صدر هذا البيان عن المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية لمناسبة مرور 19 عاما على قيام دولة اسرائيل وتلي باسمها في اجتماع عقده في باريس في 18 ايار سنة 1967 الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين وجمعية الطلبة المسلمين في شمال افريقيا .

اللجنة المركزية للمنظمة الاشتراكية الاسرائيلية

بيان حول قضية فلسطين والنزاع الاسرائيلي العربي

 

في هذا الشهر يتم 19 عاما منذ قيام دولة اسرائيل . وخلال هذه الأعوام التسعة عشر لم يقترب النزاع الاسرائيلي العربي من حل له . وقضية فلسطين لا تزال جرحا مفتوحا في جسم الشرق الأوسط ٬ ومصدرا دائما لسفك الدماء والآلام والمظالم . وعبثا ثقيلا على موارد هذه المنطقة الاقتصادية ٬ وحجة للتدخل العسكري والعدوان الاستعماري ٬ وتهديدا خطيرا لسلام العالم .

وعصيب بشكل خاص وضع عرب فلسطين ٬ الضحية المباشرة لحرب سنة 1948 ٬ ولمؤامرة “الأعداء الأصدقاء” بن غوريون وعبدالله ٬ فأكثرية عرب فلسطين طردوا من بيوتهم ومن أراضيهم اثناء حرب سنة 1948 وبعدها ٬ وأصبحوا لاجئين يعيشون حتى اليوم في ألم وضيق في المخيمات خارج دولة اسرائيل . وزعماء هذه الدولة يرفضون بشدة الاعتراف بحق هؤلاء اللاجئين في العودة الى وطنهم . اما العرب الذين بقوا في اسرائيل فيعانون الآماً كبيرة كضحايا للكبت الاقتصادي والمدني والقومي .

اما اسرائيل فكانت طيلة هذه الأعوام التسعة عشر جزيرة منعزلة في هذه المنطقة ٬ دولة ذات استقلال شكلي فحسب ٬ تعتمد اقتصاديا وسياسيا على الدول الاستعمارية ولا سيما على الولايات المتحدة . فكانت دائما اداة في أيدي هذه الدول ضد الأمة العربية ٬ وضد القوى التقدمية في العالم العربي ٬ وأبرز ظاهرة (وليس الظاهرة الوحيدة) لهذا الدور الذي تقوم به السياسة الاسرائيلية الرسمية كانت سنة 1956 ٬ اذ انضمت حكومة اسرائيل الى الاستعمار البريطاني الفرنسي في مؤامرة عدوانية على مصر ٬ ووفرت لهاتين الدولتين حجة للتدخل العسكري .

ان حالة الحرب والعداء بين اسرائيل والأقطار العربية المجاورة قد استمرت 19 عاما ٬ وليس لزعامة اسرائيل الصهيونية أي أمل واقعي بتغير هذا الوضع . والسياسة الاسرائيلية تسير في زقاق مسدود .

والأزمة الاقتصادية السائدة الآن في اسرائيل ٬ والناجمة عنها بطالة خطيرة للعمال ٬ وضيق شديد لجماهير الشعب ٬ تبرز هي أيضا حقيقة أن اسرائيل لا تستطيع ان تعيش زمنا طويلا في شكلها الحاضر ٬ كدولة صهيونية منقطعة عن المنطقة القائمة فيها .

ولذلك فان الوضع الحاضر يناقض مصالح جماهير الشعب العربي : فاسرائيل بشكلها الحاضر تشكل عثرة كأداء في طريق نضال هذه الجماهير ضد الاستعمار ومن أجل الوحدة العربية الاشتراكية . واستمرار الوضع القائم يناقض كذلك مصالح الجماهير الاسرائيلية .

والمنظمة الاشتراكية الاسرائيلية التي ينتظم في صفوفها عرب ويهود على السواء ٬ تعتقد ان قضية فلسطين والنزاع الاسرائيلي العربي يمكن ٬ ويجب ٬ تسويتهما بطريقة اشتراكية أممية تأخذ بالاعتبار الخطوط الخاصة الفريدة لهذه القضية المعقدة .

ليس هذا النزاع نزاعا قوميا عاديا بين شعبين . لذلك لا يكفي الدعوة الى “تعايش على أساس الاعتراف المتبادل بالحقوق القومية العادلة للشعبين” .

فدولة اسرائيل هي ثمرة الاستيطان الصهيوني لفلسطين على حساب الشعب العربي وفي حماية الاستعمار . ودولة اسرائيل في شكلها الحاضر ٬ الصهيوني ٬ هي اداة لمواصلة “المشروع الصهيوني” .

