المعركة الانتخابية في الناصرة انتهت.
لقد مر يوم الانتخابات.
النتيجة: ان ما كان هو الذي سيكون, حاليا.
الحزب الحاكم (“العمل” واذنابه) يهلل لقوته. كذلك حافظت المعارضة الشيوعية راكاح, على قوتها. اما التحولات الطفيفة التي طرأت على ميزان القوى, فقد كانت عديمة الاثر: لقد هبط المبام وارتفع الحزب الديني القومي. كانما أولى أهالي الناصرة العرب ظهورهم لمبام, الحزب الصهيوني ‒ الاشتراكي, وتحولوا نحو صهيونية (المفدال) المتدينة ! حقا, ان شر العصبية ما يضحك ! انه لكاريكاتير ديمقراطي !
في مدينة الناصرة التي يتركز فيها أكثر من ثلاثين الف مواطن عربي, والتي تشكل أضخم تجمع سكاني عربي من مجموع السكان العرب قبل عام 48, ما زال النظام يُحرز النصر بعد النصر في الانتخابات التي ينظمها ينفسه, وذلك بفضل موظفيه ورجال شرطته وأذنابه. نعم, هكذا بالضبط. أذنابُه. ان كل طفل في الناصرة يعلم هيتهم. كل طفل يعرفهم.
ان اذناب الحكومة ‒ كما يطلق عليهم أهالي الناصرة ‒ معروفون ومشهورون الى درجة انه لم يكن في الناصرة موامنا واحدا على استعداد الى الدفاع عن سمعة رئيس الاذناب وممثل الحزب الحاكم في المدينة, سيف الدين الزعبي, الطيبة وعن شرفه, سوى مأجورين مكشوفين.
وهكذا ‒ وبعد أكثر من عشرن عاما من الاضطهاد والمهانة والتمييز, على الصعيدين القومي والمحلي ‒ تعود السلطة المحلية لتثبت كيانها. أما زعماء الحزب الشيوعي (راكاح) فانهم يلعبون اللعبة البائسة وفق كافة القوانين والشروط بامانة واخلاص ونزاهة.
لقد رأى رجالات الحزب الشيوعي انه يتوجب عليهم التركيز على المشاكل المحلية دون التطرق الى مسائل أوسع, مثل شخصية النظام وماهية الحكم في الدولة.
لقد ساعد الحزب الشيوعي في تقوية الوهم في قلوب أهالي الناصرة, وكانما بالامكان حل مشاكل محلية في الناصرة بواسطة الانتخابات للبلدية. وكانما ليس هنالك نزاع اسرائيلي ‒ عربي قائم, وكاما لا تشكل أوضاع مدينة الناصرة تعبيرا وانعكاسا للسياسة الصهيونية. لقد وعد الحزب الشيوعي ناخبيه بالتطور والتقدم تحت اجنح النظام الصهيوني المعادي بطبيعته فكرة تطور وتقدم العرب في اسرائيل. (اقرأ النص الكامل للمنشور الذي وزعناه في الناصرة عشية الانتخابات).
*
يمكن للأساتذة الجامعيين, شأنهم شأن الصحفيين من على واجهات صحفهم وشأن كل السياسيين من على منصة الكنيست, ان يتجادلوا ويأتوا بالادلة بأن عرب اسرائيل ينعمون بجميع خيرات البلاد وبالديمقراطية التي تسودها. لكن احدا منهم, لن يمكنه مثلا تجاهل الكيان الملموس الذي تمثله “الناصرة العليا”, المدينة الجديدة التي تتربع على الهضاب المشرفة على الناصرة.
اسألوهم, اسألوا هؤلاء ما الذي تعنيه الناصرة العليا, لتشهدوهم يتلعثمون وتلوّون ويحاولون ايجاد التبريرات.
ان الناصرة العليا مثال للتطور ! هكذا يقولون.
تطور للجميع ؟ أللعرب كما لليهود ؟ اذا, لماذا لا يسمح للسكان العرب اقتناء المساكن في الناصرة العليا شأنهم شأن اليهود ؟
وعلى أية أراض شيدت الناصرة العليا ؟ على أراض عربية صودرت عنوة, من أجل .. من أجل ما يسمى بتواضع “تهويد”. تهويد الجليل وتهويد الناصرة, والحبل على الجرار.
ولماذا لا توظف ملايين الليرات في الناصرة العربية, كما وظفت في الناصرة العليا ؟ لأجل بناء دور السكن, ولأجل تعبيد الشوارع, ولأجل تشييد المصانع ؟ لماذا ؟ الأمر بسيط جدا: لأن الأمر يتناقض وروح الصهيونية.
ربما يشعر الصهيونيون السذّج المخلصون ذوو الميول الاشتراكية, بالاهانة من هذه التهمة التي يوجهها رجالات “متسبين” نحو الصهيونية. لذلك فاننا في هذا المجال الضيق نكتفي هنا في نطاق البحث ببعض الأمثلة:
لقد جرت المصادرة الجماعية للأراضي العربية في اسرائيل منذ قيامها استنادا الى عدة قوانين وأوامر ورثت الحكومة بعضها من الحكم البريطاني الاستعماري وبعضها الآخر سنتها الكنيست.
