نحن ٬ الجبهة الديمقراطية الفلسطينية والمنظمة الاشتراكية الاسرائيلية ٬ قد أصدرنا بيانا المشترك الأول حول الأزمة الأخيرة في الشرق الأوسط في الثالث من حزيران (1967) ٬ قبل الهجوم الاسرائيلي . (وقد ظهر النص الكامل لذلك البيان في جريدة “التايمس” في الثامن من حزيران) . وهناك أوضحنا موقفنا المبدئي الأممي من الوضع الذي كان قائما قبل الحرب ٬ ومن تاريخ القضية ٬ ومن الحرب التي كانت على وشك النشوب . ونحن ٬ هنا ٬ نعود فنقر بياننا الأول ٬ ونلحقه ببيان ثان نبين فيه موقفنا من الوضع الذي نجم عن الحرب .

*

ان الظاهرة السياسية الحاسمة في أيامنا هي نضال الشعوب في القارات غير المصنّعة ‒ آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ‒ من أجل تحررها من سيطرة الدول المصنعة الاستعمارية السياسية والاقتصادية . وكل ظاهرة سياسية أخرى يحكم عليها ٬ قبل كل شيء ٬ من حيث علاقتها بهذا الاصطراع العالمي . ومن هذه الناحية لا شك في ان الحرب الأخيرة في الشرق الأوسط وما نجم عنها من نتائج قد خدمت مصالح الاستعمار في هذه المنطقة وفي العالم كله . فهل في المستطاع فصل نتائج الهجوم الاسرائيلي عن قمع النضال ضد الاستعمار في اندونيسيا ٬ أو عن تدخل الولايات المتحدة في فيتنام ؟ انه يتضح حتى من التصريح الذي أدلى به ديغول مؤخرا أن المستعمرين أنفسهم لا يعتقدون بأن ذلك في الامكان .

*

في الشهر الأخير قبل هذه الحرب أخذت السياسة المقاومة للاستعمار التي تنتهجها الحكومة السورية تصطدم بتزايد مستمر باحتكارات البترول في الشرق الأوسط . وهذا الوضع السياسي قد مكن اسرائيل من شن هجوم جوي على سوريا في السابع من نيسان ٬ وتهديد سوريا بغزوة عسكرية . أما عبد الناصر ٬ الذي يعبر بشكل انتهازي عن مصالح ومشاعر الجماهير العربية المقاومة للاستعمار ٬ فقد وجد نفسه ٬ موضوعيا ٬ في حلف مع نظام الحكم القائم في سوريا . وفضلا عن ذلك فقد خشيت احتكارات البترول الأميركية في العربية السعودية من ان تفوز القوى المناهضة للاستعمار في اليمن وعدن في نضالها فتعرض للخطر تلك المصالح الاحتكارية ٬ فبذلت كل جهد في سبيل تحريش مصر واسرائيل الواحد بالأخرى كي تضعف تأييد عبد الناصر للقوى المناضلة ضد الاستعمار في الجنوب العربي . وقد اضطر عبد الناصر الى اظهار تضامنه مع الحكم القائم في سوريا . ولكن ٬ لكونه قوميا وانتهازيا ٬ فقد عقد تحالفا مع (الملك) حسين ٬ دمية الاستعمار المعروف ٬ وفضلا عن ذلك لجأ الى دعاية عنصرية ضد سكان اسرائيل .

نحن الأمميين نؤيد كل التأييد نضال الجماهير العربية من أجل التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي ضد العدوان الأخير وكل عدوان آخر ٬ غير ان هذا لا يعني اننا نؤيد الزعماء القوميين الذين يزعمون انهم يقودون هذا النضال . ونود ان نذكر أولئك الذين يؤيدون دون انتقاد مثل هؤلاء الزعماء ٬ بأمثلة تشيان كاي شك وأتاتورك وسوكارنو وغيرهم . نحن نعتقد ان النضال من أجل التحرر السياسي والاجتماعي الحقيقي لا يمكن ان يكلل بالفوز الا بقيادة أممية مبدئية .

