migrant worker - 84[عن الاقتصاد العربي ٬ مجلة شهرية ٬ كانون الأول 1977]

يعتبر التدفق الواسع المتزايد للعمال المهاجرين الى الدول المنتجة للبترول أحد النتائج الاجتماعية الهامة للرخاء البترولي . ويجيء هذا التدفق من الدول العربية ومن بلدان أخرى آسيوية وافريقية فقيرة .

وتتميز الدول العربية بتاريخ طويل فيما يتعلق بعبور العمال من حدود بلد الى حدود بلد آخر وتدفق العمال السودانيين الى مصر والعمال السوريين الى لبنان مثال على هذا . الا ان الدرجة التي تتم بها الهجرة الآن نتيجة ظهور البترول هي ظاهرة جديدة تماما .

نصف القوة العاملة

ويتراوح عدد الهمال الذين اتجهوا للعمل في دول البترول بثلاثة أو أربعة ملايين نسمة . وهو عدد أقل من الخمسة عشر مليون نسمة الذين هاجروا الى أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية اذا ما استخدمنا المقاييس المطلقة ٬ الا ان العلاقة النسبية أعلى بكثير في العالم العربي . فسويسرا على سبيل المثال التي تتمتع بين بلدان أوروبا بأعلى نسبة من المهاجرين ٬ تبلغ نسبة المهاجرين فيها 6\1 سكانها و3\1 قوتها العاملة ٬ بينما تبلغ نسبة المهاجرين في السعودية وليبيا نصف قوتها العاملة على الأقل حتى وان ظل المهاجرين أقلية بالنسبة لمجموع السكان . والأمر يختلف في دول الخليج ‒ الكويت وقطر والامارات ‒ حيث يشكل المهاجرون أغلبية السكان .

وينقسم تدفق المهاجرين هذا الى قسمين : فهنالك أولا الخبرات المدربة التقنية والادارية التي تجيء من أوروبا وأميركا الشمالية واليابان ٬ والتي تذهب الى الدول المنتجة للبترول حيث يوجد احتياج ‒ كالاحتياج الموجود في أي مكان آخر ‒ لهذه الخبرات . ويقدر عدد البريطانيين الذين يعملون في الشرق الأوسط ب 20,000 فرد ٬ بينما يوجد 29,000 أميركي مع عائلاتهم في السعودية وحدها ٬ و25,000 أميركي في ايران . كما يقدر عدد الموظفين الفرنسيين في الجزائر ببضعة عشرات من الاف . والأحوال المادية لهؤلاء الأجانب ممتازة فهم يحصلون على مرتبات أكثر بكثير مما يستطيعون الحصول عليه في بلدانهم ٬ كما انهم عادة يعيشون في ظل ظروف سكنية واجتماعية جيدة .

وعلى الجانب الآخر توجد الأغلبية الفقيرة من العمال غير الفنيين الذين يفدون من بلدان فقيرة نامية ٬ الا ان هؤلاء ٬ على عكس المديرين ٬ لا يذهبون الى الدول المنتجة للبترول ٬ حيث ان بعض تلك الدول الكبيرة نسبيا ما زالت تعاني من فائض في العمال غير الفنيين . فهنالك عدد كبير منهؤلاء العمال في بلدان مثل ايران التي يبلغ تعدادها 34 مليون نسمة ٬ أو العراق الذي يبلغ تعداده 12 مليون نسمة ٬ والجزائر التي يبلغ تعدادها 15 مليون نسمة . الا اننا نجد على الرغم من الرخاء البترولي ان 850,000 من المواطنين الجزائريين يعيشون في الخارج ٬ وفي فرنسا بشكل خاص . كما ان هناك مستوطنات عمالية عراقية وايرانية كبيرة في دول الخليج الصغيرة نسبيا ٬ ولا زالت بعض دول البترول الأخرى خارج منطقة الشرق الأوسط تعاني من مشكلة مشابهة . فمشكلة الحكومات في اندونسيا ونيجيريا وفنزويلا والجزائر وايران تتمثل في ايجاد وظائف لكل القادمين على العمل وليس ايجاد موظفين للوظائف الشاغرة .