هاكم مثلا, المادة 125 من أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ 1945 “يمكن لحاكم عسكري الاعلان بأمر عن أية مساحة أو مكان, انه منطقة مغلقة لمتطلبات تلك الأنظمة. ان أي شخص يدخل أية كساحة أو مكان, أو يغادرها خلال أية فترة, يكون فيها أمر كهذا ساري المفعول بخصوص المساحة أو المكان اياه, دونما تصريح خطي صادر عن الحاكم العسكري أو نيابة عنه, يُتهم بمخالفة هذه الأنظمة”.
اما الحكومة فقد كانت احدى الوسائل التي اتبعتها هي تبَنّي تلك الأنظمة: فأعلنت عن مناطق مغلقة, وحرمت على فلحها, وهكذا غدت تلك المساحات أراضي بور. وبما أن أنظمة الطوارئ تتضمن فقرة تتعلق بالأراضي البور, يحق للحكومة, بموجبها وضع يدها على أراضي البور ونقل ملكيتها الى شخص آخر, وهكذا فان الحكومة تقوم بعد فترة معينة بالاستيلاء على تلك الأراضي (التي يمنع صاحبها من فلحها) وتنقل ملكيتها الى شخص آخر.
ومن خلال الممارسة العملية مدى السنين الطوال, بقصد أو بغيره, انتزعت بهذه الطريقة أراض يملكها عرب ونقلت الى أشخاص آخرين, يهود بالذات.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب, فقد جاءت التبريرات الصهيونية لسلب الأراضي. ها هو غ=على سبيل المثال شموئيل سيغف يكتب في “معريف” بتاريخ 29/12/1961: “ان الغاء المادة رقم 125 بخصوص مناطق “مغلقة” ‒ معناه الفعلي الحد من المفعول القانوني لاغلاق (المناطق). . ان اغلاق مساحة بموجب تلك المادة معناه … تمهيدها للاستيطان اليهودي”.
أما شمعون بيرس وزير المواصلات الحالي فقد كتب في “دافار” بتاريخ 26/1/1962: “ان استعمال المادة 125 … هو استمرار مباشر للنضال من أجل الاستيطان اليهودي والهجرة اليهودية”.
وحينما تكلم دافيد بن غوريون عن الحكم العسكري الذي يستند على تلك الأنظمة, قام يدافع عن “حق الاستيطان اليهودي في جميع أنحاء الدولة” (“أقوال الكنيست” المجلد 36, ص 1217 بتاريخ 20/2/1963).
*
وبما اننا نتكلم عن المادة 125 من أنظمة الطوارئ فمن الجدير ذكر مادة أخرى من نفس القبيل, والتي تتعلق ب”متسبين” بالذات, تلك هي المادة رقم 94. ان مجلة “متسبين” التي تمسكها بيدك تصدرها “المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية”. انها تقف في مقدمة المنشورات الصحفية العبرية الممقوتة في اسرائيل. تمقتها كافة الأحزاب الصهيونية, ويشهّر بها جميع الناطقين باسم حكومة اسرائيل, وتقاطعها الأغلبية الساحقة من المكتبات ومكاتب النشر في البلاد.
لماذا ؟ سوف تجد الجواب بنفسك من خلال قراءتك المجلة. ولكن هنالك سؤالا لن تستدل على جوابه بنفسك, ذلك هو السؤال الذي يتبادر الى الذهن تلقائيا. لماذا تصدر منظمة كمنظمتنا تضم بين صفوفها اليهود والعرب صحيفة دائمة بالعبرية فقط ؟ لماذا لا تصدر المنظمة التي تدعو الى كفاح جميع شعوب الشرق الأوسط المشترك ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية ‒ صحيفة دائمة باللغة العربية ؟ ولتكن اسبوعية, نصف شهرية أو شهرية ؟
الجواب جد قصير: ان السلطات تمنع المنظمة من اصدار صحيفة دائمة باللغة العربية. ويبدو ان لهم مبررات لذلك, اذ يظهر ان للسلطات سبب لمنعنا من اصدار صحيفة بالعربية. اننا نفترض ان كل شخص له عقل في راسه يمكنه, حتى على أساس هذا العدد بمفرده ان يجد سبب الحظر.

السلطات تمنع المنظمة من اصدار صحيفة باللغة العربية
لقد تقدمنا قبل أكثر من عامين بطلب ترخيص لاصدار مجلة اسبوعية باسم “النور”, ولكن موظفا باسم ايلاتي رفض طلبنا مستعملا صلاحياته الادارية, بايعاز من المسئولين عنه, الصلاحيات التي ورثها عن المندوب السامي البريطاني الحاكم الامر والناهي على هذه البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى عام 1948.
هل تذكرونه, ذلك المندوب السامي ؟
الشباب منكم لا يذكرونه بالطبع, لقد كان مندوب جلالته ملك بريطانيا العظمى. كان صورة حية للاستعمار البريطاني في البلاد, كان حضرته المستبد البريطاني قلبا وقالبا.
وها هي تلك القوانين الاستعمارية التي سنها معالي المندوب السامي, الحاكم بأمر الملك قائمة وسارية المفعول كما كانت بالأمس, اخذها السيد ايلاتي, بعد تلقي التعليمات, واستعملها ضدنا وضدك.
لكنه لن يردعنا !
بمؤازرتك !
هيئة تحرير متسبين