*

بعد الحرب العالمية الأولى وعد الشريف حسين وولداه فيصل وعبدالله (جد حسين وسلفه على العرش) الجماهير العربية بنيل الاستقلال بخدمة الاستعمار البريطاني . وبين الحربين حاول الحاج أمين الحسيني وفوزي القاوقجي وغيرهما (وفي اثناء الحرب العالمية الثانية حاول رشيد عالي والجنرال عزيز المصري وغيرهما) تحقيق ذلك بخدمة مصالح النازية والفاشية الايطالية (حتى ان بعض الزعماء القوميين اطلقوا على موسوليني لقب “حامي الاسلام”) والآن يطلب منا ان نصدق ان القوميين الناصريين والبعثيين والقوميين اليساريين الذين يسيرون ورائهم ٬ سيسيرون في هذا النضال حتى نهايته ٬ بل يحققون فوق ذلك ثورة اشتراكية . وليس في وسعنا الا ان نتساءل : كيف يتفق هذا مع الحلف “العربي الشامل” الأخير بين عبد الناصر وحسين والشقيري ؟

*

اما بشأن القيادة الصهيونية في اسرائيل فقد أوضحنا في بياننا الأول ان الحلف بين الصهيونية السياسية والاستعمال العثماني والبريطاني ٬ ثم الآن ٬ الأميركي ٬ لم يكن من المصادفات . فالصهيونية السياسية ٬ بحكم تاريخها الاستيطاني ٬ وبحكم سياسة التفرقة والتمييز التي انتهجتها ولا تزال تنتهجها تجاه عرب فلسطين ٬ هي ذات مصلحة حيوية في المحافظة على النفوذ الاستعماري في الشرق الأوسط ٬ وهي جزء لا يتجزأ من نظام القوة الاستعماري . ولقد وقفت الصهيونية السياسية دائما ضد نضال شعب فلسطين من أجل التحرر من السيطرة الأجنبية . وليس اتفاق وايزمان وفيصل (سنة 1921) والاتفاق السري بين بن غوريون وعبدالله (سنة 1949) ٬ واشتراك بن غوريون في العدوان على السويس ٬ والهجوم الأخير ¸الا نقاطا بارزة في تلك السياسة ذاتها التي ٬ في الحالة الأخيرة ‒ بسبب الدعاية العنصرية من اذاعات القاهرة ودمشق وعمان ‒ قد ظهرت بمظهر سياسة دفاع . فبينما هذه الدعاية قد حملت سكان اسرائيل على الاعتقاد بانهم انما يحاربون من أجل بقائهم احياء ٬ رأى قادة اسرائيل الصهيونيين في ذلك فرصة مناسبة لتحقيق حلمهم القديم بالتوسع الاقليمي . فمن أين جاءت سياسة ضم اقاليم جديدة ولا سيما القدس القديمة ؟ أهي سياسة جديدة ٬ أم هي منبثقة عن الهدف الصهيوني ؟

يستطيع المرء ان يلخص هذه الجولة في النضال ضد الاستعمار بالقول : بينما شعب اسرائيل قد سار وراء قيادة غير صحيحة وفي ناحية غير صحيحة من المتراس ٬ فان الشعب العربي قد سار وراء قيادة غير صحيحة في الناحية الصحيحة من المتراس .

*

على الأمميين قي اسرائيل ان يشرحوا دون وهن انه ما دامت هذه الدولة تسير في صف واحد مع الاستعمار فلن يكون سلام ولا علاقات سوية مع العالم العربي . فالجماهير العربية لن تلبث أن تكنس في نهاية الأمر كل حاكم ٬ وكل خط سياسي ‒ عربي أو غير عربي ‒ يؤيد الاستعمار . وفضلا عن ذلك ٬ ما دامت اسرائيل دائبة على سياستها ضد العرب فان كل حديث عن “السلام” ما هو الا نفاق ورياء ٬ وفي أفضل الحالات خداع ذاتي : فلن تكون علاقات سوية مع سياسة التفرقة والتمييز القومي والولاء للاستعمار . ان “سلاما” يملى بالقوة ٬ أو “سلاما أميركيا” مع الحسين لن يكون حلا للنزاع . فالنكسة المؤقتة التي مني بها النضال ضد الاستعمار من جراء هذه الحرب سرعان ما تزول ٬ وسيستأنف النضال أشد عنفا وتحت قيادة أفضل . لن يكون تعايش بين الاستعمار وحركة مقاومة الاستعمار ٬ بل من المشكوك فيه ان تكون ثمة فترة توقف . ان السياسة الصهيونية التي ينتهجها قادة اسرائيل لا تثير مجرد زعيم عربي أو آخر ٬ بل هي تثير الشعب العربي كله في أنحاء العالم العربي بأسره ٬ وهذا النزاع العميق يستحيل التغلب عليه بالانتصارات العسكرية .

