقامة “جبهة وطنية” ذات طابع ائتلافي بيت الطبقات تبقى على البرجوازية الوطنية في السلطة . باسم هذه “النظرية” دفعت موسكو وبيكين من بعدها بالأحزاب الشيوعية الى تأييد الأنظمة والحكومات البرجوازية ‒ الصغيرة . وقد أدى اعتماد الأحزاب الشيوعية الستالينية على اختلافها هذه السياسة , الى اقامة تحالفات ما بين الطبقات , واعفتها من الضرورة الى تشييد تنظيم مستقل للطبقة العاملة وتثقيف الجماهير من أجل الاستيلاء على السلطة , الأمر الذي أدى في النهاية الى تصفية تلك الأحزاب حينما شعر “الحليف” الطبقي بقدرته على القيام بذلك .

لقد أدى هذا النوع من التحالف الى تذبيح اليسار في الصين عام 1927 وفي اسبانيا عام 1936 وفي اندونيسيا عام 1965 وفي العراق عام 1958 وفي الأردن عام 1970-1971 وفي سيلان عام 1971 وفي السودان اليوم .

لقد انجرّ الحزب الشيوعي السوداني كذلك , الى تأييد نظام جعفر النميري البرجوازي ‒ الصغير وتشكيل “جبهة وطنية” معه . وقد شرع النظام هنا أيضا في ملاحقة الشيوعيين , في الوقت الذي كان يوطد فيه علاقاته مع الاتحاد السوفييتي . وكان اتساع قاعدة الحزب الشيوعي السوداني وفعاليته سببا في محاولة البيروقراطية الحاكمة في الاتحاد السوفييتي كبح جماحه , نتيجة لرغبة البيروقراطية في التعايش السلمي مع الاستعمار . ولولا هذه الرغبة لما تمّ النجاح للضربة المضادة التي سددها النميري نحو الفئة التي اطاحت به . صحيح أن هاشم العطا قد قام بانقلاب عسكري , لكنه ضمن حرية نشاط الحزب الشيوعي والنقابات العمالية . غير ان خطوته هذه كانت كافية لكي يقدمه أنصار الوضع القائم , أمثال القذافي والسادات , قربانا على مذبح التسوية الاستعمارية .

اما موسكو , التي التزمت الصمت ازاء ملاحقة الشيوعيين السودانيين خلال شهور قبل الانقلاب , وبعده , فانها لم تخرج من صمتها بعد ان هاجمها النميري واتهمها بتأييد الانقلاب , كما انها قد أعلنت الحرب الكلامية بعد اعدام زعماء الحزب الشيوعي السوداني .

أما بيكين فقد قامت بارسال برقية تأييد الى النميري … !

ان البيروقراطية الستالينية والأحزاب الموالية لها , وكافة دعاة التحالف بين الطبقات , باسم الوحدة القومية وباسم الوطنية , وأنصار “مرحلة” التحرر الوطني قبل التحرر الاجتماعي ‒ ليتحملون وزر كل قطرة دم سُفكت في السودان وفي الأردن من قبله . وان حزبا شيوعيا يؤيد اقامة جبهة وطنية مع البرجوازية “الديموقراطية” يخون بذلك مصالح أعضائه الحقيقية , ويغدر الثورة الاشتراكية من أجل مصلحة البيروقراطية في موسكو وبيكين .

اما بما يتعلق بالنضال الفلسطيني فاننا نقول صراحة , ان محاولة معظم المنظمات الفلسطينية الاقتصار على النضال ضد الصهيونية , على أساس وحدة وطنية , مصيرها الفشل . اذ ليس بالامكان تحقيق التحرر الوطني بدون تصفية الاستعمار وحلفائه في المنطقة ‒ أي بدون ثورة اشتراكية .

ان السبيل الى ذلك هو تأسيس حزب بروليتاري على نطاق المنطقة كلها , حزب يناضل ضد الاستعمار وضد الصهيونية وضد الرجعية العربية , من أجل نصرة الثورة الاشتراكية .

المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية (متسبين)

تموز ‒ آب 1971