والعالم العربي لا يستطيع ان يسلم بأن تقوم في قلبه دولة صهيونية هدفها الصريح ليس التعبير السياسي عن أهليها ٬ بل كونها رأس جسر واداة سياسية ومستقرا لهجرة كل يهود العالم . وطابع اسرائيل هذا يناقض أيضا مصالح جماهير الشعب الاسرائيلي الحقيقية ٬ لأنه يؤدي الى دوام الارتباط بقوى خارجية .

لذلك فنحن نعتقد بان حل هذه القضية يقتضي تجريد اسرائيل من طابعها الصهيوني . فعلى دولة اسرائيل ان تتغير تغيرا ثوريا عميقا بحيث تتحول من دولة صهيونية (أي دولة يهود العالم) الى دولة اشتراكية تمثل مصالح جماهير الشعب القاطنين فيها . وعلى الأخص ينبغي ابطال “قانون العودة” الذي يمنح كل اليهود في العالم الحق المطلق في الهجرة الى اسرائيل والتوطن فيها . فكل طلب للهجرة يجب ان ينظر فيه على حدة وفي ذاته ٬ دون أي تمييز على أساس عنصري أو ديني .

اما قضية اللاجئين العرب الفلسطينيين فتشكل أشد النواحي ايلاما في النزاع الاسرائيلي العربي .

لذلك نحن نعتقد بوجوب تمكين كل لاجئ ٬ يرغب في ذلك ٬ من العودة الى اسرائيل والحصول فيها على اعادة بناء حياته اقتصاديا واجتماعيا . اما اللاجئين الذين يفضلون بمحض اختيارهم الحر عدم العودة ٬ فينبغي ان يمنحوا تعويضا تاما عما فقدوا من ممتلكات وعما قاسوه من الآم شخصية .

كذلك يجب ابطال القوانين والأنظمة التي يقصد بها التمييز وكبت الأهلين العرب في اسرائيل ومصادرة أراضيهم . ويجب منح تعويضات كاملة عن المصادرات والاضرار (في الأراضي والممتلكات والاضرار الشخصية) التي نجمت عن هذه القوانين والأنظمة .

وتجريد اسرائيل من طابعا الصهيوني يقتضي ابطال السياسة الخارجية الصهيونية التي تخدم مصالح الاستعمار . وعلى اسرائيل ان تشترك بنصيب عملي في نضال العرب ضد الاستعمار ومن أجل تحقيق الوحدة العربية الاشتراكية .

ان الاستيطان الصهيوني لفلسطين يختلف بشيء أساسي عن الاستيطان الاستعماري في الأقطار الأخرى : فبينما في الأقطار الأخرى أقام المستوطنون اقتصادهم على أساس استغلال عمل الأهلين المحليين ٬ قام الاستيطان الصهيوني في فلسطين على أساس زحم وطرد الأهلين المحليين .

وهذا الأمر أدى الى تعقيد فذ لقضية فلسطين . فنتيجة للاستيطان الصهيوني نشأت في فلسطين أمة عبرية ذات طابع قومي خاص بها (لغة مشتركة ٬ اقتصاد منفرد ٬ الخ …) وفضلا عن هذا فان هذه الأمة هي ذات بناء طبقي رأسمالي فيها مستغِلون ومستغَلون ٬ برجوازيون وبروليتاريا .

ان القول بان هذه الأمة قد نشأت بشكل مصطنع ٬ وعلى حساب الأهلين العرب المحليين ٬ لا تبدل من واقع ان هذه الأمة العبرية قائما الآن . وتجاهل هذا الواقع يكون خطأ يؤدي الى كارثة .

فحل قضية فلسطين يجب ألا يقتصر على ازالة الظلم الذي لحق بعرب فلسطين ٬ بل يجب كذلك ان يضمن المستقبل القومي لجماهير الشعب العبري . ان هؤلاء الجماهير قد أتت بهم الصهيونية ٬ ولكنهم غير مسؤولين عن أعمال الصهيونية . ومحاولة الاقتصاص من العمال وجماهير الشعب الاسرائيليين ٬ لما ارتكبته الصهيونية من الخطايا ٬ لا يمكن ان تحل قضية فلسطين ٬ وانما هي تؤدي الى كوارث جديدة .