وقد ذهبت غالبية المهاجرين الى الدول ذات التعداد الصغير ٬ وعلى المرء هنا التمييز بين الدول ذات المساحات الجغرافية الواسعة والتعداد السكاني الصغير ٬ كالسعودية وليبيا وعُمان ٬ والدول ذات المساحة الصغيرة والتعداد الصغير كالكويت وقطر والبحرين والامارات .

هذا ومن المتوقع ان يقفز تعداد العاملين في السعودية الى 2٬3 مليون عام 1980 ٬ وهذا يعني ان حوالي 700٬000 أجنبي سيفدون الى المنطقة بجانب المليون الموجودين حاليا . وعلى الرغم من عم توافر الاحصاءات الدقيقة يمكن ان نقول ان هناك في السعودية حوالي 350٬000 مهاجر غير يمني (بما في ذلك المصريين الذين يبلغ عددهم 18٬000 والباكستانيين الذين يبلغ عددهم 50٬000) بالاضافة الى ما يتراوح بين نصف مليون ومليون عامل غير فني من اليمن الشمالية . كما ان العديد من المهاجرين الجدد يأتي من آسيا (باكستان والملايو) .

وبينما كان تعداد العمال المهاجرين في ليبيا يقدر عام 1972 ب 80٬000 عامل ٬ وصل هذا العدد الى 330٬000 في عام 1976 . ومن بين هذا العدد نجد ان 85% قد وفدوا من البلاد العربية ٬ وان غالبية ال 85% تلك تفد من مصر . الا ان ليبيا على أية حال تعد الآن خطة لتنويع مصادر العمالة . فهي تتفاوض في هذا الصدد بغية زيادة عدد العمال الأتراك الوافدين الى ليبيا . وتجيء غالبية العمال المهاجرين الى عُمان من الهند وباكستان حيث يعتقد ان 250٬000 عامل (أكثر من نصف القوى العاملة) هاجرت الى عمان بعد التطور السريع الذي بدأ هناك منذ عام 1970 .

ومن البديهي ان معدل الهجرة في دول الخليج الصغيرة أكبر منه في الأماكن الأخرى . هذا ويشكل المهاجر الباكستاني والفلسطيني والعربي الى منطقة الخليج مجموع المهاجرين الى تلك الدول . فالكويت التي يبلغ تعدادها حوالي المليون تواجه موقفا يصل فيه عدد سكانها الأجانب الى 55% من تعداد السكان ٬ وتشكل هذه النسبة حوالي 75% من مجموع القوى العاملة في الكويت . أما قطر فان عدد سكانها الأصليين يبلغ 202٬000 نسمة ٬ ويشكلون 15% من تعداد القوى العاملة . كذلك نجد تعداد المهاجرين في الامارات المتحدة الذي قفز تعدادها من 180٬000 عام 1968 الى 600٬000 عام 1976 ‒ يتجاوز ثلاثة اضعاف سكانها الأصليين ويشكل 90% من القوى العاملة هناك .

الاستثناء : البحرين

والاستثناء الوحيد في هذا المجال هو البحرين التي يبلغ تعدادها 250٬000 نسمة ٬ بينما يبلغ تعداد العاملين المهاجرين 30٬000 نسمة ٬ ويرجع هذا الى ان دخل البترول ليس بالحجم الكبير وفقا لمعدلات الخليج ٬ الأمر الذي أدى الى عدم توفر ذلك التوسع الوظيفي في السنوات الحالية .

والمشكلة الحقيقية التي تواجه البحرين خلال العقد القادم هي ادماج سكانها الأصليين داخل القوى العاملة بالشكل الذي يكفل لهم وظائف تتناسب مع مستوى تعليمهم .

ويحتكر مجال البناء في تلك البلدان النسبة الأعلى من أعمال المهاجرين ٬ فجماعات العمال الأتراك والباكستانيين والكوريين تجيء الى بلدان معينة من خلال عقود بناء تتم وفقا لشروط ثابتة ومحددة .