*

على الأمميين في العالم العربي ان يشرحوا بلا وهن ان الزعامة القومية لا يمكن الاعتماد عليها بأن تناضل نضالا حازما ضد الاستعمار ٬ فهي دائما عرضة للاغراء بنشدان المهاونة والمهاودة واللجوء الى سياسات انتهازية ٬ من مثل حلف عبد الناصر ‒ حسين . ان هذه الزعامة بلجوئها الى الدعاية العنصرية انما ترتكب جريمة بحق النضال ضد الاستعمار ؛ وباستعارتها للايديولوجيا الاستعمارية في سبيل أهدافها انما تلحق الهزيمة بتلك الأهداف وتدنسها . فدعة الشقيري الى ابادة اليهود كلهم بما فيهم النساء والأطفال ٬ التي اذيعت من راديو القاهرة ٬ ليست مجرد “هفوة طفيفة” يمكن ان تنسى . حتى سوريا ٬ التي يعتبرها بعضهم “أكثر الدول العربية تقدماﺃ” قد تكلمت عن “القضاء على اسرائيل” ٬ ممتنعة عن ان تذكر ماذا سيكون مصير الأهلين اليهود . لن نغتفر في أية حال من الأحوال مثل هذه الجرائم ولن نمتنع ٬ للأسباب تكتيكية ٬ عن استنكارها . والذين يسلكون هذه السبيل انما يؤدون لنضال ضد الاستعمال شر خدمة .

اما فيما يتعلق باسرائيل فان كل محاولة يقوم بها القوميون العرب للقضاء على هذه الدولة بالقوة انما تكتل كل سكان اسرائيل حول القيادة الصهيونية . ان اسرائيل ستتغير من الداخل ٬ على أيدي الأمميين المقاومين للصهيونية من أهليها الذين سينضمون في حينه الى صفوف الأمميين في العالم العربي في نضال مشترك ضد الاستعمار ومن أجل اقامة جمهورية اشتراكية حقيقية في الشرق الأوسط كله .

وحيال الأوضاع التي نجمت عن الهجوم الاسرائيلي نقول :

  1. ان سلاما تمليه اسرائيل ٬ أو “سلاما أميركيا” بين اسرائيل وحسين ٬ علنيا كان أم سريا ٬ أو أشبه هذ من تسويات غربية ٬ لن يحل قضية النزاع بين اسرائيل والدول العربية ٬ وانما يجمده فحسب .
  2. اقامة بانتوستان صهيوني لعرب فلسطين مع الاحتفاظ بسياسة التمييز ضدهم لن يحل قضية فلسطين أكثر مما “يحل” البانتوستان في جنوب أفريقيا القضايا الناجمة عن قيام دولة عنصرية هناك .

أما الحل الصحيح الوحيد فهو :

  1. الغاء كل اجراءات التفرقة والتمييز التي اتخذها الصهيونيون ضد عرب فلسطين (بما في ذلك تحقيق حقهم في العودة الى ديارهم) وتحويل اسرائيل الى دولة عادية سوية لسكانها .
  2. اشتراك اسرائيل غير صهيونية اشتراكا عمليا في نضال الشعب العربي ضد الاستعمار .
  3. تمكين الفلسطينيين من ان يقرروا بأنفسهم مصيرهم السياسي .

ولعلمنا ان الحكام الحاليين لدى الفريقين لا ينوون تحقيق هذه الحلول ٬ فنحن لا نشك في ان النزاع سيستمر .

والى جميع أولئك الذين يهيمون في الأوهام نقول : ان لا حل لقضايا الشعوب السياسية في السياسات التي تستخدم وسائل من التفوق الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي لفريق ما من الناس ضد فريق آخر .

الجبهة الديمقراطية الفلسطينية والمنظمة الاشتراكية الاسرائيلية (متسبين)

3 حزيران 1967

البيان الاول – قضية فلسطين والنزاع الإسرائيلي العربي ، ١٥ أيار ١٩٦٧

البيان الثالث – المنظمة الاشتراكية الإسرائيلية ، ٥ تموز ١٩٦٧