ان أولئك الزعماء العرب القوميين ٬ الذين يدعون الى الجهاد لتحرير فلسطين يتجاهلون انه حتى لو منيت اسرائيل بهزيمة عسكرية ولم تعد قائمة كدولة ٬ فاذ ذاك أيضا ستبقى الأمة العبرية قائمة . واذا لم يوجد حل لقضية قيام هذه الأمة فلن يوجد حل صحيح ٬ ففي تلك الحالة سينشأ وضع من النزاع القومي خطير ومستمر ٬ يؤدي الى سفك الدماء والى الآم لا حد لها ٬ ويكون حجة جديدة للتدخل الاستعماري . وليس من المصادفة ان الزعماء الذين يدعون “حل” كهذا هم غير أهل لحل القضية الكردية .

وفضلا عن ذلك يجب الادراك ان الجماهير الاسرائيلية لن تتحرر من تأثير الصهيونية ٬ ولن تناضل ضدها اذا لم تضع القوى التقدمية العربية أمام هذه الجماهير مستقبلا من حياة مشتركة خالية من كل كبت قومي .

لذلك تعتقد المنظمة الاشتراكية الاسرائيلية ان الحل الصحيح لقضية فلسطين يقتضي الاعتراف بحق تقريق المصير الذاتي للأمة العبرية .

وحق تقرير المصير لا يعني بالضرورة الانفصال ٬ بل على العكس ٬ اننا نعتقد ان دولة صغيرة فقيرة بمواردها الطبيعية مثل اسرائيل ٬ لا تستطيع ان تعيش منفردة ٬ فأمامها أحد أمرين : اما مواصلة الارتباط بالدول الأجنبية ٬ وأما الانضمام الى اتحاد لهذه المنطقة .

وبناء على هذا فان الحل الوحيد الذي يلائم مصالح الجماهير العربية والاسرائيلية على السواء هو انضمام اسرائيل كوحدة في اتحاد اقتصادي وسياسي للشرق الأوسط على أساس اشتراكي .

وفي اطار كهذا تستطيع الأمة العبرية أن تقيم حياة قومية وثقافية خاصة بها دون أن تشكل خطرا على العالم العربي ٬ ودون ان يكون العرب خطرا على كيانها . وقوى لجماهير الاسرائيلية تنضم الى قوى الجماهير العربية في نضال مشترك من أجل التقدم والرخاء .

ولذلك نحن نعتقد ان قضية فلسطين ‒ مثل قضايا الشرق الأوسط المركزية الأخرى انما يمكن ان تحل في اطار وحدة اشتراكية للشرق الأوسط فقط .

ان التحليل النظري والتجربة العملية معا يبينان ان الوحدة العربية لا يمكن ان تقوم وتبقى مستقرة الا اذا كانت ذات طابع اشتراكي .

وعلى هذا يمكن تلخيص الحل الذي نقترحه بالصيغة التالية : تجريد اسرائيل من طابعها الصهيوني وانضمامها الى اتحاد اشتراكي للشرق الأوسط .

ونحن نعتقد انه في هذا الاطار يجب ان تحل قضية مستقبل عرب فلسطين السياسي .

هنالك من يعتقد ان العدل يقضي باقامة كيان سياسي عربي فلسطيني منفرد . وفي رأينا ان هذه المسألة ينبغي ان يفصل فيها عرب فلسطين دون تدخل من الخارج .

ولكننا نرى ان وضع قضية مستقبل عرب فلسطين السياسي منفردة ومنفصلة عن مسألة الوحدة العربية الاشتراكية ٬ هو خطأ كبير . فعرب فلسطين اليوم في طليعة النضال من أجل الوحدة . فاذا ما وضع أمامها هدف منفرد منفصل فقد يؤدي هذا الى الاضرار بقضية لوحدة العربية . كذلك لا يتلاءم قيام دولة عربية صغيرة منفردة مع مصالح الأمة العربية بما فيها الشعب العربي الفلسطيني نفسه .

ولذلك نحن نعتقد انه اذا قرر عرب فلسطين اقامة كيان سياسي لهم ينبغي ان تتم الاجراءات السياسية والاقليمية اللازمة لذلك ٬ ضمن اطار اقامة وحدة اشتراكية للشرق الأوسط . وينبغي ان تسهم في هذه الاجراءات على الأخص تلك الدول التي تسيطر الآن على أقسام من فلسطين ٬ وهي اسرائيل والأردن ومصر .

اننا ندعو القوى الاشتراكية الثورية في الأقطار العربية وفي غيرها من الأقطار الى التمعن في برنامجنا هذا ٬ والشروع في بحث واسع النطاق ابتغاء بلورة موقف مشترك من قضايا الشرق الأوسط .

اللجنة المركزية للمنظمة الاشتراكية الاسرائيلية

15 ايار 1967

 

ثلاثة بيانات – مقدمة

البيان الثاني – بيان إسرائيلي عربي مشترك ، ٣ حزيران ١٩٦٧