أما المجال الثاني الذي يجيء بعد البناء فهو مجال الخدمات ويتسم هذا المجال بوجود العمال الفنيين جنبا الى جانب مع العمال غير الفنيين ٬ فالدول المنتجة للبترول تستورد الأطباء والمدرسين والكتبة للوفاء باحتياجاتها . بل ان حتى دولة مثل ايران ٬ التي تتميز بفائض عمالة بشكل عام ‒ تضطر الى استيراد العمال الفنيين لادارة صناعتها . وهكذا يوجد في ايران عشرات الالاف من الكوريين الجنوبيين والفلبينيين والبرتغاليين لسد حاجة هذا المجال .

وقد نشأ عن هذا الوضع العديد من الصعوبات داخل الدول التي تستورد العمالة . فهناك نقص شديد في المساكن خاصة في مناطق السكان ذوي الدخول المنخفضة . كما ان مشكلات الازدحام والنزاع على الماء والمواصلات تتكاثر باستمرار . وأكثر من ذلك حاول بعض المهاجرين دخول تلك الدول بطرق غير قانونية ٬ فهنالك على سبيل المثال مسألة دخول المصريين الى ليبيا ٬ والعراقيين الى الكويت ٬ والباكستانيين الى الامارات . وقد تم طرد الكثير من هؤلاء بطرق قاسية نتيجة لهذا الوضع . وهناك أيضا نزاع دائم على شروط المواطنة في تلك البلدان . وتقدم دول مثل الكويت بجهود مضنية لمنع أولئك الذين جاءوا للعمل ما الاقامة الدائمة والحصول على حق المواطنة .

مشاكل في الدول المصدرة

الا اننا نستطيع أيضا ان نرى أثر مشاكل الهجرة في الدول المصدرة للعمالة ٬ وفي هذا المجال تعتبر اليمن الشمالية أكبر دولة مصدرة للعمالة ٬ حيث ان عدد من ذهبوا للعمل في الخارج ٬ في السعودية بشكل خاص ٬ يتراوح بين ربع ونصف تعداد رجالها القادرين جسمانيا على العمل . وهكذا نجد ان هناك نقصا شديدا في العمالة التي تحتاجها اليمن الشمالية لتطوير نفسها . كما ان تدفق العمال الفنيين والمتعلمين الى الخارج ٬ خلق نقصا شديدا في دول كمصر والسودان وباكستان وهي الدول التي كانت تعاني أساسا نقصا في المدرسين والأطباء . وجاء الرخاء البترولي فزاد الأمور سوءا . وانه لمن العسير الآن العثور في القاهرة أو الخرطوم أو كراتشي على سباك أو كهربائي ٬ نظرا لأن الازدهار في مجال البناء جذب أولئك الناس بعيدا عن تلك البلدان .

أما الدولة الوحيدة التي حاولت تنظيم العمالة على أساس مخطط فهي كوريا الجنوبية التي يتوقع ان يقفز عدد عمالها في الشرق الأوسط من 4٬000 في 1974 الى 240٬000 في عام 1980 في ظل عقود صارمة محدودة المدة . الا ان هناك شك في ان حكومة كوريا الجنوبية ٬ مثلها في ذلك مثل حكومات مصر واليمن الشمالية وباكستان ٬ لا تشجع الهجرة كجزء من مخطط شامل للتنمية ٬ وانما تشجعها كوسيلة من وسائل الحصول على العملة الصعبة التي تحتاجها تلك الحكومات بشدة . ومصير ايرلندا في هذا المجال شاهد على ما يحدث لبلد تصدر نصف سكانها دون ان تأخذ احتياجات أخرى للاستفادة من الفرص التي تتيحها عملية تصدير السكان . فقد ظلت ايرلندا أفقر نسبيا من جيرانها . وعلينا ان ننتظر لنرى ما اذا كانت الدول التي تصدر عمالتها الى الدول العربية الشقيقة المنتجة للبترول ٬ سوف تتمكن من احراز سجل أفضل في هذا المجال .

iqtisad arabi - 84